يقول موريس دوفرجيه "في الصراع السياسي كما في جميع أنواع الصراع المعقدة يعمل كل امرئ وفقا لخطة تصورها من قبل و أنضجها كثيرا أو قليلا و لم يحسب فيها حساب هجماته و حدها ، بل حسب فيها أيضا حساب ردود العدو و وسائل مواجهة هذه الردود.
فهذه الخطة في القتال هي ما يسمى بالاستراتيجية، و مختلف العناصر التي تتألف منها الاستراتيجية (هجمات على العدو و أجوبة على ردوده) هي ما يسمى بالتكتيك"أ.هـ. من: موريس دوفرجيه، المدخل الى علم السياسة ص 192.
نقلت هذا الاقتباس بنصه من أجل جملة محورية مهمة و هي " بل حسب فيها أيضا حساب ردود العدو و وسائل مواجهة هذه الردود"، لأن هذا الأمر من أبرز نقاط الضعف لدى مخططي الحركة الاسلامية السنية في العالم كله و من أهم أمثلة ذلك أن جميع الحركات الاسلامية (بما فيها الاخوان المسلمون منذ حسن البنا نفسه) منذ نشأتها و حتى الآن لم يحسبوا ردود فعل القوى العالمية و المحلية المعادية لهم و في الحالات المحدودة التي حسبوا فيها جانب من رد الفعل المضاد فقدروا له من الرد ما يساوي ردا واحدا (خطوة واحدة) و لم يتحسبوا للرد المعادي التالي لردهم على خطوة العدو الأولى [ و لنضرب مثالا من حادث قريب و هو تحسب اخوان مصر للانقلاب على مرسي فأولا جاء متأخرا و ثانيا أعدوا لرد واحد وهو الاعتصام و التظاهر في رابعة و النهضة و لم يتحسبوا لما بعد هذا الاعتصامات و المظاهرات - و لنضرب مثالا آخر من اتجاه آخر و هو منظمة القاعدة عندما ضربت سفارتي أمريكا في كينيا و تنزانيا كانت أعدت خطط و تجهيزات لضرب 120 هدفا أمريكيا حول العالم معظمها أهداف عسكرية و لكن أميركا قبضت على قيادي بالقاعدة بعد العمليتين بشهر و معه لاب توب به تفاصيل هذه الخطط فاحبطتها كما قبضت على عدد كبير من قادة القاعدة حول العالم فاحبطت عملها منذئذ وحتى 2001] فالمخططون الاسلاميون يفكرون و كأن الذي يعاديهم سيتلقى الضربة أو الانجاز السياسي أو العسكري الاسلامي ثم يضع يده على خده منتظرا تحقيق الاسلاميين لمزيد من الانجازات و هو ساكن بلا فعل.
الوحيد الذي رأيته أشار لجانب واحد ما من هذا الأمر من بعيد هو الأستاذ فتحي يكن رحمه الله عندما تكلم عن ظاهرة أسماها "التكامل و التآكل" عندما أكد أنه من الملاحظ أن الحركة الاسلامية كلما اقتربت من الاكتمال من حيث بناءها و اعدادها لتحقيق هدفها فإنها تواجه هجوما من أعدائها يقضي عليها لفترة ما بما يفرض عليها العودة من نقطة البداية من جديد عندما تتاح لها الفرصة للعمل ثانية.
و اكتفى الأستاذ يكن بهذا و لم يحلل و يبحث عن سبب هذا الأمر فضلا عن أن يحدد علاجا أو حلا لهذه المشكلة التي تمنع الحركة الاسلامية من تحقيق هدفها طوال قرن من الزمان و حتى الآن.
و أرجو التركيز هنا على أصل الموضوع و هو التخطيط الصحيح بما يشمل ردود أفعال الخصوم و الرد على ردودهم بمائة خطوة للامام متسلسلة من الأفعال و ردود الأفعال المتبادلة.