بعد حرق حلب.. إلى أى مدى يمكن أن يعتمد المسلمون على النظام الدولى؟؟

بقلم عبد المنعم منيب | 29 سبتمبر, 2016
حلب تحتق القصف
حلب تحتق القصف

يثير حرق حلب وقبلها إدلب وكافة سوريا وقبلهم فلسطين وأفغناستان والعراق، سؤالا مهما وهو إلى أى مدى يمكن أن يعتمد المسلمون على النظام الدولى؟؟ إجابة هذا السؤال مهمة لأنها سيترتب عليها الجزء الأكبر لطبيعة الاستراتيجية الاسلامية لاستعادة عزة وكرامة واستقلال العرب والأمة الاسلامية (لأنه لا عز للعرب بدون الإسلام).

النظام الدولى ما هو إلا النظام الأوروبى للتحكم والهيمنة على العالم وهذا النظام ترجع نشأته الحالية إلى صلح وستفاليا 1648م وما تلاه من معاهدات بالسنوات التالية لأنه هو الذى أرسى دعائم نظام "ما" ينظم طبيعة وآليات العلاقة بين الدول الأوروبية بما فيها بابا الكنيسة الكاثولوكية (وما يتبعه من أملاك) وهذا النظام الأوروبى (بما حمله من تعاون وصراع وفق آليات ارتضوها) هو الذى أدار تاليا عملية تصفية الوجود السياسى الاسلامى كقوة دولية عظمى ممثلا فى الدولة العثمانية، واحتل كل العالم الاسلامى بدوله وممالكه وإماراته المتفرقة بأشكال مختلفة، هذا النظام شهد اختلالات متعددة بسبب احتدام التنافس بينهم ليخرج عن المستوى المسموح به بينهم فى ثلاثة حروب هى العالمية الأولى والثانية ثم الحرب الباردة، لكنه ظل إزاء المسلمين موحد الأهداف.

وهذا النظام الدولى تغيرت رؤوسه على مر التاريخ من دول أوروبية لأخرى إلى أن استقرت أخيرا منذ 1990 فى الولايات المتحدة الأمريكية (وهى وإن كانت خارج اوروبا إلا أنها ابنة أوروبا ثقافة وحضارة ودينا وشعبا) وحتى الآن.

هذا النظام هو النظام الرسمى النظامى الذى يملك صنع الحدث فى العالم، ولكن لتكتمل الصورة لابد أن نعى أن هناك نظاما شعبيا يظهر وكأنه موازى لهذه النظام لأنه له مزاجه المختلف أحيانا ولأن صوته عالى جدا.

 هذا النظام الشعبى يتمثل فى حركات شعبية غير حكومية تدافع عن حقوق الانسان أو الحيوان أو البيئة أو عن قيم إنسانية أو الضعفاء والمظلومين، وهؤلاء صوتهم عالى لحد كبير فى أوروبا والولايات المتحدة بسبب طبيعة الحريات المتاحة هناك لكن تأثيرهم بشأن تعديل أو تحسين (فضلا عن تغيير) ثوابت النظام الدولى منعدمة، فقد رأينا عشرات الملايين منهم يتظاهرون فى أوروبا وأمريكا ضد غزو العراق ومع هذا تم احتلال العراق واستمروا بالتظاهر لوقف الاحتلال ولكن الاحتلال استمر حتى حققت أمريكا وأوروبا ما أردا هناك، ورأينا الملايين يتظاهرون ويحتجون ضد ممارسات الصهاينة فى فلسطين منذ عشرات السنين ومع هذا استمرت هذه الممارسات حتى اليوم بل تصاعدت وتعمقت.

كما أن هذه الحركات الشعبية كثيرا ما يتم اختراقها وتوجيهها بشكل أوبآخر من قبل النظام الرسمى (الحكومى) ولكن هذا له حديث آخر إن شاء الله.

وهذا يطرح سؤالين هما:

ما هى ثوابت النظام الدولى بشأننا؟

ما هى آليات عمل النظام الدولى تجاهنا؟

وبالنسبة للسؤال الأول فلا يمكن أن نفصل كل ثوابت النظام الدولى فى مقال واحد كهذا ولكن يمكننا أن نذكر ما يخصنا وهو ثوابت النظام الدولى تجاه المسلمين ومنطقتهم، ولئلا يطول الكلام نذكر التصريحات التالية التى توضح الصورة باختصار ولا تدع مجالا للشك لدى القارئ:

يقول "دزرائيلى" رئيس وزراء بريطانيا فى خطاب له فى عام 1872: "إن من الواجب على من صنعوا المدنية أن ينقلوها إلى الآخرين على شروطهم الغربية"

ويقول "هنرى كيسنجر" عقب إعلانه توقيع الانفراج مع الاتحاد السوفيتى فى 1972: "إن السياسة الخارجية  الأمريكية فى القرن القادم سوف تقوم على تهيئة نظام عالمى مستقر تحيا فيه القيم الأمريكية وتزدهر".. وقد تم وضع هذا النص كما هو كهدف قومى فى عهد "ريجان" فجاء كما يلى: "رابعا- إقامة والحفاظ على نظام عالمى مناسب لا يحقق بقاء القيم الأمريكية فحسب بل وازدهارها".

وتقول "مارجريت تاتشر" رئيسة وزراء بريطانيا 1988: "إن الامبريالية الأوروبية -نعم ولا أعتذر عن هذا- هى التى نقلت الحضارة إلى كثير من شعوب العالم، لقد كانت هذه هى حكاية مواهبهم وفروسيتهم".

ويقول "فرانسوا ميتران" رئيس فرنسا فى 1990: "إن وحدة الأيديولوجية فى دول العالم بأن تسود قيم الديمقراطية الغربية هى الطريق الوحيد للتفاهم والتعاون الدولى ولأن يسود الاستقرار والسلام فى العالم"

وقال بيل كلينتون يوم تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية 1993: "إن أمريكا تؤمن أن قيمها صالحة لكل الجنس البشرى وإننا نستشعر أن علينا إلتزاما مقدسا لتحويل العالم إلى صورتنا".

(راجع: فوزى محمد طايل، كيف نفكر استراتيجيا ، ص 298)

وخلال حملته الانتخابية ألقى رونارد ريغان خطابا بسبتمبر 1980 قال فيه: "إن إسرائيل ليست أمة فقط بل هي رمز ففي دفاعنا عن حق إسرائيل في الوجود إنما ندافع عن ذات القيم التي بنيت على أساسها أمتنا".

ولاحظوا كلمة القيم المتكررة فى كل الأقوال الآنفة.

ويقول اللواء أ.ح - فوزى محمد طايل: "بنيت الاستراتيجية الأمريكية منذ عهد جيمى كارتر على ثلاث ركائز : نزع إرادة الجهاد من المسلمين، من خلال فرض السلام بينهم وبين إسرائيل، والحيلولة دون تحول الصحوة الاسلامية إلى نهضة حقيقية، وإحداث تشوه ثقافى واجتماعى يحول دون استعادة المسلمين لمنظومة قيمهم،وتبنت الولايات المتحدة خيار استخدام القوة فى منطقة الخليج لهذا الغرض" أ.هـ من كتابه كيف نفكر استراتيجا ص 273.

ويشير فوزى طايل إلى المبدأ الخامس والسادس من الأهداف القومية الأمريكية التى أعلنت بعهد ريجان والتى تنص على:

"- الحفاظ على النظم العلمانية الحاكمة فى المنطقة من المغرب حتى باكستانن ومنع انتقال الحماس الثورى لها والاطاحة بها.

-  إيقاف خطر الارهاب." أ.هـ من كتاب كيف نفكر استراتيجيا ص 280.

ومن هنا فمسألة فرض القيم الغربية على العالم بعامة والاسلامى منه بخاصة وفرض حكومات ترعى هذا الأمر هو من أبرز ثوابت هذا "الغرب"، لكن قد يميل بعضهم بتلبيس الأمر على عوام الأمة الإسلامية باسم الإسلام كما فعل نيكسون فى كتابه "الفرصة السانحة" عندما دعا إلى "تعريف المسلمين بماهية الإسلام وأنه إسلام متعايش مع الغرب وقيمه الديمقراطية ويطبقها"، وكما دعى تقرير راند لتعزيز ما أسماه الاسلام  الديمقراطى، وهذا هو ما انتقده كثير من الدعاة الإسلاميين وسموه بالاسلام الأمريكى، لأنه يبرر كل قيم الغرب من رأسمالية وإباحية وتأليه الإنسان بدعواى وشعارات إسلامية (باطلة شرعا طبعا).

وقد نقلت الاقتباسات الآنفة بطولها لأقنع من لم يطلعوا على المراجع المهمة المطولة من مثل "الاتجاهات الوطنية" و"الاسلام والحضارة الغربية" لمحمد محمد حسين، و"أساليب الغزو الفكرى" و"مذاهب فكرية" لعلى جريشة، و"واقعنا المعاصر" لمحمد قطب، و"دخلت الخيل الأزهر" لجلال كشك، وغيرها.

ثم نأتى لإجابة السؤال الثانى وهو: ما هى آليات عمل النظام الدولى تجاهنا؟

وإجابة هذا السؤال تحتاج كتابا كاملا (وبالمثل كان سابقه) ولكننا سنوجز الأمر، فالهدف القومى الأمريكى المعلن عنه بعصر ريجان كما ذكرناه فى السطور السابقة جاء صريحا " الحفاظ على النظم العلمانية الحاكمة فى المنطقة من المغرب حتى باكستان ومنع انتقال الحماس الثورى لها والاطاحة بها"، ولنا فى الانقلاب الأمريكى ضد مصدق فى ايران لتثبيت الشاه (عملية أجاكس 1953) عبرة لآلية قديمة، كما لنا فى الانقلاب على الربيع العربى (2011) فى تونس بأسلوب ناعم عبرة بآلية ثانية، وفى مصر بأسلوب خشن بديكور ناعم كانت آلية ثالثة، أما احتلال أفغانستان وحصار عراق صدام ثم احتلاله وتقسيم السودان وإحراق سوريا الآن فكلها آليات أخرى تمتلأ بها جعبة الغرب لاستعمالها ضدنا.

وكى نلقى الضوء على أسلوب عملهم الداخلى فى أوطاننا والشرائح الاجتماعية التى يستندون عليها نختم الموضوع بالاقتباس التالى من مذكرات مايلز كوبلاند ضابط الـCIA الذى نفذ عملية أجاكس عام 1953 التى بموجبها أطيح بحكومة مصدق بإيران وتم إعادة الشاه بموجبها، ولكنه فى الاقتباس التالى يتكلم عن حدث جرى معه أثناء إعداده لعملية مشابهة فى إيران عام 1979 لاجهاض ثورة الخمينى قبل اندلاعها بشهور: "لم أر بغايا ولكن صفوة مجتمع الجريمة الإيرانى أو يمكن القول المافيا الايرانية، لقد أدخلت إلى منزلها فرادى وجماعات من اثنين أو ثلاثة من زمر السفاحين واللصوص والمهربين ومشعلى النيران والفتن ولك أن تسمى ما شئت، وكزملائهم من المجرمين المنتعشين ماليا فى أمريكا وبريطانيا، فهم يتمتعون بعقلية الرأسمالى اليمينى لهذا كانوا يؤيدون الشاه دون تحفظ. قالت كاثى: إذا كنت تخطط لشئ ما فإن هؤلاء الرجال هم مدافعك الثقيلة" أ.هـ. من "حياة مايلز كوبلاند"، ص 360.

لكن التحليل الاجتماعى والاقتصادى المفصل للقوى الاجتماعية التى تنفذ مرامى الغرب بأرضنا له حديث آخر إن شاء الله.