هزائم اسرائيل و الدرس المستفاد

بقلم عبد المنعم منيب | 17 يوليو, 2010
صورة أرشيفية لمصاب اسرائيلي
صورة أرشيفية لمصاب اسرائيلي

كانت اسرائيل في السابق توقع الهزائم بالعرب سواء بشكل حاسم كما في 1948 و 1967و 1982 أو بشكل محدود لكنه مؤثر كما في 1956 و 1973, لكن الدولة الصهيونية تكبدت في العقدين الأخيرين العديد من الهزائم الكبرى على أيدى قوى عربية فمن هزائمها على أيدى حزب الله و المقاومة اللبنانية في لبنان إلى هزائمها على أيدي المقاومة الفلسطينية في فلسطين و في قلبها المقاومة الاسلامية الفلسطينية (حماس و الجهاد الاسلامي), و لانتصار اسرائيل في هذه السنوات أسباب سياسية و استراتيجية و لانهزامها في العقدين الأخيرين أسباب أيضا سياسية و استراتيجية سنحاول الاطلال عليها في السطور التالية:

أسباب انتصارات اسرائيل

- اعتمدت اسرائيل على الخيانات في الصف العربي و التي ضمنت لاسرائيل تفوقات عسكرية لا تستحقها كما في حرب 1948 و1967.

- كما استفادت اسرائيل من الفساد المالي و الاداري الذي يعم العالم العربي بحكوماته و جيوشه و هو الأمر الذي أدى إلى تخلف في التسليح و التصنيع العسكري لدى العرب كما أدى لصدور العديد من القرارات العربية الخاطئة السياسية و العسكرية مثل قرارات ايقاف القتال أو قبول الهدنة أو حتى دخول الحرب دون اعداد كاف و ذلك في حرب 1948 و مثل كل قرارات حرب 1967 خاصة قرار الانسحاب من سيناء, و مثل القرار السلبي المتمثل في السكوت على بناء اسرائيل لخط بارليف و للساتر الترابي على الضفة الشرقية لقناة السويس في الفترة من 1967 و حتى 1970.

- اعتمدت اسرائيل على دعم أوروبي و أمريكي غير متناه في مجال التسليح متفوقة بذلك تكنولوجيا و كميا على كل الجيوش العربية مجتمعة.

- دأبت اسرائيل على استخدام أسلوب الحرب الخاطفة و استخدام استراتيجية الاقتراب غير المباشر أثناء العمليات العسكرية مما أدى لنجاحها في احداث اختراقات ناجحة لخطوط الدفاع العربية و الالتفاف حول مؤخرات الجيوش و ضرب قواعدها الخلفية و من ثم ايقاع الهزيمة بها في النهاية, كما نجحت في الاستخدام الواسع و الفعال لسلاح طيارانها المتفوق لتدمير القوى العربية و ضرب عمقها الاستراتيجي دون قدرة عربية على الرد.

و كان على القوى العربية للرد على هذا التحدي الصهيوني أن تطور قدراتها العسكرية عبر تسليح متطور و بكميات كافية كي تشل فاعلية القوات الجوية الاسرائيلية و تتتمكن من الرد في العمق الصهيوني و كي تكشف التحركات الاسرائيلية في مسرح العمليات كي تمنعها من اختراق خطوط الدفاع و الالتفاف على مؤخرات الجيوش العربية, لكن تعنت الدول المالكة للسلاح المتطور ازاء العرب منع العرب من التفوق على اسرائيل في التسليح و بالطبع منعهم أيضا من الحصول على أسرار تكنولوجيا التسليح المتقدم, و ليس من الانصاف القاء تبعة ذلك على هذه الدول فقط, بل الحقيقة أن الحكومات العربية لم تكن صادقة و لا ذات عزيمة قوية في الحصول على التكنولوجيا المتطورة بصفة عامة و في صناعة السلاح بصفة خاصة, بدليل أن دولا كانت متخلفة و حازت استقلالها بالقرب من الوقت الذي حازت فيه الدول العربية الكبرى استقلالها كالهند و الصين و مع ذلك تقدمت و حازت التكنولوجيا المتطورة في السلاح بينما نحن محلك سر, بل لم نلحق في هذا المجال بدول حازت استقلالها بعدنا ككوريا الشمالية التي منذ زمن و هي تصنع صواريخها و دباباتها و طائرتها و ان كانت طائرتها نسخ سوفيتية قديمة متواضعة لكنها تضمن الدفاع عنها.

أسباب انتصارنا على اسرائيل

لكن رغم هذا كله كيف بدأنا نوقع الهزائم باسرائيل رغم أننا لم نتطور تكنولوجيا؟

بدأت انتصاراتنا على اسرائيل بسبب عدة عوامل كان من أبرزها:

- امتلاك قوى عربية زمام القرار و هي صادقة في منازلتها الدولة الصهيونية عسكريا, فهي تحارب اسرائيل بجدية لا مجال فيها للفساد الاداري أو التهريج أو الميوعة, هذه القوى موجودة و كامنة دائما في جسد الامة العربية لكنها كانت مهمشة في الصراعات السابقة لكنها الآن أخذت زمام المبادرة في كل من لبنان و فلسطين فكانت لها بصمتها في الصراع و كانت ذروة هذه البصمة هزيمتان اسرائيليتان في حرب لبنان 2006 و حرب غزة 2009.

- استخدام هذه القوى العربية استراتيجية حرب العصابات و حرب التحرير الشعبية بتكتيكاتهما المتعددة المعتمدة على الكر و الفر و الشراك الخداعية و الكمائن و التمويه و التخفي و الدفاع العميق و استطاعت عبر ذلك و عبر التحصن بالأنفاق و الخنادق من تحييد ضربات الطيران الصهيوني.

- انتشار تكنولوجيا صناعة الصواريخ القصيرة و المتوسطة المدى عبر العالم مكن دولا عديدة كسوريا و ايران من صناعة و حيازة عشرات الآلاف من هذه الصواريخ مما مكنها من ردع الصهاينة و منعهم من قصف العمق الاستراتيجي لهذه الدول رغم دعمها الاستراتيجي للمقاومة اللبنانية و الفلسطينية.

- حيازة المقاومة العربية للصواريخ قصيرة المدى مع قرب موطن هذه المقاومة من خاصرة اسرائيل الرخوة مكن المقاومة من ردع اسرائيل تارة و تكبيدها خسائر فادحة تارة أخرى, لأنه في السابق كانت اسرائل قد نجحت في دحر القوات العربية و ارجاعها لمسافات بعيدة أبعدت هذه القوات عن خاصرتها الرخوة لمسافات تكفل الحماية لها من القصف الصاروخي قصير المدى والمدفعي بعيد المدى و الذي لم يكن العرب يملكون سواه وقتها بينما عجز الطيران العربي (و مازال) عن الوصول لاسرائيل.

لقد مكنت هذه العوامل قوى المقاومة من ايقاع الهزائم المتتالية باسرائيل مما دفعها للانسحاب المذل من كل من لبنان و غزة تحت وطاة هذه الهزيمة لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي .. و لكن هذا التدهور في بنيان القوة الاسرائيلية رغم أنه يرجع لعوامل تتعلق بتطور الفكر الاستراتيجي للمقاومة و انتشار تكنولوجيا صناعة الصواريخ إلا انها أيضا تدين في التحليل النهائي لدورة التاريخ أو دوران عجلة التاريخ, فالمقاومون العرب قبل ستين عاما لم يجدوا مناخا دوليا و اقليميا مواتيا كما هو الآن كما لم يتمكنوا من حيازة صواريخ الكاتيوشا (رغم كونها كانت موجودة في روسيا وقتها) كما هو الآن, فدوران عجلة التاريخ هو الذي اتاح فرصة الهزائم الاسرائيلية كما هي الآن, و صدق الله تعالى إذ قال: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }آل عمران140.

و كما هو واضح لقد انتظرنا عقود حتى يدور التاريخ دورته و يسهل علينا ايقاع الهزيمة باسرائيل.

و لكن لابد أن نتعلم و نعى العبر و الدروس من دورة التاريخ هذه حتى نحقق النجاحات في مستقبلنا و لا نظل ننتظر أملا في أن يسقط النصر في حجورنا و نحن قاعدون, و بصيغة أخرى ينبغي أن نفهم سنن الله تعالى التي لا تتبدل بشأن حركة التاريخ حتى نسير وفقها.

و من أبرز هذه السنن التي لعبت دورا في الحدث الذي نحن بصدد تحليله و التعلم منه هي:

- وجوب الأخذ بالأسباب لدفع القدر بالقدر و هذه سنة النبي صلى الله عليه و سلم و خلفائه الراشدين.

- و ثاني هذه السنن هي وجوب الاعداد بأقصى ما نستطيع قال تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }الأنفال60, فدفع قدر العدوان بقدر الجهاد يلزمه أيضا الاعداد بأقصى ما نستطيع و ليس بفضول ما نستطيع.

- وثالث هذه السنن التي هي سنن الله في النصر هو التطوير الدائم مع حيازة أسبابه سواء في الفكر الاستراتيجي أو وسائل و أدوات القتال, فالنبي صلى الله عليه وآله و سلم حوَّل جيش المدينة من مشاة إلى فرسان مدرعين, ففي غزوة بدر كان الفرسان ثلاثة أفراد و الباقي مشاة معظمهم حاسرون أما في فتح مكة فكان المهاجرون و الأنصار كلهم فرسان مدرعون لا يُرَى منهم سوى الحدق من الحديد, كما استخدم النبي صلى الله عليه وآله و سلم الخندق كتكيك دفاعي لأول مرة في الجزيرة العربية كلها, كما أرسل نفرا من الصحابة ليتعلموا صناعة المنجنيق في الشام و عادوا ليستخدم آلة الحرب الجديدة على العرب لأول مرة في الجزيرة العربية في غزواته.

و كما هو واضح فهذه السنن هي أيضا من أبرز محاور السياسة الشرعية لأن السياسة الشرعية من وظائفها أن توافق و تتوائم مع سنن الله تعالي الثابتة في الكون لا أن تعاندها أو تتجاهلها أو حتى تغفل عنها, و إذا كان الأمر هكذا فهي من أعظم جوانب الهدي النبوي لأنه صلى الله عليه وآله و سلم أفضل من توافق مع سنن الله تعالى في خلقه و هو أعظم من مارس السياسة الشرعية.