مستقبل الصراع السياسي و العسكري في المنطقة العربية و أفريقيا و أفغانستان (3 من 5)

بقلم عبد المنعم منيب | 27 سبتمبر, 2015
محمد بن زايد و وزير خارجية إيران - صورة أرشيفية
محمد بن زايد و وزير خارجية إيران - صورة أرشيفية

ذكرنا في الحلقة الأولى أننا نسعى للاجابة عن سؤال: ما هو مستقبل الصراع السياسي و العسكري في المنطقة العربية و أفريقيا و أفغانستان؟ و قلنا أنه كي نتمكن من الاجابة على هذا السؤال فلابد أولا أن نعيد توصيف هذه القوى و أهدافها لنعبر عنها بجوهر وصفها بدلا من الوقوف عند حد توصيفها بأسمائها فقط  ، و شرحنا في الحلقة الأولى توصيف كل من المشروع التركي و مشاريع الجهاد العالمي و الجهاد المحلي و تنظيم الدولة الاسلامية كما ذكرنا في الحلقة الثانية المشروع السعودي و المشروع الاخواني و نواصل في هذه الحلقة توصيف بقية المشاريع بالمنطقة على النحو التالي:

 

-مشروع السيسي/الامارات:

 

بغض النظر عن الكثيرمن التفاصيل فإن هذا المشروع يعبر عن غلاة العلمانية في المنطقة العربية، و لا شك أن صعود الاسلاميين سياسيا بعد الربيع العربي أوضح أن الغالبية العظمى من العلمانيين العرب خاصة في مصر هم غلاة جدا في علمانيتهم و لا يقبلون الا باقصاء كل ما هو إسلامي حتى و ان لم يكن سياسيا و لم يتضح هذا الاتجاه بين كتاب و اعلامي العلمانية فقط بل برز أنه اتجاه مهيمن على الأجهزة الأمنية بشقيها العسكري و الشرطي، و قد أجج الصعود السياسي الاسلامي في مصر الأحقاد لدى هذه القوى تجاه الحركات الاسلامية بل تجاه التدين الاجتماعي أيضا فأطلقوا حربا لا هوادة فيها تجاه الاسلاميين كما هو معروف و مشاهد لكل متابع للشئون العربية في السنوات الثلاث الأخيرة.

هذا المشروع الذي يقوده رئيس مصر الحالي المشير عبد الفتاح السيسي و رجل الامارات القوي ولي العهد الأمير محمد بن زايد يهدف الى اقصاء الاسلاميين بمختلف تياراتهم عن أي وجود سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي أو فكري ثقافي في الساحة العربية و أدى هذا لصدامات مع المتظاهرين المعارضين في مصر و كذلك اشتباكات مسلحة مع معارضين مسلحين بعضهم أعلن انتمائه لتنظيم الدولة و بعضهم لم تعرف امتداداته التنظيمة بعد، كما حدثت صدامات مسلحة بين موالين للسيسي و بن زايد (قوات حفتر) و قوى  اسلامية مسلحة في أنحاء متفرقة في ليبيا.

و أبرز إشكاليات هذا المشروع أنه كي يبلغ مداه فلابد له من أن يتصادم مع البنى الاجتماعية الأصلية في مواطن تمدده بما في ذلك أكبر دولة عربية سكانيا و هي مصر بجانب دول قبلية كاليمن و ليبيا و هي دول تدعم قبائل مهمة فيها تيارات اسلامية متعددة ، و كيف سيتصرف هذا المشروع مع بنى اجتماعية راسخة تؤمن بالخطاب الديني الذي يصمه بالارهاب مثل المؤسسة الدينية السعودية و قواعدها الاجتماعية التي تكاد تشمل كل قبائل و عائلات المملكة.

و من هنا فهذا المشروع يتصادم ليس مع كافة المشاريع الاسلامية (الاخوان ، الجهاد العالمي ، الجهاد المحلي) بالإضافة الى المشروع التركي و لكنه يسير إن عاجلا أو أجلا للصدام مع المشروع السعودي أيضا و لا يوجد من هو أقرب اليه الا المشروع الايراني المدعوم روسيا إلا انه حتى مع هذا المشروع سيكون مهددا لأن هذا المشروع لا يقبل الا التبعية المطلقة و هذا سيفتح عليه أبواب ضغوط أخرى تتعلق بخريطة التمدد المسموح به لايران أمريكيا و اسرائيليا كي لا تتطغى على النفوذ الاسرائيلي بالمنطقة.

و فضلا عن هذا كله فإن المحور الامارتي المصري لا يقوى وحده على تمويل مشروعه السياسي و الاستراتيجي اقتصاديا.

 

-المشروع الإيراني:

 

مشروع ماكر جدا و يعمل بدهاء كبير جدا في العالم الإسلامي بكامله بل في العالم كله من أجل نشر التشيع بين جميع المسلمين السُنَّة و السيطرة على العالم العربي سياسيا.

و قد تمكنت إيران في الفترة الأخيرة من قطف كثير من ثمار ما زرعته منذ نحو أربعين عاما من العمل في المنطقة العربية من تمكين لحزب الله في لبنان و تمكين للحوثيين في اليمن و قبلها كان تمكين الشيعة في العراق و كادت تأخذ البحرين لولا تدخل القوات السعودية و الإماراتية كما نجحت إيران مع تابعها بشار في سوريا من تحجيم الثورة السورية بدرجة ما أو على الأقل عرقلة نجاحها الذي كان وشيكا في فترة ما.

 و إذا كان أردوغان يعمل على خداع أمريكا و أوروبا ليفلت بمشروعه -بالتحول إلى دولة عظمى- إلى بر الأمان دون الاصطدام بأمريكا عبر إيهامها بأنه صديقها و انه معتدل و يحارب التطرف و الإرهاب الإسلامي فإن إيران تفعل نفس الشئ لكن عبر تصوير كل الحركات الإسلامية السنية بأنها إرهابية بل و تصوير أردوغان نفسه بأنه إرهابي و بأن إيران نفسها هي دولة معتدلة و متعاونة مع أميركا و أوروبا ضد الإرهاب الإسلامي.. و فرصة الثقة بين أميركا و إيران في هذا المجال أكبر من فرصة أردوغان.

و تأتي فرص إيران الأوفر لأسباب عديدة و منها على سبيل المثال التالي:

 

1-إيران عاونت أميركا كثيرا جدا في ضرب الإسلاميين في أفغانستان و باكستان بينما أردوغان رفض التعاون هناك.

 

2-نفس الشئ فعلته إيران في العراق بينما رفض أردوغان معاونة أميركا هناك بل و بعد ذلك ظل يساند التركمان و السنة العرب ضد شيعة العراق بدرجة ما كما وثق علاقاته الاقتصادية و السياسية و الأمنية مع أكراد العراق ضد شيعة العراق و ضد إرادة إيران.

 

3-إيران تضرب السنة من القبائل الحاضنة لأنصار الشريعة الآن في اليمن عبر الحوثيين و تجعلهم يعلنون أنهم بذلك يحاربون الإرهاب و تساندهم أميركا بطائراتها و عملائها اليمنيين.

 

و أهم شئ في العلاقة بين إيران و أمريكا من وجهة نظري هو ان أميركا تنخدع لإيران في كل هذه الأمور و غيرها لهدف أكبر من ذلك كله و هو هدف استراتيجي يتمثل في أن أميركا تريد لإيران أن تقوى بدرجة معينة و تتمدد في المنطقة لما هو "آتي" و هو أن أميركا تعلم جيدا أن خلافة أو دولة إسلامية سنية واعية و ناضجة و مدركة لطبيعة العصر الذي نعيشه سوف تنشأ خلال السنوات القادمة و بالتالي فهي تعد إيران من طرف خفي للتصدي لهذه الدولة عسكريا و سياسيا لتجهضها أو على الأقل تستنزفها.

 و هذا نوع من اعادة ما جرى في التاريخ العثماني عندما أمدت ممالك أوروبا المملكة الصفوية بالمال ممولة لحروبها ضد العثمانيين مما أوقف الزحف و الفتوحات العثمانية في أوروبا بعد أن كانت القوات العثمانية قد حاصرت فيينا و قضمت نصف أوروبا الشرقي.. و نجحت بذلك أوروبا -وقتها- في إيقاف الزحف العثماني في اتجاه أوروبا لأن العثمانيين اضطروا لنقل مجهودهم الحربي كله الى الشرق للتصدي للهجمات الصفوية في المشرق العربي.

و تريد إيران توطيد نفوذ ذيولها في العراق و لبنان و اليمن و القضاء على معارضيهم هناك كما تسعى إلى تصعيد نشاط شيعة البحرين وصولا للاستحواذ على الحكم إذا سنحت الفرصة كما تريد أن تهزم الثورة السورية لتوطد حكم العلويين و تلجأ إيران لحيل عديدة في سوريا من أجل تحقيق هذا، فبجانب مجهودها العسكري فإنها قد تلجأ لحل سياسي ما بالتوافق مع المحور الخليجي و الولايات المتحدة .

و يضاف لذلك نشاطها الكبير عبر الشيعة داخل الكويت و السعودية و مصر و أفغانستان و باكستان و غيرها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

و نواصل التحليل في الحلقة التالية غدا إن شاء الله.

و إقرأ الحلقة الأولى هنا

و إقرأ الحلقة الثانية هنا

و إقرأ الحلقة الرابعة هنا

و إقرأ الحلقة الخامسة و الأخيرة هنا