القانون هو ترجمة مقننة لطبيعة توزيع القوة في المجتمع.. أي حسب قوة كل طرف من الأطراف التي يتشكل منها هذا المجتمع.
ومن هنا فإنه تتم صياغة القانون بحسب مصالح كل طرف من هذه الأطراف فيراعي مصلحة كل منها بحسب درجة قوة كل منها، فلو فرضنا أن الفئة الاجتماعية التي تريد الدعارة او لها مصلحة في نشاط الدعارة لها قوة في المجتمع فسيتم إباحة هذه الدعارة قانونا ونفس الكلام يقال عن الزنا او الرشوة او نهب الأموال العامة أو تجارة العملة أو المخدرات أو حتى خيانة الدولة نفسها..الخ.
والمصلحة التي نقصدها ليست مجرد المال او أي شيء مادي فالمصلحة قد تكون معنوية أو أدبية.
والدعارة قد لا تكون في شكلها التقليدي بل قد تكون لها أشكال أخرى كثيرة معروفة كالزواج المؤقت أو السري او الصداقة أو..الخ، ونفس الشيء للمخدرات قد تكون أدوية أو خمور أو اي مسكرات أو مفترات..الخ.
والخلاصة أن الفئة القوية في "مجتمع ما" هي من تصنع القانون كي تقنن قوتها وقدرتها وتضفي عليها المشروعية بدعوى أن هذا القانون يمثل إرادة الشعب، ولو كانت هناك عدة قوى ذات قدرات متفاوتة ولكن متقاربة او متوازنة او غير متوازنة ولكن مضطرة الى التعايش معا لسبب ما يمنع الأقوى من إقصاء بعض القوى الأخرى فحينها يراعي القانون مصالح عدة قوى كلها لها قدر من القوة ولكنه يراعي كل منها بحسب مقدار قوته.
وليس معنى هذا أن في مثل هذه الحالة لا يجري إقصاء أي فئة من فئات المجتمع، فعادة يتم إقصاء كل فئة اجتماعية ضعيفة بشرط ألا يوجد مانع من اقصائها، اذ قد تكون فئة أضعف من تلك المهيمنة ويمكن عمليا اقصائها بلا عناء أو بـ"عناء يمكن تحمله" ولكن يوجد موانع أخرى من هذا الإقصاء كأن يكون النظام الدولي (أو قوة عظمى ما) يساندها ويمنع من إقصائها وهذا على سبيل المثال فقط.
وذلك كله لأن السياسة الناجحة ليس فيها لا عواطف ولا مجاملات ولا تنازلات بلا مقابل ولا شيء بلا ثمن ولا غفلة ولا تغافل ولا اهمال ولا تهاون، وهذا كله يعود بنا إلى التعريف الذي دعونا دائما إلى اعتماده كتعريف دقيق لأدوات تنفيذ السياسة عندما كتبنا منذ أكثر من عشر سنوات أن: "السياسة لا تعرف صراخًا ولا نحيبًا ولا شكاوى ولا شعارات فارغة، فالسياسة لغتها الوحيدة هي الفعل وعملتها الوحيدة لها وجهان لا ثالث لهما هما المصالح والقوة.. القوة بمعناها الشامل الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية والإعلامية والثقافية والعددية والدبلوماسية والعقائدية، أما غير ذلك من اللغات أو العملات فالسياسة لا تعبأُ بها، وخاسر من يظنُّ أن السياسة تعبأ بها، لأنه حينئذ يصير كمن يتعلق بخيط العنكبوت أو يعول على السراب، أو يعيش في الأوهام".أ.هـ(راجع المقال الأصلي هنا)
ولكن ما الحل للضعيف الذي لا يملك القوة؟؟
لقد اقترحنا الحل أيضا حينها في نفس التحليل اذ كتبنا حينها التالي:
"لا شك أن دوران الزمان قد يجعل قوة ما ضعيفة في وقت ما لا تملك مصالح لتبذلها ولا قوة لتضغط بها، لكن لا يمكن أبدًا أن تكون وهي في هذه الحال فاقدة للقدرة على الفعل -وإلا لانعدم التكليف الشرعي- ومن هنا فالحكمة والحال هكذا أن تحدد لنفسها استراتيجية محددة المعالم ولها جدولها الزمني الواضح كي تكتسب القوة والموارد التي تمكنها من أن تضرّ أعداءها وتنفع أصدقاءها، وكلما اكتسبت قدرًا من ذلك استثمرته سياسيًّا كي تزيد من قدرتها وقوتها ومواردها، وهكذا حتى تتعاظم موارد قدرتها وقوتها لأبعد مدى ممكن، وقبل ذلك كله تكون قادرةً على الفعل ، لأن مشكلة العالم العربي والإسلامي ليست قلة الموارد ولكنها سوء استخدام هذه الموارد مع العجز عن الفعل، وهذا كله درس آخر في جوهر السياسة لعل له مناسبة أخرى إن شاء الله تعالى"أ.هـ من نفس المقال بمنتصف عام 2010 فراجعه إن شئت هنا.