هل خلافات المسلمين لا تحسم إلا بالقتال وسفك الدماء ؟؟

بقلم عبد المنعم منيب | 26 يناير, 2017
الحرب فى سوريا
الحرب فى سوريا

تثير أحداث اقتتال عدد من الفصائل والحركات الإسلامية فى سوريا هذه الأيام مسألة غاية فى الأهمية وهى: كيف يدير المسلمون بعامة والحركات الاسلامية بخاصة خلافاتهم؟؟
لأن ظاهرة الاقتتال الإسلامى/الإسلامى هذه تكررت وبشكل خطير فى العصر الحديث، فاقتتلت فصائل مسماة بالإسلامية فى أفغانستان بعدما انتصروا على الاحتلال الروسى وتحولت أفراح النصر إلى بحور من دماء الشعب الأفغانى، وعاشت أفغانستان حالة من الفتن المسلحة وسفك الدماء لعدة سنوات إلى أن تشكلت حركة طالبان وقهرت جميع الأطراف وحكمت أفغانستان كدولة واحدة (تقريبا) لكن لم تعترف بها أى دولة فى العالم سوى باكستان والسعودية، إلى أن داهمها الغزو الأمريكى بنهاية عام 2001 فقضى عليها ونصب نظاما عميلا له هناك.
واقتتل الإسلاميون المختلفون أيضا فى الصومال حيث جرت بحور من دم بين "المحاكم الاسلامية" التى حكمت الصومال لفترة وبين حركة "الشباب المجاهدين".
وتكرر ويتكرر مشهد صراعات الإسلاميين فى كل مكان بالعالم بأشكال شتى فحين يكون هناك سلاح يستخدم السلاح وعندما لا يكون هناك سلاح فهناك أساليب لا تقل فى فداحة ضررها عن السلاح مثل التشهير وإطلاق التهم الباطلة ومثل إبلاغ أجهزة معادية بأن الشخص أو الجهة هذه أو تلك هى إرهابية أو متطرفة ومثل الصمت عن ذبح فصيل إسلامى ما بدعوى أنه إرهابى أو متطرف وفى كثير من الأحيان جرى الإعلان عن تأييد هذا الذبح وفى بعض الأحيان جرت المشاركة فى الذبح ووصل الأمر فى حالات أخرى لمشاركة جهات لا خلاف فى عدم إسلامها وعدواتها للاسلام وللأمة الإسلامية (مثل أمريكا والناتو) فى غزو دول إسلامية كأفغانستان والعراق وغيرها أو إطلاق الفتاوى بوجوب أو جواز مشاركتها فى العدوان على المسلمين.
فهل معنى هذا أن حل الاقتتال الإسلامى/الإسلامى هو أن يفوز فصيل على الجميع ويقهرهم ويمنع اقتتالهم؟؟ 
وبتعبير أكثر تجريدا وتعميما: هل خلافات المسلمين وبالأخص الحركات الاسلامية لا تحسم إلا بالقتال ولا ينتهى اقتتالهم وسفكهم للدماء إلا بإنتصار أحد الفصائل وهيمنتها على الباقين بقوة السلاح؟؟   
لا نجد بالدراسات المنشورة (فى حد علمى) دراسة علمية موضوعية محايدة لهذه الظاهرة وتصور علمى شرعى لسبل حل هذه الأزمة، وكل الذى نجده (فى حدود ما اطلعت عليه) دراسات وكتابات تعميمية عن أدب الخلاف وفقه الخلاف والحوار والتعدد والتنوع الفقهى ونحو ذلك، وهذا سببه أمران:
الأول-اعتلاء أشخاص لايهتمون بالعلم ولا الموضوعية لمناصب القيادة والتأثير والتوجيه فى الحركات الاسلامية بالعالم كله، فهم إما ممن لايعلمون أو أنهم ممن يعلمون علما غطى على نوره التعصب الحزبى والمذهبى فذهب بفائدته وثمرته فصاروا مثلهم مثل من لا يعلمون فى قراراتهم وسلوكهم، وبالتالى فكلا النوعين لا يهتمون بدراسة هذه "الظاهرة/الأزمة" علميا وإيجاد الحلول العلمية والموضوعية لها.
الثانى-تصميم جميع مفكرى وعلماء وكتاب وقادة كافة الحركات الإسلامية القائمة (أو أغلبها) على أن لايروا إلا أنفسهم فهم يعتبرون أن أى جماعة أو شخص من خارج جماعتهم لا يمثل عملا إسلاميا ولا يفيد الأمة الإسلامية ويعتبرون مسلكه خاطئ ويعطل انتصار العمل الإسلامى (ويقصدون بالعمل الإسلامى ما تقوم به جماعتهم فقط) ويعتبرون أن أى عمل يقوم به من سواهم يجر الويلات والانتكاسات على الأمة الإسلامية حتى لو كان هذا العمل هو نفس عملهم إلا أنه لا يرفع رايتهم، ومن هنا فكل فريق لايعترف بأى فريق إسلامى آخر، ولذا كل منهم يرى أنه لا حل إلا بإزاحة الآخرين من الوجود لأنه يرى أنه لامبرر لوجودهم بل ويرى أن وجودهم يعطله.
ومن هنا فالحل يحتاج أن يقوم الباحثون المستقلون عن الجماعات والأحزاب ممن تجردوا من التعصب الحزبى والفكرى بدراسة الظاهرة علميا موضوعيا فى إطار السياسة والاستراتيجية الشرعية، وأن يروجوا هذه الدراسات التى تحمل حلولا عملية بين شباب المسلمين ليخلقوا رأيا عاما ضاغطا على هذه الجماعات المتحزبة المتعصبة.
كما ينبغى أن يسعى الكتاب والناشطون وأصحاب المنابر بجانب الباحثين والعلماء إلى ترسيخ فكرة أن واقع العمل الإسلامى والحركات الإسلامية هو واقع متعدد ومتنوع وأن هذا التعدد والتنوع هو من قبيل المذاهب الفقهية التى يعذر فيها بالتأويل والتى ينبغى التعايش معها فهى لا حل لها لا فكرى ولا فقهى ولا عسكرى، فجميع أراء العلماء الموجودة حتى الآن بكتب الفقه الموسوعية منذ عهد الصحابة والتابعين وحتى يومنا هذا مازالت موجودة وظلت موجودة وتجد من يتبناها ويدرسها ويعمل بها عبر جميع العصور الإسلامية ولم يتمكن بحث فقهى أو فكرى مهما بلغ من قوة أن يزيل رأيا مخالفا له من منظومة الفقه الإسلامى فطبيعة الحياة وطبيعة الإسلام تقبل وتتعايش مع التعدد والتنوع وهكذا ازدهرت حضارة المسلمين وسادوا الدنيا لقرون كثيرة متتالية.
وكى نكون صرحاء فنحن نحدد هنا بكل وضوح أن مذاهب العمل الإسلامى الآن هى من قبيل الاجتهاد فى السياسة الشرعية التى هى فرع من علم الفقه، وهذه المذاهب الآن تبلورت كالتالى:
-مذهب الفريق الأكبر من الإخوان المسلمين ومن نحا نحوهم فى كل أرجاء العالم ممن يرون أنه لاسبيل لوجود إسلامى إلا بالتعايش مع النظم القائمة بما فيها النظام الدولى الذى تهيمن عليه الآن الولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبى وما تفرع عنه من نظم إقليمية وحكام لدول العالم، ويرون أنه لايجوز مناوئة هذا النظام ولا حمل السلاح ضده.
-مذهب شبكة القاعدة وفروعها المختلفة والتيار العام من "الجهاديين العالميين" الذين يرون أن هذا النظام الدولى هو نظام معادى ومحارب للاسلام والمسلمين ولا سبيل لنهضة الأمة إلا بتحطيمه عبر الدخول فى حرب دائمة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والناتو حتى ولو لم تمتلك إمكانات وموارد ذات بال اقتصادية أو تسليحية أو سياسية.
-مذهب الإسلاميين القُطريين (ومنهم انبثقوا عن الإخوان ومنهم جهاديون) الذين رأوا أنهم لو ساروا على نهج المذهب الأول (مذهب الإخوان) فلن يقيموا دولة أو لن يحققوا أى من أهدافهم لأن النظام الدولى لن يسمح لهم بذلك، وأنهم لو سلكوا مسلك مذهب القاعدة فإن النظام الدولى والإقليمى سيسحقهم لضعفهم وقلة مواردهم ومن هنا تولد مذهبهم القائم على إقامة دولة إسلامية قُطرية ليس لها أهداف أو شعارات دولية ولا حتى إقليمية معلنة فهم يعلنون أن هدفهم هو إصلاح واقعهم القُطرى على النهج الإسلامى وفقط وذلك هروبا من الدخول فى صدام مع قوى دولية او إقليمية، ومثال ذلك الاتجاه متمثل فى حركة حماس فى غزة وأحرار الشام بسوريا وحركة طالبان أفغانستان منذ نشأتها وحتى الآن بما فى ذلك فترة حكمها لأفغانستان كدولة حتى بداية الغزو الأمريكى عام 2001، وهناك قُوى إسلامية مشابهة عدة فى أماكن أخرى، وهم يرون أنهم وإن كان النظام الدولى والنظم الإقليمية لم يتغاضوا عنهم وعارضوهم معارضات شتى إلا أن هذه المعارضات هى أقل من معارضتهم لشبكة القاعدة ويعتبرون أن هذا يثبت صحة مذهبهم القُطرى هذا.
-مذهب الاسلاميين الدعويين وهؤلاء يرون أن الانغماس فى أى عمل سياسى سيجر عليهم متاعب تعرقل عملهم الدعوى (وهو عمل دعوى وخيرى وعلمى ونحوه) كما أنه سيجبرهم على تبنى إما تملق النظام الدولى والإقليمي والمحلى وهو ما قد يتحرجون منه شرعا، وإما معارضة هذه النظم وهو ما سيؤدى لنهايتهم بحسب رأيهم فالأسلم لهم (بحسب مذهبهم هذا) هو البعد عن السياسة والانشغال بالعمل الدعوى، وهؤلاء مثل جماعات التبليغ والدعوة وجمعيات إسلامية كثيرة بكافة أنحاء العالم لها أسماء شتى مثل أنصار السنة المحمدية بمصر والسودان والجمعية الشرعية بمصر وغير ذلك.
وكل مذهب من هذه الأربعة له تفريعات شتى.
ولكن بداية الحل هو أن نعترف أن كل مذهب من هذه المذاهب هو مذهب إسلامى نشأ وسيستمر موجودا بالواقع بشكل أو بآخر سواء قلنا بصحته أو جزمنا بخطأه، وأنه لا مناص من التعامل معه تعاملا يحقق مصالح الأمة الإسلامية ودين الإسلام ولا سبيل لتصفيته وجوديا وإزالته نهائيا من الواقع، لأن هذا الاعتراف والتعامل بالتعايش وبشكل من أشكال التعاون هو السبيل الذى سار عليه المسلمون فى أزمنة عزهم ومجدهم وهذا هو الواقع الذى لن يتغير حتى لو خبطنا رأسنا فى الصخر، وخبط الرأس فى الصخر هو والاقتتال  بالسلاح بين المسلمين وبعضهم البعض سيان. 
وصدق الشاعر:
كَنَاطِحٍ صَخرَةً يَوْماً ليوهنها.... فَلَمْ يَضِرْها وَأوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ