فكر العرب والمسلمين بين الدولة والثورة

بقلم عبد المنعم منيب | 11 يونيو, 2017
فكر وفكر
فكر وفكر

سألنى أحد الأخوة عن رأى الشخصى حول الأخ صابر مشهور وما يقدمه من حلقات على اليوتيوب وقلت له وقتها أنى لا أتابعه ولكن بعدها بفترة رأيت له عدة فيديوهات أحدها كان عن سلاح الجو المصرى فقفزت فى ذهنى فكرة مهمة للغاية بشأن طريقة التفكير لدى الاسلاميين سواء كانوا مفكرين أو إعلاميين أو دعاة أو حركيين، إذ وجدت نمطين من التفكير أحدهما سائد ومنتشر و"واكل الجو" فيجرى ورائه الشباب ويلتفون حوله ويهتدون بتوجيهاته وهو ما أسميه "فكر الثورة".
والثانى ما أسميه "فكر الدولة" وهو قليل ويبدو أنه فى بداية نموه وانتشاره بين التيارات الإسلامية السنية.
 وفى إطار "فكر الثورة" هذا يمكننى إدراج ما يقدمه الأخ صابر مشهور فهو فكر يغذى الغضب لدى شرائح من الشعب لتعارض الأوضاع القائمة وتزداد حنقا عليها وتتبصر بما فى هذه الأوضاع من سوء وتردى، فهو فكر قائم على انتقاء المساوىء -وهى فى الحقيقة كثيرة جدا ولا تحتاج كبير جهد لانتقائها- وتسليط الضوء عليها وتوظيفها فى خطاب يدعو للثورة عليها وتغييرها، وهذا الفكر يمكنه أن يفجر ثورة غضب الشعب لكنه لن يعدو هذا فهو يصنع شبابا ثوريا غاضبا أو ينفث عن غضب المتلقين بقراءتهم أوسماعهم قصائد هجاء ضد الأنظمة والأوضاع القائمة لكنه لا يقدم حلولا عملية لهذه الأوضاع التى ستنفجر ضدها الثورة كما إنه لن يصنع عقولا استراتيجية قادرة على قيادة الثورة إلى النصر ثم الانتقال بها من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة الثورية أولا ثم المزدهرة ثانيا ثم القوية المتقدمة ثالثا، إن هذا الفكر الثورى لا يصنع فكرا استراتيجيا وإنما يصنع غضبا ثوريا وأحيانا يصير هذا الغضب عبثيا وقد يفجر أو يساعد على تفجير ثورة لكنها تكون ثورة غير واعية وغير مبصرة إن انتصرت أو انهزمت على حد سواء لأنها حتى ولو انتصرت فإنها تصير كطفل قذفته ظروفه فى البحر ولا يجيد السباحة فإما ان يغرق وإما أن تدفعه الظروف لتعلم شئ من السباحة حتى ينجو مجرد نجاة دون أن يغنم شيئا من معاناته بالبحر وإما أن يلتقطه ماهر بالسباحة فيحوزه لنفسه فيصير الطفل رهن إرادته إما أن يتبناه هذا المنقذ ويعتبره أحد أبنائه وإما أن يسترقه ويعتبره عبدا أو خادما له وإما أن يبيعه لمن يدفع أكثر.
وربما هذا النمط من الثورة القائمة على الغضب فقط دون حسابات وبرامج استراتيجية وقادة استراتيجيين هى ما حذر منها ابن خلدون حسبما كتبنا مشيرين إلى كلامه من قبل.
أما ما أسميه بـ"فكر الدولة" فهو الفكر القائم على فهم أن أمر التغيير أو النهضة الإسلامية لابد أن تمر بعدة مراحل هي الحركة ثم الثورة ثم بناء الدولة ونهوضها اقتصاديا وعلميا وتكنولوجيا ثم ممارسة الدولة لدورها الاقليمي و الدولي، وأنه لابد للقيام بذلك من الدراسة العلمية والموضوعية لكل الجوانب الإيجابية والسلبية للتجارب السابقة فى كل طور من الأطوار المذكورة وهى:
الثورة
بناء الدولة
نهضة الدولة أخلاقيا واقتصاديا وعلميا وتكنولوجيا 
ممارسة الدولة لدور إقليمى ودولى
ولخلق فكر استراتيجي ناضج فى هذه المجالات لابد من استيعاب الدراسات العلمية الموضوعية المتخصصة المرتبطة بهذه المجالات وكذا دراسة التجارب السابقة فى هذه المجالات سواء كانت لأخيار أم لأشرار وسواء كانت لمسلمين أو كفار، أما منهج انتقاء كفر الكافر أو فسق الفاسق أو إجرام المجرم وإفساد الفاسد من أجل شطب كل جوانب تجربته والامتناع عن دراستها أو مناقشتها أو حتى مجرد النظر لها فهذا يمنع الاستفادة العلمية ويحرمك من التمتع برؤية استراتيجية للتعامل مع المشكلات وتخطى العقبات بكل المراحل كما أن هذا الشطب يخرجك من إطار منهج "فكر الدولة" إلى منهج "فكر الثورة" الذى لا يهمه من المعلومات غير تغذية غضب الجمهور ومن ثم تفجير ثورتهم، وإنما "فكر الدولة" يهتم بانجاز كل أطوار التغيير والنهوض كل فى وقته وبالأسلوب المناسب لكل مرحلة من المراحل، كما يهتم ان يواجه المشكلات والعقبات بإجابات مناسبة مستقاة من دروس التاريخ بجانب علوم الإدارة والسياسة والإقتصاد والاستراتيجية، ومن هنا فهو يستفيد من خطأ فسق الفاسق وإفساد الفاسد وإجرام المجرم وفشل الفاشل كى يتجنب اقتراف ما اقترفوه ولا يقع فى مثله من أخطاء وإخفاقات وفشل بمعرفته أسباب ذلك كله وظروفه الموضوعية والذاتية، كما يستفيد من إنجازاتهم كى يعرف كيف ينجز وكيف يكون الإنجاز وما هى الشروط الموضوعية والذاتية للنجاح والإنجاز.
وقد سبق أن أشرت لـ"فكر الدولة" هذا بمقالات عديدة دون أن أسميه هذه التسمية ومنها: 
مقال "مراحل التغيير و أبرز نماذجه الناجحة في عالمنا المعاصر"
ومقال "أفكار حول أغلب المشكلات السياسية في عالمنا الإسلامي"