في 7 سبتمبر الماضي طلب المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر من منصات المحتوى الإلكتروني مثل Netflix وديزني، ما أسماه "الالتزام بالأعراف والقيم المجتمعية للدولة، والقيام بالإجراءات اللازمة حال بث مواد تتعارض مع قيم المجتمع" على حد تعبيره.

 وكان مجلس التعاون الخليجي قد توعد منصة نتفليكس العالمية باتخاذ الإجراءات القانونية ضدها في حال عدم إزالتها المحتوى المخالف للقيم والمبادئ الإسلامية والمجتمعية، و طالبت لجنة مسؤولي الإعلام الإلكتروني بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، منصة نتفلكس Netflix بإزالة المحتوى المخالف.

وقد تبع البيان المصري والخليجي الرسميين نقاش وردود أفعال شعبية في مواقع السوشيال ميديا وكذلك في صفحات الصحافة الالكترونية، وكلها ركزت على المشاهد الجنسية والعارية أو شبه العارية في أعمال القناة، وأحدث فيلم "مينيون" والذي أطلق عليه اسم "كيوتيز"Cuties  بالإنجليزية، ضجة وحملة عارمة من الغضب ضد شركة "نتفلكس Netflix"، بعدما وجهوا لها انتقادات واتهامات بالترويج والحث على الإباحية في صفوف الأطفال.([1])

وقد يكون مما اعطى دفعة لهذا النقاش الشعبي الفيلم العربي الذي كانت نتفليكس انتجته مؤخرا بطولة النجمة المصرية المعروفة منى زكي، وكان هذا الفيلم قد أثار ضجة عند عرضه بسبب ما احتواه من اباحة الخيانة الزوجية والزنا والشذوذ الجنسي، وقد لخص أحد رواد السوشيل ميديا تعليق الأغلبية على هذا الفيلم في سطور قليلة فقال:

"ملخص فيلم (أصحاب ولا أعز):

▪️الأهل لازم يسيبوا حرية لبنتهم تروح تنام عند البوي فريند.

▪️الأصحاب على نفس الترابيزة بيخونوا بعض مع مراتات بعض.

▪️لازم تتقبل الشاذ جنسيًا وتصاحبه عادي".

ثم ختم قائلا: "مشكلة الفن إنه مش عايز يقدّم فن لكن عايز يفسد مجتمع وده هدف رئيسي لهم" انتهى.

و من المشهور أن شبكة نتفليكس تنشر قيم الانحلال الجنسي من زنا وشذوذ للكبار وللأطفال بجانب الخيانة الزوجية ونحو ذلك عبر أعمالها الدرامية من افلام ومسلسلات، وهذا الأمر المشهور غطى على قيم وأفكار خاطئة وخطيرة أخرى كرست شبكة نتفليكس العديد من أعمالها لبثها بين مشاهديها ومن هذه الأفكار أفكار وقيم مذهب النسوية feminism .

والنسوية feminism هي حركة اجتماعية تهدف إلى إزالة ما تسميه بالنظام الأبوي الذي يسيطر عليه "الرجل/الذكر" من المجتمع، ومن ثم تمكين المرأة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا في المجتمع والدولة بحسب رؤيتهم وعقيدتهم الفاسدة، ويرتكز تحقيق هذا الهدف على ما يسمونه: "إعادة تملك النساء لأجسادهن والتحكم فيه كما يشأن وفي أي إتجاه بعيدا عن هيمنة أي قيم او عادات أو فروق"، لأن النسوية تعتبر أنه لا توجد أي فروق بين الذكر والأنثى كما تعتقد أن منظومة القيم والعادات والتقاليد بل والدين هي منظومات ذكورية وتكرس هيمنة الرجال على النساء، وتتخذ النسوية من شعار المساواة بين الجنسين عنوانا لها وتتخذ من المظالم المرتكبة ضد النساء في بعض الحضارات أو الثقافات أو البلدان ذريعة لسعيها لتحقيق أهدافها، ويتفرع عن هذه الأهداف عدة أهداف تفصيلية مثل المساواة في الميراث بين الجنسين والمساواة بين الجنسين في حق الزواج والطلاق وإلغاء قوامة الرجل وإعطاء المرأة حرية الجنس بدون زواج وحرية الاجهاض وإعطاء حرية ممارسة الجنس للأطفال وكذلك حرية ممارسة الشذوذ للطفلة الأنثى..الخ، وهذه النسوية صارت تتداخل وتتساند مع اتجاهات أخرى مثل اتجاهات الشواذ جنسيا والمتحولين جنسيا او ما يسمونه مجتمع LGBTQIA([2]).

ومن الملاحظ أن شبكة نتفليكس تروج للنسوية في أعمالها بأشكال مختلفة فمن ذلك الافلام الوثائقية مثل فيلمها "Feminists: What Were They Thinking?"([3])، وهو واحد من عشرة أفلام كلها تهدف للترويج للنسوية وقالت نتفليكس أنها أنتجتها احتفالا بالنساء القويات([4]).

وبجانب الترويج للنسوية وقضاياها عبر الافلام الوثائقية فإن شبكة نتفليكس تروج للنسوية وقضاياها عبر الأعمال الدرامية سواء كانت افلام أم مسلسلات ومن ذلك على سبيل المثال فيلم "The Bold Type" أي "النموذج الجرئ" وبلغ إبراز مفاهيم النسوية في هذا العمل الدرامي أن قالت كاتبة من مادحي الفيلم بعد أن مدحته: " مع ذلك ، فإن العرض يأتي مع عيوبه، ففي بعض الأحيان تطغى وجهة النظر النسوية على التطبيق العملي، وغالبًا ما تصدر الحكم من جانب واحد".

وانتجت نتفليكس مسلسلا بعنوان "Unorthodox"([5]) وهو يعرض ضمن أحداث وتفصيلات كثيرة "مجموعة متنوعة من النساء اللواتي تم محو هوياتهن بسبب المذاهب والقيود الدينية المحافظة الصارمة التي يفرضها المجتمع الصارم، وتستكشف هذه الحكاية الموضوعات المتعلقة بالهوية والجنس والعقيدة والدين والواجب والحرية، وتوضح كيف تُجبر النساء على الامتثال للمعتقدات المحافظة التي تعاملهن بشكل غير كفء كآلات لإنجاب الأطفال"([6]) وذلك بحسب كاتبة نسوية كتبت عرضا نقديا للمسلسل.

ولا يظنن أحد أن نتفليكس تروج للنسوية عبر الأفكار الدرامية التقليدية المعتادة فقط بل تلجأ نتفليكس لأساليب درامية غريبة هدفها تشويق المشاهد وجذبه، ومن ذلك فيلم "Good Girls" حيث يروج لتمكين المرأة عبر تركيز العرض على ثلاث أمهات ينخرطن في عمليات السطو وغسيل الأموال من أجل إعالة أسرهن، وقد انتقدت بعض الكاتبات النسويات هذا الفيلم باعتبار أن: "الطموح النسوي هنا هو تقمص لمساوئ الذكورية" من غش وسرقة..الخ بحسب تعبيرها.

ومن تنويعات الأساليب الدرامية لـ"نتفليكس" في الترويج للنسوية يأتي فيلم

 The Chilling Adventures of Sabrina أي (مغامرات سابرينا المخيفة) حيث يروج لقوة المرأة وتمكينها عبر فيلم خيالي موجه للمراهقين يستعمل الخيال للإسقاط على الواقع من خلال سابرينا سبيلمان ، وهي مراهقة مُنح لها الاختيار بين الحرية والسلطة، وكيف تمكنت من اختيار كليهما، فتشاهد شابة قوية تقف في مواجهة الوحوش الشريرة.

وتلجأ نتفليكس لأسلوب الخيال في أعمال لها أخرى ولكن بطريقة الأبطال الخارقين كما في فيلم " Wanda Vision" ولكن البطل هنا امرأة قوية هي واندا.

وبالمجمل فإن إحدى الكاتبات النسويات عبرت عن الجهد الذي تقوم به شبكة نتفليكس في أفلامها تجاه قضية النسوية بالقول: "أفضل جزء في كل هذه العروض تقريبًا هو أنها جميعًا تتبع أجندة }دعم النساء للنساء{، دعونا نأمل أن نتمكن من مشاهدة المزيد من العروض التي تتجه نحو سياسة تقدمية في محتوى وسائل الترفيه"([7]).

ولا شك أن التنويع في الصيغ والأساليب المختلفة للأعمال الدرامية من الواقعية الى الخيال إلى المزج بينهما ومن الجدية إلى الفكاهة، كل هذا يجعل تأثير هذه الأعمال وما تبثه من أفكار أبلغ تأثيرا وأعمق تأثيرا ويدفع هذه الأعمال لمزيد من الانتشار فمن لا يعجبه أو لايؤثر فيه الأفلام الواقعية فقد يجذبه الفيلم الخيالي، ونفس الشيء خاص بنوعية بطلات الأفلام ما بين أمهات متزوجات أو امهات عازبات أو بنات مراهقات، وهكذا تتنوع الحبكات والحكايات والبطلات لتقدم فكرة واحدة بكل مفرادتها وهي "النسوية feminism" بمفهومها الغربي بكل مساوئها.

ولا تكتفي شبكة نتفليكس بمناصرة النسوية عبر انتاج الافلام الوثائقية والأعمال الدرامية فقط بل شهدت الفترة الأخيرة تحركات ومواقف عملية لشركة نتفليكس ازاء قرار المؤسسات القضائية بعدد من الولايات الامريكية بمنع الاجهاض، فبجانب انتاجها فيلما وثائقيا عن منع الاجهاض بعنوان " Reversing Roe" (حملة رو)، فإنها أعلنت أنها لن تصور أعمالا لها في ولاية جورجيا إذا أقرت الولاية منع الاجهاض منذ الأسبوع السادس للحمل، وولاية جورجيا كانت سابقا أعطت اعفاءات وتسهيلات لتصوير الافلام على أراضيها مما يوفر لمواطنيها مزيدا من فرص العمل ولذلك صارت قبلة لمعظم الشركات السينمائية الكبرى في الولايات المتحدة، والآن تضغط هذه الشركات –ومنها نتفليكس- على ولاية جورجيا بتهديدها بالمقاطعة إن هي أقرت قانون منع الإجهاض.

ومن هنا نرى أن شبكة نتفليكس هي أحد حاملي لواء النسوية في العالم بجانب حملها العديد من ألوية الانحراف الأخرى مثل الإلحاد والإنحلال الأخلاقي والشذوذ الجنسي والاباحية وغيرها.