تحولات خريطة الإسلاميين على مشارف جمهورية الثورة المصرية

بقلم عبد المنعم منيب | 26 مايو, 2012

أبرزت انتخابات الرئاسة الخلافات السياسية بين القوى الإسلامية، إذ انقسم الإسلاميون لثلاث طوائف مختلفة، تكونت كل طائفة من عدد من الجماعات والأحزاب والشخصيات الإسلامية البارزة وتمحورت حول مرشح واحد. طائفة كبيرة من المستقلين تمحورت حول حازم صلاح أبوإسماعيل، وكان بينهم عدد من رموز التيار السلفى بشكله العام، بالإضافة إلى جماعة القطبيين بينما تمحور الإخوان وفريق من السلفيين حول المرشح الإخوانى محمد مرسى وتمحورت الدعوة السلفية وحزبها "النور" والجماعة الإسلامية وحزبها "البناء والتنمية" حول المرشح المستقل عبدالمنعم أبوالفتوح، ورغم تفرق أنصار أبوإسماعيل بين مؤيدين لمرسى مثل جماعة دعوة أهل السنة "القطبيون" ومؤيدين لأبوالفتوح بعد رفض ترشح أبوإسماعيل، فإنه يمكن القول إن هذا أمر عابر وسيعود "حازمون"، كما يحلو للبعض أن يسميهم، للالتفاف حول حازم أبوإسماعيل سياسيا بعد الانتهاء من انتخابات الرئاسة المصرية.

وعلى كل حال فلم تكن انتخابات الرئاسة المصرية هى أول قضية سياسية هامة تختلف عليها القوى السياسية الإسلامية سواء كانوا أحزابا أو جماعات، فسبق أن اختلف سلفيو حزب النور فى البرلمان مع حزب الحرية والعدالة "الإخوان المسلمون" حول إقالة حكومة الجنزورى وتشكيل حكومة من حزب الأغلبية، ومنذ أسبوع انتقد قادة حزب النور "الإخوان المسلمون" واعتبروا أن الجماعة وحزبها تتعمد التسويف فى التوافق على تكوين الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور.

كما مال حزب البناء والتنمية فى العديد من المواقف للتمايز عن حزب الحرية والعدالة ومنذ أسبوع اصطدم برلمانيو البناء والتنمية بقيادة عامر عبدالرحيم وأشرف عجور مع برلمانى حزب الحرية والعدالة، بسبب رفض أعضاء الأخير بقيادة صبحى صالح القيادى الإخوانى ووكيل اللجنة التشريعية بمجلس الشعب لقانون العفو عن مسجونى الجماعة الإسلامية والجهاد، الذين صدرت ضدهم أحكاما بالسجن أو الإعدام فى قضايا سياسية فى عهد مبارك من قبل المحاكم العسكرية وفقا لقوانين الطوارئ.

والتمايز لم يقتصر على الخلافات بين حزب البناء والتنمية "الجماعة الإسلامية" وحزب الحرية والعدالة وحزب النور "الدعوة السلفية"، بل امتد الخلاف لأطراف إسلامية أخرى كحزب الوسط، ومن أمثلة ذلك الخلاف الذى نشب أثناء مناقشة قانون العزل السياسى بين حزب الوسط وحزب الحرية والعدالة، عندما أصر الحرية والعدالة على تضييق قانون العزل السياسى لأضيق نطاق بعكس ما كان قد اقترحه حزب الوسط فى مشروع القانون الذى قدمه نائب رئيس الحزب النائب عصام سلطان، وإن كان عصام سلطان لم يضرب رأسه فى الصخر، ولم يعارض إرادة الأكثرية الإخوانية ووافق على الصياغة التى اقترحها حسين إبراهيم زعيم الكتلة البرلمانية للحرية والعدالة من أجل تمرير القانون بسرعة، وفى نفس سياق الخلافات بين الإخوان وحزب الوسط كان أبوالعلا ماضى، رئيس حزب الوسط "إسلامى منشق عن الإخوان المسلمين" قد شدد فى حوار تليفزيونى على أن مصر صعب أن يبلعها حزب واحد فى "زوره"، رافضا المنهج الذى ينتهجه حزب الحرية والعدالة سياسيا ورغبته فى الاستحواذ على كل مقاليد السلطة فى فترة لم تستقر فيها الأوضاع فى مصر، مما يهدد أهداف الثورة، وأكد ماضى أن الإخوان المسلمين لم يقدموا تنازلات حقيقية من أجل أن تحقق الثورة أهدافها، وانتقد منهجهم فى تشكيل تأسيسية الدستور وتغيير كلامهم فى خوض انتخابات الرئاسة، وفى نفس سياق الخلافات بين الإخوان المسلمين وحزبهم الحرية والعدالة من جهة والعديد من القوى الإسلامية الأخرى، أثارت تصريحات حادة أطلقها الداعية الكبير وأحد قادة الدعوة السلفية الشيخ الدكتور أحمد فريد، سخط قادة الإخوان المسلمين، حيث انتقد فريد جماعة الإخوان المسلمين فى مؤتمر لمناصرة أبوالفتوح فى أسيوط وقال إن مصلحة الجماعة هى وثن يعبده الإخوان واتهمهم بأنهم يقدمون مصلحة الجماعة على كل شىء.

كل هذه النزاعات السياسية بين القوى الإسلامية الممثلة فى العملية السياسية تطرح العديد من التساؤلات حول مستقبل العلاقة بين القوى الإسلامية فى المرحلة المقبلة، لا سيما وأن البلاد ستشهد استحقاقات سياسية هامة بعد الانتهاء من انتخابات الرئاسة وتسليم السلطة للرئيس المنتخب ورجوع الجيش لثكناته

فهل ستتحرك القوى السياسية الإسلامية ككتلة واحدة فى مواجهة القوى الأخرى؟ أم ستتنوع مواقفها وتتعدد؟ وهل ستنقسم القوى الإسلامية إزاء الاستحقاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى ستواجهها الدولة المصرية والمجتمع فى المرحلة المقبلة، أم أن خياراتها ستكون واحدة إزاء هذه الاستحقاقات الهامة والمصيرية؟ وقبل وبعد ذلك كله، ما هى الاتجاهات الأساسية والخلفيات الاجتماعية لكل من هذه القوى والتى ستحدد موقفها إزاء المشكلات والأزمات العديدة التى تواجهها البلاد؟

كل هذه الأسئلة وغيرها لا يمكن الإجابة عنها إلا عبر التأمل فى مسارين:
المسار الأول: مستقبل خريطة هذه القوى السياسية الإسلامية وهل ستظل على حالها أم ستطرأ عليها تغيرات؟

المسار الثانى: الطبيعة والميول الفكرية والخلفيات الاجتماعية لكل واحدة من هذه القوى الإسلامية.

و بالنسبة للمسار الأول، فمما لا شك فيه أن خريطة القوى السياسية الحالية ستتغير خلال ثلاثة شهور على الأكثر لتشهد عدة تغيرات كبيرة، وسيكون التغير الأول والهام هو تنظيم حازم صلاح أبوإسماعيل لحركة سياسية ودعوية كبيرة يكون ذراعها السياسى حزب الأمة المصرية تحت التأسيس والمدعوم من مؤسس السلفية المصرية الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق وهذه الحركة ستخصم بشكل أساسى من أعضاء الدعوة السلفية وقواعدها الشعبية، كما أنها قد تضم ما لايقل عن خمسين من أعضاء مجلس الشعب عن حزب النور، مما يخفض من تمثيل حزب النور بالمجلس ويضع حازم أبوإسماعيل داخل المجلس عبر تمثيل حزبه بأكثر من خمسين عضوا، وسوف ينضم لحزب حازم أبوإسماعيل الكثير من الدعاة والشباب الذين يتبعون الحركة السلفية بالقاهرة التى تمثل الحاضنة لحزب الأصالة السلفى، الذى يرأسه اللواء الدكتور عادل عفيفى بتوجيه ورعاية دينية من شقيقه العلامة السلفى د. محمد عبدالمقصود عفيفى، كما قد ينضم قليل من شباب الإخوان المسلمين لحزب حازم صلاح أبوإسماعيل.

أما التغيير الثانى الهام الذى سوف يطرأ فى المدى القريب على خريطة القوى الإسلامية فهو تحويل حملة الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح لحركة سياسية منظمة لها حزبها السياسى، وهو استثمار سياسى سيكون ناجحا، لأن حملة أبوالفتوح تمثل مزجا فذا للعديد من شرائح المجتمع المصرى الفكرية والاجتماعية والسياسية والدينية، ورغم أن أبوالفتوح يعتبر أن حملته ومؤيديه هم التيار المصرى العام فإنه من المنتظر أن يخصم التنظيم السياسى لأبوالفتوح من عناصر وقواعد جماعة الإخوان المسلمين وحزبها الحرية والعدالة، بل من المحتمل أن ينضم عدد قليل من أعضاء مجلسى الشعب والشورى عن حزب الحرية والعدالة لحزب عبدالمنعم أبوالفتوح، الأمر الذى سيقفز بأبوالفتوح ليضعه فى قلب العملية التشريعية داخل مجلس الشعب

هناك كيان سياسى واحد أو حتى كيانين قد ينشآ فى نفس الفترة سيضاعفا من جراح الدعوة السلفية وحزبها النور وكذلك سلفية القاهرة وحزبها الأصالة، وإن كانا لن يخصما كثيرا من عناصر وقواعد جماعة الإخوان المسلمين، لكنهما سيسببا مزيدا من الإحراج السياسى والدينى لجماعة الإخوان المسلمين وحزبها بسبب الطبيعة الدينية والثورية السياسية والاقتصادية التى تتبناها جماعة دعوة أهل السنة "القطبيون" بقيادة العلامة عبدالمجيد الشاذلى، وهذه الجماعة هى أحد أهم هذين الحزبين السياسيين المرتقبين، أما التنظيم السياسى الثانى فهو الجبهة السلفية التى تنوى أن تؤطر عملها السياسى عبر حزب الفضيلة السلفى، وهو حزب قائم فعلا لكن لم يشارك فى انتخابات مجلسى الشعب والشورى، وإن ساند د. محمد مرسى فى الانتخابات الرئاسية.

كل هذه المتغيرات ستجعل الخريطة السياسية للإسلاميين مختلفة وستضعف الحزبين الرئيسيين "الحرية والعدالة" و"النور" ومن ورائهما جماعة الإخوان المسلمين والدعوة السلفية، كما أنها ستتيح للقوى السياسية المختلفة خيارات مختلفة للتعاون والتنسيق والتحالف، كما أنها ستحرج قوى عديدة بسبب الخيارات الاقتصادية والاجتماعية التى ستطرحها، والتى تعتبر مغايرة جذريا للطبيعة شبه الرأسمالية عند الإخوان المسلمين وسلفيى النور، كما قد تحرجهم بسبب مواقف هذه الكيانات الجديدة السياسية الأكثر جذرية ووضوحا من كل من الإخوان وسلفيى النور.

وهذا كله يقودنا للمسار الثانى فى مجال التأمل بشأن مستقبل العلاقات بين القوى السياسية الإسلامية، وهو المسار الخاص بالطبيعة الفكرية والاجتماعية لهذه القوى بشكل عام الجديدة منها والقديمة، مع ملاحظة أن طبيعة التناول هنا بوصفه تناولا صحفيا، فإن المجال لن يتسع فيه للتعمق فى الجوانب الفكرية لهذه القوى، لكن يمكن القول باختصار أن جماعة الإخوان المسلمين وسلفيى حزب النور "الدعوة السلفية"، هما قوتان تقليديتان سياسيا ترسخت خبراتهما السياسية فى مجال واحد، هو مجال عقد الصفقات مع الأقوى والقناعة بقبول الأقل من هذا الأقوى دون الطموح للحصول على الأقصى، ودون أى خيال سياسى يسمح لهذا الطموح بأن يتسرب للعقل السياسى للجماعة مع المراهنة الدائمة، على أن مرور الوقت دون الصدام مع الأقوى ستأتى بالخير للجماعة، لأن المجازفة عندهم هى تهور غير مقبول، ومن البديهى أن تفكير كهذا لن يتيح لصاحبه ممارسة مفاوضات ناجحة مع الخصم أو المنافس بشكل حرفى قائم على التجاذب والضغط للحصول على أقصى مكاسب ممكنة، ولعل أبرز مثال على ذلك بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين هو الفيديو المنتشر على شبكة الإنترنت، والذى يصور لقاء تليفزيونيا أجرى مع د. سعد الكتاتنى أثر اجتماع ممثلى الإخوان المسلمين مع اللواء عمر سليمان أثناء الثورة وكلام الكتتانى، الذى أثنى فيه على اللقاء وعلى لغته وأطروحاته، وقال ما معناه، أن النظام قد تغيرت سياسته، وطبعا لو كان شباب الثورة بالتحرير قد أخذوا بهذا الطرح كانوا غادروا التحرير، وما كان مبارك قد تنحى ولظل عمر سليمان نائبا له وشفيق رئيسا للوزراء والله أعلم بالباقى، أما المثال البارز بالنسبة لجماعة الدعوة السلفية فهو إصرارها حتى آخر يوم للثورة، على أن التظاهر والثورة حرام وإصرارها حتى اليوم على عدم الاعتراف بأن موقفها هذا كان خطأ.

و على أية حال فالقوى الجديدة لن ترى أن السياسة هى صفقة رخيصة مع الأقوى بل هى صراع وثورة وتفاوض مرير للحصول على الحقوق، لأن الكيانات الجديدة قوامها شباب عركته أحداث وخبرات الثورة المصرية طوال الـ 16 شهرا الماضية، كما أنهم لم تكسر عزيمتهم السياسية القبضة الحديدية للقمع، الذى أدارته أجهزة النظام الديكتاتورى طوال العقود الماضية، صحيح أن منهم من خرج من بوتقة الإخوان والسلفيين وأبوالفتوح هو المثال الأبرز، لكن الحقيقة أنهم ما خرج منهم من خرج عن الإخوان والسلفيين إلا لأن أفاقه السياسية تطورت ونضجت وحلقت عاليا فى سماء الطموح والخيال السياسى "مع ملاحظة أن الخيال أحد مكونات الإبداع" فتمردت على الأفاق المقيدة المحصورة عند جماعتى الإخوان المسلمين والدعوة السلفية، ومن هنا سيأتى تميز هذه القوى الجديدة لو انطلقت كما نتوقع وكما أعلنوا هم إما صراحة كحازم أبوإسماعيل وإما تلميحا أشبه بالتصريح كما أعلن أبوالفتوح عن استمرار مشروعه وحملته لخير مصر.

الجانب أو الفرق الآخر الخاص بالقوى الإسلامية السياسية المختلفة عن الإخوان المسلمين وسلفيى النور هو الجانب الاجتماعى، فقيادة الإخوان المسلمين والدعوة السلفية يغلب عليها طابع الانتماء للشريحة العليا من الطبقة الوسطى، وكذلك جزء منها هو من الطبقة العليا بدرجة ما "الأثرياء" أما الكيانات الجديدة وكذلك الجماعة الإسلامية، فيوجد قطاع كبير بينهم من العمال والفلاحين والشريحة الوسطى والدنيا فى الطبقة الوسطى، فضلا عن وجود ملحوظ لأفراد الطبقة الدنيا خاصة فى حزب حازم والجبهة السلفية، أما القطبيون فبرغم أنهم موزعون على كل الطبقات فإن فكرهم ومشروعهم الاقتصادى يرجح نظام الاقتصاد المختلط بشرط التخطيط المركزى للاقتصاد بشكل عام بما يشبه بشكل ملحوظ الخيارات الاقتصادية اليسارية.

وانطلاقا من هذا كله فمن المتوقع ليس فقط أن نشهد خلافا بين القوى السياسية الإسلامية حول الخيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى الفترة المقبلة، بل من المنتظر أن نرى تغيرا فى أطروحات وخيارات إسلامية جديدة بعضها يقترب من اليمين وبعضها يقترب من اليسار، كما سنرى تغيرا فى الأوزان النسبية لمستوى القوة السياسية لدى كل تيار.

ولكن يبقى سؤالا هاما مفتوحا لفترة طويلة وهو: هل ستقف القوى الإسلامية القديمة موقف المتفرج من التغيرات السريعة والمتلاحقة التى تشهدها وستشهدها الساحة السياسية المصرية، أم سيكون لها إجابة أخرى على هذه التغيرات تختلف عن إجابتها التى اعتدنا عليها لعقود طويلة مضت؟.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 نشر هذا الموضوع في جريدة اليوم السابع الورقية السبت 26 مايو 2012 و على موقعها الالكتروني أيضا.