أربعة عوامل تمكن المقاومة في غزة من تحقيق التوازن الاستراتيجي مع العدو

بقلم عبد المنعم منيب | 3 أغسطس, 2014

المقاومة الفلسطينية تنتصر و ستنتصر بفضل الله و لكن ينبغي علينا أن نفكر بدقة و دأب في ما يمكن أن نستفيده من دروس سياسية و إستراتيجية و إدارية و إعلامية و اجتماعية من هذا النصر و ذلك عبر التأمل العميق في الأداء الرائع للمقاومة الفلسطينية داخل غزة و خارجها .. و من أهم الدروس هو الإجابة عن سؤال هام و هو : لماذا تحقق المقاومة هذه الانتصارات الرائعة الآن بينما عجزت عن ذلك منذ ثلاثينات القرن العشرين الميلادي رغم أن الصهاينة في ذلك الوقت كانوا أضعف و أفقر و أقل عددا بكثير جدا عما هم عليه الآن ؟؟ 

طبعا هناك أسباب كثيرة لكن سنركز الآن على سبب واحد (و كنا كتبنا سابقا عن سبب واحد منها و سنرجع في مناسبات أخرى ان شاء الله للأسباب الأخرى) هذا السبب هو توفر الحد الأدنى من السلاح اللازم للقتال بنجاح ضد العدو الصهيوني مما يعني تحقيق قدر ما من التوازن الاستراتيجي ... قد يتعجب البعض من هذه الفكرة لأول وهلة.. لكنها الحقيقة... و تفصيل ذلك أنه منذ الثلاثينات كانت هناك ثورات و حركات مقاومة فلسطينية مدعومة من كافة الشعوب العربية تواجه الغزو الصهيوني لفلسطين (لنتذكر أن عز الدين القسام الذي تسمت باسمه الآن كتائب القسام التابعة لحماس هو سوري و أحد قادة هذه الثورات العربية ضد الاحتلال الصهيوني عام 1936) و انتهت هذه المقاومة ذات الطبيعة الشعبية الفلسطينية و العربية بهزيمة العرب أمام الصهاينة في حرب 1948, إذن لما وقعت الهزائم العربية في هذه المرحلة ؟

وقعت لأن حركات المقاومة لم تتمكن من امتلاك الأسلحة و الذخائر اللازمة لجهادها ضد العدو الصهيوني.

و لماذا لم تتمكن من الحصول على هذه الأسلحة؟

لم تتمكن لأن المتحكمين في النظام الإقليمي في المشرق العربي و في النظام العالمي كله منعوا حينذاك وصول الأسلحة و الذخائر إلى المقاومين في فلسطين و في جبهات سيناء و الأردن و سوريا و جميع الجبهات, و هذا المنع كان هدفه تمكين الصهاينة من إيقاع الهزيمة بالعرب. 

و هنا .. يجب أن أنوه للأخوة عن أحد وسائل و أدوات العمل السياسي و هو مساعدة الصديق و منع المساعدة عن الخصم و أهم مساعدة تكون في أي صراع سياسي أو عسكري هي المال و السلاح.. 

و تأتي أهمية هذا التنويه من أن كثيرا من الأخوة يظنون أن السياسة منحصرة في الانتخابات و تقديم الخدمات الاجتماعية التي من شأنها جلب الأصوات المؤيدة لصناديق الاقتراع بينما يرى كثير آخرون أن السياسة منحصرة في حمل الكلاشينكوف و خوض الجهاد حتى الاستشهاد .. بينما السياسة تشمل هذا و ذاك معا بجانب أدوات أخرى كثيرة منها بل من أهمها مساعدة الصديق بالمال و السلاح و منع وصول المال و السلاح للخصم .. و لكل أداة مكانها و زمانها و مناسبتها.. 

 

يقول المتنبي :

 

وَوَضْعُ النّدى في موْضعِ السّيفِ بالعلى

 مضرٌّ كوضْع السيفِ في موضع النّدى

 

و من هنا كانت المقاومة في معارك كثيرة تكتسح الصهاينة في فلسطين لكنها تعود و تنسحب أو تنهزم بعدما تنفد منها الذخائر أو قطع الغيار أو يجلب الصهاينة أسلحة متقدمة من أوروبا و الولايات المتحدة و لا تتمكن المقاومة من مجاراة هذه الأنواع من الأسلحة لعدم تمكنها من استجلاب أسلحة بالكمية و النوعية المناسبة لمواجهة تلك الأسلحة المتقدمة .. و كان هذا سبب رئيس من أسباب هزائم العرب أمام الصهاينة حتى 1948.

 

و السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو : ما الذي تغير في المعادلة الإقليمية و الدولية حتى تمكنت المقاومة من الحصول على أسلحة مناسبة (و إن كانت ليست الأمثل) لممارسة حقها في مقاومة الاحتلال  الصهيوني؟

 

هناك أربعة عوامل أدت لتغيير المعادلة الإقليمية و الدولية لصالح المقاومة الفلسطينية و من ثم حصولها على سلاح مناسب هي:

 

الأول-ظهور قوى إقليمية جديدة تميل لدعم المقاومة دون التقيد بالنظام الدولي و القانون الدولي و المعاهدات و الاتفاقات و الضغوط الدولية و الإقليمية و هي إيران (و حلفاؤها الإقليمين و الدوليين) و السودان و قطر و تركيا / أردوغان... صحيح أن لكل منها أهدافها من هذا لكنها في التحليل النهائي تدعم بشكل ما و بدرجة ما المقاومة دون هذه القيود.

في الماضي كانت القوى الإقليمية إما متواطئة حقيقة مع الصهيونية العالمية و إما تدعم المقاومة بقلبها فقط بينما ملتزمة بسيفها مع النظام الدولي و القانون الدولي و المعاهدات و الاتفاقات و الضغوط الدولية و الإقليمية.. و بالتالي فهي لا تخرج عن تعليمات أوروبا و أمريكا بشأن التعامل مع إسرائيل و المقاومة الفلسطينية.

 

الثاني-بروز فاعل جديد و مهم في النظام الدولي و من ثم في النظام الإقليمي و هو المنظمات غير الحكومية (سواء مسلحة أو غير مسلحة و سواء إرهابية أو غير إرهابية) و الشركات عابرة القومية (سواء رسمية قانونية أو غير قانونية كشبكات تهريب الأموال و السلاح و التكنولوجيا) .. فهؤلاء الفاعلون الجدد في النظام الإقليمي و الدولي أتاحوا خيارات جديدة لإيصال المال و السلاح إلى المقاومة في ظل الحصار .. فلم تعد الخيارات محصورة في دول قد تكون ملتزمة أو غير ملتزمة بمقتضيات النظام الدولي و قوانينه و قيوده و رغباته بل و نزواته.

 

الثالث-هو ثورة الاتصالات و المواصلات و المعلومات و في قلب ذلك كله الانترنت طبعا.. فهذه الثورة أتاحت المعرفة السياسية و العسكرية و التكنولوجية و كسرت الحصار الذي يفرضه النظام الدولي المعاصر على المعرفة الحديثة لمنع تقدم المسلمين و العرب و منع امتلاكهم أدوات القوة الشاملة (السياسية و الاقتصادية و التكنولوجية) فأمكن عبر ثورة الاتصالات و المعلومات الحصول على كنوز من المعرفة لم يكن يمكن الوصول لها من قبل كما أتاحت ثورة المواصلات خيارات أكثر لكسر الحصار و نقل المواد الخام و المعدات الى أي مكان في الأرض مهما كان الحصار محكما عليها من قبل الفاعلين الدوليين و الإقليمين.

 

الرابع-هو معرفة و إدراك المقاومة لهذه العوامل الثلاثة السابقة و امتلاكها الإرادة و الرغبة و العزيمة و الشجاعة لاستغلال هذه العوامل من أجل القيام بدورها المقاوم بنجاح و تحقيق الانتصار على الصهاينة.. فلو لم تدرك المقاومة هذه العوامل الثلاثة و تعرفها معرفة وافية لما أدركت أنها مفيدة لها و أنها يمكن أن تمكنها من تحقيق النصر.. و لو لم تمتلك المقاومة الإرادة و العزيمة لاستخدام هذه العوامل الثلاثة لما تمكنت من استخدامها و لخافت من أن تغضب أوروبا و الولايات المتحدة و حلفاءهم في المنطقة العربية و لخافت أن يصنفها النظام الدولي على أنها منظمة إرهابية و لخافت أن تغضب عليها آشتون أو أوباما أو الأمم المتحدة أو ينتقدها المستنيرون العرب بالتطرف أو الاستبداد أو مخالفة مقتضيات الديمقراطية أو يهاجمها الرأي العام الدولي لأنها لا تلتزم بالقانون و الاتفاقات الدولية التي قضت بأن لا يكون السلاح إلا في يد قوات عباس على أن يكون سلاحا خفيفا فقط و بمنع دخول السلع و الخامات إلى الأراضي المحتلة إلا عبر إسرائيل و بموافقتها... لكن المقاومة تعاملت مع ذلك كله بعزيمة و شجاعة فكان لها ما تريد بفضل الله تعالى و توفيقه.

 

على الهامش :

 

(1) 

هذا التحليل لا يحلل كل أسباب نصر المقاومة لكنه يحلل أحد أهم الأسباب فقط .. و نسأله تعالى أن يوفقنا لتحليل باقي الجوانب و الأسباب في مرات أخرى إن شاء الله.

 

(2)

ذكرنا في التحليل أن من أدوات السياسة مساعدة "الصديق" و لفظ "الصديق" اخترناه بدقة.. لأن واقع الحركة الإسلامية المرير (خاصة هنا في مصر) يشهد مساعدة الأخ فقط و ليس الصديق أي أن الإخواني يساعد الإخواني فقط و السلفي يساعد السلفي فقط و الجهادي يساعد الجهادي فقط هكذا.. فينعدم الوعي السياسي الكامل .. ذلك الوعي الذي جعل الصحابة في العصر المكي يحزنون لهزيمة الروم و هم أهل كتاب على يد المجوس الوثنين فنزل قوله تعالي "غلبت الروم".. (إلى آخر الآيات) مؤيدا للوعي السياسي الشامل لدى الصحابة.. بينما مازال التعصب المذهبي يعصف بنا الآن فيعمي عيوننا عن دعم من يمثل انتصاره (أو حتى نكايته في عدوه) إضافة لنقاطنا في معادلة الصراع الشاملة.