القمة الأفريقية الـ 34 في أديس أبابا هل تعني وحدة إثيوبيا واستقرارها وعودتها لدورها الاقليمي؟

بقلم عبد المنعم منيب | 20 فبراير, 2022
القمة الافريقية
القمة الافريقية

جاءت القمة الأفريقية الـ 34 في أديس أبابا يومي 5-6 فبراير الجاري للنظر في تقارير مهمة للقارة عبر جلسات ثلاث:

-جلسة حول السلم والأمن والحكم.

-جلسة حول رفاهية المواطن الأفريقي.. الصحة والتغذية والأمن الغذائي.

-جلسة حول التكامل الإقليمي من خلال التعافي الاقتصادي الأخضر الشامل والمرن.

ويرى عدد من المراقبين أن الدول الافريقية لا تعول على دور مؤسسات الاتحاد الافريقي بشأن هذه الملفات ونحوها من الملفات المهمة خاصة في هذه المرحلة وإنما تأتي هذه القمة كنوع من إعلان تضامن الدول الافريقية مع حكومة أديس أبابا في الحرب الأهلية التي شهدتها أثيوبيا منذ أكثر من عام بين عدد من القوميات التي تتكون منها أثيوبيا، حيث تريد حكومة آبي أحمد أن تظهر للعالم كله سيطرتها المركزية على الدولة الأثيوبية بعدما كان العالم كله قد شاهد اقتراب قوات جبهة تحرير تيجراي وحلفاؤهم من العاصمة أديس ابابا واعلانهم العزم على دخولها واسقاط حكومة آبي أحمد قبل ثلاثة شهور فقط من هذه القمة الأفريقية.

  وكانت الحكومة الاثيوبية أعلنت في 24 ديسمبر 2021 أنها طردت من اسمتهم بقوات المتمردين خارج أراضي أمهرة وعفر وأنها أعطت أوامرها لقواتها بألا تدخل إلى أراضي إقليم تبجراي حاليا، ويأتي ذلك في الوقت الذي أعلنت فيه قوات جبهة تحرير تيجراي عن انسحابها إلى داخل إقليمها بعد ما كانت أعلنت في نوفمبر 2021 أنها سوف تدخل إلى العاصمة الأثيوبية اديس أبابا وتسقط حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد، وحينها حذرت دول غربية عديدة رعاياها من الإقامة في أثيوبيا معربة عن تخوفها من تطهير عرقي وحرب أهلية واسعة قد يتدهور لها حال الصراع في أثيوبيا.

وبينما كانت قوات تحرير تيجراي وحلفاؤهم من بقية الفصائل المسلحة المعارضة تقترب من العاصمة الأثيوبية بأقل من 200 كيلومتر سرعان ما انقلبت الموازين العسكرية فجأة إثر وصول شحنات سلاح جديدة لحكومة آبي أحمد شملت طائرات بدون طيار ومدفعيات وذخائر بدعم من كل من تركيا والإمارات العربية والصين، وكان إعلان وسائل الاعلام الاثيوبية أن آبي أحمد يقود الهجوم المضاد على جبهة القتال بنفسه منذ 23 نوفمبر 2021 هو موعد بداية استخدام الأسلحة الجديدة وانقلاب الموقف العسكري لصالح القوات الحكومية وبعدها صدر أكثر من إعلان من قبل جبهة تحرير تيجراي وحلفائها عن انسحابات لهم متتالية و التي بلغت ذروتها 24 ديسمبر 2021 حيث يبدو أنها صارت تتحصن داخل اقليمها الذاتي إقليم التيجراي.

وحينئذ أعلنت حكومة آبي أحمد أنها تستعد لإطلاق حوار وطني يضم كل الأثيوبيين لكنها لن تتحاور مع جبهة تحرير تيجراي باعتبارها حركة إرهابية، ويأتي هذا الإعلان الحكومي بعدما كانت قد امتلأت وسائل الاعلام الدولية بالمبادرات والمناشدات الدولية والإقليمية الهادفة لوقف الصراع المسلح المندلع في أثيوبيا منذ يونيو 2020 بين جبهة تحرير التيجراي وحلفائها من جهة وبين الحكومة الإثيوبية وحلفائها بقيادة آبي أحمد من جهة أخرى، ولكن حكومة آبي آحمد رفضت دائما التفاوض مع جبهة تحرير تيجراي باعتبارها جماعة إرهابية خارجة على القانون، وكان موقف أوروبا والولايات المتحدة دائما هو أن الصراع في أثيوبيا لن يحل بغير الحوار وأنه لا حل عسكري له، حتى أن الولايات المتحدة الأمريكية قد فرضت بعض العقوبات على الحكومة الاثيوبية وحليفتها اريتريا، وربما أن الضغوط الامريكية هي التي تسببت في تقييد التدخل الأريتري أو تخفيفه، هذا التدخل الاريتري الذي كان قد صب في صالح حكومة آبي أحمد في بداية اندلاع الصراع، والآن قد يبدو أن الضغوط الأمريكية نفسها هي التي قيدت قوات آبي أحمد عن تطوير هجومها وإكمال انتصاراتها بالدخول إلى إقليم تيجراي، كما أن نفس الضغوط هي التي دفعت حكومة آبي أحمد إلى الإعلان عن رغبتها في إجراء حوار إثيوبي-إثيوبي، وكأن الولايات المتحدة باتت على شفا إدارة الأزمة الإثيوبية.

لقد وقف آبي أحمد ضد أي تسوية حوارية في بداية الصراع ورفض الانصياع للمبادرات الاوروبية والأمريكية وصمم على إيقاع هزيمة عسكرية بجبهة تحرير تيجراي، لكنه الآن هو لم يهزمها هزيمة كاملة لأنها مازالت تسيطر على اقليم التيجراي ورغم ذلك فقد بات يدعو للحوار.

فهل رجع آبي أحمد وحكومته الى الخط الأمريكي لتسوية الأزمة وهو التفاوض لحل النزاع؟

 وهل إصراره على إقصاء جبهة تحرير تيجراي من هذا الحوار هو مجرد تكتيك يبدأ به طريق طويل من المفاوضات؟

علما أن هذا الإقصاء –وان بشكل آخر- كان هو سبب اندلاع هذا الصراع أصلا.

 ثم ما السيناريوهات المتوقعة لنهاية هذا الصراع في ظل استمرار كل الأطراف المتنازعة على التمسك بموقفها دون أدنى تنازل؟

إن إجابة هذه الأسئلة يرسم لنا الصورة الكاملة عن مستقبل أثيوبيا كدولة بشكل عام.

وبداية ولكي نرسم هذه الصورة الكاملة لابد أن نلاحظ أن أثيوبيا تمثل ثاني أكبر دولة افريقية من حيث عدد السكان (115 مليون نسمة) ويتكون المجتمع فيها من نحو 77 مجموعة عرقية، أكبرهم "الأورومو" (35% من المواطنين) ويليهم عرقية "الأمهرة" (27% من المواطنين) ثم "التغراي" (5.2% من المواطنين) ثم نجد الصوماليين والعفر وبني شنقول وغيرهم، ويتحدّث السكان أكثر من 70 لغة أو لهجة محلية، وتنقسم الدولة الى 9 أقاليم تتحد كلها في اتحاد فيدرالي واحد، ويمثل المسلمون فيها أكثر من 40% ونحو 15% ديانات افريقية بدائية والبقية مسيحيين أغلبهم على المذهب القبطي([1])، وقد أعطى الدستور الفيدرالي الإثيوبي لعام 1994 في مادتيه (39) و(47) الحق لكل أمة أو شعب أو جنسية أن تنفصل عن الدولة الإثيوبية الموحدة وتكون دولتها المستقلة، وفقا مجموعة من الشروط، أهمها موافقة ثلثي أعضاء مجلس الأمة أو الجنسية أو الشعب المعني.

ويتم تقديم الطلب كتابيا إلى مجلس الدولة؛ عندما ينظم المجلس الذي تلقى الطلب استفتاء في غضون عام واحد يعقد في الأمة، الجنسية أو الشعب الذي قدم الطلب؛ ويتم دعم مطلب الأمة من خلال تصويت الأغلبية في الاستفتاء؛ عندها ينقل مجلس الدولة صلاحياته إلى الدولة أو الجنسية أو الشعب الذي قدم الطلب([2]).

وإذا اضفنا الى هذا أن التاريخ الاثيوبي القريب والبعيد ممتلأ بأحداث دامية من الحروب الأهلية والصراع العرقي، كما أن تاريخ أثيوبيا يتراوح بين ثلاث حالات لا رابع لها وهي:

  • حالة هيمنة عرقية ما على بقية العرقيات وتكوين دولة متماسكة تقمع العرقيات الأخرى النازعة إلى الاستقلال مكونة بذلك دولة مركزية ذات طبيعة مستبدة تحت شعارات شتى ابرزها الإمبراطورية الاثيوبية العريقة (بحسب الشعار)، حالة هيلاسلاسي (تولي الحكم 1930 وتم خلعه 1974)([3]) أو الشعارات الماركسية في عهد الماركسية (1974-1991) مجرد مثال ليس بعيدا.
  • حالة حرب أهلية تشنها بعض العرقيات ضد العرقية المهيمنة لتتحرر من هيمنتها وقمعها، وأقرب مثال على هذا الحرب التي شنتها "الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية" على منجستو هيلا مريام([4])، وقد أزالت الجبهة حكم منجستو هيلا مريام واستقلت اريتريا وتولت  "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" قيادة الحكومة الانتقالية لإثيوبيا([5])، وأنشأت الدستور الحالي الذي يضمن لكل الأقاليم بعرقياتها المختلفة حق الاستقلال كما أشرنا آنفا.
  • حالة حكم شبه رضائي وهذا قليل في التاريخ الأثيوبي ولكنه وقع على الأقل في الفترة من إسقاط منجستو هيلا مريام وحتى اندلاع الصراع الحالي في 2020، عندما اتجه آبي أحمد إلى بناء حكم مركزي معتمدا على عرقيته الأورومو (وهي عرقية والده) وحلفائه الأمهرة (وهم عرقية والدته).

وإذا أضفنا لذلك كله حالة الكراهية التي أثارتها هذه الحرب الأهلية الحالية وما تخللها من اتهامات بارتكاب كافة أطراف الصراع جرائم ضد الإنسانية وتطهير عرقي واضطهاد إثني، فإن الصورة الكاملة ستتجه الى الوضوح شبه التام لاسيما وأن هذه اتهامات وجهتها العديد من المنظمات الدولية الحقوقية وأيدتها الأمم المتحدة والولايات المتحدة وحكومات غربية.

والآن يمكن أن نجيب بوضوح واطمئنان على سؤال:

ما السيناريوهات المتوقعة لنهاية هذا الصراع الأهلي الإثني الإثيوبي في ظل استمرار كل الأطراف المتنازعة على التمسك بموقفها دون أدنى تنازل؟

علما أن إجابة هذا السؤال سوف تقدم ضمنا إجابة أيضا عن بقية الأسئلة التي سقناها في صدر هذا التقرير.

في ضوء السياق الذي سارت عليه الحالة السياسية في تاريخ أثيوبيا الوسيط والحديث والمعاصر نجد أن أثيوبيا لا يمكن لها أن تتوحد بأعراقها المختلفة إلا بيد حديدية من القمع والاستبداد السياسي والعرقي كما حدث أيام هيلا سلاسي والحكم الماركسي وحكم منجستو هيلا مريام، لكن مثل هذا القمع السياسي والعرقي سوف يصنف دوليا على إنه جرائم ضد الإنسانية و بسبب أن الغرب (الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة) له صلات قوية مع أغلب العرقيات المتنازعة في أثيوبيا ويخشى تفكك أثيوبيا إلى دوليات كما يخشى طوفان هجرات الإثنيات المضطهدة فهو سيضغط بشدة لمنع مثل هذا القمع والاستبداد، صحيح أن العالم الآن صار متعدد الأقطاب دوليا وسوف تساند الصين (وهي قطب دولي بالغ القوة) حكومة آبي أحمد بسبب مصالحها الكبيرة في أثيوبيا وفي إطار منافستها أيضا للولايات المتحدة ولكن أي مساندة دولية للاستبداد والقمع في إثيوبيا لن تنجح لأن شعوب أثيوبيا ستتمرد على هذا القمع لأننا بتنا في عصر العولمة والتطور البالغ للوعي نتيجة تطور وسائل الاتصال والتواصل واذا أضيف لذلك مقاومة الولايات المتحدة وأوروبا للحل الاستبدادي والإقصائي في أثيوبيا مع تربص بعض القوى الإقليمية الكبرى (مثل مصر والسودان) بحكومة أديس أبابا كل ذلك سيمنع حكومة آبي أحمد أو غيرها من إقامة حكم مركزي قامع لكثير من الاثنيات الأخرى، ولذلك لم يبق سوى ثلاثة سيناريوهات:

الأول-حكم رضائي قائم على فيدرالية لها أسس دستورية ترضي كل فئة من فئات وعرقيات شعوب أثيوبيا، وهذا السيناريو بات مستبعدا بسبب الجرائم العرقية التي ارتكبت ضد العديد من العرقيات على أسس عرقية في هذا الصراع الأخير فباتت كل إثنية تنزع للاستقلال بحسبانه هو خلاصها الوحيد.

الثاني-تفكك أثيوبيا إلى عدة دول على غرار يوغسلافيا السابقة، ولكن يعيق هذا السيناريو أن الولايات المتحدة وأوروبا تعتبران أثيوبيا حجر الزاوية في الاستراتيجية الغربية تجاه أفريقيا عامة والقرن الافريقي والسودان ومصر بشكل خاص، ومن هنا فهم لن يسمحوا بتفكك أثيوبيا ما استطاعوا لذلك سبيلا كما أن مساندة الصين لآبي أحمد وتحالفها معه سياسيا واقتصاديا سيعوق هزيمته عسكريا لحد كبير، لا سيما وأن إدارة الولايات المتحدة للأزمة الإثيوبية قائمة على أنه لا غالب ولا مغلوب لكل أطراف الصراع لمنع تفكك أثيوبيا ولذلك سمحت لتركيا بمد آبي أحمد بالدرونز، وكل هذا يقودنا للسيناريو الأخير والذي نرجح تحققه مهما طال الصراع وهو:

الثالث-صياغة دولة أثيوبية جديدة تشبه الاتحاد الأوربي في علاقات عرقياتها بأقاليمهم المختلفة، فاستقلالية الأقاليم تصير في إطار أكثر اتساعا من الفيدرالية مع ضمان بعدها التفكك، وذلك لتظل إثيوبيا في دورها كحجر زاوية في استراتيجية الغرب تجاه القرن الافريقي ومصر والسودان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) عبد الوهاب الكيالي، موسوعة السياسة ج1 ص 65 وما بعدها

([2]) انظر : تقريرا بعنوان "«انفجار من الداخل».. 4 أزمات تقود إثيوبيا إلى سيناريو التقسيم" على الرابط التالي: https://cutt.us/KjU90 تاريخ المشاهدة 27 ديسمبر 2021.

([3])انظر د.عبد المنعم سعيد، العرب ودول الجوار الجغرافي، ط مركز دراسات الوحدة العربية بيروت 1987 الطبعة الأولى،  ص 63-64.

([4])كان منجستو هيلا مريام   ضمن أركان الحكم الماركسي لأثيوبيا منذ 1974 ثم اصبح الزعيم الأوحد منذ 1977 وتم خلعه في 1991.

([5])Benjamin A. Valentino , Final solutions : mass killing and genocide in the twentieth century, Cornell University Press, London 2004,p197.