صفقة القرن لا تهدد أمتنا الإسلامية لكن ضعفنا الذاتي هو التهديد المصيري

بقلم عبد المنعم منيب | 10 فبراير, 2020
احتجاج ضد صفقة القرن
احتجاج ضد صفقة القرن

أغلب العرب و المسلمين مهتمون بما يسمى صفقة القرن التى تحاول منح الكيان الصهيوني مدينة القدس والمسجد الأقصى ومعظم أراضي فلسطين أما أنا فلا أهتم بها و لا أتابعها لأن دراستي ومتابعتي للسياسة منذ أكثر من 40 عاما علمتنى أن السياسة الحقيقية هى قدرتك على فرض الواقع الذى تريده على الأرض بما تملكه من "موارد القدرة" ولايهم أى شىء غير هذا.
لقد غزا الصليبيون المشرق العربي واحتلوا أراضي واسعة بالشام من جنوب أسيا الصغرى شمالا وحتى حدود مصر الفاطمية الشمالية جنوبا، بل هيمنوا سياسيا وأمنيا على مصر الفاطمية لفترة قصيرة وهكذا استوطنوا بقاعا شتى من المشرق العربي، وظلوا بالقدس نحو 100 عام وبعد تحرير صلاح الدين الأيوبي للقدس ظلوا محتلين لأماكن اخرى بالشام لاكثر من 150 عاما بل وصل احتلالهم لإحدى المناطق 200 عاما، وكان احتلالهم هو احتلال استيطانى فيقتلون المسلمين تارة و يطردونهم تارة ويستضعفونهم أحيانا، وفى كل الحالات استقدموا صليبيين من أوروبا ليستوطنوا أرض المسلمين.
و فى زمن الصليبيين تفرق حكام المسلمين وتناحروا وتحاسدوا و فى سبيل الفوز على بعضهم البعض فى خصوماتهم تحالف بعضهم مع الصليبييين وأمدوهم بالسلاح ضد إخوانهم المسلمين مما مكن الصليبيين من الهيمنة على المشرق العربي ولذا دام الوجود الصليبي نحو 200 عام وتوطنوا أملا فى ان يدوم وجودهم للأبد.
ولكن كيف تحرر المسلمون من الاحتلال الاستيطاني الصليبي؟؟
لقد برز القائد المسلم عماد الدين زنكى (حاكم الموصل بدءا من 521 هـ) ووضع استراتيجية متكاملة للتحرير قائمة على محورين يعملان معا بالتوازى هما:
أ-توحيد الإمارات الإسلامية المحيطة بالأرض الإسلامية المحتلة وهى إمارات الشام وشمال العراق مع مصر وفلسطين.
ب- استنزاف الصليبيين عسكريا واقتصاديا عبر هجمات خاطفة ومفاجئة على نقاطهم الرخوة او الضعيفة والهدف من هذا المحور هو إضعاف الكيان الصليبي أو إيقاف تمدده ووقف استفحال قوته لحين تتم عملية التوحيد الإسلامية -وشمل ذلك تحرير أجزاء من الأراضى الإسلامية المحتلة وإن قَلَت- .. ونفذ عماد الدين زنكى ذلك جنبا الى جنب مع المحور الأول.
نجحت استراتيجية تحرير المشرق العربي من الصليبيين التى وضعها وبدأها عماد الدين زنكى ولكن لم تتم بين يوم وليلة فقد استغرقت أعمار كل من عماد الدين زنكى نفسه (قتل رحمه الله سنة541 هـ) ثم ابنه نور الدين محمود الذي خلف أبيه فى تنفيذ استراتيحيته للتحرير فتولى إمارة حلب فور استشهاد أبيه مواصلا عمله إلى أن توفى رحمه الله عام 569 هـ، وواصل صلاح الدين الايوبي (تلميذ نور الدين) استراتيجية زنكى للتحرير بعد وفاة نور الدين محمود ، فحرر صلاح الدين الأيوبي القدس عام 583 هـ كما حرر غيرها من أراضى الشام قبل هذه السنة وبعدها ثم توفى رحمه الله عام 589 هـ، وقد واصل أغلب بنيه وأحفاده عملية التحرير ثم بعد نهاية الدولة الأيوبية ونشأة دولة المماليك واصل عدد من سلاطين المماليك عملية تحرير المشرق العربي من الاحتلال الصليبي، حتى حرر السلطان المملوكي الأشرف خليل فى عامى 690 هـ -691 هـ آخر البقاع المتفرقة التى كان يحتلها الصليبيون بعد ان ظل بعضها تحت الحكم الصليبي ما بين 100 و 200 عام.
‏لقد درس مؤسسو دولة إسرائيل المعاصرة تاريخ الاحتلال الصليبي الاستيطانى للمشرق العربي واستراتيجية عماد الدين زنكى ونور الدين محمود وصلاح الدين الايوبي وخلفائه الأيوبيين والمماليك فى القضاء على الكيان الصليبي رغم استمرار آخر بؤرة لهم نحو 200 عام بالمنطقة، ويخاف الإسرائيليون من نفس المصير ولهم استراتيجية يظنون انها ستحميهم من نفس المصير.
‏وانطلاقا من هذا كله فأنا لا أرى أى أهمية لما تفعله إسرائيل و أمريكا إزاء أمتنا العربية والإسلامية وإنما أرى أن الأهمية الحقيقية تقتصر على ما نفعله نحن لاكتساب عناصر القوة والقدرة وهذه العناصر هى المال والعلم والبصيرة النافذة والعزيمة الثابتة والصدق فى عملنا بأن يكون عملنا مناسبا لتحقيق شعاراتنا وأهدافنا.
‏إن أخطر عقبة تقعد بأمتنا الإسلامية عن النصر والمجد هى أن أغلب من يتنادون للنصر والمجد العربي والإسلامي لا يصدقون فى سعيهم فسعيهم شىء وأهدافهم وشعاراتهم شىء آخر، فمن يرد تحقيق شىء عليه الأخذ بالأسباب والأساليب اللازمة له دون توانى، أما إن توانى وتكاسل وركن للراحة والدعة والترف أو أخذ بأسباب غير كافية (كما أو كيفا) أو غير مناسبة لتحقيق الهدف أو إذا جهل ماهية الأسباب اللازمة لتحقيق الهدف ولم يجتهد لإزالة جهله هذا فوجود أى من هذا كله يدل على أنه غير صادق فى تبنيه لهذه الأهداف والشعارات التي يعلن أنه يسعى لتحقيقها.

قال تعالى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" (من الآية 11 سورة الرعد).