معالم المكر و الإرهاب في مشروع إيران للهيمنة على المنطقة العربية

بقلم عبد المنعم منيب | 16 يناير, 2021
مشروع ايران للهيمنة
مشروع ايران للهيمنة

قلت في مقالي السابق: (صدقوني إيران هي "نمر من ورق" ولا تتنمر ولا تمارس البلطجة الدولية والإقليمية إلا لأنها لا تجد رجلا حقيقيا يتصدى لها ويقول لها "هش")أ.هـ، لكن يجب أن ندرك طبيعة الدهاء الإيراني في ممارسة المؤامرات بالتواطؤ مع الولايات المتحدة وإسرائيل، فقبل غزو الولايات المتحدة للعراق بفترة ليست طويلة أدركت إيران أن الغزو قادم وكانت الأحزاب الشيعية العراقية العميلة لإيران مقيمة منذ عام 1981 في داخل إيران ولها معسكرات تدريب عسكري وأمنى وشاركت لجانب إيران في الحرب العراقية الإيرانية فدفعت إيران بكثير من الرؤوس السياسية لهذه الأحزاب العراقية العميلة للسفر لأوروبا وإقامة مقرات لها فيها خاصة في بريطانيا ومن هناك تواصلوا مع الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارهم قادة المعارضة العراقية ولديهم قواعد شعبية كبيرة مؤيدة لهم داخل العراق بحسب زعمهم، ومن هنا نسقت الولايات المتحدة الأمريكية معهم لترتيبات الغزو وما بعده، هذا من جهة ومن جهة أخرى نسقت مع إيران فصار هناك طرفان يوجهان الفكر الأميركي بشأن ترتيبات الغزو و ما بعده هما: الأحزاب الشيعية العراقية العميلة لإيران بجانب إيران نفسها وكأنهما طرفين بينما هم طرف واحد هو: "الولي الفقيه" الذي يحرك الجميع وطبعا كان هناك تنسيق مع النظام السوري الذي هو أيضا عميل للولي الفقيه وذلك كله بجانب ركيزة النظام الاقليمي الخفية في المنطقة العربية وهى "وجوب تحالف الاقليات الدينية والعرقية في المنطقة ضد العرب عرقا والسنة دينا".
ومن هنا دخلت الأحزاب العراقية الشيعية العميلة لإيران للعراق مع الغزو الأمريكي، فسياسيو هذه الأحزاب جاءوا من أوروبا والجسم الأمني والعسكري جاء من معسكراتهم في إيران مصورين الأمر للجميع على أن هذا الجسم هو قاعدتهم الشعبية الجماهيرية في العراق، ثم إنهم عبر أموال إيران وأموال الدولة العراقية نفسها قاموا بتكبير هذا الجسم الشعبي بالتجنيد في الأحزاب الشيعية العميلة إما في جسمها السياسي والدعوي الحركي وإما في ميلشياتها العسكرية المسلحة مع إضفاء الشرعية الحكومية ومن ثم الدولية على هذه الأجسام الإرهابية عبر دمجها في أجهزة الحكم العراقية وفي الأجهزة الأمنية للحكومة العراقية  تحت الاحتلال من جيش وشرطة واستخبارات، وجاء ظهور داعش كفرصة ثانية لإيران لإحكام سيطرتها الأمنية و العسكرية على العراق بدعوى محاربة الإرهاب إذ شكلت ميليشيات جديدة موازية أمنيا وعسكريا للأجهزة الأمنية والعسكرية الحكومية وسمتها الحشد الشعبي وأضفت عليها شرعية قانونية حكومية.
 إن أجهزة الدولة العراقية الحالية هي منذ الغزو الأمريكي مكونة أصلا من منتسبي الأحزاب العميلة لإيران ولكن أرادت إيران أن يكون لها ذراع آخر لسببين أولهما لتضرب به أي محاولة تمرد ضد إيران من داخل أجهزة الحكومة العراقية القائمة وثانيهما كي يكون لها جهاز أمنى وعسكري مستقل عن المنظومات الحكومية فتكون حركته حرة بعيدا عن أي إجراءات حكومية أو توازنات سياسية تتعلق بصراع القوى الحكومية وتتعلق بتحالفات أو ارتباطات قلة من الحكومة بالغرب أو بالشعب العراقي أو بقوى عربية أو إقليمية غير إيران فهذه كلها توازنات ملزمة بدرجة ما للأجهزة الحكومية رغم أنها في مجملها عميلة لإيران وأسيرة لها، وبذا صار الحشد الشعبي في العراق نظيرا لحزب الله في لبنان ولأنصار الله الحوثيين في اليمن.
تحرص إيران (في ظل قيادة الولي الفقيه) على أن تصنع لها كيانا تابعا لها في كل دولة تدخلها ويكون كيانا متكاملا سياسيا وعسكريا وأمنيا ويعمل باستقلال تام عن حكومة دولته، ونفذت هذا الأسلوب أولا في لبنان عبر حزب الله اللبناني ثم في العراق عبر الميلشيات التابعة للأحزاب العراقية العميلة لها أولا، ولكن عندما دمجت كل هذه الميليشيات داخل الهيكل الرئيس للجيش والأجهزة الأمنية العراقية فقد أنشأت في مرحلة تالية "الحشد الشعبي" ليصير مشابها لحزب الله اللبناني، ونفس الشيء جرى في اليمن بتفصيل مختلف حيث أنشأت حركة الحوثيين مستقلة عن الحكومة لكن الحكومة لم ترض بوجودها فهنا اختلفت التفاصيل عن لبنان والعراق حيث صارت حركة معارضة مسلحة ظلت تقاتل الحكومة اليمينة إلى أن استولت على الحكم (بغض النظر عن التفاصيل الدقيقة).
في مشروعها للهيمنة الشيعية على العالم العربي تحرص إيران على أن تظل الكيانات العميلة لها في مختلف الدول تحت مظلة شرعية قانونية وسياسية لأبعد مدى لتحافظ عليها، ففي لبنان كان من مصلحتها أن يظل حزب الله اللبناني غير ممثل في الحكومة في الفترة الأولي ليتحرك بحرية أكبر دون التزامات مع الحكومة ولكن عندما بدا في الأفق الدولي والإقليمي توجها لتصنيف حزب الله اللبناني منظمة إرهابية فحينها دفعت إيران حزب الله ليشارك في الحكومة اللبنانية بوزراء وتاليا تمكن من تشكيل تحالف سيطر بموجبه على رئاسة الجمهورية (الرئيس ميشيل عون) وجانب مسيحي من الحكومة (عبر حزب عون أيضا)، لأنه في حالة وصم الحزب بالإرهاب فإنه يصعب استهدافه دوليا وإقليميا في ظل مشاركته في حكومة دولة لبنان لأن هذا سيعتبر استهدافا للبنان وعلى كل حال فإن لبنان ستقول في المحافل الدولية إن هذه الاستهداف سيهدد السلم الأهلي في لبنان لاستهدافه أحد مكونات الحكومة الطائفية اللبنانية.
ونفس الشيء حدث في العراق لكن بتفصيلات أخرى، ففي البداية كان مهما أن تدمج ميليشيات الأحزاب العراقية الشيعية العميلة لها في الجيش والشرطة وأجهزة الأمن والمخابرات العراقية لإقصاء البعثيين والسنة وتسيطر على الحكم في البلاد، وتاليا عندما كونت الحشد الشعبي بدعوى محاربة داعش فإنه صار له كيانه المستقل عن أجهزة الدولة أولا، ثم بدأ الحديث الأمريكي عن أن هذه ميلشيات تابعة لإيران وحينها خشت إيران من أن توصم "منظمة الحشد الشعبي" بالإرهاب ويستغل خصومها وأعداؤها هذه الوصمة ضد "منظمة الحشد الشعبي" لإضعافها أو استهدافها ومن  هنا دفعت البرلمان و الحكومة العراقية لإصدار القوانين والقرارات اللازمة لاعتبار منظمة الحشد الشعبي أحد الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة، وهكذا فإذا أصدرت الولايات المتحدة أو غيرها قرارات باعتبار منظمة الحشد الشعبي منظمة إرهابية فإن هذا سيعد استهدافا لحكومة العراق أو لأحد مكوناتها وهي حكومة شرعية معترف بها دوليا، ورغم كل العمليات الإرهابية التي قام بها الحشد الشعبي ضد سنة العراق وضد الولايات المتحدة نفسها ورغم أن الولايات المتحدة اغتالت قائد الحشد الشعبي لكنها لم تصدر قرارا باعتباره منظمة إرهابية وإنما أصدرت مؤخرا قرارا يصم قائده الحالي فقط بالإرهاب وظلت أبواق إيران تنوح بأن هذا لا يجوز لأن هذا الرجل هو أحد قادة الحكومة العراقية، ومن المنتظر عندما يتولى بايدن الحكم أن يلغي هذا القرار بضغط من إيران وذيولها.
وفي هذا الإطار يأتي نواح ذيول وأبواق إيران والعديد من المنظمات الدولية المتواطئة مع المشروع الشيعي بالمنطقة العربية إثر قرار ترامب الأسبوع الفائت باعتبار منظمة الحوثيين منظمة إرهابية ووضع عدد من قادتها على لائحة الإرهاب، صحيح أن هذا النواح يرتكز على دعوى براقة وهي أن هذه القرارات الأمريكية ستعوق وصول المساعدات لليمنيين تحت الحكم الحوثي لكنها تصب في النهاية لمصلحة منع وصم الحوثيين بالإرهاب تمهيدا للاعتراف بحكمهم لليمن وإعطائه الشرعية السياسية والقانونية.
ولا تعتمد إيران في ملاعبتها للولايات المتحدة وكافة القوى الدولية والإقليمية على القوى الشيعية العميلة لها في لبنان والعراق واليمن وأفغانستان وسوريا وغيرها فقط ولكنها توظف أي قوى أخرى يمكنها توظيفها، فعلى سبيل المثال اجتمع خامنئي بالأسد طاغية سوريا وعميل إيران إثر الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان واتفقا على دعم أي قوة يمكنها مقاومة قوات الاحتلال الأمريكي بالسلاح في العراق وأفغانستان حتى يفشل مشروع بوش الابن في إسقاط الأنظمة الحاكمة التي تعاند الولايات المتحدة في المنطقة وجرى الاتفاق بين خامنئي والأسد على أن يشمل دعمهما ذلك تنظيم القاعدة (وهو سني) وطالبان و البعث العراقي (وأغلبه سنة مذهبيا) لمقاومة أمريكا في أفغانستان والعراق ولتبدو مقاومة لا علاقة لإيران بها، ومن هنا صارت إيران وسوريا معبرا للمال والرجال والسلاح المتسرب للمقاومة في كل من أفغانستان والعراق.
وبهذه الطريقة تلاعب إيران (بقيادة الولي الفقيه) النظام الدولي والإقليمي فهي تستخدم الإرهاب المسلح بأشكاله المختلفة للضغط على كافة القوى الدولية والإقليمية بما فيها الولايات المتحدة وفي نفس الوقت تستخدم السياسة، فتحمي إرهابها بسياستها وتدعم سياستها بإرهابها، وذلك كله لتحقيق مشروعها للهيمنة الشيعية على العالم العربي.

أما تمويلها وتسليحها للمنظمات الفلسطينية خاصة حماس والجهاد وفتح فهو أمر مصيري لها للترويج لكذبتها الكبرى بأن مشروعها في المنطقة العربية يهدف لتحرير فلسطين بجانب الضغط على الكيان الصهيوني كي يقلل من معارضته للمشروع الإيراني للهيمنة الشيعية على المنطقة العربية.

وهناك جانب آخر من الدهاء والمكر الشيعي الإيراني خاص بتمويل إيران للمنظمات العميلة لها حيث دفعت هذه المنظمات للقيام بمشاريع اقتصادية -إجرامية في أغلبها- لتمويل نفسها لتخفيف عبء التمويل عن كاهل إيران، فعلى سبيل المثال يشتغل حزب الله اللبناني بالتهريب عامة وتهريب المخدرات والسجائر وخاصة إلى أوروبا كما تقوم الأحزاب والميليشيات العراقية العميلة لإيران بنهب قدر كبير من  أموال النفط العراقي بأشكال شتى، وقامت إيران نفسها باستخدام إمكاناتها كدولة في طبع دولارات أمريكية مزيفة بإتقان من أجل تمويل كافة المنظمات العميلة لها بكافة أنحاء العالم وظلت تفعل هذا حتى تلقت تهديدا أمريكيا جديا يأمرها بالتوقف عن هذا الأمر. 

لقد اندلعت ثورة ولاية الفقيه الخميني في إيران بنهاية 1979 رافعة شعار الموت لأمريكا والموت لإسرائيل ومازالت ترفعه وتهتف به حتى اليوم، ومع ذلك فاليوم بعد أربعين عاما من حكم ثورة ولاية الفقيه لم تأخذ دولة ولاية الفقيه قطعة أرض من أميركا ولا من إسرائيل وانما احتلت دولة الولي الفقيه كلا من لبنان وسوريا واليمن والعراق كما تواطأت دولة الولي الفقيه مع الولايات المتحدة وساعدتها على احتلال أفغانستان مقابل امتيازات للشيعة الأفغان ومقابل غض الولايات المتحدة الطرف عن التحركات الإيرانية في المنطقة العربية.
وهكذا تمارس إيران المؤامرات بمكر ودهاء لتنفيذ خططها في المنطقة بتغاضي من الولايات المتحدة والغرب واسرائيل تارة وبإسناد من هذه القوى تارة أخرى وذلك كله بسبب ركيزة تحالف الأقليات ضد العرب وأهل السُنة التي تحكم منطق العلاقات السياسية في الإقليم العربي.