التظاهر ضد الفيلم الحقير خطأ .. ونصرة الله و رسوله تكون بالسياسة الشرعية

بقلم عبد المنعم منيب | 14 سبتمبر, 2012

تصاعدت حدة الاحتجاجات الاسلامية على الفيلم الحقير الذي يحاول تشويه صورة الاسلام و نبي الاسلام سيدنا محمد صلى الله عليه و آله و سلم و الذي اشتهر اعلاميا باسم (الفيلم المسئ للرسول) و لكن من الملاحظ أنه كما يحدث في كل مرة يسئ فيها أحد سفهاء الغرب للاسلام أو نبي الاسلام فإن المعالجة و الرد يكون عاطفيا و حماسيا و لا يدرك المتحمسون أن حكام الولايات المتحدة الأمريكية و أوروبا لا يمكنهم أن يمنعوا أي من مواطنيهم من الاساءة  للاسلام أو لسيدنا محمد صلى الله عليه و آله و سلم  أو حتي لله عز و جل مهما كانت الاساءة حقيرة و ذلك من منطلق تقديس حرية التعبير فنظمهم القانونية و الثقافية و الأخلاقية تقدس حرية التعبير و الحرية الشخصية بلا سقف و بلا قيود و هذا شئ قد لا ندركه نحن في عالمنا الاسلامي لأننا عندنا عدة قيود على الحريات أولها قيود الحكام المستبدين الذين يحكمون أغلب دولنا الاسلامية بالاضافة إلى قيود التقاليد و العادات سواء كانت صحيحة أم مخطئة لأنها مترسخة عبر التاريخ كما ان هناك قيد الشرع الحنيف عند من يلتزم به ، الغرب ليس لديه قيد ديني كما أن عاداتهم و تقاليدهم مختلفة عنا و من ثم  فاهانات الأديان و الرسل و الرموز الدينية مقبولة ضمن منظومتهم الأخلاقية و القانونية بل محمية جدا بحيث لا يمكن لحاكم التعرض لها و من هنا فما يجري من مظاهرات و محاولات للضغط على حكومات الدول التي تصدر الاساءة من مواطنيها هو نوع من العمل الغير مثمر بل بالعكس هو عمل ضار بعملية الدعوة الاسلامية و ضرره يأتي  من عدة أوجه: 
الأول و الأهم- أنه يفرغ شحنة غضب المسلمين و طاقتهم للعمل في سبيل الله و الاسلام في اتجاه خاطئ فتبرد الجماهير ظنا منها انها فعلت ما عليها لنصرة الله و رسوله بينما لم تفعل شيئا حقيقيا سوى قدر من الصراخ و الضجيج الذي لن يدفع حكومات الغرب لمنع الاساءة , و عندما نأتي لنتحرك في حقل مثمر لدعوة الاسلام يكون أغلب الناس قد برد حماسهم و فترت همتهم و تبددت طاقتهم في المظاهرات فلا نجد عشرة في المائة ممن حضروا المظاهرات لديه العزيمة للمشاركة في عمل مثمر حقيقي و ان ظل لديه رغبة تدور في عالم الأماني فقط دون تنفيذ في أرض الواقع.
الثاني- أن هذه الاحتجاجات الواسعة تمثل عملية دعاية و تسويق واسعة جدا و مجانية للعمل المسئ و على سبيل المثال فكل من لم يسمع عن الفيلم الحقير المسئ لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فلا شك انه سمع الآن عن مقتل السفير الأمريكي في بني غازي و شاهد انزال العلم الأمريكي من على سفارة أمريكا بالقاهرة, كما أن كل قناة تليفزيونية أو اذاعة أو موقع انترنت او جريدة لم تنشر خبرا عن هذا الفيلم الحقير حتى  أمس فإنها لا شك نشرت تقريرا مفصلا و مطولا عنه اثر مظاهرات سفارة أمريكا بالقاهرة و مقتل السفير الأمريكي في بني غازي  و كل ذلك عندما يعرض سيعرض معه تقرير كامل عن الفيلم الحقير .. و حتى يوم الاثنين الماضي لم يكن عدد مشاهدي الفيلم على اليوتيوب قد تعدى 4000 مشاهد أما الآن فأظن أن مئات الملايين حول العالم يبحثون عن الفيلم ليرونه بسبب الدعاية المجانية التي قدمناها لصناع الفيلم الحقير.
ثالثا- أن أعداء الاسلام يمكنهم استغلال صور و فيديوهات الحشود الغاضبة من المسلمين و عمليات التدمير و الحرق و القتل التي وقعت من البعض ليقولوا لجماهير الغرب الذين يجهلون كل شئ عن الاسلام: "انظروا ماذا يفعل المسلمون الم نقل لكم انهم ارهابيون فأنكر بعضكم و قال هذا الفيلم مفترى هاهم  يمارسون الارهاب عليكم امام شاشات التليفزيون فهذا واقع و ليس فيلما او تمثيلا".. و في هذه النقطة ينبغي ذكر رد النبي صلى الله عليه و آله و سلم على عمر رضى الله عنه عندما قال له عمر (بشأن  رأس النفاق في المدينة عبد الله بن أبي بن سلول) يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال النبي صلى الله عليه و سلم "دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه" (أخرجه البخاري ومسلم و أحمد و الترمذي و غيرهم) فحتى لو فرضنا أن هناك من يستحق القتل فسنة امام الأنبياء محمد صلى الله عليه و آله و سلم تقتضي مرعاة المردود الاعلامي و الدعوي لمثل هذا القتل قال الامام ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري : "وقال القرطبي: أن ترك قتل لبيد بن الأعصم كان لخشية أن يثير بسبب قتله فتنة أو لئلا ينفر الناس عن الدخول في الإسلام وهو من جنس ما راعاه النبي صلى الله عليه و سلم من منع قتل المنافقين حيث قال لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه"أ.هـ فتح الباري شرح صحيح البخاري جـ10 ص231 ط دار المعرفة بيروت 1379هـ.  
علما أن الاعتداء على الدبلوماسيين أمر غريب على فقه السياسة الشرعية و لنتذكر هنا حديث النبي صلى الله عليه و آله و سلم  "أما و الله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما" رواه ابو داوود و الحاكم و حسنه الالباني (انظر حديث رقم : 1339 في صحيح الجامع الصغير و زيادته للسيوطي بتحقيق الالباني).
و من هنا لابد أن نتسائل ما هو الرد الصحيح الذي ينبغي علينا أن نقوم به ازاء هذه الحقارات المتكررة من بعض مواطني أوروبا و أمريكا ضد الاسلام و نبي الاسلام و رموز الاسلام؟
أولا- لا بد من عمل سياسي و قانوني اسلامي يقوم به محامون و سياسيون من مواطني أوروبا و أمريكا كي يضعوا قيودا على قانونية الافتراء على الاسلام بدعوى الفن أو حرية التعبير أسوة بقوانين محاربة "اللا سامية" الموجودة في أوروبا و أمريكا لتحمي اليهود من أي نقد تحت دعوى مناهضة العنصرية و ذلك من منطلق أن أعمال اهانة الاسلام أو رسول الاسلام تأتي في اطار بث الكراهية و الخطاب العنصري ضد المسلمين و الخطاب العنصري و خطاب الكراهية هما مجرمان في القوانين الأوروبية و الأمريكية لكن هناك قصور في تطبيق هذه المفاهيم بشأن جرائم الكراهية ضد الاسلام , و تحقيق هذا الأمر و ان كان صعبا لكنه ليس مستحيلا.
ثانيا- تقوم حكومات الدول الاسلامية بجهود و ضغوط دبلوماسية و سياسية قوية على أوروبا و امريكا و الأمم المتحدة و المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان لتحقيق نفس الهدف. 
ثالثا- انتهاز فرصة الأجواء التي سببها الفيلم الحقير لاقناع كافة القوي السياسية و الاجتماعية و كافة الجماهير العربية و الاسلامية بأهمية أن تقيد الحرية بحدود الشرع الحنيف لأن انتاج هذا الفيلم الحقير جاء تحت حماية القوانين التي تكفل الحريات المطلقة التي ليس لها أي قيد قانوني أو سقف اخلاقي أو اجتماعي بدعوى حرية الابداع و حرية التعبير و الحريات الشخصية فهذا الفيلم الحقير يظهر ضرر اطلاق عنان الحريات دون وازع من شرع أو قانون.
رابعا- انشاء مؤسسة غير حكومية يقودها أشخاص أمناء و محترمين و غير منتمين لأي حكومة أو منظمة اسلامية كبرى و يتم جمع مليار دولار كبداية لميزانية هذه المؤسسة و تكون مهمة هذه المؤسسة انتاج أفلام وثائقية و تسجيلية و درامية بلغات العالم الرئيسسة تشرح ما هو الاسلام و من هو رسول الاسلام و رموزه من كبار الصحابة و التابعين و الفقهاء و علماء العلوم الطبييعة (الرياضيات و الطب و الكيمياء و الهندسة و الفلك و الصيدلة ... الخ) عبر التاريخ الاسلامي و كذلك تشرح كثيرا من الاحداث التاريخية الهامة التي كان الاسلام طرفا فيها.
لأن الجهود المبذولة الآن غير كافية من مثل توزيع كتب و مصاحف و كتابات اسلامية بلغات مختلفة ليس فقط لأن كل ما يوزع لا يصل إلا لنسبة صغيرة من سكان العالم وليس أيضا لأنه لابد أن يكتب لأهل أوروبا أوروبيون و لأهل أمريكا أمريكيون و لأهل  كندا كنديون و هكذا و لكن أيضا لأن ليس كل الناس يقرأون الكتب و الكتابات بل مئات الملايين يحبون مشاهدة التليفزيون و مواده الدرامية و الوثائقية و التسجيلية كما ان نشر هذه المواد ممكن و سهل عبر الانترنت ليراها مئات الملايين عبر الكمبيوتر و الأى باد و التليفون المحمول.

و لابد أن يتم اعداد هذه المواد بحرفية مهنية عالية و تسويقها أيضا بنفس القدر من الحرفية و المهنية حتى لو استلزم الأمر انشاء قنواة فضائية بلغات مختلفة بجانب استغلال حرفية و مهنية المادة في تسويقها و عرضها عبر قنوات تليفزيونية متعددة...و هكذا يكون فعلنا في الدعوة الى الله و الذب عن دين الله فعلا عمليا و مؤثرا جدا و هو ما يحقق مقاصد السياسة الشرعية و لا يخالف أيا من أحكامها.
ــــــــــــــــــــــــ
تم نشر هذه الموضوع على موقع "مفكرة الاسلام" و على موقع "العلامة عبد المجيد الشاذلي" حينها.