مستقبل الصراع السياسي و العسكري في المنطقة العربية و أفريقيا و أفغانستان (5 من 5)

بقلم عبد المنعم منيب | 29 سبتمبر, 2015
صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

ذكرنا في الحلقة الأولى أننا نسعى للاجابة عن سؤال: ما هو مستقبل الصراع السياسي و العسكري في المنطقة العربية و أفريقيا و أفغانستان؟ و قلنا أنه كي نتمكن من الاجابة على هذا السؤال فلابد أولا أن نعيد توصيف هذه القوى و أهدافها لنعبر عنها بجوهر وصفها بدلا من الوقوف عند حد توصيفها بأسمائها فقط  ، و شرحنا في الحلقة الأولى توصيف كل من المشروع التركي و مشاريع الجهاد العالمي و الجهاد المحلي و تنظيم الدولة الاسلامية كما ذكرنا في الحلقة الثانية المشروع السعودي و المشروع الاخواني و ذكرنا في الحلقة الثالثة مشروع الامارات-السيسي و مشروع إيران ثم ذكرنا في الحلقة الرابعة مشاريع الولايات المتحدة و اسرائيل و روسيا و الصين في المنطقة  و نختم هذه السلسلة بهذه الحلقة الخامسة و التي نذكر فيها توقعاتنا بشأن مستقبل المنطقة فيما يتعلق بأغلب المشاريع المذكورة في الحلقات السابقة.

مستقبل الصراع في المنطقة

 

سوف يستمر الصراع في المنطقة بين كل هذه القوى التي ذكرناها في الحلقات السابقة وفقا للتحالفات القائمة الآن و ان كان البعض منها قد يتغير مع تطور الأحداث و على كل حال فسوف يستمر الصراع السياسي و الحروب حتى يحدث التوازن بين من يصمد منها و يستمر باقيا و لا يفنى حتى لحظة حدوث التوازن، و التوازن يحدثه احد ثلاث عمليات:

الأولى: يطور الضعيف من هذه القوى نفسه ليتمكن من التوازن مع   الاخرين الأقوى منه فلا يصبح هناك اي طرف ضعيف بل يستمروا كلهم بقدرة متوازنة مع بعضهم البعض فتقتنع كل قوة منهم بألا قدرة لها على افناء خصومها فتختار تكريس الوضع القائم أي الأمر الواقع إما باتفاقات مقننة او بصمت و إقرار ضمني بلا تقنين قانوني أو إعلان صريح.

العملية الثانية: يحدث انهاك للجميع فيتساوى الجميع في الضعف فتحدث نفس النتيجة السابقة و هي توازن القوى و ما يصحبه من قناعة بألا قدرة لأحد على إفناء الآخر.

العملية الثالثة: ينهك الاقوى بدرجة تقربه من درجة ضعف الضعيف و يتطور الاضعف فيرتقي لدرجة تجعله في مستوى الاقوى بعدما انهك فيتوازنان و نصل لنفس النتيجة السابقة.

و رغم هذا كله فهناك قوى ستمحق و تزول و اخرى ستبقى فمن هي؟؟؟    

 ربما يزول طرفا الغلو يمينا و يسارا و لكن من يزل لا يتحتم أن يكون زواله فيزيائي أو واقعي و انما قد يعدل نفسه ليصير كأنه قوة اخرى جديدة لها خصائص سياسية و فكرية جديدة فيصبح قد زال شكله الفكري و السياسي و قدر من الجغرافي السابق على التعديل و ظهر بكينونة جديدة.

الي ماذا ستؤول الاتجاهات الموجودة الآن؟؟؟

سيتحول تنظيم الدولة و تنظيمات القاعدة الى توجه يشبه توجه الجهاد المحلي و إن لم يفعلا ذلك فسوف يزولون تماما أو يضعفون جدا بحيث لا يبقى لهم أي وجود حقيقي لكن ربما يبقى لهم مجرد وجود رمزي و شكلى عند نهاية مرحلة الصراع الحالية بوصول المنطقة لدرجة كبيرة من الاستقرار عبر توازن القوى .

و سيتحول غلاة العلمانية لموقف التظاهر بالاسلام التقليدي السعودي لكنه في جوهره علماني جدا لكنه يظهر هذا المظهر ليتعايش مع الحركات الاسلامية بغية كسب ودها كي تكف عن معارضته.

 الاخوان لو ظلوا على نفس منهجهم السياسي و الاستراتيجي دون أي تغير فقد يستفيدون من بعض الصفقات السياسية التي ستعقد بعد نهايات الصراع في كل دولة من الدول لكن أرباحهم ستقتصر على السماح لهم بحرية ما للتواجد عبر حركة سياسية و دعوية في كل دولة على حدة، و مع هذا سيفقدون قدرا كبيرا من أنصارهم كما سيفقدون الزخم الجماهيري الذي كان يصحبهم في العقود الثلاثة الأخيرة لأن كل تمدد جهادي أو علماني أو شيعي فهو يخصم من رصيدهم الجماهيري لأن جماعة الاخوان المسلمون جعلت منهجها السياسي و الاستراتيجي على النقيض من هذه المشروعات الأخرى كلها منذ أربعين عاما تقريبا و لم تبن أي جسور تعاون أو تحالف حقيقي مع أي منها.

و من المتوقع أن يكون الكاسب الأكبر في نهاية المرحلة هو قوى الجهاد المحلي كأحرار الشام و فجر ليبيا و حماس و نحوهم لأنهم يعدون بديلا عن تنظيم الدولة و القاعدة و في نفس الوقت فإن قدراتهم و سيطرتهم على الأرض ستمنع القوى الدولية و الاقليمية من ازاحتهم و إحلال الإخوان أو الإسلام التقليدي (السعودي) كبديل لهم ، هذا إن توحدوا و تعاونوا و لم تضربهم سوسة الشقاق و الخلاف الداخلي الذي لو حدث فسوف يقضي عليهم و ينصر خصومهم.

و سيسعى خصوم التيار الاسلامي بعامة و الجهادي منه بخاصة الى اختراق الحركات الاسلامية ليس فقط للحصول على المعلومات من قلب قيادتها و لكن أيضا لتوجيهها وفقا لأجندات القوى الاقليمية و الدولية و تمزيقها ببذر بذور الشقاق بينها و ضرب بعضها ببعض و سوف يستغلون حب الرياسة و التعصب الحزبي لتحقيق ذلك و لن تنجح أي حركة إسلامية إلا بتجاوز هذه العقبة.

و سيظل لايران أماكن نفوذها خاصة بأجزاء من كل من العراق و لبنان و سوريا و اليمن.

كما ستتمتع السعودية بنفوذ ذي شأن بعد أن تكسر النفوذ الايراني و تقلل من قدراته و تمدده و ذلك بشرط ان يظل ال سعود متحدين و لا يتنازعوا و يظلوا مصرين على المبادرة بالمنطقة.                                                                      

وماذا عن القوى غير المتحيزة جغرافيا مثل الاسلامين في مصر؟؟؟

هؤلاء يرتبط مصيرهم بمصير التغيرات الشاملة في المنطقة ككل اذ ما يحصل في سوريا و العراق و أفغانستان و اليمن و ليبيا و الخليج و تركيا سيؤثر على مصر و نتيجة الصراع في كل هذه البقاع سوف تحدد نتيجة الصراع في مصر.

ما الشكل الجغرافي المتوقع في كل بقاع المنطقة؟؟؟

من المتوقع أن تتغير الجغرافيا السياسية في المنطقة و تتحول الكيانات الى دول صغيرة بانقسام سوريا و العراق و ربما اليمن و ليبيا و الصومال و مالي و نيجيريا و ربما العديد من الدول الأخرى ، و سيصير هناك دولا تحكمها قوى الجهاد المحلي و اخرى تحكمها تنظيمات تابعة للقاعدة أو تنظيم الدولة بعد تعديل في موقفهما كما ذكرنا، بجانب استمرار الدولة السعودية و إيران و ستعود طالبان لحكم أفغانستان ، وسوف يتغير نظام الحكم في مصر و يتحول أولا لنظام يشبه لنظام مبارك عام 2005 و ربما يتحول في مرحلة تالية لنظام حكم يحكمه تحالف من الاخوان و العسكر لكنه سيظل في صراع مرير و طويل مع فصائل إسلامية تابعة لقوى الجهاد المحلي أو العالمي.

ما موقف اسرائيل من هذا و ما مستقبلها؟؟؟

ستستغل اسرائيل الصراعات لبسط هيمنتها أكثر و اكثر على الفلسطينين في الضفة الغربية و القدس الشريف و الضغط على غزة، كما ستستجم قوتها لانشغال المنطقة عنها فضلا عن تحقيق العديد من المكاسب السياسية و الاقتصادية بفعل زيادة تعاونها مع مزيد من القوى بالمنطقة.

ما هو موقف الولايات المتحدة و أوروبا من أحداث المنطقة؟؟

المشروع الأقرب لقلب و عقل الولايات المتحدة و أوروبا و إسرائيل هو مشروع الامارات-السيسي (و يليه مشروع إيران، أما المشروع الصهيوني فهو مشروع الولايات المتحدة نفسها) لكن مشروع الامارات-السيسي هو الأبعد و الأغرب عن طبيعة المنطقة الفكرية و الاجتماعية بل و السياسية و مع هذا فستظل الولايات المتحدة تساند مشروع الامارات-السيسي ، و تراقب ما يحدث و سوف تنتهز الفرص المختلفة لانجاحه او الضغط على خصومه لكن دون تورط في شئ واضح أي دون تدخل عسكري بري و سوف تتفاهم بشكل أو بآخر في النهاية مع من يحكم على الأرض و يتحكم في الواقع و يصير هو نفسه أمرا واقعا لا مناص عن التعامل معه و ان ظلت تتربص به الدوائر ما لم يكن على هواها.

و ما تأثير هذه الأحداث علينا سلبا و ايجابا؟

لقد أوضحت السطور السابقة ما نتوقع أن تسير عليه الأحداث الى أن يهدأ الصراع السياسي و العسكري في المنطقة ، و يمكن تدبر هذا التوضيح لمعرفة ما المصالح و ما المفاسد التي ستترتب على سير الأحداث و معرفة كيف نستغل الفرص التي تكمن في هذه الأحداث و كيف نتجنب المخاطر التي تحملها هذه الأحداث ، و نتبين موقع أقدامنا و نتلمس سبل النصر و أسبابه و كما قال بعض السلف الصالح "و تختلف الاستفادة بالعلوم بحسب القرائح و الفهوم" و كما في الحديث النبوي الصحيح "رب حامل فقه ليس بفقيه و رب حامل فقه لمن هو أفقه منه".

و على كل حال فبعد نشر هذه السلسلة من المقالات فسوف ننشر إن شاء الله سلسة أخرى أظن أنها لابد أن تكون قرينا لهذه دائما فيصير هذا الزوج لا غنى عن دراستهما معا لكل من يريد النصر و العز لهذه الأمة.

ماذا علينا تجاه هذه الأحداث عملا فيها و تجهزا لمراحلها المختلفة؟؟

هذا هو موضوع السلسلة الأخرى التي أشرنا إليها آنفا و سوف نكتبها عن "العمل الاسلامي" ان شاء الله لتكون قرينا لهذه السلسلة التي انتهت بفضل الله و منته ، و نسأل الله تعالى أن ييسر لنا هذا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

 إقرأ الحلقة الأولى هنا

و إقرأ الحلقة الثانية هنا

و إقرأ الحلقة الثالثة هنا

و إقرأ الحلقة الرابعة هنا