عندما كنت في مراهقتي وبداية شبابي كان لي تصور عن أشخاص متعددين وعن قضايا الساعة والأحداث الجارية والمشكلات المعاصرة، ولكن كيف أنظر اليوم وأتصورها اليوم بعد مرور أربعين عاما على تصوراتي السابقة عنها؟؟
أولا- ماذا فعلت الأربعون عاما هذه في شخصيتي وعقلي؟
لا شك أنني اكتسبت خبرات متعددة في مجالات متعددة كما اكتسبت إلماما علميا في عدة مجالات.
ثانيا- كيف صارت تصوراتي القديمة اليوم عن أشخاص وقضايا متعددة في ضوء الخبرات والبحث العلمي في الـ40 عاما الأخيرة؟
رأيت أن العديد من الأشخاص الذين كدت سابقا أن أرفعهم إلى مصاف الصحابة هم في حقيقتهم بعكس ذلك تماما، فبعضهم أهل رياء وغير صادقين البتة رغم أنهم من ذوي العقول، وأغلبهم لم يكونوا من أهل العلم بعكس ما كنت أظن وإنما كان كل منهم قارئ لقليل من الكتب ويتعالم بها على الخلق فينخدع بهم الكثيرون من أمثالي وقتها، وكثير منهم كانوا متهورين وسبب تهور بعضهم هو لهاثه الشديد جريا وراء الشهرة والظهور بل والسعي للعلو بغير استحقاق ولا أدنى تأهل، بينما كان سبب تهور البعض الآخر هو ضعفهم العقلي أو انعدام خبراتهم الاجتماعية والسياسية والإدارية أو وجود خلل في صحتهم النفسية لأسباب شخصية شتى، وكان البعض الآخر منهم صادقين لكنهم رغم صدقهم كانوا يفتقرون للعلم ويفتقرون للخبرة، إلا أنهم جميعا كانوا ناجحين في التسويق لأنفسهم وكسب الأنصار والأتباع بدرجات تفاوتت من واحد للآخر، وهذا كان في وقت لم يكن هناك انترنت ولا سوشيل ميديا (فيس بوك – تويتر – يوتيوب – واتس – تليجرام ..الخ) ولا فضائيات ولا سمارت فون، وإنما كانت وسائل الاتصال المتاحة لهؤلاء الأشخاص قاصرة على منابر المساجد والصحافة الورقية والمنشورات الورقية التي توزع في الشوارع.
وكان هناك العديد من القضايا التي كنت أتبنى فيها تصورات محددة وأعتبر أن هذه التصورات هي من الأبجديات اليقينية التي لا تقبل أي تذبذب أو نقاش لأن لها أدلتها العلمية والواقعية بحسب ظني وقتها، أما اليوم فأغلب هذه القضايا لم تعد تصمد لثانية واحدة أمام خبرات واقعية وعلمية جمعتها في آخر 40 عاما، وظهر لي تهافتها المريع، وطبعا هي كانت مرتبطة بالأشخاص عديمي العلم والخبرة الذين كنا مفتونين بهم بشكل خاطئ مما مكنهم من أن يوجهوا عقولنا توجيها خاطئا.
وانطلاقا من هذا كله فإني أدعو الشباب اليوم لأن يتريثوا في الافتتان بالأشخاص مهما أحسنوا بهم الظن وأيا كانت درجة البريق التي تحيط بهؤلاء الأشخاص، وأن يتريثوا أيضا في تبني التصورات خاصة في القضايا التي اشتد الخلاف حولها، فكل صغير سيكبر وكل غر سيكتسب خبرات بمرور الوقت لو أراد وكل جاهل سيتعلم، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم ومن يتحر الخير يعطه ومن يتوق الشر يوقه" (أخرجه الخطيب وابن عساكر وغيرهما وحسن ابن حجر إحدى رواياته انظر الجامع الكبير ط الأزهر الشريف ط الثانية برقم 7719) ، و عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسى أَن يكون حَبِيبك يَوْمًا مَا" (رواه الضياء في المختارة وغيره وقال العراقي رجاله رجال مسلم ورجح الترمذي وقفه على أمير المؤمنين على ورواه البخاري في الأدب المفرد وعلق الالباني عليه: حسن لغيره موقوفاً وقد صح مرفوعاً).
و في الأدب المفرد أيضا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: "لَا يَكُنْ حُبُّكَ كَلَفًا، وَلَا بُغْضُكَ تَلَفًا". فَقُلْتُ: كَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: "إِذَا أَحْبَبْتَ كَلِفْتَ كَلَفَ الصبي وإذا أبغضت أحببت لصاحبه التلف". (وقال الألباني إسناده حسن)
والحذر الحذر من الفتن فعن حذيفة قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "أنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِى جِذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ فَعَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ وَعَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ ". ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِ الأَمَانَةِ قَالَ: "يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْوَكْتِ ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْمَجْلِ كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَىْءٌ - ثُمَّ أَخَذَ حَصًى فَدَحْرَجَهُ عَلَى رِجْلِهِ - فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ لاَ يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّى الأَمَانَةَ حَتَّى يُقَالَ إِنَّ فِى بَنِى فُلاَنٍ رَجُلاً أَمِينًا. حَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ مَا أَجْلَدَهُ مَا أَظْرَفَهُ مَا أَعْقَلَهُ وَمَا فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ"(رواه البخاري ومسلم في صحيحهما) والمقصود بالأمانة هنا هو الإيمان.
وعن حذيفة رضى الله عنه أيضا قال: كان الناس يسألون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير.
فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: "نعم"، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نعم، وفيه دَخَنٌ". قلت: وما دَخنُهُ؟ قال: "قوم يهدون بغير هَدْيي تعرف منهم وتُنكِر". قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: "نعم، دُعاةٌ إلى أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها". قلت: يا رسول الله، صِفْهُم لنا؟ فقال: "هم مِن جِلدَتنا، ويتكلمون بألسِنَتِنا". قلت: فما تأمُرني إن أدركني ذلك؟ قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم". قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: "فاعتزل تلك الفرق كُلَّها ولو أن تَعَضَّ بأصل شجرةٍ حتى يُدْرِكَكَ الموت وأنت على ذلك".(رواه البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم).
***
إيران كشفت اليوم عن امتلاكها قواعد صواريخ تحت الأرض وزعمت أن هذه القواعد مليئة بصواريخ دقيقة التوجيه جدا، ومن باب الدجل والتضليل السياسي تتناسي إيران أن الله فضح تفاهة صواريخها عندما أطلقت صواريخ العام الماضي ضد قاعدة أمريكية في العراق فأصابت طائرة ركاب مدنية كندية كانت مقلعة من مطار إيراني وأسقطتها وقتل كل من فيها، صدقوني إيران هي "نمر من ورق" ولا تتنمر ولا تمارس البلطجة الدولية والإقليمية إلا لأنها لا تجد رجلا حقيقيا يتصدى لها ويقول لها "هش" ، وإنما قلت "رجلا" ولم أقل "قوة" لأن القوى القادرة على كف إيران عن ظلمها وطغيانها كثيرة لكنها لا تتعامل برجولة مع الطغيان والبلطجة الإيرانية وإنما تتعامل بخنوثة مع إيران بما في ذلك كل من إسرائيل والولايات المتحدة فكلهم مخنثون تجاه إيران وكأنها ماسكة على كل منهم ما تبتزه به.
***
قناة الجزيرة أصابها الجنون "رسمي فهمي نظمي"، فأولا تحولت لقناة محلية أمريكية منذ بدء انتخابات الرئاسة الأمريكية تركز على كل ما هو أمريكي محلي بأكثر من أي أخبار مهمة أخرى حول العالم، ثم منذ واقعة اقتحام الكونجرس الأربعاء من قبل أنصار ترامب ظلت لـ17 ساعة التالية متواصلة "تعيد وتزيد في لت وعجن" عبر ضيوفها الأمريكيين الذين تدفع لهم نظير "اللت والعجن الزائد عن اي حد"، وظلت متوقفة عن أي تغطية إخبارية عامة ولا حتى تغطية أخبار الولايات المتحدة بدقة ويقتصر عملها على مناقشات "اللت والعجن" حول ما حدث في انتخابات الرئاسة الامريكية وسيحدث..الخ.
كل القنوات الدولية المهمة استمرت في برامجها بشكل عادي مع تركيز على الحدث الأمريكي ووضعه في مقدمة اي نشرة أخبار، بينما الجزيرة الغت كل برامجها بما في ذلك النشرة الاخبارية المعتادة على رأس كل ساعة واستمرت فى هذا الجنون الإعلامي.
سبحان الله.. لقد تكرس فشل العرب بكل قواهم وكل محاورهم في كل المجالات، وذلك بسبب قدر بالغ من التخلف في مستوى التفكير وطريقته.
أنا أدرك أن قناة الجزيرة بينها وبين بايدن وحزبه بيزنس سياسي لكن ما تفعله هو شيء أسوء من الفشل الإعلامي.