لماذا تطلق كوريا الشمالية الصواريخ والشعارات .. الدوافع والأهداف

بقلم عبد المنعم منيب | 17 أكتوبر, 2022
كيم جونغ أون يشرف على اطلاق الصواريخ
كيم جونغ أون يشرف على اطلاق الصواريخ

كشفت كوريا الشمالية الأربعاء الفائت عن إطلاق صاروخي كروز إستراتيجيين بعيدي المدى بحسب تعبير وكالة الأنباء الكورية الشمالية الرسمية، وتأتي هذه التجربة لتكون تجربتها الصاروخية الأحدث في إطار سلسلة اختبارات صاروخية جرت في الفترة الأخيرة وقد سبقتها تجربة أخرى جرت الاثنين (10 أكتوبر) أطلقت خلالها 7 صواريخ باليستية، حلق أحدها فوق اليابان للمرة الأولى منذ عام 2017.
وقالت وكالة الأنباء الكورية الشمالية الرسمية إن زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون أعرب عن "رضاه البالغ" عن هذه التجربة التي أشرف عليها شخصيا من مكان إطلاق الصاروخين، مشيرة إلى أنهما حلّقا فوق البحر مسافة ألفي كيلومتر. 
وكانت وكالة الأنباء الكورية الشمالية الرسمية قد كشفت الإثنين الماضي عن أن الزعيم كيم جونغ أون قاد التدريبات التي قامت بها وحدات العمليات التكتيكية النووية على مدى الأسبوعين الماضيين، والتي شملت صواريخ باليستية برؤوس حربية نووية وهمية، قائلة إنها استهدفت توجيه رسالة قوية بشأن الردع، وأضافت الوكالة أن الاختبارات المختلفة تحاكي استهداف منشآت القيادة العسكرية وضرب الموانئ الرئيسية وتحييد مطارات في كوريا الجنوبية، وقالت وكالة الأنباء الكورية الشمالية: "لقد تم إثبات الفعالية والقدرة القتالية العملية لقواتنا القتالية النووية بشكل كامل حيث إنها على استعداد تام لضرب وتدمير الأهداف في أي وقت ومن أي مكان". 
ونقلت الوكالةعن كيم جونغ أون قوله: "على الرغم من استمرار العدو في الحديث عن الحوار والمفاوضات، فليس لدينا أي شيء نتحدث عنه ولا نشعر بالحاجة إلى القيام بذلك".
ورغم أن البيان الرسمي الصادر من زعيم كوريا الشمالية الاثنين جاء في الذكرى الـ 77 لتأسيس حزب العمال الحاكم، وظهر على أنه محاولة لتلميع صورة كيم جونغ أون كقائد قوي في الداخل فإن عدد من المحللين والخبراء يرون أن التجارب الكورية الشمالية الأخيرة تشير –بجانب إشارات أخرى- إلى احتمال إجراء كوريا الشمالية لتفجير نووي قريبا في نفق أرضي معد لمثل هذه التجارب منذ سنوات والتقطت الأقمار الصناعية نشاطا غير معتاد في هذا الموقع الخاص بالتجارب النووية الكورية الشمالية في الفترة الأخيرة، وبالتالي فمن المتوقع أن تجري "بيونغ يانغ" هذه التجربة النووية بعد ختام مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني هذا الشهر، كي لا تنغص الجو على أهم حلفائها في مثل هذه المناسبة المهمة. 
ومما لاشك فيه أن البرنامج الصاروخي لكوريا الشمالية هو برنامج قديم نسبيا ولكن عام 2017 شهد توترا عاليا بين كوريا الشمالية وجيرانها (كوريا الجنوبية واليابان) وكذلك الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين بسبب هذه التجارب الصاروخية، وكان هذا التوتر قد وصل لدرجة عالية كادت أن تتحول لأزمة بسبب إطلاق كوريا الشمالية 23 صاروخًا على مدار عام 2017 حينئذ، وشمل ذلك صاروخين عبرا فوق أجواء اليابان، كما أجرت كوريا الشمالية في نفس العام (2017) تجربة نووية، ثم شهد عام 2018 هدوءا في علاقات  الحلفاء تجاه كوريا الشمالية بسبب مبادرات واتصالات الرئيس الأمريكي حينئذ دونالد ترامب مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون رغم فشل هذه العملية الدبلوماسية كلها في النهاية.
 و خلال فترة وباء كوفيد كان عدد عمليات إطلاق الصواريخ الكورية الشمالية منخفضا فبلغ أربعة فقط في عام 2020 وثمانية في عام 2021، وبشكل عام فقد أظهرت التجارب الكورية الشمالية لصواريخها عن أنها ذات قوة كافية لوضع معظم العالم في نطاق وصول هذه الصواريخ.
ويقدر الخبراء أن كوريا الشمالية قد صنعت على الأرجح ما بين 20 إلى 30 رأسا حربيا نوويا لإيصالها بواسطة صواريخ باليستية متوسطة المدى، لكن قدرتها على تفجيرها بدقة في ساحة المعركة لم تثبت بعد بحسب الخبراء.
والآن وقد عادت كوريا الشمالية لتكثيف تجاربها الصاروخية المتتابعة فما هدف زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون من هذه التجارب ولماذا يتم تكثيفها بهذا الشكل؟؟ 
البعض يفترض أن هذه التجارب تأتي في إطار حاجة مهندسي الصواريخ وجنرالات كوريا الشمالية لتجربة ليس فقط صواريخهم وأسلحتهم بل أيضا تجريب أداء التشكيلات العسكرية المختلفة في التحرك وفي استخدام الصواريخ وتكتيكات القصف بها وفق ما هو مخطط لها، وأنهم رأوا أن الفرصة مواتية للقيام بهذا الآن في ظل انشغال الولايات المتحدة وحلفائها في الصراع الروسي الأوكراني والتوترات الدولية والإنشغالات المترتبة على هذا الصراع، لإن هذا الانشغال يجعل الولايات المتحدة عاجزة عن التوجه بالعقاب أو إجراء أي رد فعل قوي تجاه سلوك كوريا الشمالية، بينما افترض كثيرون أن هذه التجارب إنما تعبر عن رغبة نفسية لدي زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون في لفت أنظار العالم له واثبات وجوده كزعيم واثبات وجود دولة كوريا الشمالية كقوة عظمي تملك تهديد السلم الاقليمي والدولي في ظل شعور كيم جونغ أون بانشغال العالم بالحرب الروسية الأوكرانية فيريد أن يقول: "إنني هنا".
وافترض آخرون أن تأجج عملية الاستقطاب الدولي بين الشرق (الصين و روسيا الاتحادية) من جهة والغرب وحلفائه من جهة أخرى يمثل فرصة جيدة لـ "زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون" كي يمارس الاستفزاز تجاه كوريا الجنوبية واليابان ومن ورائهما الولايات المتحدة في ظل تأمين الصين وروسيا له من صدور أي عقوبات ضده يصدرها مجلس الأمن الدولي بهيئة الأمم المتحدة.
ورغم أن كل هذه الافتراضات صحيحة في مجملها بل وكلها معا تمثل دوافع حقيقية من قبل زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، ولكن هناك أمر أهم من ذلك كله وأقوى منه يقف وراء تكرار وكثرة إطلاق كوريا الشمالية الصواريخ تحت شعار "التجارب الصارويخية" وهو أن الحرب بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الشمالية لم تنته رسميا حتى الآن، إذ لا تزال قوات الأمم المتحدة التي تقودها الولايات المتحدة في حالة حرب من الناحية الفنية مع كوريا الشمالية حيث انتهت الحرب الكورية 1950-1953 بهدنة بدلاً من معاهدة سلام نهائية، ومن هنا فإن زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون يسعى للضغط على الولايات المتحدة كي تبرم معه اتفاقات رسمية تعترف به كزعيم صديق أو ذي علاقات رسمية ودية معها وتعترف بكوريا الشمالية كقوة اقليمية نووية معترف بها قانونيا ودوليا، فهو يضغط على اليابان والولايات المتحدة للتواصل معه وليس كي تحارباه، إنه يسعى للتواصل والتعاون ولكن بأسلوبه الذي يوصف أحيانا بانه استفزازي أو عدواني ولكنه في النهاية هذا هو اسلوبه وقد كاد ان يثمر الثمرة التي يريدها في عصر رئاسة الرئيس الامريكي السابق ترامب لكن العملية لم تتم وقتها.