كيف نجح الإسلاميون فى الوصول للبرلمان وخسر اليسار والليبراليون؟.. التيار الإسلامى يحصد ثمار 40 عاما من الجهد

بقلم عبد المنعم منيب | 13 يناير, 2012

جاءت نتائج الانتخابات البرلمانية لتؤكد اكتساح الإسلاميين بمختلف توجهاتهم لأغلبية مقاعد مجلس الشعب التى جرى الاقتراع عليها، ولكن أحدا لم يجب إجابة موضوعية عن دلالات هذا الاكتساح ومستقبله سواء بالنسبة للإسلاميين، الإخوان والسلفيين تحديدا، أم بالنسبة لائتلافات شباب الثورة واليساريين والليبرالين والأحزاب الصاعدة وأخيرا بالنسبة للمجلس العسكرى والنخبة السياسية المتمثلة فى مؤسسات الدولة، والتى تمثل بشكل أو بآخر وجها من أوجه النظام المخلوع وهى بطبيعتها عريقة فى الفساد والإفساد والتسيب وعدم الفاعلية، وطبعا فإن المساحة المتاحة لهذا التحليل لن تسمح بتناول كل هذه الجوانب بالدراسة والتأمل ولذا فمن المناسب الاقتصار على عدد أقل من اللاعبين المهمين على أن نتناول بقية الجوانب فى مناسبات أخرى إن شاء الله تعالى.

 

واللاعبون الذين يهموننا هنا هم الإخوان المسلمون والسلفيون من جهة والاشتراكيون الثوريين وحركة 6 أبريل بشقيها مع مجموعة الائتلافات الثورية الأخرى بمختلف تنوعاتها من جهة أخرى.

 

الإخوان المسلمون بدأوا بناء حركتهم السياسية والدعوية من الصفر فى منتصف سبعينيات القرن العشرين بعد خروجهم من السجون، وفق اتفاق ما مع السادات، كان السادات يحتاجهم لكى يقوموا باحتواء الشارع السياسى بشكل عام، لتقليص فرص انضمام الشباب لليسار الناصرى والماركسى، وكذلك احتواء شباب الإسلاميين كى لا ينخرطوا فى تنظيمات إسلامية مسلحة أو حتى معارضة بشكل حاد أو راديكالى، ولقد تفهم الإخوان المسلمون طبيعة المرحلة وقبلوا المعادلة السياسية.. هدوء الشارع السياسى بدرجة ما، إزاء السادات مقابل غض طرف السادات عن إعادة بناء الإخوان لتنظيمهم وبعد أقل من ست سنوات، نجحت الدعوة الإسلامية للإخوان «وغيرهم» فى إضعاف التيار الناصرى والماركسى بدرجة ما، وفشلوا فى احتواء الجهاديين الإسلاميين «تنظيمى الجهاد والجماعة الإسلامية» ونجحوا فى بناء تنظيم الإخوان المسلمين من جديد «يلاحظ أن كل قادة الإخوان الآن هم من تم تجنيدهم وإعدادهم فى عصر السادات» واصطدم الإخوان والسادات معا فى صيف 1981 قبيل اغتياله بأسابيع، بسبب عجزهم عن التعايش مع سياسات السادات تجاه إسرائيل من ناحية، وبسبب شعور السادات بأنهم لم ينجحوا فى احتواء جميع أطياف التيارات الإسلامية التى صعدت من معارضتها للسادات فى ذلك الوقت، ثم بلغ الصدام ذروته باغتيال تنظيم الجهاد للسادات فى 6 أكتوبر 1981.

 

شبح الجهاديين ونشاطهم ضد نظام مبارك بعد اغتيال السادات دفع مبارك لإفساح المجال للإخوان المسلمين، فى إطار سقف معين حددته أجهزة الأمن بدقة، لكى تتم مواجهة الفكر الجهادى الثورى بالفكر الإخوانى الإصلاحى وفهم الإخوان المعادلة الجديدة، وهى إن كانت تعنى لحسنى مبارك تحجيما للجهاديين، فهى كانت تعنى للإخوان توسعا وتقوية لبنائهم التنظيمى وتعزيز انتشاره فى كل حى وقرية ومعهد وكلية ونقابة ومسجد، مع تحمل قدر من الضغط الأمنى والاعتقالات التى لم تكن تتعدى شهرا واحدا فى الغالب، ولم يكد عقد الثمانينيات ينتهى حتى نشب الصراع المسلح بين الجهاديين ونظام مبارك واستمر حتى نهاية القرن العشرين، انشغال نظام مبارك بهذه المعارضة المسلحة أتاح للإخوان المسلمين مزيدا من التوسع التنظيمى وشعر نظام مبارك بخطورة ذلك، فبادر بتوجيه ضربات أقوى للإخوان لا سيما وأنه قد بدأ يشعر بأنه قد نجح فى إضعاف الجهاد والجماعة الإسلامية، لكن قوة الإخوان التنظيمية والسياسية مع تجنبهم لاستخدام العنف لم تتح للنظام أن يواجههم بالعنف نفسه الذى واجه به الجهاديين، فاكتفى بمحاكمتهم أمام محاكم عسكرية أصدرت أحكاما أدنى بكثير من التى كانت تصدر ضد الجهاديين، وكانت الاعتقالات قصيرة وذلك جاء بجهد سياسى وقانونى وإعلامى إخوانى ولم يكن منحة من مبارك، لكنه كان ترجمة لحقائق المعادلات السياسية الموجودة فى الواقع المصرى، وهكذا دخل الإخوان المسلمون بعد 2001 مرحلة اللاعب السياسى القوى الذى يدرك ما يريد بدقة ويمكنه فعل الكثير، رغم عدم مواءمة الأوضاع، كما أدرك نظام مبارك أن جماعة الإخوان المسلمين لم يعد من الممكن حذفها من خريطة العمل السياسى فى مصر، وإن استمر فى الضغط عليها من حين لآخر بعدد من الاعتقالات والمحاكمات.. ومن هنا استمر تعزيز الإخوان المسلمين لقدراتهم التنظيمية والدعوية والسياسية مع رفضهم للدخول فى مواجهة حاسمة مع النظام، رغم إلحاح الحركات السياسية الصاعدة كحركة كفاية وبعدها 6 أبريل ومعهما العديد من المفكرين والكتاب والساسة الليبراليين واليساريين المعارضين للنظام، والذين رأوا أن مشاركة الإخوان قادرة على حسم الصراع مع مبارك ونظامه، بينما سكت الإخوان ورفضوا هذه الدعوات وكان قادتهم فى الغرف المغلقة يتهامسون فيما بينهم على أن لحظة الصدام آتية لا محالة، ولكن من الحكمة تأجيلها لأقصى مدى ممكن، لأن كل يوم يمر دون صدام فهو يضيف لقوة جماعة الإخوان المسلمين.

 

وجاء يوم الثلاثاء 25 يناير 2011 وشارك عدد من شباب الإخوان بشكل غير رسمى لجس النبض، هل ستكون مظاهرات محدودة كما دأبت 6 أبريل وكفاية على القيام بها من حين لآخر منذ خمس سنوات؟ أم هناك ظرف ثورى تمر به البلاد وفى الوقت نفسه، كان الموقف الرسمى المعلن لجماعة الإخوان المسلمين هو عدم المشاركة، ومر الأربعاء وجزء من الخميس مثل الثلاثاء بالنسبة للإخوان المسلمين، لكن بعد ظهر الخميس أعلن الإخوان رسميا انضمامهم للمظاهرات التى بدا للبعض أنها قد لا تصمد ليوم تالٍ، لكن جاء اليوم التالى ليكون من أهم أيام الثورة وهو جمعة الغضب 28 يناير، واستمرت مشاركة الإخوان فى الثورة حتى تنحى مبارك.

 

أما السلفيون فلهم قصة أخرى وإن تشابهت مع قصة الإخوان فى أمرين هما، أن السلفيين قوة إصلاحية وليست ثورية، والثانى أن السلفيين قرأوا المعادلات السياسية التى كانت سائدة فى الواقع السياسى، منذ سبعينيات القرن الماضى وعملوا فى إطارها دون معاندة لها أو صدام معها، هذه المعادلات السياسية كانت بالنسبة للسلفيين أكثر بساطة من المعادلات التى عمل فى إطارها الإخوان المسلمون، المعادلة الرئيسية التى فهمها جميع السلفيين كبيرهم وصغيرهم، أن معارضة النظام بصراحة ووضوح وبشكل مستمر سيقفل عليهم باب العمل الدعوى، وربما يقذف بهم إلى غياهب السجون لسنوات طويلة أما مشاركتهم فى منظمات سرية فأدركوا أنها أم المهالك بالنسبة لهم، وكان من السهل على السلفيين بكل أطيافهم الفكرية أن يتعايشوا مع هذه المعادلة، لأن التيار السلفى هو تيار إصلاحى وبعيد عن الثورية، فهم ورثة شرعيون لمقولة أن تأييد الحاكم الظالم والفاسق يقفل باب الفتنة، وهم بالطبع لم يكونوا يعتبرون مبارك كافرا فهو ظالم فقط، حسب رأى أكثرهم، كما أن حذر السلفيين الزائد من الفكر الجهادى بجانب خوف أكثرهم الشديد من بطش مبارك، جعل أكثرهم يتجاهلون العمل بحديث «خير الجهاد كلمة حق عند سلطان ظالم» وحديث «سيد الشهداء حمزة ورجل قام لسلطان ظالم فأمره ونهاه فقتله» وكذلك سائر الآيات والأحاديث التى تحض على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وبذل النصيحة للحكام، ورأى السلفيون وقتها أن هذا له تبريره، لأن الأجهزة القمعية فى عصر مبارك لم تترك لهم خيارا آخر، فعلى سبيل المثال فإن السلفى الذى قال لمبارك فى الحرم المكى، اتقى الله، تم اعتقاله لأكثر من عشر سنوات وفقد إحدى عينيه فى التعذيب وأصيب بالعديد من الأمراض المزمنة، وصارت المعادلة السياسية من جهة السلفيين ما لم نمارس الدعوة فى حدود المسموح به، فإن نظام مبارك سيقفل فى وجوهنا أبواب الدعوة تماما، أما المعادلة من جانب نظام مبارك فكانت مختلفة، إذ كان يحتاج للنشاط السلفى لتحجيم النشاط الجهادى وأيضا لتحجيم أو على الأقل موازنة النشاط الإخوانى، ثم كانت هناك معادلات فرعية أخرى تلعب على تنوعات التيار السلفى الداخلية من قبيل الموازنة بين فصائلهم المختلفة، لئلا يتضخم فصيل محدد وتزداد قوته على حساب الباقين وكذلك سمح بالوجود للسلفية الحركية، التى كانت تنتقد نظام الحكم علنا لأنها رغم تكفيرها لنظام مبارك، فإنها كانت تحرم التنظيمات السرية والعمل المسلح، الأمر الذى يصب فى اتجاه مكافحة الجهاديين فكريا لكن عندما ضاق مبارك ذرعا بالسلفية الحركية، كانت المحكمة العسكرية فى انتظارهم عام 2001 وصار السجن مأوى الكثير من قادتهم وعندما حاول ياسر برهامى تقليد الإخوان المسلمين فى العمل التنظيمى، وسعى لتنظيم عمل سلفى فى الجامعات والمدارس الثانوية، تم اعتقال أغلب قادة الدعوة السلفية لأكثر من سنة، كما قضى الشباب منهم أكثر من ثلاث سنوات فى السجون ولم يخرج منهم أحد، إلا بعد الاتفاق على عدم العودة لهذا النوع من العمل.. وأيا كانت درجة إدراك السلفيين لتفصيلات المعادلات السياسية التى حكمت علاقتهم بنظام مبارك، وأيا كان مستوى عزيمتهم فى ممارسة اللعبة السياسية وقتها، فإنهم لعبوا تحت السقف الذى وضعه لهم مبارك، وهذا السقف رغم انخفاضه من الناحية السياسية فإنه حقق للسلفيين بمختلف فصائلهم انتشارا جماهيريا لا يستهان به، وعندما اندلعت الثورة المصرية انخرطت السلفية الحركية فى الثورة، منذ جمعة الغضب وحتى آخر يوم بينما ظلت السلفية العلمية وعلى رأسها الدعوة السلفية معارضة للاشتراك فى الثورة، وإن ساهموا فى اللجان الشعبية بعد انهيار الشرطة من باب أن هذا عمل اجتماعى.

 

وبهذا السرد يظهر لنا أن كلا من الإخوان المسلمين والسلفيين استفادوا من فترة مبارك وقبله السادات، عبر تحقيق الانتشار الجماهيرى وتجنيد الأفراد وإصقال خبرات القيادات، ومن هنا كانوا أشد القوى المصرية جاهزية لبناء الأحزاب والفوز بنسبة كبيرة من أصوات الناخبين فى الانتخابات الأخيرة.

 

كما أن المسلك الإصلاحى والقناعة بممارسة اللعبة السياسية فى أضيق الظروف وبقدر ما هو متاح تحينا للحظة تتغير فيها الأحوال وتظهر خيارات أفضل للعمل السياسى، كل هذا يفسر، لماذا لا يأبه السلفيون والإخوان بملامح التسلط ومظاهر القمع التى يبديها النظام الانتقالى الحالى من حين لآخر، ولعل أدق ما يعبر عن هذه الحالة إجابة كان د.عصام العريان قد قالها عندما سألته: هل تثقون فى نيات المجلس العسكرى بتسليم السلطة للمدنيين؟ فقال: «لا أحد يعرف نية أحد إلا الله تعالى، لكن علاقتنا بالمجلس قائمة على الضغوط، فإذا أحسن نقول له أحسنت وإذا أساء نقول له أسأت» فالإخوان والسلفيون يترقبون ويسعون لإنجاح العملية السياسية كى تنتقل السلطة للمدنيين، لكنهم حددوا خطا أحمر وهو أنهم لن يسمحوا للحكم العسكرى أن يستمر، ورغم ذلك فهم لا يتعجلون المواجهة معه، مادامت خطوات العملية السياسية الهادفة لنقل السلطة لسلطة مدنية منتخبة تسير.

 

ومن جهة أخرى نجد أن ائتلافات الثورة وحركة 6 أبريل والاشتراكيين الثوريين لهم شأن آخر مع اللعبة السياسية قبل وبعد الثورة.

ونظرا لأن ائتلافات الثورة هى بدرجة كبيرة وليدة حركات كفاية و6 أبريل والاشتراكيين، كما أن كفاية قد توارت لصالح 6 أبريل فسوف يقتصر كلامنا باختصار على الاشتراكيين الثورين و6 أبريل.

 

الاشتراكيون الثوريون رغم أن مبارك لم يضطهدهم ويكاد يكون ترك مجال العمل أمامهم مفتوحا بدرجة لا بأس بها، إلا أنهم يعانون من المشكلات الأساسية نفسها التى طالما عانى منها الماركسيون المصريون، وأبرز هذه المشكلات وجود فجوة بين المصريين الذين ترتبط الغالبية العظمى منهم بالدين بشكل عام وبين الماركسية المرتكزة على الإلحاد، وقد حاول الماركسيون على مدى عقود إزالة هذه الفكرة وبدأت تظهر أجيال تعتنق الإسلام كدين بجانب إيمانها بالماركسية كمذهب اقتصادى وسياسى، ولكن هذا ظل ذا تأثير محدود على أغلبية الشعب المصرى ومازال الاشتراكيون الحقيقيون والمنتظمون تنظيما يقدرون فى أحسن الحالات بالمئات، ونجد سامح نجيب أحد رموز الاشتراكيين الثوريين فى الفيديو المشهور يقول: «نحن محتاجون أعدادا كبيرة.. محتاجون عشرة آلاف» وهو يقول ذلك الآن فى الوقت الذى يمكن للسلفيين أو الإخوان حشد مليون شخص فى الشارع متى شاءوا، وعلى كل حال فإن اليسار عاجز عن التواصل مع الجماهير ولا يملك لغة مشتركة بينه وبين الشعب المصرى، ومن ثم فهو سيظل ضعيفا حتى إشعار آخر ، ومن ناحية أخرى فإن اليسار المصرى بكل أطيافه لديه أزماته التنظيمية المزمنة وعلى رأسها التشرذم والتفرق وانعدام آلية التوافق فى كيان واحد، فضلا عن أزماته الفكرية المتعددة ولعل أغربها تخلفه عن استيعاب التيارات الفكرية الجديدة «الأوروبية خاصة» التى جددت فى الفكر الاشتراكى وحاولت معالجة أوجه قصوره سواء سياسيا أو اقتصاديا أو تنظيميا، ولذلك كثيرا ما نجح اليسار فى أوروبا وأمريكا اللاتينية سياسيا واقتصاديا فى الوقت الذى يكاد فيه اليسار المصرى أن يتلاشى من الخريطة السياسية، كما أن تبنى الاشتراكيين الثوريين الآن لفكرة التغيير عبر الثورة وعدم انخراطهم فى الانتخابات جعلهم على هامش العملية السياسية الحقيقية لسبب بسيط، هو أن الظروف الموضوعية للثورة غير متوافرة الآن، فالمجلس العسكرى رغم كل أخطائه فإنه نجح فى نزع فتائل تفجير ثورة جديدة حتى الآن، هذا فضلا عن عجز اليسار المصرى موضوعيا عن القيام بثورة، كما أن عامة الناس ملوا المشكلات الاقتصادية والانفلات الأمنى ويتوقون للاستقرار واقتنعوا بأن السلطة ستنتقل عبر الانتخابات، وكل هذه المعطيات تشير إلى أن العملية السياسية ستسير عبر الانتخابات التى تمت وما سيتلوها من انتخابات الشورى والرئاسة، وبذلك فإن الاشتراكيين الثوريين أصبحوا خارج العملية السياسية ولا فرصة لهم لمحاولة الحصول على دور إلا عبر إثارة الاحتجاجات من حين لآخر، وهو ما أصبح أغلب الجماهير يملونه بسبب إحساسهم بخطورة ذلك على الاقتصاد، كما أن نجاح العملية السياسية عبر الانتخابات وما سيلى ذلك من إنجازات اقتصادية وأمنية وتوقف القمع ضد الاحتجاجات الشعبية سوف يقضى بالتدريج على جوهر احتجاجات الاشتراكيين الثوريين «ومعهم 6 أبريل وجميع ائتلافات الثورة» وستعود احتجاجاتهم للحجم الذى كانت عليها قبل ثورة 25 يناير 2011 حيث لن تتعدى أعداد المشتركين فيها بضع مئات فى أحسن حالاتها، وحتى لو وصلت لعدة آلاف فإنها ستتم فى ظل ضغوط سياسية شعبية وحزبية تهدف للحد منها ، وذلك سيحصرها ويحصر تأثيرها فى حدود ضيقة للغاية، فضلا عن أن المكاسب التى تحققها الضغوط الشعبية بصفة عامة، إنما تصب فى صالح الأطراف المشاركة فى العملية السياسية وليس الخارجين عنها وعلى سبيل المثال فإن ضغوط ثوار التحرير الأخيرة دفعت المجلس العسكرى لتحديد مواعيد الانتخابات البرلمانية، ثم تحديد موعد انتخابات الرئاسة، فضلا عن الاهتمام بمنع البلطجة والتزوير فى الانتخابات وهذا كله صب فى مصلحة أطراف العملية السياسية المشاركين فى هذه الانتخابات، خاصة الذين فازوا بنسبة كبيرة من المقاعد «الإخوان والسلفيين»، وذلك لأن من بديهيات العمل السياسى أن أى ضغوط لابد أن يتم توظيفها سياسيا لجنى ثمارها أما الضغط بلا توظيف سياسى فإنه لا يجدى نفعا ويظل ضغطا من أجل الضغط.

 

أما حركة 6 أبريل وسائر الحركات الليبرالية الثورية فإنها كلها تفتقد لغة مشتركة مع غالبية الشعب، والدليل على ذلك أن كل محاولاتهم لتفجير ثورة جديدة منذ أكثر من 9 شهور وحتى الآن «بالاشتراك مع اليساريين» باءت بالفشل كما أنهم وضعوا أنفسهم خارج العملية السياسية بعدم مشاركتهم بشكل واضح وفعال فى الانتخابات وباختيارهم الأسلوب الثورى للتغيير مثلهم مثل الاشتراكيين الثوريين، وبصفة عامة، فالليبراليون المصريون طوال التاريخ الحديث ينادون بالليبرالية ولا يطبقونها على أنفسهم كآلية لحل خلافاتهم وبالتالى يتشرذمون ويتفرقون ولم ينجحوا فى التجمع فى كيان واحد كبير، إلا فى ظل زعامة كاريزمية تمثلت فى سعد زغلول وبعده مصطفى النحاس، كما أن الفكر الليبرالى المصرى لديه مشكلة فى الترويج لنفسه بين عامة الشعب المصرى ولم يلتف الشعب المصرى يوما ما، حول المذهب الليبرالى وإنما التف حول شخص زعيم كاريزمى ليبرالى، وذلك كله يعكس أزمة اللغة الفكرية الليبرالية فى مصر، كما يعكس أزمة أساليب ولغة العمل الجماهيرى لدى الليبراليين مثلهم مثل اليساريين.

 

وكل هذه الأزمات كفيلة بأن تضع القوى الثورية خارج العملية السياسية، فما بالنا بأنه يضاف لها أنها مكرسة فى بيئة بها منافسون يتسمون بالفاعلية الجماهيرية والتصميم السياسى مثل الإخوان المسلمين والسلفيين.

ــــــــــــــــــــــــــــ

نشر هذا الموضوع في جريدة اليوم السابع الورقية يوم السبت 6 يناير كما تم نشره علي موقع اليوم السابع الاحد 7 يناير2012