قصة حدثت معي تكشف سبب السطحية عند كثير من الشباب

بقلم عبد المنعم منيب | 6 سبتمبر, 2014
شباب إسلامي في مظاهرة
صورة أرشيفية

الحدوتة التالية حدثت معي فعلا في المعتقل منذ 16 عاما تقريبا.
بداية فقد تربيت منذ أوائل الثمانينات على أن من أهداف الاعتقال هو تعطيل الشخص عن العمل الإسلامي و بالتالي فالخطوة المضادة لهذا هي استغلال الاعتقال في تحصيل العلوم الشرعية و أي علوم أخرى مفيدة للعمل الإسلامي بجانب الارتقاء الإيماني بالاجتهاد في الطاعات كي نكون قد أحبطنا أهداف الظالمين في تعطيلنا عن العمل لدين الله .. و عندما شعر الظالمون بهذه الفكرة لدينا بدءوا مع المعتقلين سياسة جديدة قائمة على منع أي وصول للكتب و الورق و الأقلام و الصحف و المذياع للمعتقلين عام 1994 و عندما شعروا أننا ركزنا على القرآن حفظا و تلاوة و تفسيرا أضافوا المصاحف إلى قائمة المنع في نهاية نفس العام ، حينها بدأنا طريقة أخرى للاستفادة بالوقت قائمة على استقاء العلم و المعلومات من بعضنا بعضا فكل منا ينقل لزملائه ما لديه من علم أو يعرض ما يتذكره مما قرأه من الكتب، و كنت محتجزا منذ نهايات عام 1993 و حتى 1996 أو 1997 في أماكن خصصت لعدد محدد من قادة الحركات الإسلامية من المعتقلين (و غير مسموح باتصالهم أو اختلاطهم بغيرهم) و لكن تغير الوضع في هذا العام و قرروا أن يوزعونا في الزنازين في العنابر الأخرى مع سائر المعتقلين العاديين من الإسلاميين (و طبعا كانوا منتمين للعديد من الحركات الإسلامية) و حينها فوجئت بأمر كان في هذه اللحظة غريبا بالنسبة لي و هو أن أغلب (و أحيانا كل) المعتقلين (خاصة المنتمين لجماعات معينة) يقضون معظم وقتهم في المزاح و اللغو الذي لا طائل منه و معظم كلامهم و مناقشاتهم و اهتماماتهم يدور حول توافه الأمور و كلها تتم في إطار السطحية و الإشاعات المكذوبة التي يعج بها السجن، وقتها تعجبت جدا من هذا الحال متسائلا (بيني و بين نفسي) كيف يكون هذا حال شباب يجاهدون من أجل إعادة الخلافة الإسلامية و المشكلة ليست فقط فيما يسعون له من هدف ضخم و صعب بل المشكلة الأكبر هي أنهم شباب أي يمثلون مستقبل الحركات الإسلامية التي ينتمون إليها، و ظللت أسأل نفسي كيف و لماذا هم كذلك و ما الحل للارتفاع بمستوى تفكيرهم و تغيير مجال اهتمامهم؟
و بعد هذا بقليل توافق أن طلب مني أحد الأخوة (من القلة المتميزين) أن ألقى عليهم محاضرات بشأن الصراع مع إسرائيل و تاريخ الصراع و المعارك التي دارت معها و نحو ذلك، و لبيت طلبه و ألقيت المحاضرات و انفتح بعده الباب كي أتكلم من حين لآخر في موضوعات متشابهة سياسية و تاريخية و إستراتيجية إما بطلب البعض أو بمناقشة تلقائية و طبعا مما أثري المحاضرات و المناقشات وجود ثلاثة أو أربعة أخوة ذوي مستوى معقول في بعض هذه الموضوعات، و فوجئت بعد هذه المحاضرات و المناقشات أن مستوى اهتمامات و مناقشات أغلبية الشباب قد ارتقت و باتت تركز على جوانب مهمة من السياسة و التاريخ بل و  حتى الشئون الإستراتيجية، و أصبح معتادا أن نرى مناقشات حول الميزان الاستراتيجي مع إسرائيل أو حتى الولايات المتحدة و الخلل فيه و ماهية الحلول المبتكرة اللازمة لسد هذه الفجوة بأقل الإمكانات و عندها أدركت أن التدني السابق في مستوى التفكير و في طبيعة الاهتمام سببه أن لا أحدا وجه هؤلاء أو علمهم شيئا مفيدا يهتمون به أو يفكروا فيه .. و تأكد لي من هذه القصة أن ما نراه اليوم من تفاهة و سطحية تعم واقعنا الحالي (بشكل عام و واقع العمل الإسلامي بشكل خاص) مرده زمن الأقزام الذي نعيشه حيث يسيطر على التوجيه الفكري و الإعلامي ذوى الجهل و الجهالة و التفاهة و السطحية  و أصحاب المناهج و العقائد المشوهة و المشبوهة و المنحرفة ، فمن أين يتعلم الشباب و من يضع قدمهم على أول الطريق الصحيح، و مما زاد من خطورة الأزمة سهولة "أدوات و وسائل الإعلام الجديد" فبعدما كان الرويبضة (ذكرا أو أنثى) يجذب له عشرات أو حتى المئات في مسجد أو في نادي على مقهى و يسطح لهم تفكيرهم صار الرويبضة يصنع له برنامجا على فضائية تغزو كل البيوت أو صفحة على موقع من مواقع التواصل الاجتماعي كالفيس و تويتر فيتبعه مئات الآلاف و يضعوا آلاف اللايكات لكل تفاهة يطلقها, طبعا شهوات النفس تميل إلى الأسهل و هو التفاهة و السطحية و لكن المسلم (أو المسلمة) المخلص يبحث عن الحق فإذا وجد العلم الصحيح العميق تتبعه و نبذ ما غزا رأسه من تفاهات الأفكار التي يعج بها فضاء الإعلام القديم و الجديد حتى لو كانت هذه التفاهات تتزيا بثوب الإسلام و شعاراته أو حتى فرائضه ما دامت خالية من المضمون العلمي الحقيقي وفقا لتقاليد و مناهج و أدوات كل علم.

لكني في النهاية أجدني مضطرا لإكمال القصة التي بدأت بها، حيث قررت وقتها أن أجعل دروس السياسة و التاريخ منتظمة المواعيد فقلت أخذ رأي أحد قادة إحدى المجموعات الإسلامية الموجودة معنا فقال لي لا داعي و سيبك من الدروس دي الناس ستتضايق و مش محتاجين لها، فقررت التوقف لئلا تحدث مشاكل مع هذا القيادي رغم إلحاح أفراد مجموعته مطالبين استئناف الدرس.

واقرأ موضوعات أخرى عن الاعتقال وعن المعتقلين أيضا وأبرزها الموضوعات التالية:

أيام رمضان في المعتقلات السياسية حيث " الخوف و الجوع و البرد و التعذيب"

مصر .. تعذيب المواطنين و إهانتهم في السجون و المراكز الأمنية

قصة حدثت معي تكشف سبب السطحية عند كثير من الشباب

إستراتيجية الضربات الأمنية ضد الإسلاميين في مصر بعهد مبارك

لماذا انهارت منظومة الدفاع عن حقوق الانسان في مصر؟

معتقلو سجن الواحات يعلنون الاضراب عن الطعام

المنتحرون في المعتقلات السياسية ... إغتيال أم انتحار؟؟

القراءة السياسية للسيرة النبوية يرفضها البعض ويقبلها آخرون

واقرأ حلقات عن أيام الاعتقال (وعن المعتقلين ) وهي التالية:

الاعتقال أيام مبارك لم يتقيد بأي قانون .. و المعتقلون كان أغلبهم من الاسلاميين.. مشاهد من أيام الاعتقال (1)

المعتقلون عزلوهم عن كل ما هو خارج جدران الزنزانة لكنهم تمكنوا من كسر العزلة.. من مشاهد أيام الاعتقال (2)

كيف واجه المعتفلون السياسيون سياسة التعرية و التجويع في سجون مبارك.. من مشاهد أيام الاعتقال (3)

مبارك حرم المعتقلين من كل شئ..من مشاهد أيام الاعتقال (4)

تعرف على التجارة في المعتقلات السياسية بعصر مبارك.. من مشاهد أيام الاعتقال (5)

الشرطة منعت العلاج و الرعاية الطبية عن المعتقلين السياسيين أيام مبارك.. من مشاهد أيام الاعتقال (6)

كيف كان المعتقل السياسي يقضى وقته في سجون حسني مبارك ؟.. من مشاهد أيام الإعتقال (7)

التاريخ السري لمجموعة ممن أطلق علي كل منهم "محامي الإسلاميين" .. من مشاهد أيام الإعتقال (8)

الصحافة لعبت دورا كبيرا في التحريض ضد المعتقلين السياسيين.. من مشاهد أيام الإعتقال (9)

افتتاح السجون الجديدة و استخدامها لتعذيب المعتقلين و أسرهم.. من مشاهد أيام الإعتقال (10)

دور السجون الجديدة في التنكيل بالمعتقلين.. نفسية عملاء  أمن الدولة بالمعتقلات.. من مشاهد أيام الاعتقال (11)

مناقشات المعتقلين حول الفقه والسياسة والتنظيمات السرية والولايات المتحدة.. من مشاهد أيام الاعتقال (12)

بدايات إطلاق الجماعة الإسلامية لمبادرة وقف العنف و ردود الأفعال عليها.. من مشاهد أيام الاعتقال (13)

التطورات النفسية و الاجتماعية للمعتقلين تجاه مراجعات الجماعة الإسلامية بمصر.. من مشاهد أيام الإعتقال (14)

جوانب نفسية و اجتماعية لتوبة المعتقلين و مبادرة الجماعة الإسلامية ومراجعات الجهاد.. من مشاهد أيام الإعتقال (15)

المعتقل و المسجون الجنائي تعامله إدارات السجون معاملة أسوء من معاملة الحيوانات.. من مشاهد أيام الاعتقال (16)