عرض كتاب الفريضة الغائبة..الأساس الفكرى الأول لتنظيم الجهاد

بقلم عبد المنعم منيب | 31 يناير, 2008

منذ نشأة تنظيم الجهاد في مصر عام 1966م, فإن التنظيم لم يكتب تأصيلا فكريا وفقهيا وعقائديا مفصلا للإستراتيجية التى تبناها التيار و ظل هكذا حتى عام 1980م عندما كتب محمد عبد السلام فرج كتابه الفريضة الغائبة.
كان تيار الجهاد في مصر قبل كتاب محمد عبدالسلام فرج يعتمد في تأصيل أفكاره على الكلام الشفهى الذى يتناقله أعضاء الجهاد بعضهم من بعض مع الإستعانة بأجزاء من كتب فقه و تفسير قرآن و غيرها, مثل فتوى ابن تيمية عن التتار و مثل تفسير ابن كثير لأية "أفحكم الجاهلية يبغون" و كلامه في كتابه البداية و النهاية عن التتار و حكمهم, و كذا تفسير سيد قطب لأيات الحكم و السياسة مثل تفسيره لقوله تعالى "إن الحكم إلا لله".
و كان أعضاء الجهاد يقومون من حين لأخر بتصوير أو طباعة كميات من هذه الأجزاء التى يحتاجونها من كتب ابن تيمية وابن كثير و سيد قطب و غيرهم للاستدلال على أفكارهم ثم يقومون بتوزيعها إلى أن جاء محمد عبد السلام فجمع كل أفكار الجهاد الشفهية وضم إليها كل أقوال العلماء التى يستدل بها الجهاديون و صاغها صياغة متكاملة نسبيا بمقاييس الفكر الجهادى في ذلك الوقت.
و رغم إعدام محمد عبدالسلام 1982م في قضية اغتيال السادات فإن كتابه ظل مؤثرا على تيار الجهاد حتى اليوم فهو منتشر على المواقع الجهادية على شبكة الإنترنت, كما جرى طبعه عدة طبعات ورقية منذ اعدام محمد عبدالسلام و حتى اليوم, و كانت أول طبعة تمت بواسطة محمد عبدالسلام نفسه في صيف1980م قبيل إغتيال السادات مما جعل الكتاب الركيزة الفكرية الأساسية لإغتيال السادات و بالتالى اعتبر دليلا هاما ضد محمد عبدالسلام في قضية اغتيال السادات أفضى للحكم باعدام مؤلف الفريضة الغائبة. 
يقول مقدم إحدى طبعاته (طبعة 1995م) أنه رغم تصحيحه للأخطاء المطبعية التى تضمنتها الطبعات السابقة إلا أنه لم يزد فيه شيئا لأن "الكلمات التي يخطها أصحابها بدمائهم بعد أن سطرها مدادهم أنفذ وأبلغ من أي تعديل أو زيادات .. ففيها الروح التي لا تدب إلا في كلمات مات أصحابها في سبيلها .. وقد سطرها الأخ محمد عبد السلام فرج .. لتكون نبراساً على طريق الحق لكل مسلم يعمل من أجل إعلاء كلمة الله بالجهاد." انتهى.
و كتاب الفريضة الغائبة يبدأ بمقدمة يذكر فيها مؤلفه أن علماء الإسلام فى العصر الحديث تجاهلوا الجهاد في سبيل الله رغم علمهم أنه الطريق الوحيد لإعادة و رفع صرح الإسلام لأن طواغيت الأرض لن تزول إلا بقوة السيف حسب رأيه, و يسوق حديثين نبويين ليدلل بهما على رأيه أحدهما قول النبى صلى الله عليه و أله وسلم " بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم".
و الثانى قوله صلى الله عليه و أله وسلم و هو يخاطب طواغيت مكة وهو بها "استمعوا يا معشر قريش، أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح".
ثم ينتقل المؤلف لمسألة أخرى و هى ما استعار لها عنوان أحد كتب سيد قطب "المستقبل لهذا الدين" و يورد تحت هذا العنوان أحاديثا نبوية تشير لعودة دولة الخلافة الإسلامية الراشدة بعد فساد و هوان يصيب الأمة الإسلامية, و يرى محمد عبدالسلام أن هذه الأحاديث المبشرة لابد أن تبث الأمل في قلوب المسلمين و تدفعهم للعمل من أجل إعادة حكم دولة الخلافة الإسلامية من جديد فضلا عن أن العمل من أجل عودة هذه الدولة هو واجب شرعى حسب رأى محمد عبد السلام, و هنا يرد على من أسماهم باليائسين الذين يستدلون بأحاديث على استمرار سوء أحوال الأمة الإسلامية فيشرح هذه الأحاديث بما يؤيد رأيه الجهادى.
بعد ذلك ينتقل لإثبات فرضية إقامة الدولة الإسلامية و يستدل عليها بأدلة كثيرة منها قوله تعالى "و أن احكم بينهم بما أنزل الله" و قوله تعالى "و من لم يحكم يما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" كما يستدل على هذه المسألة بأيات و أحاديث عديدة.
ثم ينتقل لتوصيف ما أسماه بالدار التى نعيش فيها, و مصطلح الدار ليس من اختراع محمد عبدالسلام لكنه مصطلح فقهى أصيل, لكنه استعار المصطلح بكل أصالته و تعريف العلماء الثقات له خاصة توصيف الإمام أبى حنيفة للحالة التى تتحول بها دار الإسلام لدار كفر, ثم بعد ذلك بدأ يستخدمه ليؤصل من خلاله تكفير حكام العالم الإسلامى الحاليين ووصف نظم حكمهم بالكافرة التى ينطبق عليها حسب رأيه معايير دار الكفر التى حددها علماء الإسلام.
ثم ينطلق من هذه النقطة لنقطة أخرى مرتبطة بها و هى حكم الحاكم الذى يحكم بغير ما أنزل الله, فيرجح كفر من حكم بغير ما أنزل الله ويسوق عددا من الأيات و الأحاديث و أقوال العلماء التى يرى أنها تؤيد رأيه ثم يختم بكلمة لإبن تيمية (الفتاوى: 28/524) تقول: "ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام أو اتباع شريعة غيرشريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب كما قال تعالى "إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقاً وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا".
ثم يورد رأيه في حكام العالم الإسلامى المعاصرين بأنهم مرتدين تربوا على موائد الإستعمار و لا يحملون من الإسلام سوى الأسماء حسب رأيه, و يتوسع في هذه النقطة بذكر كلام العلماء الذى يرى أنه يؤيد رأيه خاصة فتوى ابن تيمية وابن كثير بشأن التتار و يقارن بين كل صفة يذكرها ابن تيمية و ابن كثير للتتار وبين صفات حكام اليوم و يخلص لأنها متطابقة حسب رأيه.
ثم يذكر فروعا لهذه المسألة منها حرمة معاونة حكام اليوم, و منها أن أموالهم تصير غنيمة للمسلمين عند النصر عليهم, و منها وجوب قتالهم, و منها أن قتالهم ليس قتال بغاة أنما قتال كفار, و منها أن من انضم لمعسكرهم من المسلمين فهو تجرى عليه نفس أحكام التتار, ثم ينتقل لحكم من خرج معهم مكرها فيذكر رأى ابن تيمية المشهور بأنه يقتل مثلهم و يبعث على نيته و هى المسألة المشهورة في الفقه السياسى الإسلامى بمسألة التترس, و هذا الكلام هو الأساس الذى تجرى عمليات التفجير التى يقوم بها الجهاديون في مختلف مدن العالم المكتظة بالسكان حتى اليوم.
بعد ذلك ينتقل المؤلف لأحد أهم فصول الكتاب تحت عنوان "أراء و أهواء" فيورد فيها طرق الإصلاح التى تتبناها التيارات الإسلامية غير الجهادية و يرد على كل منها على حدة, فيذكر أراء القائلين بالإصلاح عبر الجمعيات الخيرية الرسمية, و القائلين بأن الحل هو كثرة الذكر والدعاء و القيام بالعبادات و تربية المجتمع على هذا, ثم رأى القائلين بالتغلغل في المناصب و التخصصات الهامة في الدولة عبر الإنتخابات و غيرها, ثم رأى القائلين بالتوسع في الدعوة الإسلامية و تكوين قاعدة عريضة من الإسلاميين, ثم رأى القائلين بالهجرة للصحراء أو الجبال و تكوين مجتمع مسلم منعزل, ثم رأى القائلين بأن الإصلاح الإسلامى يتم عبر الإنشغال بطلب العلم, و هو في ذلك كله يذكر الأراء حسبما يقولها أصحابها بأدلتهم ثم يرد عليها محمد عبدالسلام مرجحا رأيه الخاص بدليله.
ثم يبين أن أمة الإسلام بخلاف الأمم السابقة لابد أن تغير أحوالها بممارسة القتال لا أن تنتظر أن ينزل الله العذاب بأعدائها عبر الزلازل و الخسف و غيرها من السنن الكونية مستدلا بقوله تعالى: "قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين".
ثم يذكر وجوب الخروج على الحكام.
ثم يرد على من يقولون بأولوية تحرير القدس و محاربة الصهاينة فيرجح وجوب قتال العدو القريب لأن حكام العالم الإسلامى في رأيه هم سبب وجود الإستعمار الصهيونى وغيره في بلاد المسلمين.
ثم يرد على من قال أن الجهاد في الإسلام هو للدفاع فقط.
ثم يذكر أن جيوش المسلمين كانت على مر العصور قليلة العدد و العدة لكنها كانت تنتصر بقوة الإيمان.
ثم يرد على من يعطلون الجهاد بدعوى أننا في مجتمع مكى, و يرجح أن القتال الآن فرض عين على كل مسلم و مسلمة, و يذكر أن هناك مراتب للقتال و ليس مراحل.
كما يرد بعد ذلك على من يقولون بعدم إقامة الدولة الإسلامية خشية سقوطها بعد إقامتها بيومين, و يرد على من يقولون بعدم وجود قيادة إسلامية يتوحد خلفها المجاهدون.
ثم يعرض لعدد من مسائل فقه الجهاد كالبيعة على الموت و التحريض على القتال و الدعوة قبل القتال و تبييت الكفار و أساليب القتال و عدم قتل النساء و الأطفال و الرهبان وغيرها من المسائل العادية الموجودة في كتب الفقه و لم يختلف فيها محمد عبدالسلام عن الأقوال السائدة لدى الفقهاء.
ثم يختتم محمد الكتاب بالكلام عن وجوب إخلاص النية لله تعالى في الجهاد مشيرا إلى تساقط غير المخلصين و ضعاف العزائم أثناء طريق الجهاد مستدلا بكلام العديد من العلماء كالشافعى و غيره لكنه يختم بكلام طويل في هذا الصدد لسيد قطب من كتابه في ظلال القرأن.

عبدالمنعم منيب

نشر هذا الموضوع فى جريدة الدستور30 يناير2008 و في المدونة القديمة : 2008-01-31