مرت علاقتي أو لنقل بتعبير أدق "مر موقفي من جماعة الاخوان المسلمون بمصر" بعدة مراحل بحسب مستوى ادراكي و تعرفي عليها و على منهجها و بحسب تطوري الفكري على المستوى الشخصي أيضا.
ففي البداية دخلت كتابات الاخوان المسلمون ضمن مكوناتي الثقافية لأن الصحافة الاسلامية التي كانت موجودة انتمت كلها لمدرسة الاخوان المسلمون (المختار الاسلامي – الاعتصام – الدعوة) الى جانب السطوة الواسعة لدور النشر الاخوانية و للكتب الاخوانية التي تناولت الشأن العام و شئون الساعة السياسية و الاجتماعية و من هنا اصطبغت أفكاري بصبغة اخوانية في بعض جوانبها دون أن أشعر (و كان ذلك أغلبه في عصر الأستاذ عمر التلمساني المرشد العام للاخوان منذ السبعينات و حتى منتصف الثمانينات تقريبا) لكن في ذات الوقت كان لدي موقف حاد من الاخوان المسلمون كجماعة بسبب تأثري بالمحيط الذي نشأت به (الجيزة) و هو محيط السلفية المدرسية (جماعة الدعوة السلفية و حزب النور حاليا) المناهض للاخوان من ناحية موقف الاخوان من المنهج السلفي و اعتبارهم أن الاخوان لديهم ميوعة و تساهل في العديد من الأمور الفقهية هذا بجانب تأثري بالوجود القوي للتيار الجهادي في نفس المحيط الذي نشأت به (الجيزة) حيث يوجه الانتقادات الى الاخوان المسلمون باعتبار أن منهجهم السياسي يتسم بالميوعة و التساهل ... و باختلاط هذه الثلاثة و تفاعلها في عقلي تشكل موقفى من جماعة الاخوان المسلمون في المرحلة الأولى من حياتي .
في مرحلة ثانية تطورت معارفي و صار لي شخصيتي الخاصة في تكوين الرأي الفقهي و السياسي و بدأت أنظر للأمور بطريقة أكثر انفتاحا و أكثر شمولا و أكثر واقعية و أعمق فكرا .. و في هذه المرحلة ظل لدي انتقادات للاخوان المسلمون لكنها صارت أكثر اعتدالا و انصافا و أكثر تفصيلا و عمقا و رغم هذا صرت اكثر تفهما لمنهجهم و مواقفهم لدرجة أني صرت افهم مواقفهم كفهمهم هم لها و أعرف مبرراتها جيدا دون معلومات مسبقة عنها سواء اتفقت معهم فيها أو خالفتهم عليها.. و في هذه المرحلة كتبت عدة تحليلات عنهم خاصة في الفترة من 2008 و حتى قبيل ثورة 25 يناير 2011 .
و كان انتقادي الرئيس لهم في هذه المرحلة هو حذرهم الزائد الذي يمنعهم من تفجير ثورة شعبية تلك الثورة التي انفجرت تلقائيا بعد ذلك في 25 يناير 2011 , و وقتها كنت على يقين من أنه لو أطلقها الاخوان لنجحوا و لانضم لهم كل الشرفاء من معارضي مبارك, لذلك فإنني أعجبت بمشاركة الاخوان في ثورة يناير و اعتبرته تطورا عملاقا في الفكر السياسي لجماعة الاخوان المسلمون لأنه قرار غير مسبوق في تاريخهم و في منهجهم السياسي و هم كانوا قبل ثورة يناير لا يخرجون أبدا في سلوكهم السياسي عن تراثهم السياسي فأي شئ يعملونه كان مقيسا دائما على اجتهادات و مواقف الامام البنا رحمه الله.
و من هنا بدأت أتعاطف معهم أكثر و أقترب منهم أكثر من الناحية النفسية و أحيانا الفكرية حتى ظن بعض من حولي أنني منضم لجماعة الاخوان المسلمين , و لكن بدأت انتقاداتي لأدائهم السياسي تتصاعد بالتدريج بدءا من موقفهم الرسمي السلبي من القوى الثورية ابان قمع المجلس العسكري لهذه القوى و مرورا بأدائهم السئ (من وجهة نظري طبعا) في التحالف الديمقراطي الذي خاضوا به انتخابات مجلس الشعب كما كنت أعارض ترشيحهم شخصا منهم للرئاسة و كنت أميل لالتفاف جميع الاسلاميين حول أبو الفتوح و ناقشت فضيلة الشيخ عبد المجيد الشاذلي رحمه الله في ذلك لكنه قال وقتها أن العسكر قوة منظمة و ستعوق أي رئيس قادم و تتصدى له و لن يقدر على مواجهتها سوى الاخوان لأنهم أكثر الحركات الاسلامية تنظيما و عددا.
و بعد نجاح مرسي و بمرور الوقت بدأت انتقد أداءه في السياستين الداخلية و الخارجية و في الاقتصاد و بلغ بي الضيق من أداءه في هذه الملفات أنني لم أعد قادرا (وقتها) على الكتابة المتوسطة فضلا عن المطولة و اكتفيت ببث قدر غير قليل من هذه الانتقادات في بوستات قصيرة على الفيس بوك و تويتر.. و لقيت في سبيل ذلك مواقف سلبية من قراء صفحتي و شتمني البعض و لم أمح شتمهم لي حتى الآن.. و في نفس الوقت و في جلسات خاصة مع قيادات اسلامية اخوانية و غير اخوانية واصلت الانتقاد و التحذير من عواقب هذا الأداء و لكن أغلب من استمع لي كان يعارض رأي و يدافع عن الدكتور مرسي (فرج الله كربه) و الاخوان بثقة عجيبة و قلة ممن سمع مني وافقني و قلة أخرى ممن استمع مني لم يكتف بابداءه مخالفته لي في الرأي بل عبروا عن غضبهم مني و سخطهم على بحدة و قطيعة في بعض الوقت.
و الآن بعد أن تحققت توقعاتي السياسية و الاجتماعية السلبية التي حذرت منها بشأن الاسلاميين في مصر بشكل عام و بشأن الاخوان المسلمون بشكل خاص بدقة (للأسف طبعا) فإن نفسي تنازعني أن أكتب تقييما و تحليلا بشأن الأداء السياسي و التنظيمي للاخوان المسلمين في مصر لئلا يكرر أحد هذه الأخطاء لكن يمنعني أن الاخوان المسلمون يتعرضون الآن لحرب ظالمة جميع أهدافها غير شريفة و أنا يستحيل أن أسمح باستخدامي كسكين لذبح اخواني في الله ظلما و لأهداف غير شريفة و لكن في نفس الوقت يتحتم أن أنبه على أمرين مهمين جدا بشأن جماعة الاخوان المسلمون (فرج الله كربهم و أزال عنهم البلاء و الغمة) :
الأول- أن اخطائهم السياسية و التنظيمية التي أوصلت مصر للمشهد الحالي مازالت تتكرر و هي أخطاء يعتبر بعضها أخطاء أساسية و منهجية أي أنها غير عابرة و لا تأتي بالمصادفة بل لها جذور و قواعد مقبولة عندهم تجعلها تتكرر في غالبية القرارت السياسية و التنظيمية... و هذا أمر يؤثر سلبيا جدا على إدارتهم للصراع الحالي و من ثم يتحكم في النتائج التي سيسفر عنها هذا الصراع لأنهم قادة الطرف المعارض لمعسكر السيسي في هذا الصراع حتى الآن.
الثاني- أن أبرز خطأ لهم و هو الثقة الزائدة بالنفس و بامكاناتهم و قدراتهم الذاتية و الذي يعتبره كثير من خصومهم غرور مازال مسيطر علي أغلب قادتهم ممن هم خارج مصر و ممن هم في السجون و هذا ينذر فيما ينذر الى أنه عندما ينهزم الانقلاب في مصر أو ينسحب فإن الاخوان قد يعارضون عملية النقد و التقييم التي قد تصدر من أمثالي من الاسلاميين المستقلين من غير الاخوان و قد يرفعون حجة أن هذا ليس وقته و لابد من ترميم آثار الانقلاب و بالتالي يصير اسلاميو مصر عرضة لتكرار نفس الأخطاء بنفس القيادة الاخوانية التي تسببت في ثورة 30 سونيا.
و على كل حال فالحل الوسط لي هو الكتابة في الوعي السياسي و الاقتصادي الاسلامي في المطلق دون التركيز التفصيلي على أداء هذه الجماعة أو تلك لكي لا يستغل الظالمون انتقاداتنا للهدم رغم أننا لا نبغي منها سوى البناء و التجديد و التطوير ... و لكن حتما قد نمس موقفا ما لهذه الجماعة أو تلك بهدف أن يكون الكلام مفيدا و مفهوما و يمكن تطبيقه عمليا في الواقع المصري لكننا سنعمل جاهدين على تقليل هذا المس قدر الامكان.
على الهامش
من المهم أن أشير الى أنني عندما أكتب تحليلا عن أي موقف أو جهة فإنني بفضل الله و توفيقه أعتمد على معلومات موثوقة و شاملة و متكاملة قدر الامكان و لا اكتب بناء على معلومة واحدة أو معلومات ناقصة أو الاشاعات التي تملأ فضاءنا الاعلامي بكل أنواعه.