أزمة السياسة عند السيساوية و الإسلاميين و النخبة المصرية (1 من 3)

بقلم عبد المنعم منيب | 18 مايو, 2014
السيسي
السيسي

تشغل أحداث أزمة مصر السياسية الجميع بظواهرها و تشغلهم عن التعمق في جوهر الأزمة و أعماقها و ذلك بسبب كثرة الأحداث و تسارع وتيرتها و آثارها المؤلمة و المحزنة .. و من هنا ستكون لنا وقفات مع أعماق هذه الأزمة و جوهرها في جوانبها المختلفة.. و تأتي السطور التالية كوقفة أولى في هذا المجال.

انكب كثيرون من كل فريق من فرقاء العملية السياسية في مصر على ذم خصمه أو منافسه وفقا لمعايير الأخلاق و حقوق الإنسان و رغم أهمية هذه المعايير إلا إن هذا المدخل في النقد طغى على الخطاب السياسي و أخفى أو ألهى عن مداخل عديدة أخرى جديرة بالدراسة و النقد سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا , ففي المجال السياسي اختفت مشكلة جوهرية و أساسية لدى كافة الأطراف المتنافسة و المتصارعة و هي الفهم الصحيح لمعالم العملية السياسية و مفرداتها.

ففي فريق السيسي و النخبة العلمانية ساد الفهم السياسي لمدرسة الاستبداد العربي التي حكمت و سادت العالم العربي و معظم العالم الإسلامي في تاريخنا الحديث و المعاصر و التي ترى أن المعارضة للحاكم هي مشكلة أمنية تحلها بسهولة و نجاح أجهزة المخابرات و الأمن و القوى العسكرية عبر القمع و السجن و القتل و التعذيب و بهذه الطريقة يتفرغ الحاكم (فرد أو حزب أو فئة اجتماعية) لقيادة الدولة و حل مشكلاتها بعيدا عن ضوضاء المعارضة و شوشرتها و يتصرف في كل مواردها السياسية و الاقتصادية حسبما شاء هو و أسرته و حاشيته.

و غاب عن هذا الفريق حقيقة تجربة مصر في هذا المجال منذ قمع الملك فاروق لجماعة الإخوان المسلمين و اغتياله لمؤسسها و زعيمها " حسن البنا " عام 1948 و حتى 11 فبراير 2011 حيث مرت جماعة الإخوان المسلمين و الحركات الإسلامية بقمع مرير أيام جمال عبد الناصر ثم بدرجات أقل أيام أنور السادات و بقمع مرير أيضا في عصر حسني مبارك و انتهي هؤلاء و ذهبوا إلي صفحات التاريخ بينما كبرت جماعة الإخوان المسلمين و الحركات الإسلامية و انتشرت في آفاق الكرة الأرضية و اليوم نجد عشرات الملايين يترحمون على حسن البنا و يأتمون به بدرجة أو بأخرى في كافة دول العالم بينما لا يأتم أحد بفاروق و لا يناصر أحد ناصرا أو السادات أو مبارك إلا بضع مئات على أقصى تقدير ... لقد قمع ناصر الجمعية الشرعية و جماعة أنصار السنة و عين ضابط جيش رئيسا لهما و اليوم نجد الجماعتين ملء السمع و البصر في مصر و عدد من دول العالم و يتبعهما الملايين بينما ذهب ناصر و تجربته الى صفحات التاريخ بلا ذكرى اللهم إلا ذكرى التاريخ و بضع ألاف يتغنون بتاريخ الزعيم الذي لم يعد لتجربته أي حاضر فضلا عن ان يتوقع أحد لها مستقبلا.

و الدرس البارز هنا هو أن الفكر و العقيدة لا يقضى عليهما بالقمع و أن الحركات الإسلامية ذات جذور عميقة في جغرافية و تاريخ العالم الإسلامي و لا يمكن لأحد أن يقطع شجرتها فضلا عن أن يجتثها من جذورها بشكل نهائي.

كما يغيب عن السيساوية و النخبة العلمانية (بسبب انتمائهم لمدرسة الاستبداد العربي) أن التفاهم و التعاون مع كافة القوى السياسية المعارضة و ترسيخ التداول السلمي للسلطة أكبر ضمانة للاستقرار السياسي و النمو الاقتصادي... 

طبعا قد يقول البعض أن هذا الفريق ولد و تربى في أحضان الاحتلال الأوروبي و الأمريكي للعالم الإسلامي ثم ترعرع بل تفرعن في أحضان تلامذة الاحتلال من الحكام المستبدين و لا يهمهم الاستقرار السياسي إنما يهمهم استقرار كراسيهم في مناصب القيادة السياسية و الثقافية و الاجتماعية كما لا يهمهم النمو الاقتصادي بقدر ما يهمهم ملء جيوبهم و جيوب أبناءهم من ثروات البلاد... لكن التحليل بهذه الطريقة فيه تعميم واضح كما أننا لو طرحناه فإنه لن يسمح لنا بمواصلة ما بدأناه من التنبيه على مفردات هامة غائبة عن التفكير السياسي و الاقتصادي لدي النخبة السياسية في الأزمة المصرية.

الأمر التالي المهم هو تقليدية التفكير العلماني العربي فهو لا يقدم فكرة جديدة أو إبداع لا في السياسة و لا في الاقتصاد .. ففي السياسة يطرحون تكرارا لمزيج من طريقة مبارك و ناصر في قمع ا الحركات الإسلامية المعارضة وكل قوة معارضة لا تقبل الإذعان لإرادة الزعيم "الملهم" أو الزعيم"الضرورة" مع إضافة جرعة أكبر من القمع و الفاشية و المكارثية و دعم ذلك بدغدغة مشاعر الغرب المعادية للحركات الإسلامية بطبيعتها ... فأين الإبداع في تكرار تجارب فشلت سياسيا لعشرات السنين؟!!!!

و في الاقتصاد.. يطرح التفكير العلماني (و على رأسه الزعيم الضرورة) طرحا لا يتكون الا من مزيج من أفكار الرأسمالية الخاصة بإصلاح نظام الضرائب و تخفيض الدعم و جذب الاستثمار الأجنبي و تنشيط السياحة.. فما الإبداع من تكرار أفكار رأسمالية فشلت في موطنها و حاول مبارك حل مشكلات مصر بها فلم تحلها و أودت به في ثورة 25 يناير ؟!!!
أما "الزعيم الملهم" أو "الزعيم الضرورة" الفرد الكاريزما الذي ينقذ الأمة العربية أو الإسلامية بعبقريته المختلفة عن كل البشر و الذي تجري صناعته من العدم عبر تزييف وسائل الاعلام للوعي الجماهيري و ايهام الجماهير بانجازات وهمية ففضلا عن أن ذلك أمر مضى عصره بقدوم عصر الفضاءات المفتوحة و الانترنت و ما صحبه من الاعلام الجديد و السوشيل ميديا فإنه رغم ذلك كله يمكن القول أن تجارب الزعماء الملهمين و زعماء الضرورة قد جرت الكوارث و الويلات على أمتنا و لم تعد الأمة تحتمل مزيدا من هذه التجارب التي أضاعت فلسطين و العراق و سوريا و ليبيا و غيرها.
و مما لا شك فيه أن المقدمات المتماثلة لا تفضي إلا الى نتائج متماثلة فإذا كان الفكر و الممارسة السياسية القمعية لم تفض طوال تاريخ الدولة العربية و الإسلامية الحديثة إلا الى الانهيار و الفشل و إذا كان الفكر و الممارسة الاقتصادية الرأسمالية لم تفض عندنا إلا الى الفقر و اتساع الفوارق الطبقية و سوء التوزيع و تدهور الاقتصاد  فإنه لمن الخبل توقع أنها ستأتي الآن بنتيجة مغايرة. 

و الى هنا قد يرى بعض القراء ان كلامنا نظري و يتساءلون ما البديل ؟ خاصة بشأن الاقتصاد؟

و هذا يحتاج تحليلا خاصا يفرد له سنقدمه للقراء قريبا إن شاء الله في الحلقة الثالثة..

و لكن الحلقة الثانية من هذا التحليل سنخصصها ان شاء الله لتكملة نفس الموضوع لكن في ما يتعلق بالاسلاميين.