مستقبل الصراع السياسي و العسكري في المنطقة العربية و أفريقيا و أفغانستان (4 من 5)

بقلم عبد المنعم منيب | 28 سبتمبر, 2015
الرئيس الأمريكي أوباما - صورة أرشيفية
الرئيس الأمريكي أوباما - صورة أرشيفية

ذكرنا في الحلقة الأولى أننا نسعى للاجابة عن سؤال: ما هو مستقبل الصراع السياسي و العسكري في المنطقة العربية و أفريقيا و أفغانستان؟ و قلنا أنه كي نتمكن من الاجابة على هذا السؤال فلابد أولا أن نعيد توصيف هذه القوى و أهدافها لنعبر عنها بجوهر وصفها بدلا من الوقوف عند حد توصيفها بأسمائها فقط  ، و شرحنا في الحلقة الأولى توصيف كل من المشروع التركي و مشاريع الجهاد العالمي و الجهاد المحلي و تنظيم الدولة الاسلامية كما ذكرنا في الحلقة الثانية المشروع السعودي و المشروع الاخواني و ذكرنا في الحلقة الثالثة مشروع الامارات-السيسي و مشروع إيران و نواصل في هذه الحلقة توصيف بقية المشاريع بالمنطقة على النحو التالي:

-المشروع الأمريكي في المشرق العربي:
 
ما يهم الولايات المتحدة الأمريكة في المنطقة العربية هو التالي:

-ضمان أمن و قوة إسرائيل لأنها قاعدة عسكرية لها في المنطقة لتحقيق كل ما تريده كما أن القوى الصهيونية الأمريكية آخذة بتلابيب السياسة و الإدارة الأمريكية و توجهها حيث تشاء باستمرار.

-ضمان عدم قيام دولة إسلامية سنية حقيقية واعية بحقائق و متغيرات العصر و واعية بالكيفية المناسبة للتعامل مع هذه الحقائق و المتغيرات هذا فضلا عن عودة الخلافة الإسلامية إذ أن الغرب صار من ثوابته بعد إسقاط الخلافة الإسلامية العثمانية العمل على منع عودة الخلافة أو عودة أي دولة تحكم وفق الإسلام.

-ضمان السيطرة على حكام المنطقة و نخبها الفكرية لضمان تحقيق الأهداف آنفة الذكر و أيضا بقية الأهداف التالية..

-ضمان السيطرة على نفط المنطقة (الخليج و شمال أفريقيا) لأن أميركا تستخدمه في صراعاتها الدولية عبر التحكم في أسعاره فعندما تخفض أسعار النفط دوليا فإنها تضغط على اقتصاد روسيا الاتحادية و إيران و عندما ترفعه فإنها تضغط على اقتصاديات أوروبا و الصين و اليابان، و نفط المنطقة هو المصدر الرئيس للطاقة لكل من أوروبا واليابان و الصين و بالتالي فالسيطرة الأمريكية عليه تضمن امتلاك ورقة ضغط و سيطرة على كل من أوروبا و اليابان و الصين، و أوروبا و اليابان أكثر لأن الصين تأخذ نفطا من إيران و أفريقيا بجانب الخليج، و بالسيطرة الأمريكية على المنطقة و نفطها يمكنها أن توجع أي من هذه القوى المذكورة حال نشب صرع بارد أو ساخن معها.

و يضاف لذلك كله ثابتين آخرين مهمين لأمريكا في المنطقة و هما:
 
-    منع وحدة مصر و الشام (أو أي وحدة كبرى بالمنطقة) لأن وحدة مصر و الشام في عصري الأيوبيين و المماليك هي التي أنهت الوجود الصليبي بالمنطقة و أفشلت محاولات عودته.
-    عدم قيام أي دولة قوية و متقدمة بالمنطقة بشكل عام و في مصر بشكل خاص، لأن محمد على لما قام بمشروعه حقق نجاحا مرحليا بما شكل تهديدا استراتيجيا للهيمنة الأوروبية على العالم وقتها و بالتالي سارعوا بالقضاء على مشروعه ثم احتلال مصر في أقرب فرصة سنحت لهم بعدها.

وبسبب الخسائر الفادحة التي تكبدتها الولايات المتحدة في أفغانستان و العراق و بسبب سخونة الحروب الدائرة بالمنطقة العربية الآن فهي لا ترغب في هذه المرحلة أن تنخرط في معارك برية في المنطقة العربية و انما تكتفي بالضربات الجوية و تترك المنطقة كي تغلي و تنفجر ثم تتشكل من جديد ثم ستتعامل هي مع النتيجة النهائية للحروب الدائرة بالمنطقة، و هذا لا يمنع من دعمها لبعض قوى المنطقة سياسيا و عسكريا و اقتصاديا.

-المشروع الاسرائيلي:

تهدف إسرائيل للسيطرة على المنطقة العربية عبر هيمنة استعمارية و تعرف أنها لن تتمكن من ذلك الا باضعاف أنظمة الحكم و جعلها تابعة لها و تعرف أن مما يسهل هذا عليها ضرب و إقصاء الحركات الاسلامية التي تعادي إسرائيل عن الحياة السياسية و الاجتماعية و كذلك تفتيتت الدول العربية لتصير كيانات صغيرة عرقية أو دينية يسهل الانفراد بكل منها على حدة للهيمنة عليها، إلا أن صعود الحركات الاسلامية المسلحة في المنطقة يخيف إسرائيل و هي تتحسب له عسكريا و إستراتيجيا و لكنها في ظل غليان الصراعات بالمنطقة تجد أن الأفضل لها أن تنأى بنفسها عن الانغماس في الصراعات لتدخر قوتها و قدراتها ليوم الصدام و مع هذا فهي تراقب كل شئ بانتباه و حذر و تسعى لاختراق الحركات و الكيانات و الأنظمة الموجودة استخباراتيا و تسعى لمد الجسور مع بعضها و ضرب بعضها ببعض ، فاسرائيل تجيد و تحب لعبة "فرق تسد".
و من هنا فإن إسرائيل ستعزز و تشجع عمليات انقسام المنطقة الى دول صغيرة متنافرة و متفرقة على أسس عرقية و دينية، و أيا كان الأمر فإن أفضل و أقرب المشاريع في المنطقة لقلب إسرائيل هو مشروع "الامارات-السيسي" لشدة عداوته للحركات الاسلامية و هي عدو إسرائيل الأول بالمنطقة، و لكن مع هذا فإن إسرائيل لن تمانع في مد الجسور بشكل أو بآخر مع جميع قوى المنطقة بهدف تحقيق مشروعها للهيمنة الكاملة على المنطقة و مما يزيد فرص اسرائيل في هذا هو معرفة أغلب قوى المنطقة بأن البوابة الاسرائيلية هي أهم و أقرب بوابة لقلب و عقل الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة و ميل هذه القوى (خاصة تركيا و ايران و الامارات و مصر و غيرها) للعبور عبر هذه البوابة.
 
-الأهداف الروسية و الصينية في المنطقة:
 
بوتين هو ابن للمدرسة الإستراتيجية و الأمنية الروسية و هو يريد إعادة المجد السوفيتي في السياسة الدولية عبر روسيا الاتحادية و بالتالي فهو يحتاج للتسهيلات العسكرية في المنطقة عبر مواني بحرية و قواعد جوية و واضح أنه يسير على خطى الاتحاد السوفيتي السابق بالحفاظ على مثل هذه التسهيلات في سوريا و ربما بدرجة أقل في الجزائر أو مصر أو السودان كما انه سيحافظ على تحالف قوي مع إيران لأنها زبون مهم له اقتصاديا و لاعب أساسي بالمنطقة يمكنه من خلالها التواجد بالمنطقة و بالتالي فهو يساعد ايران على تكوين مستقبل سوريا حسب السيناريو الايراني المرتكز على علوية و شيعة سوريا.
 أما الصين فبرغم أنها تبتعد عن الصدام مع أمريكا لحد كبير بسبب علاقتهما الاقتصادية القوية جدا إلا أن الصين على المستوى الاستراتيجي و الأمني هي غريم لأمريكا و أمريكا تتحسب منها في هذا المجال و تسير الصين على خطى روسيا في هذا المجال فهي بدأت تمد تواجدها العسكري إلى البحر الأبيض عبر إجراءها مناورات بحرية مشتركة مع روسيا في هذا البحر كما أنها متواجدة بقوة في السودان و من هنا فهي تتطلع إلى المنطقة عسكريا و استراتيجيا لكنها لم تبلغ بعد مستوى أن يكون لها حلفائها الذين تنفرد بشراكتهم و من هنا فهي تسير بجانب خطى روسيا و إيران في المنطقة.
و يتضح من كل هذا أن روسيا و الصين ليس لهم ثوابت بشأن إستراتيجيتهم بالمنطقة اللهم إلا المصلحة إلا أن إيران و بشار الأسد أقنعا روسيا والصين حتى الآن أن مصلحتهما مع إيران و مع نظام بشار الأسد في سوريا. 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

و نواصل التحليل في الحلقة الأخيرة غدا إن شاء الله.

و إقرأ الحلقة الأولى هنا

و إقرأ الحلقة الثانية هنا

و إقرأ الحلقة الثالثة هنا

و إقرأ الحلقة الخامسة و الأخيرة هنا