منذ عدة أيام لاحظت خبر وصول قطع بحرية روسية إلى قرب سواحل سوريا وتحمل صواريخ كروز يزيد مداها عن ألفي كم، وقالت روسيا أن هدفها دفاعي وما أن رجعت للبيت حتى وجدت خبر وصول قوات أمريكية الى العراق يصل عددها لأكثر من ١٨٠٠ مقاتل بمعداتهم، أول تساؤل كان قفز لذهني مع الوصول الصاروخي الروسي ولكن سرعان ما جاء اول طرف للاجابة مع الوصول الامريكي، فروسيا عرفت نية الولايات المتحدة للتواجد العسكري لمزاحمة الاجندة الروسية وربما جانب من الاجندة الايرانية/الشيعية فعززت روسيا وجودها لتحد من مخاطر هذه المزاحمة، وتتابعت بعد ذلك بيوم او يومين الأخبار لتؤكد هذا الظن، فأمريكا تقرر ارسال الفرقة ١٠١ للعراق وهي فرقة محمولة جوا لها خبرة بالعراق وشاركت بدور فعال في غزو العراق أيام بوش الابن، ونجد جون بايدن يعلن من تركيا أنه إذا لم ينجح الحل السياسي في سوريا فإن الولايات المتحدة وتركيا لن تسكتا وستتدخلان عسكريا لضرب الارهاب في سوريا وأردوغان يعلن ان أكراد سوريا وتركيا هم كداعش سواء وان تركيا وأمريكا وفرنسا وألمانيا و قطر لن تسمح للإرهاب بالتمدد في سوريا وأن تركيا لن تسمح بتموضع روسي في شمال سوريا.
ليس هدفي هنا سوق التحليل السياسي وانما هدفي أن أتخذه مدخلا لذكر قاعدة مهمة في مجال فهم فلسفة حركة الأحداث أو ماهو القانون الذي تتحرك الأحداث وفقه (وهي نفسها ما تسمى بفلسفة التاريخ) ومن ثم نفهم مستقبل أي أحداث او نتوقع مسارها العام على الأقل، فعندما دخلت روسيا بغشمها وإجرامها الى سوريا وسفكت دماء اهلنا هناك اسودت الدنيا في أعيننا جميعا ولكنني كنت أعلم بل أيقن أن أمرهم وأمر إيران/الشيعة لن يتم و سوف تسحقهم عجلة التاريخ وربما كتبت عن هذا كثيرا وقتها، الآن تتضح صورة سنن الله الثابتة التي لا تتبدل في مجال حركة الأحداث وأول معلم من معالم هذه السنة هي قوله تعالى:
(وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) [سورة آل عمران ١٤٠- ١٤١]
فلا مناص من هذه المداولة (بغض النظر عن تفاصيل حكمة وأسباب المداولة).
ولعل مما يوضح المدوالة هذه أيضا قوله صلى الله عليه وآله وسلم (حق على الله أن لا يرتفع شئ من الدنيا إلا وضعه) [رواه البخاري وأبوداود والنسائي].
وهنا يبرز سؤال مهم وهو: ما هي آليات تحقق هذه المداولة؟
ولا شك انه توجود عدد من الآليات التفصيلية في هذا المجال وردت في العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية إلا أن أبرز هذه الآليات وأكثرها كلية هي آلية المدافعة (أي الصراع)، قال تعالى:
(وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)
[سورة البقرة 251].
وقال سبحانه أيضا:
(وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [سورة الحج 40].
وقد كتبنا تفصيلا عن مفهوم هذا التدافع أو الصراع و ركائزه أو أنساقه الفرعية في مقال سابق هنا.
وبعيدا عن أي تفصيلات اخرى فإننا نريد أن نشير إلى أنه اذا شاهدنا علوا للظلم أو الظالم فلا ينبغي أن نظن أن هذه هي نهاية المطاف فالأيام دول، وما ارتفع شئ إلا وضعه الله، فإن نازعتنا أنفسنا متسائلة: كيف؟ فلنرد عليها بقوله تعالى (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) وقوله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ).