تداعيات مقتل د.أيمن الظواهري على منظمة القاعدة وفروعها في إفريقيا

بقلم عبد المنعم منيب | 21 أغسطس, 2022
ايمن الظواهري
ايمن الظواهري

يثير مقتل زعيم تنظيم القاعدة الدكتور أيمن الظواهري العديد من التساؤلات حول مستقبل هذا التنظيم المصنّف دوليا على أنه التنظيم الإرهابي الدولي الأكبر والأخطر في العالم رغم منافسة تنظيم داعش له على صدارة الإرهاب الدولي في السنوات السبع الأخيرة.

وفي قلب هذا المستقبل الذي تدور حوله الأسئلة يأتي مستقبل التنظيمات المتفرعة عن تنظيم القاعدة في القارة الإفريقية؛ لا سيما أن أحد تقارير الأمم المتحدة الصادر مؤخرًا([1]) أشار لاحتمالية أن يكون خليفة أيمن الظواهري في قيادة منظمة القاعدة هو زعيم تنظيم القاعدة في المغرب العربي "يزيد مبارك" المشهور باسم "أبو عبيدة يوسف العنابي"، وهو جزائري، أو "عمر أحمد ديري"، زعيم تنظيم شباب المجاهدين الصومالي التابع لمنظمة القاعدة. واعتبرت تحليلات كثيرة أخرى أن أبرز المرشحين لخلافة أيمن الظواهري في زعامة تنظيم القاعدة هما سيف العدل المصري، والمغربي محمد أباتي المشهور بـ(عبد الرحمن المغربي)، صهر الظواهري، والقيادي البارز بالتنظيم، والذي يطلق عليه البعض "ثعلب القاعدة"، ومن هنا فإن الأربعة الذين يُرشّحهم المُحلّلون والمراقبون لخلافة أيمن الظواهري منهم ثلاثة ينتمون لإفريقيا.

ومن هنا فغياب أيمن الظواهري عن كرسي القيادة لن يؤثر في واقع فروع القاعدة في قارة إفريقيا لمجرد تغيُّر شخصية القائد فقط، ولكن سوف يؤثر من جهة احتمالية أن يصبح قائد إحدى منظمات القاعدة الإفريقية هو القائد العام لمنظمة القاعدة كخليفة لأيمن الظواهري، وما يستتبعه ذلك من تحوّل إفريقيا لمحور ارتكاز لقيادة أكبر منظمة إرهابية دولية؛ ألا وهي القاعدة، أو ربما يجري نقل مركز قيادة القاعدة من "أفغانستان/باكستان" إلى جنوب الصومال([2]) أو منطقة الساحل الإفريقي([3]).

في البداية من المهم أن نلاحظ وجود عدة تحديات تواجهها منظمة القاعدة؛ أولها التحدي المتعلق بمدى اتساق استراتيجية القاعدة مع فروعها، ثم التحدي العام للقاعدة اليوم وهو المتعلق بالتحولات العميقة الجارية في النظام الدولي، وبالإضافة إلى ذلك كله نجد الأزمة الذاتية التي تعيشها القاعدة أصلاً منذ نحو عقدين بسبب خسائرها الواسعة التي تكبَّدتها في حربها مع الولايات المتحدة، خاصة منذ 11 سبتمبر 2001م، حتى الآن.

إن فهم طبيعة العلاقة بين القيادة العامة لمنظمة القاعدة وبين فروعها المختلفة تُسهّل لنا إدراك تأثير مقتل الدكتور أيمن الظواهري على فروع القاعدة المتعددة في إفريقيا، وعلى رأسها منظمة الشباب المجاهدين الصومالية ومنظمة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وما يرتبط بها من منظمات في منطقة الساحل والصحراء.

تتلخص علاقة قيادة منظمة القاعدة مع فروعها في إعلان هذا الفرع أو ذاك الولاء والتبعية لمنظمة القاعدة وزعيمها (سواء كان أسامة بن لادن أو أيمن الظواهري) في مقابل أن تعلن قيادة القاعدة دعمها المعنوي لهذا الفرع، بينما تدعمه سرًّا بالمال والسلاح والرجال خاصة ذوي الكفاءة العلمية أو العسكرية أو الأمنية، لكن من الثابت أنَّ أيًّا من فروع القاعدة –خاصة في إفريقيا- لم تُغيّر استراتيجيتها، بل ظلت تسعى لتحقيق استراتيجياتها المحلية التي سبق لها إطلاقها قبل إعلانها الانضمام للقاعدة، ولم نرَ منها مزيدًا من السعي لاستهداف الولايات المتحدة أو حلفائها الأوروبيين في عُقر دارهم أو حتى استهداف هدف أمريكي أو أوروبي ضخم في القارة الإفريقية. فلو قارنّا بين العمليات المسلحة لفروع القاعدة في إفريقيا قبل إعلانها الانضمام لمنظمة القاعدة وعملياتها بعد إعلان الانضمام لن نجد فارقًا لا في الأهداف ولا في التكتيك؛ فاستراتيجياتها ظلت محلية كما هي، وتستهدف إقامة مشروع محلي يتمثل في شكل من أشكال الإمارة الإسلامية أو الدولة التي تحكم بالشريعة الإسلامية وفقًا لمفهوم قادة المنظمة لهذه الشريعة.

ومن هنا فمنظمة القاعدة وقيادتها تماشت مع الاستراتيجيات المحلية لفروعها الإفريقية، أو بتعبير أدق تغاضت عنها رغم استمرار إعلام القاعدة وقادتها في الدعوة العامة لشنّ الهجمات المسلحة ضد الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، كما ظل خطاب قيادة القاعدة مصرًّا على استراتيجية "قتال العدو البعيد" المتمثل في الولايات المتحدة، ويشمل ذلك خطابات كل من أسامة بن لادن ومن بعده أيمن الظواهري.

وإذا كان الأمر هكذا؛ فماذا استفادت قيادة القاعدة من إعلان انضمام هذه الفروع لها؟

إن إعلان العديد من الجماعات في آسيا وإفريقيا عن انضمامها لمنظمة القاعدة استخدمته قيادة القاعدة كجزء من حملاتها الإعلامية والدعوية لإظهار أن لها نفوذًا وتأثيرًا منتشرًا حول العالم رغم شدة الحرب الأمريكية بل الدولية ضد القاعدة ورجالها، وعلى سبيل المثال لا الحصر: نجد أن أيمن الظواهري يقول: "إنني اليوم أبشر أُمتي المسلمة ببشرى سارة تسر المؤمنين وتنغّص على الصليبيين؛ ألا وهي انضمام حركة الشباب المجاهدين بالصومال لجماعة قاعدة الجهاد؛ دعمًا للتكتل الجهادي في وجه الحملة الصليبية الصهيونية وأعوانها من الحكام العملاء والخائنين"([4]).

ولقد أصبحت فروع القاعدة المتعددة ملاذات آمنة توفّر الإيواء والتدريب لأعضاء منظمة القاعدة والمتعاطفين معها من كافة أقطار العالم، فصارت قواعد إسناد يمكن لقيادة القاعدة المناورة عبرها بأن تنقل بعضهم من إفريقيا إلى أماكن أخرى تحتاجهم فيها، كما في حالة تدعيم فرع آخر مثل ما دعمت فرعها في سوريا "جبهة النصرة" بوقت من الأوقات، لا سيما إن كانوا بحاجة لكوادر تم تجهيزها وتدريبها مسبقًا.

وبهذا كله فإن هذه الفروع مكّنت منظمة القاعدة من أن تمارس نشاطها بالشكل الجديد الذي تحوَّلت إليه بعد الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، وهو هيكل "الشبكة" عوضًا عن هيكلها السابق الأقرب للهيكل "الهرمي" المرتكز على المركزية في القيادة والتخطيط والقرار، ونمط "الشبكة" نمط إداري ليس غريبًا على عقلية وخبرة أسامة بن لادن الذي تعود سابقًا على إدارة أعمال تجارية واستثمارية دولية أشبه بالشركات متعددة الجنسيات أو الشركة القابضة؛ حيث لا يلتقي رأس المنظومة مع رؤساء الشركات الفرعية إلا على فترات متباعدة قد تكون لمرة واحدة كل عام أو عامين.

فهل تعايشت منظمة القاعدة مع فروعها لهذه الأسباب فقط؟

إجابة هذا السؤال هي التي ستوضّح لنا ما هو أثر التغير في قيادة القاعدة على فروع منظمة القاعدة في إفريقيا، وإجابة هذا السؤال هي أن القاعدة تعاني من ثلاث أزمات ذكرناها في صدر هذا التحليل. ومنها: عدم اتساق استراتيجيتها مع استراتيجيات الفروع؛ فاستراتيجية القاعدة متمثلة في إعطاء الأولوية الأولى لمحاربة الولايات المتحدة معتبرة أن إيقاع الهزيمة بالولايات المتحدة سيؤدي مباشرة لتحول الدول الإسلامية للحكم بالشريعة بحسب مفهوم القاعدة، وهذا يتناقض مع استراتيجيات فروع القاعدة في آسيا وإفريقيا التي ترتكز على أجندات محلية خاصة بكل فرع على حدة، وليس منها إعطاء الأولوية لمحاربة الولايات المتحدة.

لقد رأينا في السطور السابقة أن القاعدة تعايشت مع عدم الاتساق هذا، ولكن هذا التعايش غير مبرَّر، ويمثل تناقضًا كان يجب مواجهته باعتباره مشكلة تحتاج حلاً؛ إذن فهي مشكلة معلّقة أو تأجَّلت عملية مواجهتها، وأيًّا كانت أسباب التأجيل؛ فتغيُّر شخصية القائد بسبب مقتل أيمن الظواهري ستفرض على القائد الجديد محاولة إيجاد حل لها، لا سيما لو جاء القائد من أحد فروع القاعدة؛ لأنها تتبنَّى أجندة محلية أصلاً، وليست مهمومة باستراتيجية كونية مرَّ على وضعها أكثر من ربع قرن، وحتى لو أصبح خليفة أيمن الظواهري واحدًا من الحلقة الضيقة المحيطة به في (أفغانستان/باكستان)؛ فأيضًا سيكون معنيًّا بحلّ نفس المشكلة لسببين:

الأول- أنه سيكون من جيل قريب من جيل قادة فروع القاعدة المحلية في إفريقيا وآسيا، كما أن أغلبهم سيتم تصعيده غالبًا لمجلس الشورى أو النخبة الصانعة للقرار.

الثاني- أن الأزمة الأخرى التي تواجهها القاعدة، وهي التعاطي المنطقي مع "التحولات العميقة الجارية في النظام الدولي" ستضغط في اتجاه مراجعة استراتيجية القاعدة القديمة؛ فتلك الاستراتيجية ظهر من عيوبها ما ظل خافيًا على البعض منذ أكثر من 25 عامًا؛ إذ لم يعد مُقنعًا أن تظل القاعدة تَصبّ اللعنات على الولايات المتحدة وحلفائها بشأن كل شرّ في النظام الدولي، بينما هناك أقطاب صاعدة بقوة تقارب الولايات المتحدة أو تنافسها مثل روسيا والصين والهند، وكلها مشتبكة مع مسلمين بمكان ما في العالم تقمعهم وتظلمهم ليل نهار لمجرد إسلامهم، وليس بسبب فكر متطرف ولا نزاع سياسي، فضلاً عن بروز قوى أخرى كل منها كبرى على مستوى إقليمها وتمارس أيضًا درجات متفاوتة من القمع الظالم ضد بعض المسلمين، فإزاء كل هذا التشابك والتعقيد الكوني لم تعد استراتيجية القاعدة بنفس بريق عصر الأحادية القطبية، لا سيما وأن الفروع (وهي ذات أهداف محلية) سيصير لها صوت مسموع في أيّ مراجعة أو تقييم.

وهناك أزمة أخرى تضغط من أجل إعادة المراجعة، وهي أزمة الخسائر الواسعة التي تكبَّدتها القاعدة في حربها مع الولايات المتحدة خاصة منذ 11 سبتمبر 2001م وحتى الآن، فهذه الأزمة ربما تشجّع أيضًا على المراجعة لا سيما بعدما حلت حركة طالبان جزءًا من مشكلتها مع الولايات المتحدة عبر التفاوض وإبرام اتفاقية الدوحة، ثم دلالة عدم الأمان الكامنة في مقتل أيمن الظواهري في قلب كابل، فكل هذا لا يضغط في اتجاه مراجعة الاستراتيجية فقط، بل ويُفسح المجال لطرح حلول ترتكز على دعم الاستراتيجيات المحلية لفروع القاعدة، وتعزيز الأجندات المحلية لتعويض خسائر النواة الصلبة من نخبة قيادة القاعدة وأعوانها وتجديد دمائها، وتحقيق قدر أكبر من الأمن لها، وكل ذلك عبر الفروع أو بمساندة من فروع القاعدة في إفريقيا وغيرها.

ما تجسيد هذا في الواقع على أرض إفريقيا؟

قد يتجسد هذا في حالة تصعيد ميداني لتوسيع نفوذ وسيطرة هذا الفرع أو ذاك من فروع القاعدة، خاصةً في الصومال أو منطقة الساحل والصحراء، وتحقيق حالة من الهيمنة الآمنة على الأرض لتصبح ملائمة لتكون مركزًا للقيادة العليا الجديدة للقاعدة، كما قد تَستخدم إفريقيا كساحة للانتقام لمقتل أيمن الظواهري([5]).

وفي ظل التحولات الكبيرة في النظام الدولي، وتصاعد التنافس الروسي والصيني مع الولايات المتحدة وحلفائها في العالم عامة، وفي إفريقيا خاصة؛ فإن الباب أصبح مفتوحًا لمزيد من الألعاب السياسية والعسكرية الماكرة في إفريقيا؛ إذ سيزيد وجود وانتشار القوى الدولية المتنافسة في إفريقيا القارة اشتعالاً، ومع فتح أبواب زيادة وتنوع اللاعبين السياسيين والعسكريين في ساحة القارة الإفريقية؛ فإن من هؤلاء اللاعبين مَن قد يدعم القاعدة بشكل خفيّ ضد طرف آخر، بل وقد يُغريها بمهاجمة طرف ما دون طرف آخر، وكل هذه ألاعيب لها أساليبها المعروفة، والتي سبق وقوعها في أفغانستان والعراق وسوريا مرارًا، ولكن خرجت القاعدة في كل هذه الدول دون أيّ مكسب، بينما كسب مِن خلفها كلّ الذين استغلوها مثل إيران وروسيا وغيرهما.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) كول بانزل، هل انتهى "تنظيم القاعدة"؟، تحليل بمجلة فورين أفيرز الأمريكية، موجود نسخة عربية منه على الرابط التالي: https://cutt.us/cW4mL .

([2]) تسيطر حركة الشباب المجاهدين التابعة لمنظمة القاعدة على جنوب ووسط الصومال.

([3]) "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" ينشط في الصحراء والساحل الإفريقي.. وأجزاء من مالي وموريتانيا وبوركينا فاسو والنيجر، ويتبع لهذا التنظيم تنظيم آخر هو "تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين"، وهو اتحاد لعدد من المنظمات الجهادية المسلحة.

([4]) في فيديو يعلن انضمام حركة الشباب المجاهدين بالصومال لجماعة القاعدة، والخبر والاقتباس أوردته وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 10 فبراير 2012م على الرابط التالي:  https://cutt.us/5FD0h ، تاريخ المشاهدة 12 أغسطس 2022م.                                              

([5]) على سبيل المثال لا الحصر: "حذرت وزارة الخارجية الأمريكية من تداعيات مقتل الظواهري، وطالبت يرفع يقظة أجهزة الأمن المغربية"؛ جاء الخبر بتاريخ 4 أغسطس 2022م، وهو على الرابط التالي: https://cutt.us/fl8UR  تاريخ المشاهدة 16 أغسطس 2022م.