استراتيجية عرين الأسود ومجموعات المقاومة الجديدة في فلسطين هل تنتصر؟

بقلم عبد المنعم منيب | 11 نوفمبر, 2022
عرين الاسود
عرين الاسود

من يناير إلى نهاية أكتوبر 2022 شهدت دولة الكيان الصهيوني سقوط 25 قتيلا صهيونيا عبر 2204 هجمات فلسطينية منذ بداية العام، وفقا لما نقلته صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مصادر أمنية واستخبارية صهيونية، ووفقا لنفس المصدر فإنه منذ 2015 وحتى الآن فقد قتل 141 قتيلا اسرائيليا، ولولا إحباط الشاباك لأكثر من 380 هجمة كبيرة شملت عبوات ناسفة وعمليات خطف، لوصل عدد القتلى الإسرائيليين عام 2022 إلى 200، وليس 25 فقط، وهذا معناه أن هناك تصاعد لعمليات المقاومة الفلسطينية، ومعلوم أن مقاومة الاحتلال هي أمر طبيعي سياسيا وقانونيا وإسلاميا، كما إنه من المعلوم أن تصاعد ضغط اليمين الصهيوني والمستوطنين لقضم مزيد من الأراضي الفلسطينية المحتلة والاستيلاء عليها بالقوة وقتل واصابة وترويع الفلسطينيين يدفع أغلب الفلسطينيين للمقاومة، ونظرا لفشل وتدهور السلطة الفلسطينية بقيادة فتح وتكبيل الاحتلال لفاعلية حركات المقاومة الأخرى كحماس والجهاد وشهداء الاقصى وغيرهم فقد ظهرت مجموعات مقاومة جديدة لها استراتيجيات وتكتيكات جديدة هذه المجموعات مثل عرين الاسود وكتيبة جنين ونحوها، وقد نجحت حتى الآن في قض مضاجع الاحتلال.

لكن لماذا نجحت هذه المجموعات في إيقاع خسائر غير قليلة بالاحتلال الصهيوني؟ تكمن اجابة هذا السؤال في طبيعة الاستراتيجيات والتكتيكات التي اتبعتها هذه المجموعات.

إذن فما هي استراتيجية مجموعة عرين الأسود وكتيبة جنين ومجموعات المقاومة الجديدة التي ظهرت في الفترة الأخيرة ونفذت الهجمات ضد الاحتلال الصهيوني في فلسطين المحتلة؟ وما هي معالم الاستراتيجية الصهيونية في مواجهتها؟

استراتيجية المقاومة الجديدة

إن أول معلم من معالم استراتيجية مجموعات المقاومة الجديدة هذه أنها لا تنتمي تنظيميا لأي من حركات المقاومة الفلسطينية التقليدية كفتح او حماس او الجهاد او الجبهة الشعبية ونحوها فهي مجموعات عابرة لتنظيمات المقاومة التقليدية الشهيرة المعروفة فهي تضم بين جنباتها أي فلسطيني يريد ان يقاوم الاحتلال أيا كان انتماؤه.

وثاني معالم هذه الاستراتيجية عدم القطيعة اللوجستية مع أي من منظمات المقاومة الشهيرة فهم يقبلون التمويل والتسليح من كل جماعة مقاومة تمد لهم يد العون.

وثالث معالم هذه الاستراتيجية هي تشجيع والترويج لعمليات المقاومة المسلحة الفردية عبر الهجمات ضد أهداف صهيونية كحواجز قوات الاحتلال او بعض المستوطنين.

وقد رصد المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت" عشرين عملية هجومية بإطلاق نار خلال شهر ونصف فقط ضد مواقع إسرائيلية عسكرية واستيطانية في الضفة الغربية.

ورابع معالم هذه الاستراتيجية هو استقطاب الشباب ومدهم بالأسلحة لتنفيذ هجمات المقاومة بشكل فردي وعفوي، وهذا مكنهم من تنفيذ عدد كبير من الهجمات في وقت قصير نسبيا.

وخامس معالم هذه الاستراتيجية هو تصوير عمليات المقاومة المسلحة أثناء تنفيذها وبثها على نطاق واسع عبر مواقع السوشيل ميديا مما يلهب مشاعر سائر الشباب الفلسطيني وينشر بينهم فكرة المقاومة ويدفعهم للحاق بركب مجموعات المقاومة المسلحة الجديدة بتنفيذ عمليات فردية.

وأما تكتيكات العمل المقاوم وأدواته وأساليبه عند هذه المجموعات الجديدة فهي تتلخص في كلمة واحدة وهي "البساطة"، فعمليات المقاومة المسلحة لا تتطلب سوى سلاح فردي ناري أو أبيض بجانب موبايل لتصوير العملية وبثها بثا مباشرا "Live" أثناء التنفيذ غالبا إن أمكن، أما لو لم يتم بثها مباشرة "Live" فيجرى تاليا النشر على السوشيال ميديا لكل ما يتاح بعد ذلك من فيديوهات وصور للعملية.

أما الهدف الذي يجري الهجوم ضده فعادة يكون هدفا واضحا إما حاجز أمني إسرائيلي أو مركبة عسكرية في الأراضي المحتلة أو تجمع أو مركبة للمستوطنين في الضفة الغربية أيضا، فهم لا يستهدفون هدفا سريا أو حصينا.

واستخدام السوشيال ميديا هو من أبرز تكتيكات هذه المجموعات المقاومة فمواقع السوشيال ميديا لا يجري توظيفها في الترويج للمقاومة واستراتيجياتها الجديدة فقط بل إن هذه المواقع كثيرا ما تحل محل الروابط والاتصالات التنظيمية التقليدية التي كانت معتادة في مجموعات المقاومة التقليدية أو القديمة.

إن استخدام السوشيال الميديا واعتماد بساطة التكتيكات والأساليب واعتماد العمليات الفردية السهلة كل هذا يهدف لتحويل المقاومة الجديدة إلى تيار شعبي جارف يقوم به جماهير الشباب الفلسطيني في كل بقعة من الأراضي المحتلة بغض النظر عن انتمائه السياسي او الفكري أو الامكانات التسليحية التي يمتلكها.

والدليل على نجاح استراتيجية وتكتيك مجموعات المقاومة الجديدة حتى الآن أنها كسبت تأييدا شعبيا واسعا بين الجماهير الفلسطينية وهذا واضح في خروج الجماهير بالآلاف في جنازات شهداء المقاومة، وهذا كله سبب صداعا لإسرائيل، لأنها تخشى من صحوة شعبية فلسطينية واسعة ضدها.

وهذا التأييد الشعبي سيجعل الشباب أكثر حماسا للانخراط في صفوف المجموعات المسلحة، وتنفيذ المزيد من عمليات المقاومة المسلحة ضد أهداف إسرائيلية، لا سيما وأن شهداء المقاومة اكتسبوا شهرة كبيرة في الإعلام الفلسطيني والعربي، وأصبحوا رمزًا للبطولة الفلسطينية ضد إسرائيل.

استراتيجية إسرائيل

لقد فوجيء الاحتلال الصهيوني بنشوء هذا التيار المقاوم الجديد وبادر إلى صك استراتيجية لمواجهة هذه المقاومة الجديدة المتصاعدة تعتمد على عدد من العناصر الرئيسية وهي:

-الحصار: مع تفتيش كل مركبة تخرج أو تدخل، كما حدث بمحاصرة نابلس وجنين،  وأدى هذا الى انتقال الاشتباكات مع المقاومة من المستوطنات والطرق إلى مداخل المدينة، مما منح الاحتلال قربا أكثر لجمع المزيد من المعلومات الاستخباراتية كما لم يكن من قبل.

-المداهمات والاعتقالات: كما حدث ويحدث في مختلف الاراضي المحتلة، والهدف من الاعتقالات جمع المعلومات عن مجموعات المقاومة الفلسطينية، ومع هذا فإن الاحتلال الصهيوني اعترف في أكثر من مناسبة أن الاعتقالات والمداهمات لم تحسن الوضع الأمني كثيرا بالنسبة لجنود الاحتلال والمستوطنين.

-التصفيات المستهدفة لعناصر المقاومة المهمة: كما حدث مع تامر الكيلاني وقادة عرين الأسود، فالاحتلال يرى أن محاولة اعتقال هذه العناصر المقاومة قد ينتج عنه مقتل مزيد من الجنود الصهاينة فصار يعمد لقتلهم بأقل خسائر بين صفوفه ويحاول تجنب اصابة الفلسطينيين الآخرين كي لا يؤجج مزيدا من مشاعر الغضب الشعبي الفلسطيني.

-تكثيف المتابعة الاستخبارتية: وجاء هذا التكثيف عبر التوسع في استخدام التجسس الالكتروني واختراق هواتف المقاوميين حتى أن بعض الصحف الاسرائيلية زعمت أن برنامج بيجاسوس هو الذي ساعد قوات الاحتلال في تحديد مكان قادة عرين الأسود واغتيالهم في نابلس.

-مساومة قادة المقاومين عبر السلطة الفلسطينية: حيث عمدت سلطات الاحتلال الصهيوني الى دفع السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس أبو مازن للتواصل مع بعض قادة مجموعات المقاومة الجديدة وعرضت عليهم تسليم سلاحهم وتحديد اقامتهم داخل الضفة الغربية المحتلة لفترة قصيرة ثم دمجهم بعد ذلك ضمن اجهزة القوى الأمنية الفلسطينية وألحت عليهم السلطة الفلسطينية في ذلك.

قلق اسرائيل

وقد سببت ظاهرة مجموعات المقاومة الجديدة مثل عرين الأسود وكتيبة جنين وأخواتهما قلقا واسعا داخل أجهزة الكيان الصهيوني لأن اسرائيل تخاف من انتشار الظاهرة واستمرارها، كما انها تخشى أن تمتد هذه الظاهرة لتشعل عمليات مقاومة مسلحة داخل الاراضي المحتلة عام 1948.

وبجانب ذلك فالكيان الصهيوني يحذر من اندلاع انتفاضة فلسطينية جماهيرية واسعة احتجاجا على قتل المقاومين، وأيضا هناك خشية اسرائيلية من أن قمع الاحتجاجات الشعبية بالقوة يمكن أن يؤدي إلى مواجهة أوسع مع الفلسطينيين.

تعقيدات ما بعد صعود اليمين الاسرائيلي المتطرف

لقد نتج عن الانتخابات الاسرائيلية الأخيرة صعود غير مسبوق لليمين الصهيوني والديني اليهودي المتطرف وهيمنته على أغلبية الكنيست ومن ثم الحكومة المنتظرة، ويسعى اليمين الإسرائيلي لضم الضفة الغربية ضما كاملا، ومن وجهة نظر اليسار والوسط الصهيوني فإن مثل هذه الضم يعني أن يزيد مواطنو الدولة الصهيونية من العرب ويزيد نسبة مشاركتهم في الكنيست وغيره من مؤسسات الحكم مما يهدد يهودية الدولة وهو ما لا يرضاه لا اليمين ولا اليسار الاسرائيلي، وفي حالة مواجهة هذا الأمر بعدم منح العرب حقوق مواطنة متساوية مع اليهود فحينئذ تفتضح حقيقة الدولة الصهيونية من كونها دولة فصل عنصري مما يسيء لسمعة وعلاقة الدولة الصهيونية بأوروبا والولايات المتحدة وحلفائها، وهذا ما يخشاه الوسط ويسار الوسط الصهيوني من نتيجة الانتخابات الاسرائيلية الأخيرة.

مستقبل الصراع

وحول مستقبل هذا الصراع فلا نجد في ختام هذا التحليل أدق مما قاله الجنرال الإسرائيلي المتقاعد أودي ديكل في ورقة تقدير موقف نشرها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي بعنوان: "عرين الأسود: تنبيه لمواجهة تحديات وشيكة"، عندما أكد أن ظاهرة عرين الأسود في الضفة الغربية تشكل إشارة لإسرائيل بأنها لن تكون قادرة على احتواء الأراضي الفلسطينية إلى الأبد، كما أنها توضح مدى ضعف السلطة الفلسطينية.