تبسيط أحكام زكاة المال من الفقه الإسلامي

بقلم عبد المنعم منيب | 1 مارس, 2015
صورة توضيحية
صورة توضيحية

المقدمة
هذا مقال حول أحكام الزكاة يهدف إلى تبسيط هذه الأحكام لعامة المسلمين من غير المتخصصين بحيث يسهل عليهم الإلمام بها بسهولة ويسر وفى وقت وجيز، ولم نذكر خلافات الفقهاء وإنما ذكرنا رأيا واحدا فقط وهو الذى يرجحه الدليل وأكثرية الفقهاء، وفي نفس الوقت لم نتوسع فى ذكر الأدلة تجنبا للإطالة، كما لم نذكر تفصيلات كثيرة إنما إقتصرنا على التفصيلات التى يكثر الإحتياج إليها في هذا الزمان، وفى الواقع فإن القارئ الكريم سيجد أن هذا المقال قصير أو مختصر إلا إنه سيجده جامعا لأغلب الأحكام التى سيحتاجها يشأن الزكاة إن شاء الله لأن المقال مختصر إختصارا غير مخل، والهدف من سوق هذه الأحكام بإختصار أن يسهل تناولها والإستفادة منها على الجميع إن شاء الله.

معنى الزكاة

الزكاة في اللغة تعنى البركة والنماء والطهارة والمدح والصلاح و رجح البعض أن أصل معناها يرجع إلى الزيادة والنماء.أما الزكاة في الشرع فتطلق على القدر من المال الذي فرض الله أن يخرج للمستحقين الذين حددهم فى القرآن الكريم، كما تطلق على عملية إخراج الزكاة نفسها.ويأتى التناسب والإرتباط بين الزكاة بمفهومها الشرعى وأصل معناها اللغوى من أن الزكاة تزيد وتنمى مال المتصدق كما في الحديث " اللهم أعط منفقا خلفا وأعط ممسكا تلفا" كما أن إخراج الزكاة يطهر المتصدق من الذنوب قال تعالى "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها"هذا من ناحية المتصدق، أما من ناحية الذين يتلقون الصدقات فإن الصدقة تنمى أموالهم فمن هنا تأتى علاقتها بمفهوم النماء أيضا, وهذا كله من حكمة الزكاة.أما الصدقة فقد وردت في الكتاب والسنة بنفس المعنى الشرعى للزكاة فلا فرق بينهما فى المعنى لذلك قال الماوردى فى كتابه "الأحكام السلطانية": "الصدقة زكاة والزكاة صدقة يفترق الإسم ويتفق المسمى".

أنواع الزكاة

تنقسم من حيث الوجوب إلى: 1) زكاة واجبة وهى الفريضة، وهى نوعان: الأول- مرتبط بالأبدان وهو صدقة الفطر لأنها لا تتعلق بمال مخصوص بل تتعلق بالشخص المسلم القادر على أدائها.الثانى- زكاة الأموال وهى تتعلق بالأموال بأنواعها بشروط ومقادير محددة سيرد تفصيلها فيما بعد إن شاء الله. 2) زكاة مندوبة وهى صدقة التطوع من فعلها يثاب ثوابا عظيما، لأن الله ينمى ثواب الصدقة إلى يوم القيامة حتى يصير ثواب الصدقة المكونة من تمرة واحدة كالجبل كما ورد فى الحديث الصحيح، وورد فى حديث صحيح أخر أن الصدقة تطفئ غضب الرب، وهذا الثواب العظيم يعم الصدقة الفريضة كما يعم صدقة التطوع، لكن تارك الفريضة يحرم من الثواب ويعاقب أما تارك صدقة التطوع فإنه يحرم من ثوابها لكنه لآ يعاقب.

أنواع من تجب عليهم الزكاة

أجمع الفقهاء على أن الزكاة المفروضة تجب في مال المسلم البالغ العاقل الحر إذا بلغ ماله النصاب (أى المقدار) المحدد شرعا لإخراج الزكاة المفروضة وحال عليه الحول وكانت ملكيته لهذا المال ملكية تامة. لكن هل تجب الزكاة في مال الصبى والمجنون إذا بلغ مال أى منهما النصاب؟ والذى أملى هذا السؤال كون الصبى والمجنون غير مكلفين لأنهما غير كاملين من حيث أهلية التكليف، لكن كما قلنا سابقا فإن الزكاة متعلقة بالمال فهى فرض الله في المال الذى بلغ مقدارا حدده الشرع تحديدا دقيقا؛ فالزكاة مرتبطة بالغنى لأنها حق المحتاجين، وقد ورد في الحديث المتفق عليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم "أعلمهم أن الله إفترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم"، وبالتالى إذا بلغ مال الصبي أو المجنون النصاب وجب على ولى كل منهما المتولى شأنهما أن يخرج زكاة هذا المال، بالضبط كما يدفعون ثمن الأشياء التى يستهلكها الصبي أو المجنون أو كما يدفعون ديونهما المستحقة عليهما.

منزلة الزكاة فى الإسلام

كما رأينا في السطور السابقة فإن الزكاة فريضة واجبة وجوبا عينيا فى مال كل مسلم إذا توفرت فيه الشروط التي ستأتى تفصيلا فيما بعد، لكن ماهو إثم من إمتنع عن أداء هذه الفريضة؟روى مسلم عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدى حقها إلا جعلت له يوم القيامة صفائح ثم أحمى عليها فى نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبهته وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، ومامن صاحب بقر ولا غنم لا يؤدى حقها إلا أتى بها يوم القيامة تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها كلما مضى عليه أخرها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار"وروى البخارى عنه أيضا عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال "من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتين يطوقه يوم القيامة، ثم تلا النبى صلى الله عليه وآله وسلم الأية "ولا يحسبن الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله هو خير لهم بل هو شر لهم سيطوقون مابخلوا به يوم القيامة".هذا عن العقوبة الأخروية فماذا عن العقوبة الدنيوية فيكفى أن نتذكر معا أن ابا بكر الصديق ومعه جميع الصحابة رضوان الله عليهم قد قاتلوا مانعى الزكاة وقال أبو بكر رضى الله عنه كلمته المشهورة والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة".ليس هذا وفقط بل هناك عقوبات قدرية تجرى على مانعى الزكاة منها ماورد فى الحديث الصحيح (صححه الألبانى فى الصحيحة 107) "ما منع قوم الزكاة إلا إبتلاهم الله بالسنين"، اى المجاعات والأزمات الإقتصادية.

الشروط العامة للمال الذى تجب فيه الزكاة

يشترط في المال الذي تجب فيه الزكاة خمسة شروط لايجب إخراج الزكاة منه إلا بتوفرها جميعا وهى:
1)الملك التام: فرغم نظرة الإسلام للمال أى مال أنه مال الله أصلا قال تعالى: "وآتوهم من مال الله الذى أتاكم" (النور33) وقال "أنفقوا مما رزقناكم" (البقرة 245) وقال تعالى"و أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه" (الحديد 7) فإن الله تعالى أضاف الأموال إلى عباده تكريما لهم وفضلا منه تعالى وإبتلاء لهم بما أنعم به عليهم؛ ليشعروا بكرامتهم على الله و أنهم خلفاء الله فى الأرض ويحسوا بمسئوليتهم عما ملكهم إياه.وبناء على هذا المعنى نجد آيات كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى "يا أيها الذين أمنوا لاتلهكم أموالكم" (المنافقون 9) وقوله "إنما أموالكم و أولادكم فتنة" (التغابن 15) وقوله تعالى "ما أغنى عنه ماله وما كسب" (المسد2) وقوله تعالى "لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل" (النساء29) وقوله "خذ من أموالهم صدقة" (التوبة 55).وعلى هذا فليس المراد بالملك التام الملك الحقيقى لأن الملك الحقيقي لله وحده لكن المقصود الملك المرتبط بالإنسان على النحو المعروف للجميع بأن يكون المسلم حائزا للمال حيازة كاملة متمكنا من التصرف فيه تصرفا كاملا بشكل دائم دون قيد على هذا التصرف ودون شراكة من أحد في ذلك و يدخل في ذلك إنفراده بالحصول على أي فوائد تتولد عن هذا المال منفردا، والأدلة على هذا الشرط كثيرة منها قوله تعالى "خذ من أمولهم صدقة" وقوله صلى الله عليه وآله وسلم "إن الله فرض عليهم فى أموالهم...."ويترتب على هذا الشرط أن المال الذى ليس له مالك معين ليس عليه زكاة كأموال الحكومة التى تجمعها من الزكاة ونحوها، وكذلك الأموال الموقوفة على أمور عامة كمصالح المسلمين أو على الفقراء والمحتاجين ونحو ذلك.كما أن المال الحرام ليس فيه زكاة لأن حائزه لايتملكه بل يجب عليه أن يعيده لملاكه الأصليين لأن السرقة أو الرشوة أو الغصب لايفيد ملكا.ويرتبط بشرط الملك التام مسألة زكاة الدين بمعنى: إذا كان هناك دين فهل زكاته على الدائن بإعتباره مالكه الحقيقى أم على المدين بإعتباره المتصرف فيه المنتفع به حقيقة، والواقع أن الديون نوعان :الأول- مرجو أدائه مثل أن يكون على موسر مقر بالدين فهذا يعجل أداء زكاته مع ماله الحاضر في كل حول مادامت جميع شروط الأداء الأخرى متوفرة.الثانى- دين ميؤس الحصول عليه بأن كان على معسر لا يرجى يساره أو على شخص يجحد هذا الدين ولابينة تثبته عليه فهذا لايزكيه صاحبه إلا بعد قبضه لو قبضه.

2)النماء: يشترط في المال كى تجري فيه الزكاة أن يكون قابلا لأن ينمو بعمل ما من صاحبه أو من وكيله, فإن كان ممكنا للمال أن ينمو فتركه صاحبه ولم ينمه فإنه يلزمه زكاته؛ لأن العبرة ليس بالنماء الفعلى ولكن بإمكانية النماء.
والدليل على شرط النماء هو قوله صلى الله عليه وآله وسلم "ليس على المسلم في فرسه ولا عبده صدقة" (رواه البخارى) قال النووى:"هذا الحديث أصل في أن أموال القنية لازكاة فيها" (شرح صحيح مسلم للنووى). وبالتالى فالمال الذى لاينمو بغير إمتناع من صاحبه عن تنميته لازكاة فيه حتى يتمكن صاحبه منه فإن كان المال مغصوبا لايمكن إسترداده أو دينا لايرجى تحصيله أو مخبوءانسى مكانه فإنه لا زكاة عليه حتى يتمكن منه.

3)بلوغ النصاب: ليس أى قدر من المال تجب فيه الصدقة بل حدد الشرع الحنيف مقدارا محددا تجب في المال الزكاة إذا بلغه أما إن لم يبلغه فلا زكاة فيه، فكان هذا المقدار المحدد سقفا يتحدد به الفرق بين الغنى الذى تجب فيه الزكاة ومن دونه, وسوف يأتى تفصيل قدر كل مقدار عند الحديث عن كل نوع من أنواع الأموال الزكوية.
4) الفضل عن الحوائج الأصلية: والمقصود حوائج الإنسان وأهله الأساسية دون إسراف أو تقتير، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم لرجل: "ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شئ فلأهلك (أى الزوجة والولد), فإن فضل شئ عن أهلك فلذوى قرابتك, فإن فضل شئ عن ذوى قرابتك شئ فهكذا وهكذا" (رواه مسلم) 5) السلامة من الدين: إذا كان الإنسان مدينا دينا ينقص ماله عن قدر النصاب فإنه يخرج من دائرة وجوب الزكاة على ذلك المال. 6) حولان الحول: بمعنى أن يمر على المال في ملك المالك إثنا عشرا شهرا عربية و هذاالشرط يخص الأنعام والنقود والتجارة, أما المنتجات الزراعية والعسل والمعادن ونحوها فلا يشترط فيها الحول.

أنواع المال الذى تجب فيه الزكاة

تجب الزكاة في عدد من الأشياء ذات القيمة إذا توفرت فيها الشروط السابقة وسوف نذكرهذه الأشياء فيما يلى إجمالا ثم نفصلها بنفس الترتيب بعد ذلك إن شاء الله. الأثمان: وهى النقود وكانت فى الماضى مسكوكة من الذهب أوالفضة، والآن هى النقود الورقية بإتفاق الفقهاء المعاصرين.وعروض التجارة: وهى الأموال المستخدمة في التجارة بشروط معينة ستأتى تفصيلا. والحاصلات الزراعية: ويقصد بها بعض المنتجات الزراعية في شكلها الخام بشروط محددة ستأتى فيما بعد تفصيلا. والسائمة من بهيمة الأنعام: أى التى ترعى في المرعى بعكس التى يتم علفها فالأخيرة ليس فيها زكاة سوى زكاة المستغلات وسوف تأتى تفصيلا في عروض التجارة.

زكاة الأثمان (النقود)

وهى النقدان أى الذهب والفضة وما يقوم مقامهما الأن من النقود الورقية وذلك كله بشرط بلوغ النصاب وهو في الذهب عشرون دينارا أو وزنهم من الذهب, ووزن الدينار 4.25 جراما فيصير نصاب الذهب 85 جراما، أما نصاب الفضة فهو مائتا درهما والدرهم وزنه 2.975 جراما من الفضة أى أن نصاب الفضة 595 جراما، فإذا بلغ أيهما هذا القدر وحال عليه الحول وتوفرت فيه سائر الشروط السابقة وجبت فيه الزكاة وهى 2.5 في المائة وذلك للحديث الحسن الذي رواه أبوداود عن على رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "إذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول, ففيها خمسة دراهم, وليس عليك شئ حتى يكون لك عشرون دينارا, وحال عليها الحول ففيها نصف دينار, فما زاد فبحساب ذلك, وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول".وتقدر قيمة نصاب النقود الورقية بقدر نصاب الذهب فإذا بلغ المال من النقود ما يعادل ثمن 85 جراما من الذهب وحال عليها الحول مع توفر الشروط الأخرى وجبت عليه الزكاة بمقدار 2.5 في المائة. وإذا كان هذا حكم زكاة الذهب والفضة بشكل عام فهل يشمل ذلك الذهب والفضة المستخدمة في الحلى؟الأحاديث الآتية توضح الإجابة:جاءت امرأة للنبى صلى الله عليه وآله وسلم ومعها ابنة لها, وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب, فقال لها: " أتعطين زكاة هذا؟" قالت: لا قال: "أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟" قال فخلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وأله وسلم وقالت: هما لله ورسوله. رواه أبو داود 1563 وغيره وحسنه الألبانى في تعليقه على أبى داود وقواه ابن حجر.وعن أم سلمة قالت كنت ألبس أوضاحا من ذهب, فقلت: يا رسول الله, أكنز هو؟ فقال: "ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكى فليس بكنز" رواه أبوداود 1564 وحسنه الألبانى.عن عائشة رضى الله عنها قالت: دخل على رسول الله, فرأى في يدي فتخات من ورق، فقال "ما هذا يا عائشة؟" فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله، قال: "أتؤدين زكاتهن؟" قلت: لا، أوما شاء الله, قال: "هو حسبك من النار" رواه أبوداود 1565 وصححه الألبانى.

زكاة عروض التجارة(أى السلع التجارية)

التجارة هى كل شئ يعد للبيع والشراء بقصد الربح, ولكى يعتبر الشئ من عروض التجارة لابد أن يتوافر فيه أمران:

الأول- أن تنتقل ملكية هذا الشئ للذى سيتاجر فيه فعليا.

الثانى- أن يقترن الملك بنية الإتجار فيه, فإن لم ينو عند تملكه التجارة أو إذا تملكه بإرث فلا يصير من عروض التجارة عند جمهور الفقهاء بمجرد نية الإتجار فيه حينئذ بل لابد من الإتجار فيه فعلا في هذه الحالة الأخيرة.و زكاة عروض التجارة واجبة بإحماع الصحابة وإتفاق أكثر العلماء من بعد الصحابة كعلماء المذاهب الأربعة وغيرهم حتى حكى ابن المنذر وغيره الإجماع على هذا الوجوب؛ فيجب في عروض التجارة التزكية منها بنسبة 2.5 في المائة إذا توفرت الشروط المذكورة من قبل.

ويرتبط بزكاة عروض التجارة زكاة الأشياء التالية:

1) زكاة الأسهم: وهى تزكى زكاة عروض التجارة بنفس شروطها ما دامت هذه الأسهم لشركات تعمل فى مجالات مباحة شرعا وبأساليب مباحة شرعا, أما إن كانت غير ذلك فيحرم تملكها أو الإتجار فيها وإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا.

2) زكاة السندات: السندات ربا محرم شرعا، كما إنها ليست من عروض التجارة في شئ, و إنما هي من قبيل الدين المرجو الأداء فتجب زكاتها مع مال الدائن كل عام؛ لأنه بمنزلة المال المقبوض في يده.

3) زكاة المستغلات: المستغلات هى الأموال التى لا تجب فيها الزكاة لعينها, ولم تتخذ للتجارة ولكنها تتخذ للنماء؛ فتغل لأصحابها فائدة وكسبا بواسطة عينها, أوبواسطة بيع ما يحصل من إنتاجها، فما يؤجر مثل الشقق والعمارات ووسائل النقل ونحوها, وماينتج ويباع إنتاجه مثل المواشى والأغنام والدواجن ونحوها التى تربى فى مزارع ونحوها ويجرى علفها لبيع نتاجها, وكذا المصانع التى تنتج ويباع إنتاجها.وهذه الأشياء تقدر غلتها (أى الدخل الذى تنتجه) سنويا ويخصم منها المصاريف التى أنفقها صاحبها على تكلفة تشغيلها وصيانتها وعلى حاجته الأصلية هو ومن يعول ثم يقدر باقى الدخل فإن بلغ مقداره قيمة نصاب الذهب أى 85 جراما من الذهب فإنه يخرج زكاته بالشروط السابقة بمقدار 2.5 في المائة.وهذا كله فيما ذكرنا من المستغلات أما لو كانت أراضى أو عقارات أو وسائل نقل أو نحوها وكانت معدة للبيع بغرض التجارة وليس الإنتاج ولا التأجير فإنها تزكى مثل عروض التجارة بأن تقدر قيمتها الكلية عند حولان الحول عليها وهى بالغة نصاب الذهب (أى مرور عام هجرى كامل منذ بلغت نصاب زكاة الذهب وإستمرارها على النصاب عند نهاية العام) وتخرج الزكاة منها كلها مثل عروض التجارة, والفرق بين هذه وبين الأشياء السابقة من المستغلات التى قلنا أن زكاتها تكون على الدخل الناتج عنها فقط دون قيمة أصولها هى أن السابقة معدة للإيجار أو الإنتاج أما الأخيرة هذه فهى معدة للبيع برمتها مثل شراء السيارات أو السفن أو الطائرات أو الشقق أو العقارات أو الأراضى بغرض بيعها لا بغرض تأجيرها.أما شراء ذلك بغرض الإستعمال الشخصى له ولأسرته فهو لا زكاة فيه كما سبق وذكرنا.

زكاة الحاصلات الزراعية

الحاصلات الزراعية التى يستنبتها الناس بهدف الإستفادة منها فيها زكاة لعموم قوله تعالى "يا أيها الذين أمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض" (البقرة 267) وقوله تعالى "وآتوا حقه يوم حصاده" (الأنعام 141) وهذه الأية الأخيرة ذكرت هذا الوجوب بعد ذكر أنواع المأكولات من الجنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع والزيتون والرمان.وكذا قوله صلى الله عليه وآله سلم "فيما سقت السماء العشر, وفيما سقى بالنضح نصف العشر" وهذا الحديث عام في كل الحاصلات الزراعية لم يفصل بين ما يبقى وما لايبقى, وبين ما يؤكل وما لا يؤكل, وما يقتات وما لايقتات.فإذا بلغ المحصول الزراعى النصاب المقدر للحاصلات الزراعية فإنه يجب إخراج زكاته بمقدار العشر (أى 10 في المائة) من مجموعه يوم حصاده إن كان مما لا يبقى (أى لايمكن تخزينه مثل الخضر والفاكهة مثلا) وإلا جرت تزكيته بعد يبسه وجفافه إن كان مما يجفف وييبس كالحبوب.وإنما يكون مقدار الزكاة 10 في المائة في الحاصلات التى تسقى بلا تعب ولاكلفة كالتى تسقى بالمطر أوبالأبار التى ينساب ماؤها بلا أدوات رفع وكذا ما كان من الزراعات التى تمتد جذورها في الأرض فتمتص الماء من الأرض دون عناء من الزارع.

أما ما كان من الزرع يسقى بأدوات وما بها من كلفة وعناء فإن مقدار الزكاة الخارج منها يقتصر على 5 في المائة أى نصف العشر حسب تعبير الحديث النبوى الشريف.ولكن ما هو النصاب (المقدار) الذى إذا بلغه المحصول الزراعى أو زاد عنه وجبت فيه الزكاة وإذا قل عنه لم تجب فيه الزكاة؟قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم "وليس فيما دون خمسة أوسق من الثمر صدقة" (رواه مسلم).

فهذا هو نصاب المحاصيل الزراعية التى تكال وهو بالموازين المعاصرة يعادل 647 كج قمح تقريبا, وإنما اعتد العلماء في ذلك بالقمح باعتبار أن السلف قدروه بذلك بل قيل أن علماء الحديث أجمعوا على ذلك.أما الحاصلات الزراعية التى لاتكال كالقطن وقصب السكر والزهور وغيرها فإنها يقدر قيمة نصابها بما يعادل ثمن 647 كج من أحد الحاصلات الزراعية التى تكال كالأرز أو القمح أو غيرهما بشرط أن يكون من أوسط الحاصلات المكيلة بهذه البلد لا من أرخصها ولا من أغلاها بل من أوسطها.ثم ما هو موعد زكاة الحاصلات الزراعية وهل يشترط فيها الحول؟لايشترط في الحاصلات الزراعية أن يحول عليها الحول حتى تزكى, وموعد إخراجها هو موعد حصادها لقوله تعالى "وأتوا حقه يوم حصاده" اللهم إلا إن كان له تجهيز متعلق بالحصاد مثل التجفيف أو التقشير ونحوه.

زكاة الأنعام

لاخلاف بين الفقهاء على وجوب الزكاة في النعم إذا توافرت الشروط المحددة لذلك وهى:

1) أن تبلغ النصاب الشرعى وهو في الإبل خمس, وفي الغنم أربعون شاة, أما في البقر و الجاموس فهى ثلاثون من أى منهما.
2) أن يحول عليها الحول بأن يبدأ الحول وهى بالغة النصاب وينتهى وهى كذلك.
3) أن تكون سائمة أى ترعى فى مرعى عام مباح للجميع معظم أيام السنة, فعن أنس (رضى الله عنه): أن أبا بكر رضى الله عنه كتب له فيما يتعلق بفريضة الزكاة التى فرضها الرسول صلى الله عليه وآله سلم فذكر ضمنها "وفى صدقة الغنم في سائمتها....." الحديث, وبذا يظهر الفرق بينها وبين المعلوفة والتى ذكرنا زكاتها في موضوع عروض التجارة.
4) أن لاتكون الإبل والبقر والجاموس عاملا كأن يكون مستخدما في الحرث أو النقل ونحو ذلك, فعن على رضى الله عنه قال: "ليس في الإبل العوامل صدقة" (رواه أبو داود والدار قطنى).أما الزكاة الواجبة في كل من هذه الأصناف فهي على النحو التالي:(حسب رأى الجمهور)
أولا- زكاة الإبل:
من 5 إلى 9
شاة واحدةمن 10 إلى 14
شاتان من 15 إلى 19
ثلاث شياه من 20 إلى 24
أربع شياه من 25 إلى 35
بنت مخاض واحدة (وهى أنثى الإبل التى أتمت سنة وقد دخلت في الثاني, سميت بذلك لأن أمها لحقت بالمخاض وهى الحوامل)
من 36 إلى 45 بنت لبون واحدة (هى أنثى الإبل التى أتمت سنتين وقد دخلت في الثالثة, سميت بذلك لأن أمها وضعت غيرها وصارت ذات لبن)
من 46 إلى 60 حقة واحدة (هى أنثى الإبل التى أتمت ثلاث سنين ودخلت في الرابعة, سميت بذلك لأنها استحقت أن يطرقها الفحل).
من 61 إلى 75 جذعة واحدة (وهى أنثى الإبل التي أتمت أربع سنين ودخلت الخامسة).
من 76 إلى 90 بنتا لبون.
من 91 إلى 120 حقتان.
من 121 إلى 129 ثلاث بنات لبون.
من 130 إلى 139 حقة + بنتا لبون.
من 140 إلى 149 حقتان + بنت لبون.
من 150 إلى 159 ثلاث حقاق.
من 160 إلى 169 أربع بنات لبون.
من 170 إلى 179 ثلاث بنات لبون + حقة.
من 180 إلى 189 بنتا لبون + حقتان.
من 190 إلى 199 ثلاث حقاق + بنت لبون.
من 200 إلى 209 أربع حقاق أو خمس بنات لبون.
وهكذا ما دون العشر عفو, فإذا كملا عشرا إنتقلت الفريضة ما بين الحقاق وبنات اللبون على أساس أن في كل خمسين يخرج حقة وفى كل أربعين يخرج بنت لبون.
ثانيا- زكاة الغنم:من 1 إلى 39 لاشئ.
من 40 إلى 120 شاة.
من 121 إلى 200 شاتان.
من 201 إلى 399 ثلاث شياه.
من 400 إلى 499 أربع شياه.
من 500 إلى 599 خمس شياه.
وهكذا في كل مائة شاة.
ثالثا- زكاة البقر والجاموس: حسب القول المشهور الذى أخذت به المذاهب الأربعة:
من 1 إلى 29 لازكاة فيها.
من 30 إلى 39 تبيع أو تبيعة (ما له سنة وطعن في الثانية).
من 40 إلى 59 مسنة (ما له سنتان وطعنت في الثالثة).
من 60 إلى 69 تبيعان.
من 70 إلى 79 مسنة وتبيع.
من 80 إلى 89 مسنتان.
من 90 إلى 99 ثلاثة أتبعة.
من 100 إلى 109 مسنة وتبيعان.
من 110 إلى 119 مسنتان وتبيع.

من 120 إلى 129 ثلاث مسنات أو أربعة أتبعة.

مصارف الزكاة

لقد تحددت مصارف الزكاة في قوله تعالى: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم" (التوبة 60).

1) الفقراء: الفقير هو من لايجد قوت يومه وقد يكون له دخل لكنه أقل بكثير من قوت يومه فلا يكفيه وقد يسأل الناس أن يكفوه المؤنة وقد لا يسألهم, وهو على كل حال أشد حاجة من المسكين, و فقره ظاهر للعيان.
2) المساكين: المسكين هو من له دخل لكنه لايكفيه قوت يومه وهو عادة لايسأل الناس وقد لايفطنون لفقره.والمشروع أن يصرف للفقير والمسكين من الزكاة ما يخرجهما عن حد الحاجة إلى حد الغنى.
3) العاملون عليها: و يعطون من الزكاة بقدر عملهم أجر المثل.
4) المؤلفة قلوبهم: يقصد بهم الذين يتآلفون بالعطاء وتستمال قلوبهم به, وهم صنفان كفار ومسلمون, فالكفار المؤلفة قلوبهم نوعان:
النوع الأول- من يرجى إسلامه فيعطى من سهم المؤلفة لتقوى نيته فيه وتميل نفسه إليه فيسلم.النوع الثاني- من يخشى شره فيرجى بعطيته كف شره وكف شر غيره معه,فيعطى من سهم المؤلفة لذلك.أما المسلمون المؤلفة قلوبهم فهم أنواع منهم على سبيل المثال لا الحصر:
الأول- قوم سادات من المسلمين يطلب بتأليفهم إسلام نظائرهم من الكفار.
الثانى- سادات مطاعون في قومهم أسلموا ونيتهم ضعيفة في الإسلام؛ فيعطون ليقوى إيمانهم ويثبتوا.
5) الغارمون: الغريم هو المدين, والغرماء ثلاثة أنواع:الأول- من غرم لإصلاح ذات البين, بأن يستدين مالا ليصرفه على الإصلاح بين متخاصمين أو تسكين فتنة بين فريقين؛ فهذا يصرف له من سهم الغارمين في الزكاة سواء كان غنيا أو فقيرا تشجيعا له على عمل المعروف.الثانى- من أستدان لإصلاح حاله أولعمارة مسجد أو إكرام ضيف وعجز عن أداء دينه, فيعطى من الزكاة ما يفي بدينه.الثالث- الغارم لضمان, وهو من لزمه دين بطريق ضمان مدين معين بدينه, فيعطى من هذا السهم إن أعسر مع المدين الأصلى وعجزا عن سداد الدين وإن لم يكن متبرعا بالضمان, أو أعسر وحده, وكان متبرعا بالضمان.
6) في سبيل الله: ويقصد به الإنفاق على الجهاد في سبيل الله والمجاهدين في سبيل الله وإعداد آلات الجهاد ونحو ذلك.
7) ابن السبيل: وهو المسافر الذى ليس معه ما يرجع به إلى بلده وليس عاصيا بسفره, فيعطى من مال الزكاة بقدر ما يكفيه ليرجع لبلده وماله, حتى لو كان لديه مال في بلده مادام لا يستطيع أن يصل إليه.وإلى هنا انتهى مقال الزكاة, اسأله سبحانه أن ينفع به كاتبه وقارئه وأن يجعله تعالى خالصا لوجهه الكريم.
 
واقرأ أيضا إن شئت:
 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشرت هذا المقال في المدونة القديمة 2007-10-07 و في المدونة السابقة في 17 يونيو 2008.