ماذا ينبغي أن تفعل مصر الثورة ازاء العربدة الصهيونية بالعدوان المستمر على اخواننا الفلسطينيين؟ جماهير العالمين العربي و الاسلامي تطلعت لرئيس مصر الثورة الذي ينتمي لجماعة جاء جزء كبير من مجدها التاريخي من محاربة اسرائيل عام 1948 و ارادت الجماهير أن ترى ماذا سيفعل الرئيس الاخواني لغزة لكن لسان حال الاخوان المسلمين و حزبهم الحاكم جاء ليقول ان لا شئ سوى الدعم المعنوي و الخطب النارية و الهتافات الحماسية فقلبت الجماهير العربية و الاسلامية وجوهها و صوبتها صوب القوة السياسية التالية للاخوان في الحجم و هي السلفيين لعلها ترى تشددا يشفي غليلها ففوجئت بقيادي حزب النور البارز و المتميز د. يسري حماد يصرح للصحافة أن مصر غير مؤهلة لدخول حرب مع أي جهة و كانت الجبهة السلفية قد صرحت قبله بنفس المعني في بيان لها... و لم يبخل الغرب (أمريكا و أوروبا) بإضفاء أوسمة المديح للتفكير المتعقل الذي يبديه الإسلاميون تجاه اسرائيل بعد أن صاروا في الحكم كالاخوان أو رديفا له كالسلفيين.
و مع حبي و احترامي و تقديري لكل من د. يسري حماد و الجبهة السلفية و جماعة الإخوان المسلمين و مع تفهمي لحالة مصر المزرية اقتصاديا بسبب 40 سنة من التخريب قادها السادات و تلميذه مبارك بالاضافة لقصور قيادتها اداريا و اقتصاديا و استراتيجيا منذ الثورة و حتى الآن الا أنه من السذاجة السياسية و الاستراتيجية أن نعلن هكذا على مسمع من الذئاب و الثعالب أننا لا يمكننا أن نحارب الآن ...
لماذا؟
لأن كل من له عينان يعرف جيدا حالة اقتصادنا المتدهورة و حالة عدم الاستقرار السياسية التي يعانيها شارعنا الوطني و لكن هذه التصريحات الساذجة ستعطي لهؤلاء الذئاب معلومة أخرى هى أننا خائفون و مرتعدون و لن نجروء على أي من أعمال مقاومة الصلف الصهيوني و الأمريكي بالمنطقة .. هذه التصريحات يا سادة تظهر للقاصي و الداني أن نخبتنا السياسية ساذجة و مرعوبة.
السذاجة السياسية و الاستراتيجية تتمثل في أن هذه النخبة لم تفهم أن هناك خيارات لمقاومة العدوان الاسرائيلي غير الحرب الشاملة الكاملة مع اسرائيل و ذلك لأنهم لم يدركوا كافة الخيارات المتاحة و هي كثيرة و عنيفة أيضا كالحرب و مؤثرة جدا بفضل الله و سبق أن اشرنا اليها نحن و غيرنا و منها دعم غزة اقتصاديا في العلن و عسكريا في السر و منها فتح مكاتب رسمية و علنية لفصائل المقاومة الفلسطينية خاصة حماس و الجهاد و الجبهة الشعبية و اعلان أن ذلك جاء ردا على العدوان الصهيوني المتواصل على الفلسطينين و العزوف عن اجراء خطوات حقيقية في مجال العملية السلمية, و منها التهديد العلني بدعم المقاومة عسكريا ما لم تتوقف اسرائيل عن عدوانها مع عدم الاقدام على القيام بذلك فعليا بشكل علني, و منها اجراء مناورات واسعة بالذخيرة الحية في كل سيناء و حتى حدود غزة مع عدم ابلاغ اسرائيل بها الا قبلها بست ساعات مجرد ابلاغ دون تنسيق و لا غيره , و منها التهديد بتعديل اتفاقية السلام مع اسرائيل من جانب واحد ما لم يتوقف العدوان ثم نشر القوات بكامل سيناء ثم الدخول في مفاوضات مضنية مع اسرائيل و أمريكا نقوم خلالها بالتطويل و التسويف و الوعد و الوعيد و الاحتجاج و التهديد بالانسحاب من المفاوضات مرات كثيرة ثم الانسحاب من المفاوضات ثم الرجوع و هكذا بحيث تستمر المفاوضات سنوات طويلة و قواتنا منشورة انتشارا دفاعيا عاديا في سيناء و ليس انتشار تعبئة هجومية و تزداد بذلك خبرة و قوة و مصر تزداد بمرور الوقت تقدما في كل المجالات مما سيضغط على اسرائيل اقتصاديا و عسكريا لأنهم سيضطرون للاحتفاظ على الحدود بقوات تتكافئ مع قوة القوات المصرية الموجودة حينئذ في سيناء , و منها أن نجهز سيناء بتجهيزات الحرب الشعبية مثل ما نفذه حزب الله في جنوب لبنان و حماس في غزة بالاعتماد على قوات خاصة شعبية مسلحة بصواريخ محمولة للأفراد مضادة للدبابات و للطائرات , و صواريخ أرض أرض قصيرة المدى, و يكون ذلك كله مخفيا في جبال سيناء و في أنفاق خفية تحفر و تحصن تحت الأرض , مع ملاحظة أن "حزب الله" و "حماس" و "منظمة القاعدة" يعتمدون على نسخ روسية متخلفة من هذه الأسلحة منتجة في كوريا الشمالية و ايران لكن مصر يسهل عليها الحصول على نسخ متقدمة مثل الكورنيت (المضاد للدبابات- الروسي) الذي اذاق المدرعات الأمريكية الويلات في العراق قبيل سقوط بغداد و سام 7 النسخة الروسية المطورة أو نصنع نسخ نقلد بها الاستينجر الأمريكي أو نحصل على نسخته الصينية و يمكننا الحصول على الأسلحة الصغيرة و المتقدمة من روسيا او من امريكا و اوروبا و لو عبر تجار السلاح الدوليين علما أن مصر تصنع صقر 70 أرض - أرض و مداه 70 كم و هو متقدم عن النسخ الكورية و الايرانية و توجد خيارات و حيل كثيرة في هذا المجال معروفة للعسكريين...
مصر فرصها كبيرة في انها تحصن نفسها و تدافع عن نفسها ضد الصلف الصهيوني برؤية استراتيجية جديدة تعتمد على ما يسميه علماء الاستراتيجية اليوم بإستراتتيجية الحرب الغير متماثلة (Asymmetric war) ... و بذا ستكون مصر جاهزة لمنع أي محاولة لاحتلال سيناء بتكلفة مادية أقل من تكلفة نشر المشاة و المدفعية و المدرعات و ما يستلزمه ذلك من قوات جوية متفوقة كي تتمكن من حماية القوات الأرضية.. فأين مرسي و النخبة السياسية المساندة له من هذا الآن حتى لا نظل أقزاما نتفرج على عربدة الصهاينة بأرضنا و عرضنا و لا نملك الا الصراخ و العويل عبر الخطب النارية و الهتافات الحماسية...
و الرؤية الاستراتيجية السليمة لا ينبغي أن تغفل الجوانب الاقتصادية و الوحدة الوطنية و الاستقرار السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي لا سيما اننا دولة بلا دستور و لا برلمان حتى الآن .. و لكن لكل شئ حل ..
و من الأوراق المهمة التي يتحتم أن تمتلكها الإستراتيجية المصرية ورقة المقاومة الفلسطينية فينبغي على مصر أن تدعم القوى المقاومة القادرة على ايجاع اسرائيل و تدعمها بحيث تتمكن مصر من توجيهها لتوجيه ضربات موجعة لاسرائيل كلما سولت لها نفسها أن تضغط على مصر ضغطا مؤلما سواء كان اقتصاديا أم سياسيا أو حتى عسكريا و سواء كان ذلك بنفسها أم عبر الولايات المتحدة و أوروبا و هذا سيستغرق بعض الوقت حتى تتأكد اسرائيل و الولايات المتحدة و اوروبا من صدق ارادة القيادة و النخبة السياسية المصرية و قوة عزيمتها و حينها ستحصل مصر على حقوقها و مصالحها بعزة بدل من المهانة التي توجهها الولايات المتحدة لمصر كل حين و التي لم يكن آخرها رفض أوباما مقابلة د. مرسي عندما زار الأمم المتحدة كنوع من الضغط الأمريكي على الرئيس المصري بسبب مشكلات الأقباط في مصر حينئذ و ذلك رغم استجداء المؤسسات المصرية لهذه المقابلة.
استخدام ورقة المقاومة لعبتها و مازالت تلعبها ايران في لبنان و فلسطين و العراق كما شاركتها فيها سوريا ، و ايران تواصل حصد المكاسب بها دون أن يجرؤ أحد على المساس بها عسكريا.
و مع ذلك يجب أن نؤكد أنه لا ينبغي لمرسي أن يدخل في حرب مع إسرائيل الآن و لا يهدد بها لكن يتجهز لها فقط في سرية و في نفس الوقت يهدد إسرائيل برفع الحصار الاقتصادي عن غزة و يرفعه فعلا بحجة أنها استمرت في عدوانها، و في حالة ما لو ضربت إسرائيل نقاط الحدود المصرية مع غزة بدعوى إدخالها أشياء محظورة لغزة فحينئذ يقوم مرسي بسرية تامة بإعطاء سلاح للفلسطينيين و يحرضهم على ضرب قلب إسرائيل بالضبط كما تفعل إيران مع حزب الله.. و هنا ستنشأ حرب باردة بيننا و بين اسرائيل و ستخسر إسرائيل فيها بشكل مؤلم جدا بشرط أن يتصف حكام مصر و نخبتها الجديدة بالصلابة و شجاعة القلب قال تعالى: "كتب عليكم القتال و هو كره لكم و عسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم و عسى أن تحبوا شيئا و هو شر لكم و الله يعلم و أنتم لا تعلمون" و لا ننسى أن إسرائيل أنفاسها قصيرة في مثل هذا و ستتوسط أمريكا و أوروبا لإنهاء الحرب الباردة و حينها لا يجب أن ننهيها إلا بشروطنا و ليتذكر حكامنا و نخبتنا السياسة أننا لسنا أفقر من كوريا و لا أضعف منها بل نحن أقوى من إيران التي تخافها إسرائيل و الغرب و فرصنا السياسية و الاقتصادية و التكنولوجية أكبر من إيران و كوريا الشمالية بل و من باكستان الدولة النووية العظمى لكننا عندنا سوء إدارة و قصور في الرؤية الإستراتيجية و غياب للشجاعة و الحزم عمليا و إن اتسمنا بشجاعة الخطابة و الهتافات.
و هناك خيارات مهمة أخرى متاحة لمصر بل و يتوجب على مصر اللجوء اليها ليس لدواعي الصراع العربي الصهيوني فقط بل أيضا لتخرج مصر من أزماتها و تحقق انطلاقاتها و من أهم هذه الخيارات التحالف مع قوى دولية و اقليمية و رفع العلاقات الاقتصادية و الاستراتيجية معها لأعلى مستوى ممكن مثل روسيا و الصين و باكستان و كوريا الشمالية و الأرجنتين و البرازيل و ماليزيا و اندونيسيا و جنوب افريقيا و هذه التحالفات ستفتح لمصر أفاقا واسعة في مجالات السياسة و الاستراتيجية و الاقتصاد و التكنولوجيا كما أن هذه التحالفات ستمثل ضغطا قويا على الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي الداعمين الرئيسين لاسرائيل و تدفعهم جميعا لاعادة النظر في سلوكهم ازاء القضايا العربية التي تدعمها مصر بشكل يحقق الكثير من مصالح مصر لدى هذه القوى الثلاثة (الولايات المتحدة و أوروبا و اسرائيل) كما ينبغي على القيادة المصرية أن تعزز علاقاتها بإيران بحذر شديد سواء حذر من الاستغلال الايراني أو حذر من توريط ايران لمصر في صراعات لا تريد مصر الدخول فيها أو ليس من مصلحتنا الدخول فيها كما أن على مصر أن تستخدم ورقة العلاقات مع ايران للضغط على اسرائيل و الولايات المتحدة و أوروبا للحصول على مزيد من المكاسب و لا يجب أن نغفل أنه كما أننا نحتاج لأمريكا و أوروبا فهم يحتاجون لنا بل إن إسرائيل تحتاج لنا لأنهم يعرفون جيدا أننا لو نابذناهم العداء فستنفتح عليهم أبواب جهنم فلو لم يتحالفوا معنا و يكونوا حلفاء جيدين فأمامنا أوراق عديدة يسهل لنا اللعب بها و منها مساندة كوريا الشمالية و إيران و حزب الله بل و دعم أي شخص أو جهة تريد محاربة الغرب أو معارضته بما في ذلك منح قواعد لروسيا و الصين في المنطقة ... و هم يعرفون ذلك و يخشونه لكن يجب علينا نحن أيضا أن ندرك ذلك و نلعب به معهم بشجاعة و عزيمة و إرادة قوية لنحصل على ما نريد بعزة و كرامة.
و بجانب ذلك كله فإن خيار مصر الأزلي و المصيري و الاستراتيجي هو التكامل الكامل و الشامل مع السودان و ليبيا ... و هو الخيار الذي تجهله و تتجاهله القيادة المصرية الحالية و النخبة المساندة لها، فهي تجهله لافتقارها الى الوعي التاريخي و الخيال الاستراتيجي و تتجاهله بأوامر من أمريكا و أوروبا اللتان لا تريدان لمصر ان تستقل عنهما أو أن ترفع رأسها في وجه اسرائيل كما أن أمريكا و اوروبا تريدان للسودان ان تموت جوعا و لليبيا أن تموت حربا و لمصر أن تسير مطأطأة الرأس في ركب عبيد أمريكا الى أن تسجد تحت أقدام اسرائيل.
السودان لديها من الموارد الزراعية ما يكفي لاطعام العالم العربي كله و لا تجد وسائل لانتاجها أو بيعها و مصر تستورد أمثال ذلك كله من الخارج، و السودان تستورد كل ما تحتاج اليه من المنتجات الصناعية و مصر تصنع الكثير جدا مما تستورده السودان لكن السودان تستورده من دول أخرى، السودان لديه أراضي زراعية لا تجد من يزرعها و مصر لديها مزارعون لا يجدون أرضا يزرعونها و لا يجدون عملا .. السودان أولا و آخرا جزء من مصر و مصر جزء من السودان تاريخيا و عبر التاريخ حكم مصريون مصر و السودان كما حكم سودانيون مصر و السودان لكن الامبريالية الغربية (عبرالاحتلال الانجليزي) سلخهما من بعضهما البعض ومازالت هذه الامبريالية (عبر الولايات المتحدة) تحافظ حتى الآن على هذا الانقسام بل نجحت في تقسيم السودان نفسه.
و نجد ليبيا لديها موارد زراعية و نفطية كبيرة و تستورد كل ما تحتاجه من المنتجات الصناعية من الخارج بينما تنتج مصر الكثير من المنتجات الصناعية التي تحتاجها ليبيا لكن مصر تؤي فلول القذافي و تحميهم مما يعرقل تعزيز العلاقات مع "ليبيا الثورة" و مساعدتها على تجاوز نزاعاتها الداخلية.
و الحاصل ان مصر تحتاج لفكر سياسي و اقتصادي و استراتيجي جديد يتسم بالابداع و الشجاعة و الاقدام على مخالفة الذي ألفته اجهزة الدولة في عصري السادات و مبارك من الارتماء في أحضان الغرب و النظر الى العالم كله بعيون هذا الغرب و الشعور بأنه لا حلول في العالم كله الا لدي هذا الغرب خاصة الولايات المتحدة.
ظروف مصر و شعب مصر لن يتحملا شجاعة التهور و الرعونة التي شهدتها مصر بشكل أو بآخر في العديد من المواقف في عصر جمال عبد الناصر لكننا في نفس الوقت لن نقبل الخنوع و الاستسلام الذي شهدهما عصرا السادات و مبارك، كما لن نقبل و لن نصبر على منهج الاخوان و سلفي النور السياسي الذي يعتمد على ملاينة الأقوي و تحاشي الصدام معه و قبول ما يلقيه من فتات أملا في أن تنصلح الأمور بمرور الوقت دون القيام بأي فعل يغضب هذا الأقوي.. نحن قمنا بثورة ضد منهج خنوع السادات و مبارك كما أننا أثناء ثورتنا لم نؤمن بالمنهج السياسي لجماعة الاخوان المسلمين و سلفي النور الذي لو آمنا به لما قمنا بالثورة لأنه منهج ضد الثورة أصلا .. ضد التغيير الجذري و الشامل و السريع .. ضد السياسة الكفاحية القائمة على الحكمة الشجاعة و الاقدام و المبادرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تم نشر هذا الموضوع في العديد من مواقع الانترنت منها "مفكرة الاسلام" و "طريق الاسلام" و
غيرها بعنوان "الإعلان عن أننا لا يمكننا أن نحارب "إسرائيل" سذاجة سياسية وإستراتيجية".