أربعة دروس من حلب الجريحة وسوريا الحبيبة

بقلم عبد المنعم منيب | 25 ديسمبر, 2016
حلب
حلب

بعد مأساة حلب الأخيرة فرح أكابر المجرمين واستكبروا بينما حزن المؤمنون بل حزن كل محب للحق والحرية والعدالة مهما كانت عقيدته، وكتب عدد من كبار الكتاب الأوروبيين والأمريكيين عن ما اعتبروه "درس من حلب"، وكان أبرز ما قرأته درس كتبه أمريكى وآخر كتبه فرنسى (على ما أذكر) بالإضافة لدرس ثالث كتب عنه كل من كتب من الأخوة المسلمين عن حلب الجريحة الحبيبة، وقد كان لى رأى مختلف بشأن هذه الدروس الثلاثة حيث خالفت وجادلت فيهم كما أضفت درسا رابعا لتكون دروس حلب الحبيبة الجريحة بل دروس سوريا الحبيبة لنا نحن المسلمون هى أربعة دروس كالتالى:

الدرس الأول: هل نجح القمع وفاز الديكتاتور؟

 قالوا أثبت سقوط حلب أن الديكتاتور إذا قمع بشدة سينجح فى دفن الثورة والاستمرار فى الحكم .. وهذا ليس درسا جديدا فهو مقرر محفوظ لدى العرب والمسلمين، فالكل يعلم هذا وظل هذا متبعا بالمنطقة منذ ناصر ومنذ قالت cia لناصر اقمع المعارضة بشدة مهما تصاعدت وشعرت أنها ستنتصر وإياك أن تتفاوض معها أو تقدم أى تنازل (راجع الدراسة التى قدمتها CIA لناصر ليسير وفقها فى الحكم فى مقدمة كتاب لعبة الأمم لمايلز كوبلاند).. وذكرنا بنفس النهج الغربى هذا مؤلف كتاب الاصولية الاسلامية فى العالم العربى الصادر بأميركا عام ١٩٨٢ (حيث مدح طريقة ناصر فى التعامل مع الحركة الاسلامية كما مدح حافظ الأسد والقذافى لأنهما الوحيدان السائران على طريقة ناصر فى مواجهة الحركات الإسلامية، ونلاحظ أن هذا جاء رغم المعاداة الظاهرية لأميركا للأنظمة الثلاثة لكن الأهم عندهم هو ضرب الاسلاميين طبعا) وهذا الكتاب كان أصلا تقريرا أعده مؤلفه بطلب من الخارجية الامريكية إثر اغتيال السادات وقدم لها فى ديسمبر ١٩٨١ ليوضح لها السياسات التى ينبغى أن تسلكها لمواجهة الحركات الاسلامية فى العالم العربى.
 إذن فأمر القمع الشديد لآخر مدى فى مواجهة المعارضة معروف للشعوب وللاسلاميين لكنهم مع الربيع العربى لاحت لهم فكرة ظنوا انها ناجعة وهى الانتفاض الشعبى بسبب سيادة عصر الجماهير بالعالم فانتفضوا وغرتهم إزاحة بن على فى تونس ومبارك بمصر وتدخل الناتو فأزاح القذافى فى ليبيا .. لكن إيران أولا ثم روسيا تاليا ساندت نظام بشار ضد ثورة الشعب السورى كما ساندته أوروبا والولايات المتحدة وإسرائيل عبر منع السلاح عن الثورة .. ومن هنا فالدرس ليس انتصار الديكتاتور بالقمع ولا نجاح قمعه بسبب استعانته بقوى إقليمية ودولية ولكن الدرس هو أنه لابد من تكتيكات واستراتيجيات مبدعة فى مواجهة هذا النمط من القمع، استراتيجيات وتكتيكات سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية لا تقتصر على ما فعلته فعلا الثورة السورية حتى الآن بل تتعداه وتزيد عليه لتفعل كيسا وتنجح.
 إذ يجب أن تتعداه الى أشياء جديدة تستوحى وتستنبط وتطور (ولا تستنسخ) من تجارب اخرى متعددة حول العالم.

الدرس الثانى: هل ثبت أن القوى الدولية والأمم المتحدة لا يحمون الحرية والعدالة؟
 
قالوا ايضا إن من دروس سقوط شرق حلب إن النظام الدولى بما فيه الغرب والأمم المتحدة (فضلا عن ديكتاتورية الشرق الممثلة فى روسيا والصين) كل هؤلاء لا يقيمون وزنا لحماية أمن الشعوب وسلامتها والدفاع عن حقوق الانسان وأنهم سقطوا أخلاقيا ..الخ وفى الواقع فإن هذا أيضا ليس جديدا على العرب والمسلمين فسبق ان جرت مذابح لشعوب مسلمة وعربية عديدة ليس فقط بتجاهل أو تواطؤ دولى بل بأيدى الشرق تارة والغرب تارة أخرى .. وليس مجهولا ما حدث فى كل من فلسطين وأفغانستان والعراق والبوسنة وكوسوفو وتتار القرم ومسلمى الصين وبورما وأسام وكشمير الهندية وعشرية الجزائر وحقبة ناصر ومبارك بمصر والقذافى بليبيا وحماة أيام حافظ الأسد وعراق صدام وما يجرى لعرب وسنة إيران حتى الآن.. الخ 
 فكل هذا معلوم ومحفوظ لكن هناك اتجاهات إسلامية وعربية متميعة عقيديا ومغفلة سياسيا ظنت أنها يمكن أن تقنع النظام الدولى بأن يسمح للشعوب العربية والإسلامية السنية بالتحرر ولكن درس حلب الحقيقى (وسوريا) الآن جاء جليا ليسقط كل هؤلاء المغفلين سياسيا والمتميعين عقيديا ويقول لكل مسلم وعربى:
" لن تنالوا حريتكم بالتوسل والتسول وانما بالقدرة المادية والمعنوية، فافهموا جوهر هذه القدرة بكل تفاصيلها واحصلوا عليها بكل وسيلة وكل حيلة حتى تنتزعوا بها حريتكم وكرامتكم".

الدرس الثالث: هل خلافات الجماعات السورية هى من هزمت حلب؟

كل المتكلمين والكتاب العرب والمسلمين ذكروا أن الخلافات بين القادة والزعامات وكثرة التحزبات وتفرق الجماعات هو السبب فى الهزائم فى حلب خاصة وفى سوريا عامة، وهذا توصيف خاطئ للمشكلة لأن التحزبات وخلافات الزعامات تزول أو تؤجل عندما يداهم الخظر مصالح الجميع ولكن حقيقة ما حدث هو عقد القيادة والسيادة لبعض التافهين الأغرار الذين تم تقديمهم لمناصب قيادة الأحزاب والجماعات فى الثورة السورية إما لتهورهم وحمقهم وارتفاع صوتهم ورفعهم شعارات أسخن من شعارات غيرهم وإما لإجادتهم التلبيس والدجل على جماهير أتباعهم، لأن العقلية التى تؤثر الزعامة على بقاء أمة من المسلمين وعلى بقاء أجزاء حررتها دماء ذكية من أيدى الطاغوت هى عقليات صبية يعبثون وليست عقليات زعماء وقادة يتصارعون فأى قائد أو زعيم مولع بالزعامة والرياسة ويتصارع عليها بالدم والمال لو دهمه الخطر سيؤجل طموحاته فى الرياسة لحين دفع الخطر خاصة إذا كان خطرا وجوديا كما هو الحال فى سوريا (والعراق بل والعالم العربى والاسلامى الآن عامة)، وسأسمع الأصوات تنتقد نعتى لهم بأنهم مجرد صبية عابثون جلسوا على أرائك القيادة ولكنى أرد مقدما وأصر على هذا الوصف بل وأقول إنهم إن لم تكن عقولهم عقول صبية يعبثون وإذا ثبت أن عقولهم عقول طبيعية بالغة الرشد فهم إذا مجرمون أفاقون تسلموا القيادة ليوقعوا بالأمة فى الهلاك.   

الدرس الرابع: لماذا لم تجدى شجاعة الشجعان من الثوار فى حلب وسوريا؟

ومن دروس حلب أيضا المهمة أن هناك شجعان متحمسون قاتلوا فى حلب تحت الحصار حتى آخر رمق فمنهم من قتل ومنهم من أحيط به ولم يجد سبيلا سوى الانسحاب مع المنسحبين بعدما مسهم الضر الشديد، والدرس هنا هو أنه يجب أن نتعلم أن الحماس والشجاعة وحدهما لا يحسمان معركة فضلا عن حرب فهدى النبى صلى الله عليه وآله وسلم وخلفائه الراشدين هو الأخذ بالأسباب المادية فى شئون الحرب والسياسة ومقولة أننا "لا نجاهد بعدد ولا عدة وإنما نجاهد بهذا الدين" مقولة يخصصها ويشرحها بل ويعارضها مئات الأدلة من سنة النبى صلى الله عليه وآله وسلم وسنة خلفائه الراشدين فمراعاة العدد والعدة والاهتمام بالعدد والعدة فى كل معارك النبى صلى الله عليه وآله وسلم تكاد تكون متواترة تواترا معنويا إذا لو لم يكن النبى مهتما ومراعيا للعدد والعدة فلما حفر الخندق حول المدينة؟؟ (وهذا مجرد مثال والأدلة كثيرة)، وحتى فى المعارك التى قل فيها عدد المسلمين وعدتهم عن عدوهم (وهى كثيرة جدا طبعا) تم تعويض هذا النقص بحيل عسكرية معتبرة عبر خطط عسكرية مبدعة سواء خطط الهجوم أو الدفاع أو الانسحاب أو الكر والفر أو توقيت ومكان الهجوم المفاجئ أو تكتيك القتال المبدع أو المفاجئ أو اختيار مسرح عمليات غير مناسب للعدو وفيه ميزة للمسلمين، فانتصارات المسلمين الكثيرة عبر التاريخ فى معارك قل فيها عددهم وعدتهم لم تكن بسبب الحماس وارتفاع المعنويات (الناتج عن العقيدة الاسلامية) فقط بل صحب هذا شئ مما ذكرناه آنفا من الأسباب المادية العسكرية عبر ابداع عسكرى، وإنما حصر الاخباريون والمؤرخون والخطباء الحماسيون أسباب الانتصارات فى الحماس وروح التضحية وحب الاستشهاد لأسباب خاصة متعددة فتارة يكون السبب هو مواجهة موقف معين فاقتضى الحال التركيز على هذا الجانب وتارة لأن المتحدث ليس متخصصا فى الشأن العسكرى فلايدرك ولا يدرس ولا ينقل ويشرح الأمور المتعلقة بهذا الشان العسكرى وتارة لأن التعابير الخطابية تتطلب التركيز على الجوانب الحماسية والمعنوية فهى التى تسخن الخطاب فيكون له نغمة جذابة تطرب آذان السامعين فضلا عن أن ركون الناس للدنيا وتعلق قلوبهم بها صار لا حل لمواجهته غير بهذا الخطاب الحماسى ولكن عند التخطيط الإستراتيجيى للمعارك والصراعات والحروب فإن هذا وحده لا يكفى وهذا ما أثبتته "دروس شرق حلب" بل وسوريا كلها، فالحماس والتضحية والدم العربى المسلم السنى الذى نزف فى سوريا حتى الآن لم يكف لتحقيق النصر فالحماس والتضحية وحدهما لا يكفيان لحسم صراع المسلمين مع أعدائهم بل لابد من الأخذ بهدى النبى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وخلفائه الراشدين رضى الله عنهم فى الأخذ بالأسباب وحيازة القدرة والقوة، ولعلها ليست مصادفة أن أعظم ملاحم الإسلام وأول معركة كبرى فيه وهى "غزوة بدر الكبرى" إنما كان سببها هو خروج النبى صلى الله عليه وآله وسلم لاستهداف عير قريش التى كانت تحمل ثروة ضخمة، ومع هذا قدر الله بدلا منها ذات الشوكة وهى الاصطدام بجيش قريش المجهز بعدد وعدة، وفى الأمرين "استهداف العير والاصطدام بجيش قريش المجهز الضخم" دلالة واضحة عن أهمية حيازة القدرة وأهمية الجهاد وكسر شوكة العدو بصرامة وحسم.
ومن هنا فهذا الدرس يقضى بأن يعيد الصادقون المتحمسون حساباتهم المادية ويهتموا بالقدرة ومن ذلك تعويض نقص القدرة بالخدعة والفكر العسكرى والأمنى والسياسى الابداعى والمكر والدهاء والحيل المختلفة مع استيعاب دروس التاريخ والاستراتيجية قديما وحديثا، فالحماس والتضحية وحدهما لا يكفيان أبدا.