أصحاب التفكير الظاهري يمتنعون .. فأنا شافعي حنفي

بقلم عبد المنعم منيب | 21 مايو, 2015
صورة أرشيفية للمسلمين في عرفة
صورة أرشيفية للمسلمين في عرفة

 

أرجو من الأخوة الذين يفكرون وفق المنهج الظاهري ألا يتعبوا أنفسهم بمتابعة ما أكتبه لأنهم لن يعجبهم كلامي و لن يدركوا مراميه لأنني لا أتبع المنهج الظاهري في التفكير الفقهي،  و من التفكير الفقهي التفكير السياسي و الاستراتيجي (أقصد الإستراتيجية الشاملة لا الإستراتيجية العسكرية) فهذان العلمان في الواقع هما نوع من التفريع  في  فقه السياسة الشرعية التي هي جزء من الفقه الإسلامي بمدارسه و مناهج بحثه المعروفة .. و أنا أسير على هذا المنحى ليس فقط لأن التفكير الظاهري لا يصلح كمنهج تفكير في السياسة و الإستراتيجية و لكن أيضا لإيماني بأن المذهب الظاهري هو مذهب غير صحيح و غير ملتزم بالهدي النبوي و لذلك يعتبر أكثر علماء السلف أن المذهب الظاهري لا يعتد باتفاقه و خلافه عند حساب الإجماع.

المذهب الظاهري انتشر في عصرنا هذا بين أبناء الصحوة الإسلامية دون أن يشعروا و قصم ظهر الصحوة في أداءها السياسي و الإستراتيجي و يرجع انتشاره لسببين:

الأول- أن الشيخ الألباني (و هو من هو انجازا في علم الحديث النبوي) أحياه و دعا للعديد من مفاهيمه في كتاباته مسميا له باسم آخر و هو إتباع الدليل ، و هذا الإتباع هو أمر مغري لكن من يقرأ دعاوى الإمام الألباني في كتبه ثم يقارنها بدعاوى الإمام ابن حزم رحمه الله في كتابيه المحلى و الإحكام في أصول الأحكام سيجدها دعاوى واحدة و بأسلوب واحد و هو استثارة عاطفة القارئ من حيث حبه للنبي صلى الله عليه و آله و سلم و إتباعه من أجل توجيهه لتبني الرأي الفقهي الذي يرجحه ابن حزم (أو الألباني) بمنهجه الظاهري الذي يخالف منهج أئمة الفقه من السلف.. هذا رغم أن أئمة الفقه من السلف الصالح (دع عنك متأخري أهل المذاهب) ما طلبوا العلم و لا نشروه إلا من أجل إتباع النبي صلى الله عليه و آله و سلم ، كما أنهم يأخذون بظاهر الدليل مادام الدليل يقتضي ذلك و لا يعدلون عن ظاهر الدليل إلا بدليل صحيح قوي يقتضي ذلك فهم أتبع للدليل من ابن حزم رحمه الله (بحسب تعبير الإمام محمد الأمين الشنقيطي في نهايات مذكرة أصول الفقه الشارحة لروضة الناظر).

الثاني- أن هذا المنهج الظاهري سهل المأخذ فأي مبتدئ يمكنه أن يفتي بظاهر آية أو حديث أو حتى ظاهر حكم شرعي تضمنه فرع فقهي موجود بأحد كتب الفقه ، لكن أن يجتهد وفقا لمعايير الاجتهاد الفقهي ليفتي فهذا أمر يصعب عليه الوصول إليه .

فهو حتى لو كان سيفتي بتنزيل فرع (قول لأحد العلماء في حكم فقهي) موجود بكتب الفقه على الواقع وفقا للمعايير العلمية المعروفة في هذا المجال فهذا صعب عليه بينما القول بالظاهر أسهل عليه و لا يحتاج طول دراسة و لا عناء تفكير و من هنا ينكر هذا الشخص كل المقتضيات التي تمنع القول بالظاهر في بعض النصوص و الأحكام .

 إن دراسة الفقه و مناهج بحثه أمر صعب لا يدركه غير المتفقهين و من ثم فبعض المبتدئين متعجلون لإطلاق الأحكام قبل الوصول لدرجة الفقه الكافية و المؤهلة لأن يصيروا ممن يستنبطون فرعا (حكما شرعيا) أو حتى ينزلون فرعا (موجودا في أحد كتب الفقه) على الواقع و هذا التعجل يدفعهم لاستسهال الآخذ بالظاهر دون تعمق في طبيعة الحكم من حيث الأوصاف الملغية و الأخرى المعتبرة أو إدراك الأقرب و الأوفق لمقاصد الشريعة و مراميها العامة و المصالح التي اعتبرتها و المصالح التي ألغتها و حقيقة الضروريات المعتبرة و الملغية في الشريعة .. إلى آخر هذه المعايير المعروفة في علوم أصول الفقه و قواعده و فروعه.

الرغبة في التصدر ، أو التسرع في إصدار الرأي السياسي و الإستراتيجي (الذي هو في حقيقته فقهي) ، أو التعصب لاجتهاد إمام حركة إسلامية معاصرة ربما لو عاش صاحبه لغيره أو ربما مازال صاحبه حيا لكنه صار يتميز بجمود في التفكير فلا يقبل أن يطور نفسه مع تطور الأحداث ، أو التحزب لحركة إسلامية ما تجمد فكرها السياسي و الاستراتيجي و تكلس ، أو التعجل في أن يصير المرء موجها سياسيا أو فكريا قبل أن يستكمل أدواته العلمية و خبراته العملية بالواقع ، كل هذه أسباب يدفع كل منها البعض لتبني أراء ظاهرية في السياسة و الإستراتيجية (و هما من فروع الفقه لمن كان ملتزما بحاكمية الشريعة الإسلامية) حتى دون أن يشعر أنه بهذا يفكر بأسلوب المذهب الظاهري لابن حزم و الألباني.

و من هنا فأحببت أن أنبه إخواني و أخواتي القراء لماهية منطلقي في الكتابة كي تتضح لهم صورة ما أكتبه جيدا ، فأنا في أصول الفقه أميل لمنهج إمام الدنيا الإمام الشافعي رحمه الله و في الفروع الفقهية أختار مرتكزا على الدليل وفقا لهذا المنهج الأصولي و من هنا أختار كثيرا من اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية (الذي بدأ حنبليا) لأنه متأخر فاطلع على صحيح الأدلة التي تجمعت في العصور المتأخرة .. و مع هذا أشعر بأن بعض فروع الفقه (خاصة في السياسة الشرعية) عند أبي حنيفة مفيدة جدا لنا لأن الفقه ينتج من تفاعل المجتهد مع طبيعة و متغيرات عصره و كان أبو حنيفة يعيش في مجتمع العراق الذي كان فيه تطورات و متغيرات لم توجد في عصر الرسالة و لا عصر الخلفاء الراشدين كما لم توجد في نفس العصر داخل مجتمع الجزيرة العربية و بالتالي فمدرسة أبو حنيفة الفقهية تقدم لنا (خاصة في مجال المعاملات و السياسة الشرعية) فروعا فقهية (=فتاوى و أحكام) تتصدى لقضايا قد لا نجدها في بدايات فقه إمام المدينة ، و انطلاقا من ذلك كله تأتي طريقة تفكيري و كتاباتي ، و من هنا أيضا أنصح أصحاب المنهج أو الطريقة الظاهرية في التفكير بألا يتابعوا ما أكتبه.

إلى هنا فكلامي قد يكون نظريا و معقدا أو بالتعبير المصري الدارج (مكلكع) و لكن للتوضيح أريد أن أنبه أن أشخاصا قد يستدلون بقول للإمام الشافعي أو أبو حنيفة أو شيخ الإسلام ابن تيمية لكن بتفكير ظاهري فالظاهرية من وجهة نظري هي منهج تفكير أكثر منها مسمى على مذهب داود الظاهري أو ابن حزم فكل من يفتي في الواقع السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي و الإستراتيجي دون مراعاة التفريق بين الأوصاف المعتبرة و الملغية فقها و دون مراعاة الأقرب و الأوفق لمقاصد الشريعة و مراميها العامة و المصالح التي اعتبرتها و المصالح التي ألغتها و حقيقة الضروريات المعتبرة و الملغية في الشريعة و نحو هذا فهو ممن يفكر بمنهج ظاهري غير سديد و غير صحيح حتى لو اجتر أقوالا لأحمد بن حنبل أو الشافعي أو مالك أو غيرهم ليستدل بها لأننا لا ننتقد ما اجتره من أقوال هؤلاء النجوم الأفاضل و انما ننتقد و نطعن في منهجه في الاستدلال و في التنزيل على الواقع فضلا عن أن مدى سلامة إدراكه لحقيقة و منطق الواقع يحتاج بحث و تقييم آخر.

هامش مهم:

تأتي عظمة الإمام الشافعي من أمور كثيرة و لكن من أبرز المعالم التي تشير لعظمته أنه تتلمذ على إمام أهل السنة و دار الهجرة مالك ثم تتلمذ على إمام الرأي في العراق (تلميذ أبو حنيفة) الإمام محمد بن الحسن الشيباني ثم أسس بناء على جمعه بين النقل (كما عند مالك) و الرأي (كما عند أبي حنيفة) للعديد من مناهج البحث في العلوم الشرعية فكان هو أول من قعد لها و كتبها بشكل متكامل و منها علم أصول الفقه و علم الناسخ و المنسوخ في الحديث و علم تأويل مختلف الحديث و غيرها كثير ثم جاء علماء كافة المذاهب من بعده ليكملوا ما بدأه و يطوروا فيه.