جوانب نفسية و اجتماعية لتوبة المعتقلين و مبادرة الجماعة الإسلامية ومراجعات الجهاد

بقلم عبد المنعم نيب | 5 مارس, 2008

من مشاهد أيام الاعتقال (15)
في أغسطس 2002م أضرب معتقلو الجهاد في سجنى نطرون (1) و الفيوم و طالبوا بمساواتهم بمعتقلي الجماعة الإسلامية في المعاملة و الزيارة، وبعد مداولات و مناقشات و ضغوط و تهديدات مارستها أجهزة الأمن تم تفكيك الإضراب و تم نقل 40 معتقلا من الجهاد بسجن الفيوم إلى عنبر التجربة (عتبر مثل التأديب) في سجن ليمان أبى زعبل و هناك أنهوا إضرابهم فى التو، و لم تمض سوى أيام قليلة حتى جرى تجميع كل معتقلي الجهاد من جميع السجون و تم حشرهم جميعا في سجن شديد الحراسة بأبي زعبل، و أقول تم حشرهم لأن السجن لم يكن يتسع إلا لنحو 250 معتقل بينما كان عدد معتقلي الجهاد الذين تم تجميعهم في هذا السجن في حدود 1000 معتقل.و كان عدد المعتقلين في كل زنزانة في حدود 30 معتقلا علما أن مساحة الزنزانة هى 5 أمتار طولا في 4 أمتار عرضا.
و قيل لنا أن اللواء أحمد رفعت (وكيل أمن الدولة و المشهور بالاسم الحركي "الحاج مصطفى رفعت") قال "العيال بتوع الجهاد دول ليس عندهم أدب و لازم يتربوا... انقلوهم لأبى زعبل عشان يتربوا شوية"و مكثنا في هذه الحالة مدة شهر كامل، و بعدها علمنا أن ضابط أمن الدولة استدعى أحد الأخوة و قال له "خلاص يا شيخ فلان مشكلة الجهاد اتفكت و خلال أيام سيوجد خير كبير قوى لمعتقلى الجهاد"و بدأ الكثيرون يخمنوا في ماهية هذا الخير المزعوم، لكن لم يتمكن أحد من توقع شئ محدد في هذا المجال.و في يوم 5 أكتوبر 2002م شعرنا بأنه يجرى فتح الزنازين بانتظام من أول العنبر، و نشطت الاتصالات بين الزنازين و كان مضمون كل هذه الاتصالات أن الأخوة مسئولى جماعة الجهاد المصري و كذلك مسئولي جماعة أحمد يوسف (بنى سويف) يبلغون أتباعهم أنه "ممنوع على أي أحد أن يوافق على العرض الذى سيجرى عرضه الآن من قبل الضباط" وفهمنا أن عددا من الضباط يمرون بالزنازين و يقدمون عرضا معينا.
و عندما جاء دور زنزانتنا فتحوا الباب و دخل أحد الضباط و قال: يا جماعة مبروك سيعملوا لكم مبادرة و ندوات مثل الجماعة الإسلامية.... مين موافق كي نسجل اسمه؟؟
وسكت أغلب المعتقلين بينما تكلم ثلاثة أو أربعة بصوت عالي و بصورة جماعية في نفس واحد قائلين: "لا كلنا مش موافقين" بينما سجل أربعة أسماءهم قائلين نحن نوافق على وقف العنف بينما لا علاقة لنا بالجماعة الإسلامية و لا جماعة الجهاد، و تم تسجيل أسماءهم فعلا، و اعتبر الضابط أن كل من لم يسجل اسمه موافق على العمليات المسلحة التي كانت تقوم بها مجموعات إسلامية.
في نفس اليوم جرى تفريغ عنبر رقم (1) من المعتقلين تماما وتم توزيع المعتقلين على عنبري (2) و (3) فقط. 
وبعد ذلك بيوم واحد و تحديدا في صباح يوم 7 أكتوبر 2002م تم تجميع جميع من سجلوا أسماءهم بشأن رفض العنف و تم نقلهم إلى عنبر رقم (1) و لم يتجاوز عددهم 117 معتقلا حينئذ، و علمت بعد ذلك تفصيلات عديدة بشأن ما جرى أثناء تسجيل الأسماء يوم 5 أكتوبر. فمجموعه من المعتقلين قالوا لأمن الدولة: "نحن لا نعلم معنى الجماعة الإسلامية و لا جماعة الجهاد و لا أي جماعة فماذا نقول و ماذا نفعل؟؟
"فقال لهم: "هاتوا أسماءكم" و سجل أسماءهم ضمن الرافضين للعنف.
كما علمت أن هناك زنازين خرج منها عدد أكثر نسبيا من زنازين أخرى بسبب أن الذي مر على بعض الزنازين و عرض الأمر عليهم هو ضابط أمن الدولة، ولم يكن يعرض على المعتقلين الالتحاق بمبادرة الجماعة الإسلامية بل كل ما عرضه عليهم هو سؤال واحد: "من يسجل اسمه بصفته لا يؤيد العنف أو العمليات المسلحة ضد الحكومة؟؟"
.بينما الزنازين الأخرى التى مر عليها ضابط العنبر الذي زف للمعتقلين البشرى بالسير على خطى الجماعة الإسلامية كانت الأقل في عدد الخارجين منها، و ذلك كله أمر نسبي، لأن عدد الذين سجلوا أسماءهم (وأنا منهم) لم يزد عن 117 معتقلا من مجموع معتقلين بلغ نحو 1000 معتقل.
فما السر في قلة من سجلوا أسماءهم؟؟
طبعا فكرت في هذا الأمر و تكلمت فيه مع عدد من المعتقلين الذين كانوا معنا فوجدنا أن التجارب السابقة التي رآها المعتقلون جعلت المعتقلين يقلقون من أي محاولة تقوم بها أمن الدولة أيا كان اتجاهها بسبب رؤيتهم لتجربتين:
الأولى- تجربة ما عرف إعلاميا باسم "التوبة" و أطلق على المعتقلين الذين انضموا لهذه العملية "التائبين" و هذه التجربة مملوءة بأحداث كثيرة ذات دلالة منها أن الأمن في هذه العملية كثيرا ما كان يستدرج التائبين لما لا يرغبون فيه، فمثلا عندما بدءوا في عمل ندوات تليفزيونية للتائبين بسجن المزرعة فوجئ كثير من التائبين بها ولم يكونوا يقبلون بها أصلا لو أنهم عرضت عليهم الفكرة من البداية، صحيح أن بعضهم كان على علم بها من البداية و كان موافقا عليها لكن البعض الأخر كان غير موافق عليها و لم يدر بها إلا وقت تسجيلها، و هؤلاء الرافضون رفضوا الحضور و لم تكرههم أجهزة الأمن على الحضور، لكن هؤلاء المعتقلين شعروا أنهم خدعوا لأنهم شاركوا في عملية انتهت لما لم يكونوا يتوقعونه و لا يريدونه.
كما حدثت في بعض حالات التوبة عمليات تخويف من عملاء الأمن لبعض التائبين لإجبارهم على سلوك مسالك معينة تبعدهم عن التدين و الالتزام السلوكي، كأن يقولوا له: إيه حكايتك يا فلان أنت من القلائل الذين مازالوا يقرأون القرآن كثيرا و ده ممكن يضرك عند أمن الدولة.
و طبعا كان ذلك له تأثير على بعض الناس من ضعاف النفوس.
و حصل مثل هذا أمامي في عنبر (1) في سجن أبى زعبل الجديد حيث كان يقيم الذين سجلوا أسماءهم باعتبارهم رافضين للعمليات المسلحة، و كان العنبر كله محافظ على التزامه الديني في المجال السلوكي، فلم يكونوا يفترقون في شكلهم و سلوكياتهم و اعتقاداتهم الدينية عن غيرهم من المعتقلين في العنابر الأخرى سوى أنهم لم يكونوا يؤيدون العمليات المسلحة و أعلنوا ذلك، و في عام 2004م تم نقل ثمانية مسجونين من الذين عملوا إقرارات التوبة في التسعينات من سجن مزرعة طرة إلى عنبر (1) في سجن أبي زعبل الجديد، كما جرى في نفس الوقت نقل عشرة معتقلين ممن عملوا نفس الإقرار في التسعينات من سجن العقرب بطرة إلى عنبرنا أيضا، و قد حرصت أمن الدولة على تفريغ زنازين خاصة لهم و اشترطت أن تكون هذه الزنازين متجاورة و قالوا يجب أن يكونوا لوحدهم لأنهم لهم طباع خاصة بهم، ثم بعد ذلك إذا رغبتم في التعايش معهم باختياركم فأنتم أحرار.
و لم نفهم أبعاد ذلك الكلام قبل أن يأتوا لأننا لم نكن نعلم من سيأتي، لكن عندما أتوا و رأينا حالهم فهمنا أن أمن الدولة كانت ترمي لأهداف معينة منها أن لا تحدث مشاكل بيننا و بينهم، و منها أنهم لا يريدون أن نظن أن أمن الدولة تريد أن ترغمنا على إتباع سلوكيات معينة على خلاف رغبتنا لحساسية ذلك، وهذه النقطة بالذات لها قصة سنحكيها بعد قليل.
المهم لما جاء هؤلاء المعتقلون و المسجونون من التائبين و سكنوا في الزنازين التي تم تفريغها لهم بعنبرنا فهمنا الموقف، لقد كان أغلبهم لا يمتون بأي صلة للالتزام الديني الذي نلتزم به ليس في السلوكيات فقط بل أيضا في العقائد، حتى الصلاة كان قلة منهم يجلسون مع المسجونين الجنائيين أو مع شاويش العنبر وقت الصلاة يتكلمون و لا يأتون للصلاة جماعة معنا في المصلى الذي كنا أنشأناه في فناء العنبر، صحيح أن المسلم خارج السجن ربما تفوته صلاة الجماعة الأولى في المسجد بسبب مشاغل الحياة و ضغوطها لكنه لاشك لا يمكن أن تفوته الصلاة في وقتها، أما في السجن فالمسلم جالس لا شغل له و لا مشغلة فكيف تفوته صلاة الجماعة الأولى؟؟ و كيف يجاهر بذلك فهو جالس أمام باب فناء العنبر الذي به المصلى و كل الذاهبين للمصلى يمرون عليه و يرونه و هو جالس يلغو مع الشاويش و هو لا يستحي من أن الجميع يصلون إلا هو و معه قلة مثله، ناهيك عن تدخين السجائر وغير ذلك.
و لم يكتف هؤلاء بذلك بل بدأ بعضهم في ممارسة نوعا من الإرهاب الفكري علينا لكن بشكل فردي، مثل أن يقول أحدهم لواحد منا: "إيه يا عم أنت قاعد في زنزانة متشددة قوى، و لا واحد من زنزانتكم يأتي و يتفرج على الأفلام عندنا".
فيرد عليه صاحبنا ويقول: "لا متشددين و لا حاجة أنت فاهم غلط احنا ناس غلابة و عايزين نروح".
فيقول له: "طيب ما أنتم بالطريقة هذه سيفهم الأمن أنكم متشددون و أنت عارف أن كل ما يحدث في العنبر يتم نقله بدقة لأمن الدولة". 
فيعود صاحبنا للدفاع عن نفسه: "يا عم قلت لك نحن مش متشددين و لا حاجة، أنت فاهم غلط".
فيستمر الأخر في هجومه: "طب لو أنت مش متشدد كما تقول لماذا لا تأتي و تتفرج على التليفزيون معنا و سأريك أشياء جميلة...أنت كمان ممكن تأتي تبيت معنا عشان تسهر تتفرج براحتك".
و يستمر في إلحاحه حتى يوافق صاحبنا و يذهب يبيت معه خوفا من أن يكتب تقريرا عنه للأمن يقول فيه عنه متشدد.
و هكذا يتكرر مثل هذا الحوار بهذا الشأن و بشأن أشياء أخرى عديدة مثل اللحية و مثل بعض الأفكار السياسية و العقائدية.
و في الواقع أنني أحترم جدا أي تحولات فكرية فقهية أو عقائدية من باب احترام حرية الرأي و الاعتقاد التي كفلها الإسلام، لكنني لا يمكنني احترام شخص يتحول لأفكار باطلة بسبب رغبته في تحصيل منافع شخصية معينة و ليس عن اقتناع فكري علما أنه كان هو نفسه ينتقدها و يسوق الحجج على بطلانها قبل أن يتبنى هذا الموقف النفعي و الانتهازي.
و هذا كان حال بعض هؤلاء التائبين خاصة من المجموعة التي كانت في سجن مزرعة طرة، حتى أن عدد من الأخوة عزف عن النقاش معهم باعتبارهم لا فائدة من الحوار معهم لأنهم ليس لديهم أفكار محددة خاصة بهم بل هم يرددون أفكارا معينة كي يقال عنهم أنهم غير متشددين رغم أنهم ليس لديهم فكر حقيقي مقتنعين به.
و أذكر الآن أن أحد الأخوة كنت واقف معه و جاء واحد من هؤلاء التائبين الذين نتكلم عنهم ووقف معنا و أثار النقاش في موضوع ما فتعجبت و قلت للأخ الواقف شفت فلان ماذا يقول و ضحكت فقال لى الأخ: سيبك منه ده أصلا مخه تعبان و ما فيش فايدة فيه.
و هكذا كان قدوم هؤلاء للقعود معنا أمر أثار كثيرا من النقاش في العديد من القضايا، كما انه أنعش اتجاها كان موجودا في العنبر أشرنا إليه لماما في العديد من المناسبات و هو اتجاه مشابه لاتجاه هؤلاء الذين قدموا علينا من سجن المزرعة لكننا استطعنا دائما أن نطوق أثاره السيئة.
و من هذا أن عدد من المعتقلين و على رأسهم أبو سمية (و كان هو الذي يتولى مساعدة الشاويش في الشئون الإدارية بالعنبر) مروا على عدد كبير من المعتقلين بعنبر (1) و كلموا كل منهم على انفراد وقالوا له هل ترغب في تسجيل اسمك في كشف سيضم أسماء الموافقين على دخول التليفزيونات للعنبر أم لا؟؟
و كان الذي يوافق يسجلون اسمه و الذي لا يوافق يقولون له احذر من الرفض فالذي سيرفض سيتم تسجيله في أمن الدولة على أنه متشدد و هذا سيؤثر سلبا على خروجه من السجن، و كان كثيرون يخافون من هذا الكلام فيسجلوا أسماءهم لكن هؤلاء الخائفين بعد أن سجلوا أسماءهم ذهبوا للشيخ جاد القصاص و حكوا له القصة، و هذا هو الذي جعلنا نطلع على هذه العملية لأنهم كانوا يعملونها في السر و لا يفاتحون في الأمر إلا الأشخاص الذين يظنون أنهم لن يبلغونا أو الذين يعرفون أنهم يخافون وبالتالي فالخوف سيمنعهم من إبلاغنا بالأمر، و بعد ما علمنا بالموقف تصادف أن كان أمين شرطة من أمن الدولة واقفا على باب العنبر يتكلم مع عدد من المعتقلين فقال له الشيخ جاد القصاص: كيف تكون مشاهدة التليفزيون مقياسا للتشدد أو الاعتدال؟؟.
فرد عليه أمين الشرطة: كيف؟؟
قال الشيخ جاد: ألم تطلبوا كشفا بأسماء الموافقين على التليفزيون؟؟
فقال أمين الشرطة: نعم، و لكن ذلك لحصر عدد الذين يريدون تليفزيونات كي نقدر العدد المطلوب من الأجهزة كي نصرح بنفس العدد المطلوب، و لا علاقة لذلك بتشدد أو اعتدال.
فبادره الشيخ جاد قائلا: لكن الذي قيل لنا غير ذلك، فالذي وصلنا أنكم تصنفون درجة تشدد الناس بحسب موقفهم من التليفزيون.
فنفى أمين الشرطة قائلا: لا..لا..أبدا الذي قال ذلك فهم غلط و نحن لم نقل ذلك أبدا كل واحد حر. فقال له الشيخ جاد القصاص: إذن اعتبر الكشف الذي جاءك لاغيا لأنه كتب تحت التخويف واطلب كشفا غيره وفقا لهذا الفهم.
فرد أمين الشرطة: نعم سنفعل.ثم التفت لأبى سمية و قال له نفذ هذا الكلام.
و هكذا أشارت الخبرات المستخلصة من التطورات التى مرت بها عملية التوبة و التائبين إلى أن عملية سياسية في السجن هي عملية مجهولة العواقب ما دامت في السجن و ما دام للأجهزة الأمنية علاقة بها، و يؤيد ذلك النقطة التالية:
التجربة الثانية- هي تجربة الجماعة الإسلامية فيما سمي بمبادرة وقف العنف،فهذه التجربة أصابت كثير من المعتقلين بعقدة من اتخاذ أي مواقف سياسية في السجن لأن مبادرة الجماعة الإسلامية في مرحلتها الأولى من مبادرتها لم يكن عليها ملاحظات ذات بال، و حتى الآن يمكن لأي مراقب أن يلاحظ هذا عندما يقارن بين الطبعة الأولى من الكتب الأربعة الأولى و بين الكتب التالية لها و هي كلها مثلت البناء الفكري للمبادرة، و بهذه المقارنة سيدرك أن الكتب الأربعة الأولى ما هى إلا تجميع لنقول من كتب علماء الإخوان المسلمين و قادتهم الفكريين كالقرضاوي و غيره، أما الكتب التالية فقد قطعت خطوات بعيدة في مجاملة الحكام... كل حكام العالم الإسلامي المعاصرين بشكل أو بأخر، و هذا كله جعل المعتقلين يتوجسون خيفة من عواقب أي مراجعات فكرية أو فقهية في السجن حتى و إن بدأت رصينة و محترمة.
و أنا شخصيا كنت ضمن الآلاف الذين أثارهم تصريح أحد مشايخ الجماعة الذي قال فيه أن الحاكم المسلم لا يجب عليه تطبيق الشريعة بل هو مخير في أن يطبقها أو لا يطبقها كما يشاء، و قد احتددت على أحد ضباط أمن الدولة في إحدى المناسبات و قلت له: إيه الذي يقولونه هذا هل هم ملكيون أكثر من الملك؟؟ إن رئيس الجمهورية نفسه لا يقول هذا الكلام فهو لا يقول أنا لا يجب علي تطبيق الشريعة بل يقول: نحن نطبق منها ما نستطيع و الباقي نحن مضطرون لعدم تطبيقه الآن بسبب ضغوط دولية و غيرها و عندما نتمكن من تطبيق الشريعة كاملة سنطبقها، فكيف يذهبون هم إلى هذا المدى البعيد من المجاملة؟؟
و الحاصل أن تجربة الجماعة الإسلامية عملت عقدة عند كثير من المعتقلين.
ونحن تكلمنا في الحلقة السابقة عن التحولات النفسية التى مر بها المعتقلون من أعضاء الجماعة الإسلامية باعتبار أن هذا التحول هو مدخل جيد للكلام في هذه الحلقة عن طبيعة موقف المعتقلين بكل اتجاهاتهم الفكرية من مبادرة الجماعة الإسلامية و من قضية العمل المسلح في العمل الإسلامى. 
علما أنه كان هناك دائما فرق بين الطبيعة النفسية لأعضاء الجماعة الإسلامية و بين أعضاء سائر الحركات الإسلامية، لأن سائر الحركات تهتم بأن تربى العضو على أخلاق و سمات شخصية معينة فقط، لكن الجماعة الإسلامية زادت على ذلك أنها حرصت على أن يكون في الشخص الذى يرشحونه لعضوية الجماعة الإسلامية صفات خاصة و أهمها ألا يكون ممن يحب المناقشة أو إثارة الأسئلة وألا يكون ممن يحبون أن يكون لهم رأى ما في القضايا المختلفة كما ينبغى عندهم ألا يكون هذا المرشح للعضوية ممن يحبون الإطلاع على الأراء و الأفكار الأخرى المخالفة لأراء الجماعة الإسلامية كما ينبغى أن يكون هذا المرشح للعضوية ممن يتصفون بالطاعة وحسن الانقياد فلا يكون لديهم أى ميول للتفكير في صحة أو خطأ ما يردهم من أوامر أو آراء من قبل قادتهم.
و بعد التأكد من توفر كل هذه الصفات في الشخص يتم ضمه للجماعة الإسلامية ثم يتم تربيته على صفات عديدة أخرى أهمها الطاعة العمياء و التقديس التام لقادة الجماعة دون أى تفكير أو نقاش.
و من هذا المنطلق يمكن فهم سبب تأخر فهم أعضاء الجماعة الإسلامية لأخطاء قادتهم بدءا من خوضهم عمليات واسعة من العنف العبثى.
 و من هذا المنطلق أيضا يمكن فهم موقف سائر أعضاء الحركات الإسلامية الذين كانوا معتقلين في نفس السجون مع أعضاء و قادة الجماعة الإسلامية و من ثم كانوا يشاهدون كل هذه الأحداث لكن بعقل مفتوح بعكس أعضاء الجماعة الإسلامية الذين كانوا يشاهدون نفس الأحداث لكن بعيون مشايخهم (قادة الجماعة المعروفين باسم مجلس شورى الجماعة الإسلامية).
لقد فهم كل المعتقلين الإسلاميين (من غير أعضاء الجماعة الإسلامية) حدث مراجعات الجماعة الإسلامية و مبادرة الجماعة الإسلامية على حقيقتهما منذ البداية بعكس أعضاء الجماعة الإسلامية الذين لم يدركوا حقيقتهما إلا بعد نحو خمس سنوات من إتمام هذه المراجعات.
لكن ما هو أثر هذا الفهم على المعتقلين الإسلاميين من غير أعضاء الجماعة الإسلامية؟؟
كان الأثر المباشر و السريع هو العقدة التي تكونت لديهم ضد أي مراجعات فكرية أو فقهية مهما كانت بدايتها جيدة. إ
ذن فالأثر المباشر هو الجمود الفقهي و الفكري بدعوى التحصن ضد السقوط في هاوية الانحراف الفكري و الفقهي.
و هذا لا يعني تأييد العمل المسلح، فالكثيرون من المعتقلين يرفضون العمل المسلح ومع ذلك يرفضون مبادرة الجماعة الإسلامية و يرفضون عملية التوبة، و هذا كله يمكن فهمه في ضوء كل ما ذكرناه في هذه الحلقة و في الحلقة السابقة.

ــــــــــــــــــــــــــ

هذا الموضوع جزء من سلسلة نشرتها على هيئة حلقات أسبوعية في العدد الأسبوعي من جريدة الدستور المصرية تباعا ابتداء من نهايات عام 2007 كما كنت أنشرها على مدونتي القديمة بنفس اليوم أو باليوم التالي و هذا الموضوع هو الحلقة 15 ونشرته فى المدونة القديمة.

واقرأ حلقات عن أيام الاعتقال (وعن المعتقلين ) وهي التالية:

الاعتقال أيام مبارك لم يتقيد بأي قانون .. و المعتقلون كان أغلبهم من الاسلاميين.. مشاهد من أيام الاعتقال (1)

المعتقلون عزلوهم عن كل ما هو خارج جدران الزنزانة لكنهم تمكنوا من كسر العزلة.. من مشاهد أيام الاعتقال (2)

كيف واجه المعتفلون السياسيون سياسة التعرية و التجويع في سجون مبارك.. من مشاهد أيام الاعتقال (3)

مبارك حرم المعتقلين من كل شئ..من مشاهد أيام الاعتقال (4)

تعرف على التجارة في المعتقلات السياسية بعصر مبارك.. من مشاهد أيام الاعتقال (5)

الشرطة منعت العلاج و الرعاية الطبية عن المعتقلين السياسيين أيام مبارك.. من مشاهد أيام الاعتقال (6)

كيف كان المعتقل السياسي يقضى وقته في سجون حسني مبارك ؟.. من مشاهد أيام الاعتقال (7)

التاريخ السري لمجموعة ممن أطلق علي كل منهم "محامي الإسلاميين" .. من مشاهد أيام الاعتقال (8)

الصحافة لعبت دورا كبيرا في التحريض ضد المعتقلين السياسيين.. من مشاهد أيام الاعتقال (9)

افتتاح السجون الجديدة و استخدامها لتعذيب المعتقلين و أسرهم.. من مشاهد أيام الاعتقال (10)

دور السجون الجديدة في التنكيل بالمعتقلين.. نفسية عملاء  أمن الدولة بالمعتقلات.. من مشاهد أيام الاعتقال (11)

مناقشات المعتقلين حول الفقه والسياسة والتنظيمات السرية والولايات المتحدة.. من مشاهد أيام الاعتقال (12)

بدايات إطلاق الجماعة الإسلامية لمبادرة وقف العنف و ردود الأفعال عليها.. من مشاهد أيام الاعتقال (13)

التطورات النفسية و الاجتماعية للمعتقلين تجاه مراجعات الجماعة الإسلامية بمصر.. من مشاهد أيام الاعتقال (14)

جوانب نفسية و اجتماعية لتوبة المعتقلين و مبادرة الجماعة الإسلامية ومراجعات الجهاد.. من مشاهد أيام الاعتقال (15)

المعتقل و المسجون الجنائي تعامله إدارات السجون معاملة أسوء من معاملة الحيوانات.. من مشاهد أيام الاعتقال (16)

واقرأ موضوعات أخرى عن الاعتقال وعن المعتقلين أيضا وأبرزها الموضوعات التالية:

أيام رمضان في المعتقلات السياسية حيث " الخوف و الجوع و البرد و التعذيب"

مصر .. تعذيب المواطنين و إهانتهم في السجون و المراكز الأمنية

قصة حدثت معي تكشف سبب السطحية عند كثير من الشباب

إستراتيجية الضربات الأمنية ضد الإسلاميين في مصر بعهد مبارك

لماذا انهارت منظومة الدفاع عن حقوق الانسان في مصر؟

معتقلو سجن الواحات يعلنون الإضراب عن الطعام

المنتحرون في المعتقلات السياسية ... اغتيال أم انتحار؟؟

القراءة السياسية للسيرة النبوية يرفضها البعض ويقبلها آخرون