نماذج الاستقلال من حماس إلى قراصنة الصومال

بقلم عبد المنعم منيب | 17 أبريل, 2009
القرصنة البحرية
القرصنة البحرية

حدثت عدة أحداث في الأسبوع الأخير يشير كل منها لنمط من أنماط الاستقلال في التعامل مع النظام الدولي و هذه الأحداث هي بغض النظر عن الترتيب:
 استمرار رفض حماس للشروط الأمريكية و الاسرائيلية التي تطرحها عليها فتح بالوكالة عنهما.
 بيع اسرائيل ثلاث طائرات عسكرية تطير بدون طيار لروسيا الاتحادية و الكشف عن شراء الهند قمرا اسرائيليا للتجسس ذا قدرات واسعة.
 زيادة نشاط عمليات القرصنة على سواحل الصومال و تهديدها لحركة التجارة الدولية عبر خليج عدن و البحر الأحمر مما دعا بعض وسائل الاعلام لاطلاق القول بأن خليج عدن صار تحت رحمة القراصنة.
 اعلان احمدي نجاد بأن ايران صارت تمتلك الدورة الكاملة لعملية تخصيب اليورانيوم و انها لن توقف التخصيب و أنها تسعى من وراء ذلك للإكتفاء الذاتي من اليورانيوم المخصب اللازم لعمل أي محطات نووية تشغلها ايران في الحاضر او المستقبل.
فكل جانب من هذه الجوانب الأربعة للأحداث صدر عن كيان سياسي ما:
واحد صدر عن القراصنة الصوماليين الذين لاذوا برقعة من الأرض بها ميناء على البحر الأحمر أو خليج عدن و انطلقوا منه يهددون التجارة العالمية لأعتى الدول و القوى الدولية بما فيها الولايات المتحدة و فرنسا كي يكسبون ملايين الدولارات كفدية لقاء اطلاق السفن التي يخطفونها،  لقد مارس القراصنة هذا العمل دون دعم دولي و دون معونات دولية و دون علاقات مع احدى القوى الدولية الكبرى و دون تمثيل في الأمم المتحدة و دون أي رضا من النظام الدولي عما يقومون به،  و رغم ذلك كله نجحوا في تحقيق أهدافهم و لو إلى حين باستقلالية كاملة و بامكانات محدودة.
و اذا كان نشاط القرصنة هو نشاط مناوئ و معاند للقوى الدولية الكبرى و النظام الدولي الرسمي فإن نموذجا اخر من الاستقلال و النجاح في تحقيق الأهداف الذاتية جاء متوافقا مع النظام الدولي هذا النموذج هو الكيان الصهيوني في فلسطين،  فنرى النجاح و التقدم الاسرائيلي في مجالات التكنولجيا العالية و أبلغ مثال على ذلك خبر بيعها ثلاث طائرات بدون طيار لروسيا الاتحادية و روسيا معروفة بتقدمها البالغ في تكنولوجيا تصنيع الأسلحة المتقدمة لكن اسرائيل نجحت في أن تجعل تقدمها في تصنيع الطائرات بدون طيار يستدعي أن تشتريها منها روسيا كي تجري عليها العديد من الأبحاث و كذا مقارنتها مع ما تصنعه روسيا في هذا المجال ومن المعروف أن الطائرات بدون طيار تحتاج تكنولوجيا عالية ليس فقط في مجال صناعة الطائرات و لكن أيضا في مجال الحاسبات الآلية و الاتصالات و البرمجيات،  و هذه المجالات هي نفسها التي ترتكز عليها الصناعة المتقدمة للأقمار الصناعية خاصة أقمار التجسس و قد كشف النقاب منذ ايام عن حصول الهند على قمر تجسس متقدم جدا من اسرائيل و اعدادها لاطلاقه من الهند.
و هذا كله يشير لمدى التقدم المستقل الذي حققته اسرائيل بشكل جعل قوى دولية كبرى معروف عنها تقدمها في تصنيع السلاح كروسيا و الهند و قبلهما فرنسا (اشترت في العام الماضي طائرات بدون طيار من اسرائيل) تحتاج لأن تشترى سلاحا متقدما من اسرائيل.
و هكذا رأينا في الأيام الأخيرة نموذجان للاستقلال في تحقيق الأهداف الذاتية واحد متوافق و متحالف مع النظام و القوى الدولية وواحد مناوئ لها الأول مرموق و متقدم و الثاني يحاول ان يتملص من ربقة الفقر المدقع،  و نجد بينهما نموذجان اختلفا مع النظام الدولي و القوى الدولية لكن عنادهما ليس بقوة عناد قراصنة الصومال هما جمهورية ايران و كذلك حكومة حماس في غزة.
الأولى اعلنت منذ أيام عن اتمام امتلاكها للدورة الكاملة لتخصيب الوقود النووي كما انها كل يوم تعلن عن تقدم ما في التصنيع خاصة تصنيع السلاح بالرغم عن الرغبات المعاكسة من النظام الدولي بمؤسساته و قواه المختلفة و على الرغم مما يتبع ذلك من عقوبات و حصار بأشكال مختلفة.الثانية و هي حكومة حماس نجحت منذ توليها الحكم منفردة في غزة قبل عام في ادارة القطاع رغم كل الجهود الدولية و الاقليمية بل و المحلية الساعية لاسقاطها أو التسبب في انهيارها،  نجحت حماس ليس في الأمن السياسي فقط الذي قلم اظافر منافسيها و منعهم من الانقلاب عليها بل أيضا في الأمن الشامل حيث نجحت في حماية حدودها ضد اسرائيل في حرب غزة الأخيرة و أرغمت اسرائيل على الانسحاب كما أنها نجحت في الأمن الغذائي فرغم الحصار و الآلام مازالت غزة تعيش حيث يتم تدبير المتطلبات الأساسية من غذاء و دواء و سلاح و ذخائر و لو بعناء ولو بالتهريب،  و مع ذلك لم تلن ارادة حماس و لم تزل تصر على مواقفها السياسية و ترفض الخضوع لاسرائيل أو حليفتها الولايات المتحدة أو تابعتها فتح.قد يظن البعض أن الأحداث الأربعة التي تناولناها هنا بالتحليل لا صلة بينها و ان عبرت عن معنى واحد هو الاصرار على تحقيق الأهداف الذاتية لكيان ما بغض النظر عن المؤثرات الدولية،  و لكن في واقع الأمر فإن الأحداث الأربعة و ان أشارت لهذا فهي اشارت ايضا لأمرين هامين:
الأول- أن النجاح في تحقيق أهداف كيان سياسي ما له طرق و أنماط متعددة منها ما يأتي بالتعاون و التحالف مع النظام و القوى الدولية و منها ما يأتي بالتصارع و العناد معها أو مع بعضها،  و في كل الأنماط يمكن النجاح خاصة إذا كان الهدف هو القرار المستقل أو تحصيل القدرة على النمو و التفوق و الاستقلال المادي او التكنولوجي او الاقتصادي.
الثاني- أن هذه الأحداث الأربعة تشير لمستقبل المنطقة من حيث القوى المؤثرة فيها فاسرائيل تتعاظم قوتها الذاتية و من ثم تاثيرها الاقليمي و الدولي و هي ان اخفقت امام صعود قوى اخرى في المنطقة كقوى المقاومة فلأسباب اخرى غير مادية انما اغلبها معنوية كقوة الحق و الايمان و صدق العزيمة و الاخلاص للأهداف.
و ايران تتصاعد قدراتها على الحركة المستقلة بسبب تقدمها في تكنولوجيا تصنيع السلاح و اهتمامها بقدرتها في هذا المجال و غيره من مجالات القوة و القدرة. و حماس نموذج لقوة بازغة في المنطقة تحاول شق طريقها بصعوبة في عالم يتحكم فيه الأقوياء القادرون فقط. أما قراصنة الصومال فهم نموذج للشعوب المستضعفة في منطقتنا الاسلامية والذين فشل ساستهم في تحقيق رغبات شعوبهم المشروعة للعيش في حياة كريمة و مستقلة،  فلجأوا لأسلوب مختلف للحصول على هذه الحياة.... لاشك أن مسلكهم فيه ما فيه من خطأ ... و لكن شئنا أم أبينا فالشعوب او ذوي العزائم من هذه الشعوب المظلومة قد لا يصبرون على اخفاقات ساستهم في مجالات التنمية و الاستقلال الحقيقي و حينئذ لن يعبروا عن نفاد صبرهم بأساليب مأمونة و لا مشروعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا الموضوع كتبته و نشرته و لا أذكر تاريخه لكني نقلته من المدونة القديمة (وكان اسمها نحو التجديد) الى المدونة السابقة (على بلوج سبوت)  بتاريخ الجمعة، أبريل 17، 2009   و كنت كتبته قبل هذا التاريخ بفترة لا أذكرها الآن.