قصة الوجود « الجهادى » فى القاهرة و شمال سيناء

بقلم عبد المنعم منيب | 31 مايو, 2013

عملية خطف الجنود المصريين فى سيناء التى انتهت مؤخرا أعادت ملف الفكر الجهادى أو فكر تنظيم القاعدة لدائرة الضوء مرة أخرى، ورغم أن السلفية الجهادية بسيناء نفت علاقتها بعملية الخطف، كما أنه لم يثبت بعد صلة هذه الجماعات بهذه العملية فإن هناك إلحاحًا من قبل الرأى العام على مناقشة هذا الملف والتعرف على أبعاده المختلفة.. ومن هنا فمن المهم إعادة قراءة هذا الملف بالقدر المناسب من الدقة والموضوعية.
وكى نفهم سلوك منظمة القاعدة أو المرتبطين بها فكريا لابد من استرجاع دوافع ومبررات نشأة أيدلوجية واستراتيجية القاعدة فى شكلها الحالى.
كانت القاعدة كمنظمة موجودة منذ الثمانينيات من القرن الماضى، ولكن استراتيجيتها كانت مقتصرة على ممارسة الجهاد فى أفغانستان ضد الغزاة السوفيت وأنصارهم من الماركسيين الأفغان، ولكن أسامة بن لادن زعيم القاعدة تبنى فى منتصف التسعينيات استراتيجية جديدة كان أبومصعب السورى قد اقترحها عليه، وتنطلق هذه الاستراتيجية من أن فشل هذه التنظيمات الجهادية المحلية فى الاستحواذ على الحكم فى الأقطار الإسلامية المختلفة، إنما حدث بسبب المساندة الأمريكية لهذه الأنظمة، وبالتالى اختمرت فكرة ضرب الولايات المتحدة إلى أن يحدث لها أحد أمرين، إما أن تتفكك كما تفكك الاتحاد السوفيتى بسبب ضرب المجاهدين لقواته واستنزافه على أرض أفغانستان، وإما أن تشعر إدارة الولايات بعظم تكلفة انخراطها فى مساندة الأنظمة الموالية لها فى العالم الإسلامى، فتتخلى عن دعم هذه الأنظمة، وحينها تتمكن المنظمات الجهادية المحلية من الانقضاض على حكومات دولها وإقامة أنظمة حكم إسلامية قطرية تمهيدا لتوحدها وإقامة دولة الخلافة الإسلامية التى تنشدها القاعدة والعديد من الحركات الإسلامية.
أسامة بن لادن، أعلن نشأة الجبهة الإسلامية لمحاربة الصليبيين واليهود فى صيف 1998 ونفذت هذه الجبهة أولى عملياتها بنسف سفارتى الولايات المتحدة فى كينيا وتنزانيا حينئذ.. عملية تدمير السفارتين ألمحت إلى العلاقة الوثيقة بين منظمة القاعدة التى تزعمت هذه الجبهة وبين تنظيم الجهاد المصرى ليس فقط لدور عناصر الجهاد فى تنفيذ العمليتين، ولكن أيضا لأنهما جاءتا ردا على اعتقال الـ«CIA» فى تيرانا للشيخ أحمد النجار، القيادى المهم بتنظيم الجهاد.. بعض قادة الجهاد كانوا عارضوا قرار أيمن الظواهرى بالانضمام للجبهة التى قادتها القاعدة لكن معظم هؤلاء المعارضين قتلتهم الولايات المتحدة، وبذا خلا الجو للفريق المؤيد للاندماج فى جبهة القاعدة.. كما أن فكر القاعدة واستراتيجياتها أصبحت جاذبة لأغلب العناصر الجهادية المحلية «بما فيها المصريون» لثلاثة أسباب رئيسية:
- مقتل وإعدام القادة الجهاديين الذين كانوا يتبنون هدف إقامة الدولة الإسلامية المحلية أو الوطنية والذين كانوا يهتمون بالتفكير والتنظيم بعيد المدى لتحقيق هذا الهدف فلم يجد كل الوافدين الجدد من يدعوهم لغير فكر القاعدة.
- تعاظم الخبرات الأمنية المحلية فى مواجهة التنظيمات الجهادية، مما زاد من مخاطر الاستمرار فى بناء تنظيمى بعيد المدى مكون من مئات المجموعات السرية يهدف للاستيلاء على الحكم عبر انقلاب عسكرى، بينما يسهل بناء خلية واحدة مكونة من ثلاثة أفراد يفجرون أنفسهم فى إحدى المصالح الأمريكية وينتهى الأمر.. وفقا لاستراتيجية القاعدة فى استنزاف الولايات المتحدة.
- أن الإسلاميين الذين يميلون للعمل المسلح قد يختلف بعضهم مع بعض حول جواز مقاتلة حكام الدول الإسلامية الذين يحكمون بغير الشريعة، لكنهم لا يختلفون على جواز مقاتلة إسرائيل ثم الولايات المتحدة لمساندتها إسرائيل، ومن هنا يسهل توحدهم فكريا على هذا الهدف، بينما يختلفون على الأهداف الأخرى.
ومن هنا، نجد زيادة كبيرة فى نشأة التنظيمات الموالية للقاعدة فى مصر منذ نهايات التسعينيات من القرن الماضى وحتى الآن فى مقابل انحسار أو حتى انعدام نشأة التنظيمات الجهادية التى تعمل وفق هدف داخلى يخص الاستيلاء على الحكم بمصر، فرأينا تفجيرات طابا «2004» وشرم الشيخ «2006» التى استهدفت فى ظاهرها سياحا من إسرائيل بجانب عشرات الخطط التى أحبطت والتى كانت موجهة لمهاجمة مصالح أمريكية أو إسرائيلية فى مصر وفى خارج مصر بأيدى مصريين.. ومن هنا نصل لواقع الموالين للقاعدة فى مصر والذين باتوا- لأسباب أمنية أو للوازم الوجاهة الإعلامية- يطلقون على أنفسهم اليوم اسم «السلفية الجهادية»، وهؤلاء أعدادهم بمصر كلها تتراوح بين 3000 شخص و4000 شخص على أقصى تقدير، والمفاجأة أن ثلاثة أرباعهم موجودن الآن فى شمال سيناء والباقون موزعون على بقية محافظات مصر وذلك لأسباب جغرافية واجتماعية.
نجاح ثورات الربيع العربى فى تونس ومصر واليمن فى إسقاط الحاكم عبر الاحتجاج السلمى سدد ضربة قوية لاستراتيجية القاعدة، وكذلك لأى فكر جهادى يعتمد تغيير نظام الحكم بقوة السلاح من منطلق أن سلاح الجهاديين لم يتمكن من إسقاط أى حاكم عربى طوال تاريخنا الحديث، بينما تمكنت ثورتا مصر وتونس السلميتان من إسقاط حاكم ظالم مدجج بالسلاح، ومن هنا فمن الطبيعى أن ينفض شباب الإسلاميين عن التنظيمات الجهادية وينخرطوا فى حركات الإسلاميين السياسية التى تنافس على الحكم فى دول الربيع العربى، لكن انسداد الأفق السياسى من حين إلى آخر مع تهديد قوى علمانية عديدة بإقصاء الإسلاميين بقوة الملوتوف وغيره من الأسلحة عن العملية السياسية، ومناداة بعضهم بشعارات إرجاع الإسلاميين للسجون وحظر العمل السياسى عليهم، كل هذا بدأ يعيد الاعتبار بدرجة أو أخرى للعناصر الجهادية فى شارع الحركات الإسلامية، حيث كلما انسد الأفق السياسى انتعش التيار الجهادى وارتفعت أصوات الجهاديين، قائلين: ألم نقل لكم إنه لن يسمح لكم بممارسة الديمقراطية لأن الديمقراطية وحرياتها مكفولة للعلمانيين فقط، أما الإسلاميون فلا سبيل لهم سوى الجهاد حسب تعبير هذا التيار.
وعلى كل حال، فالجهاديون المصريون «خارج سيناء» يغلب عليهم أنهم ظاهرة فكرية فيركزون على إعلان أفكارهم للاستفادة من أجواء حرية التعبير الموجودة، كما أنهم يعيشون حالة من الخلط الفكرى بين اتجاه التركيز على الهدف الجهادى المحلى وهو إقامة الدولة الإسلامية المحلية، كما كان يهدف تنظيم الجهاد المصرى، وبين التعاطف مع فكر القاعدة الذى لا يهمه الآن سوى استنزاف الولايات المتحدة عبر حرب دائمة ضدها، ولم تتسرب أى معلومات عن وجود تنظيمى حقيقى لهؤلاء ولا تسليح ولا تدريب عسكرى لهم.
الوضع فى شمال سيناء مختلف كثيرا.. فالجهاديون هناك نشأوا أصلا تابعين فكريا للقاعدة منذ نشأة جماعة التوحيد والجهاد هناك كرد فعل للغزو الأمريكى للعراق 2003، ولكنهم عندما عجزوا عن السفر للجهاد فى العراق أغراهم توفر السلاح والمتفجرات فى بيئتهم السيناوية للعمل داخل سيناء خاصة مع استفزاز الغارات الإسرائيلية المتوالية على غزة لمشاعرهم الجهادية المتأججة، ويذكر فى هذا الصدد أن أحد أبناء هذا التنظيم قال ذات مرة: نحن نسمع بآذاننا القصف الإسرائيلى لقطاع غزة ونراه بأعيننا، ومن هنا انطلقت عملياتهم فى طابا ثم شرم الشيخ ثم هدأوا لفترة ليعاودهم أمل مهاجمة إسرائيل إثر ثورة يناير وسحب الأمن يده عن شمال سيناء، هناك العشرات من الجهاديين يحلمون بتكرار تجربة جنوب لبنان فى شمال سيناء عبر حدود رخوة يمكن للمسلحين التسلل عبرها إلى داخل إسرائيل وتنفيذ العمليات ضدها، ثم الهروب إلى داخل سيناء مرة أخرى، ضغط الإسلاميين الفكرى والاجتماعى عليهم يمنعهم من محاولة استهداف يهود فى سيناء لعدم إحراج الرئيس الإخوانى، فضلا عن عزوف اليهود وغيرهم عن التجول فى هذه الأماكن فى ظل الغياب الأمنى الحالى، لكن حلم حياة جهاديى سيناء الآن هو زوال الموانع الحدودية ليندفعوا كما يشاؤون ليشتبكوا مع إسرائيل غير عابئين بعواقب ذلك على مصر كلها. لكن هل هذا يفسر ما جرى ويجرى فى سيناء الآن؟ بالطبع لا.. فهناك عوامل عديدة أخرى تتداخل وتتفاعل مع الوجود الجهادى.. وهذه قصة أخرى.

ـــــــــــــــــــــــــــ
تم نشر هذا الموضوع في جريدة اليوم السابع الورقية و موقعها على الويب اليوم و في مدونتي السابقة في اواخر مايو 2013.