السياسة الشرعية لها ضوابط يعرفها أهلها .. صحيح توجد ضرورات .. و توجد موازنة بين المصالح و المفاسد لكن مع ذلك هناك ثوابت و هناك أيضا ما أسميه بحرفنة السياسة و الصلابة في ممارسة السياسة بقوة بارادة ثابتة و نفاذ بصيرة و يسميها د.حامد ربيع بالسياسة الكفاحية و ممارسة السياسة بهذه الطريقة لن تجعلك تعتبر أمورا كثيرة من الضرورات و لا تجعلك ترى أمورا كثيرة على أنك مضطر لها بل ستتيح لك فرصا عديدة لا تراها و انت تمارس السياسة بعدم حرفنة أو بقصور في البصيرة و ضعف في الارادة و لين زائد عن الحد ... فنفاذ البصيرة السياسية سيكشف لك أنك يمكنك الصلابة و اعلان موقفك الشرعي الحقيقي دون خسائر ذات بال أو يكشف لك طرق تلافي هذه الخسائر و ذلك هو ما يلمح له قوله تعالى "لعلمه الذين يستنبطونه منهم"
السياسة اجتهاد و استنباط و ليست أخذا بظاهر الأمور ... سيطرة الفقه الظاهري على المنهج السلفي في الـ40 سنة الأخيرة أضرت بالتفكير السياسي للاسلاميين لأن الفقه الظاهري عمم علي التفكير السياسي منهج التفكير الظاهري.
و لابد أن نلاحظ أنه كلما قوي الاجتهاد قويت الأفكار السياسية و يتضح ذلك عند فقهاء السلف كما عند الشافعي و أبي حنيفة و ابن تيمية (أقصدهم فيما يتعلق بما كتبوه او أفتوا به في مسائل و قواعد السياسة الشرعية) .. السياسة و الاستراتيجية لهما خبرات واسعة لابد ان نعلمها كي يتحقق فينا قول أحد الخلفاء الراشدين عندما أرسل لقائد جيشه "أذكي العيون و ... و ... الى أن قال : حتى تعلم أرضهم كأهلها و حتى يكون فعلك بهم كفعلهم بك" ... و أنا أظن أن قادة الحركات الإسلامية الإصلاحية التي اعتادت ممارسة السياسة قبل الثورة عبر صفقات بسيطة مع نظام مبارك ليست مؤهلة الآن لممارسة السياسة الصلبة لأنه من الملاحظ أنها لم تع الحالة الثورية التي دخلت فيها مصر منذ 25 يناير 2011 كما أنهم لم يعوا حجم الانتشار الإسلامي في الشارع السياسي المصري هذه الأيام ... أظن أن كثيرا منهم كسرهم نظام مبارك كسرا يمنعهم الآن من نصب قاماتهم بقوة و صلابة... أملي في فضل الله ثم في الشباب الذين اجتذبتهم الثورة المصرية إلى النشاط و التفاعل مع الشارع السياسي أو الدعوي لكني خائف من أمرين و لا أخاف أمرين:
الأمران اللذان أخاف منهما هما:
الأمر الأول- أن سوء الممارسة السياسية من قبل المجموعة التي تقود العمل السياسي الإسلامي حاليا قد تدفع الكثير من الشباب الاسلامي المتدين الى كره و هجر العمل السياسي الاسلامي لكرههم لهذا السوء و ظنهم ان السياسة لا تكون الا هكذا لأنهم لم يروا نموذجا اسلاميا سياسيا آخر.
الأمر الثاني- أن تشوش الأخطاء السياسية و الادارية و الاقتصادية للاسلاميين المتزعمين العمل السياسي الاسلامي الان على نصاعة أي مذهب سياسي أو اقتصادي اسلامي يطرح في المدى المتوسط على الشارع السياسي المصري.
أما الأمران اللذان لا أخاف منهما فهما:
الأمر الأول- أن يخسر الاسلاميون الأغلبية في الانتخابات البرلمانية القادمة, فأنا اتوقع أنهم سيحوزون الأغلبية بمجموعهم مرة أخرى و ان تغيرت تفاصيل التركيبة.
الأمر الثاني- أن يعزف الجمهور المصري عن الاستجابة و التفاعل مع العمل الدعوي الاسلامي في المساجد و الشوارع, فتدفق الملتزمين الجدد على الحركة الاسلامية بمفهومها الدعوي و التربوي سيستمر بل و سيزيد ان شاء الله.