كيف اخترق وصوليون وفاسدون مراكز قيادة بالحركات الإسلامية وما الحل؟ (1 من 2)

بقلم عبد المنعم منيب | 17 نوفمبر, 2018
فاسدون
فاسدون

لا يتوقع أحد أن تصيب ظاهرة الفساد جسد الحركات الإسلامية فضلا عن رأسها فى الوقت الذى يفترض فيه أن تجسد هذه الحركات رمز النقاء الأخلاقى وأيقونة السلوك القويم.
و فى الواقع فإن الأسس العقيدية والفكرية الإسلامية لهذه الحركات لا تتسامح مع أى انحراف أخلاقي او أى خلل سلوكي ولكن على المستوى العملى فإن هذه الحركات لم تواجه ظاهرة الفساد المالي والإداري مواجهة مناسبة فاكتوت بنارها.
ونتناول هذه الظاهرة بشيء من التفصيل فى السطور التالية:

اختراق الوصوليين والفاسدين لمراكز قيادة بالحركات الإسلامية

 

هذه الظاهرة غزت الحركات السلمية والمسلحة على حد سواء وإن بطرق مختلفة، وكان المتوقع أن تغزو الحركات السلمية فقط لأنها لا عواقب خطيرة من الانضمام لها لكن نجدها غزت أيضا الحركات المسلحة بأشكال مختلفة.
وقبل أن نبدأ فى تحليل المشكلة/الظاهرة فينبغى علينا أن ننبه أن المقصود بهذه الظاهرة فى هذا التحليل هو " الوصوليون والفاسدون الذين يعملون لحساب أنفسهم فقط ابتداء" وليس "العملاء الذين يزرعهم خصوم الحركة بداخلها للتجسس عليها أو توجيهها وجهة معينة"، صحيح أن الوصوليين والفاسدين العاملين لحساب أنفسهم قد يتحولون فى مراحل تالية للعمل لحساب الخصوم لكن العبرة فى هذا التحليل بحالهم عند بدايتهم.
الحركات الإسلامية التي سلكت مسلك المهادنة مع أنظمة الحكم التي تعارضها هدفت أن تحافظ على استمراريتها ونموها فهى تتجنب الصدام السياسى أو غيره كى لا تقع فى أزمة استنزاف لمواردها البشرية والاقتصادية وهى بهذا تسعى لتطوير كيانها وقدراتها، وهذه المهادنة هدفت أن تعطى فرصة للحركة كى تحوز مجالا من الحريات تستغلها فى بنائها التنظيمي كى تتوسع أفقيا ورأسيا وتبنى هياكلها وتصقل كوادرها وتتوسع قواعدها، وهذا حدث فعلا وتمكنت أغلب هذه الحركات من تحقيق مبتغاها ولو إلى حين. 
 ورغم هذا فإن هذه الحركات واجهت مشكلة أو ظاهرة انجذاب فاسدين كثر للحركة، والفاسد بطبيعته يملك أدوات الترقي والوصول لقمة الهرم الإداري لأي كيان يلج إليه، فالعقدة هي انضمامه للكيان فإن تمكن من حلها وصل لأعلى الهرم بسهولة.
 الدفاع الوحيد الذي ارتكزت عليه الحركات الإسلامية ضد هؤلاء الوصوليين والفاسدين هو جمع التقارير المعلوماتية عن أعضائها من أول انضمامهم مرورا بكل مراحل ترقيهم داخل الحركة ولكن هذا لم يكف لمنع ظاهرة الفساد من الانتشار داخل مختلف مستويات الحركات…  لماذا؟؟؟
لأن الحركات اهتمت بجمع المعلومات عن مدى الالتزام التنظيمي (التعصب الحزبي) والانضباط التنظيمي (السمع والطاعة) للأعضاء وهذان الأمران يجيد الوصوليون والفاسدون التخلق بهما ظاهريا بسهولة دون أى انكشاف،  حدث ويحدث هذا فى حين أن الحركات الإسلامية بخاصة والحركات الأيديولوجية بعامة يمكن أن تقيس العضو بمقاييس الالتزام العقائدي في سلوكياته، وهو مقياس لا يكذب ولا يمكن للوصوليين والفاسدين والمنافقين التحايل عليه أو الإفلات منه إلا نادرا، ويكفي لو أخذت الحركات الإسلامية بمقاييس النفاق المذكورة بالقرآن خاصة المذكورة فى سورة الفاضحة إذ لو فعلت لسلمت من  أغلب المنافقين.
ومن سبل علاج وصول الفاسدين والوصوليين لقمة الهرم الإدارى ما كان يفعله سيدنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه من جمع المعلومات بطرق سرية وعلنية عن أداء المسئولين والقادة والولاة ومصادرة شطر أموال من يشك فيهم دون دليل بل وعزل بعضهم من مناصبهم بالشك.

قصة حقيقية لشخص فاسد حاز مناصب مهمة بحركة إسلامية كبرى

ومن المفيد أن نضرب مثالا ما هنا لنوضح المقصود بشأن هذه الظاهرة فى الحركات الإسلامية المعاصرة:
كان هناك شاب تبدو عليه علامات النبوغ والتفوق فى مجال تخصصه العملي وكان قد انضم لحركة إسلامية كبرى فى سنوات دراسته الجامعية واستمر منتميا ونشطا تنظيميا بل ومتعصبا لحركته بعد تخرجه بجانب نجاحه فى عمله، وأول معلومة بشأنه كانت أنه تسلم عام 1982 ربع مليون دولار من فرع تابع لحركته بالخارج من أجل توزيعه على أسر محتاجة بمصر ولكنه أخذ المبلغ كله تقريبا لنفسه و ظهر عليه أثر ثراء مفاجىء فاشترى مكتبا (لم يكن يمتلك قبلها مكتبا) واشترى سيارة (لم يكن يمتلك قبلها سيارة)، ولم تكن هناك آلية ذات بال لمراقبة إنفاقه المبلغ الذي تسلمه، وبعد هذه الواقعة بسنة أو سنتين على الأكثر افتضح أمام عدد من مرؤوسيه فى عمله (ممن هم أعضاء بنفس الحركة الإسلامية المنتمى إليها) اختلاسه لهذا المبلغ، ولكن الحركة الكبرى التى ينتمي إليها لم ترسل أى إشارات تدل على معرفتها بالأمر وظل هذا الشخص يترقى فى مناصب تنظيم هذه الحركة الإسلامية الكبرى حتى بلغ أعلى المناصب التى يمكن أن يصلها شخص من نفس جيله فى هذه الحركة، هذا رغم أن واقعة اختلاسه هذه صارت معروفة لكثيرين من قادة حركات إسلامية أخرى بعد وقوعها بأربع سنوات فقط، وهكذا صارت الواقعة الفضيحة معروفة لدى عدد قليل من قواعد جماعته وعدد من قادة الجماعات الأخرى ومع هذا لم يصل أمرها لسمع قيادته بحركته وظل يترقى ويترقى، حتى فاجأ قادة جماعته دون سبب معروف بالاستقالة من التنظيم قبل ثورة 25 يناير 2011 بسنوات قليلة كي يعيش ويكتب ويظهر فى الإعلام كمستقل حتى جاء عام 2013 ويطيح خصوم الإخوان بهم من الحكم والمجتمع ويلقون بكل أوراقهم (بما فى ذلك أوراقهم التى ظلت خفية بعهد مبارك) فى خضم المواجهة مع الإخوان وحينها يظهر بطل هذه القصة كأحد أهم أوراق خصوم الإخوان الخفية، لم يكن اختلاس صاحبنا للربع مليون دولار هى واقعته الوحيدة التى اشتهرت بل كان غشه وانعدام أمانته المالية وسوء معاملاته المالية معروفة لكثير ممن تعاملوا معه فى عمله كموظفين عنده أو زبائن لديه (وإن حرص على الظهور بمظهر الأمانة والكرم ولو شكليا عند تعامله مع الرموز والمشهورين) كما تطايرت معلومات عنه بشكوك حول علاقات نسائية غير منضبطة (وهى غير ثابتة ولا منفية من وجهة نظرى)، كما تسربت لي معلومة بمحاولاته الحثيثة فى آخر التسعينات وأوائل الألفية لبدء علاقة وثيقة مع الأجهزة الأمنية، كل هذا وجماعته الكبرى لا تسمع بينما ظل هو يتعصب لها سرا وعلنا لعل شدة تعصبه تسند ترقيه المستمر في الهيكل التنظيمي الذي يقود جماعته الكبرى وقد كان.
ولو أن هذه الجماعة الكبرى كان لديها آليات للرقابة على الانضباط السلوكى والعقيدي لأعضائها –فضلا عن قادتها- لما وقعت فى هذه المصيبة وهى غافلة أو مهملة.
و يظن المرء للوهلة الأولى أن الجماعات المسالمة هى الهدف الوحيد للوصوليين والفاسدين لأن عواقب الانضمام لها ليست وخيمة ومن ثم فستسلم الجماعات المسلحة وخاصة المطاردة أو المحاصرة منها من استهداف أهل الوصولية والفساد لها ولكن الواقع ينفى هذا الظن، إذ ابتليت الجماعات المسلحة بثلة لا بأس بها من هؤلاء أيضا، لأنه كما أن الترقي داخل الحركات الإسلامية المسالمة يعطي صاحبه علاقات ونفوذ وما يجره هذين الأمرين من مال أو مناصب دنيوية بجانب المكانة الدينية فنفس الأمر وإن بأشكال أخرى موجود فى الحركات الإسلامية المسلحة، وكما أن باب الثقة والترقى فى التنظيمات السلمية هو إظهار التعصب الفكري الأعمى وشدة الولاء التنظيمى فنفس الأمر موجود فى التنظيمات المسلحة ويسهل على من تخلق بهاتين الصفتين (التعصب والولاء الحزبي) صدقا أو زورا أن يدخل من أوسع أبواب الحركة إلى أعلى المناصب فيها بل و أكثرها حساسية.
ومن هنا يظهر أن الاعتماد على هاتين الصفتين فقط لتقييم الأعضاء من أجل ترقيتهم تنظيميا هو أكبر باب خراب على هذه الحركات الإسلامية، إذ منه يدخل الجواسيس ومنه يدخل المنافقون (وصوليون وفاسدون) العاملون لحساب أنفسهم والذين لا يتأخرون عن بيع أنفسهم لاحقا لكل من يدفع لهم.

وللحديث بقية إن شاء الله فى الحلقة الثانية هنا..

هامش

أغلب ما كتبته فى كتبى المنشورة هو من قبيل تجميع وتصنيف المعلومات حول الحركات الاسلامية المصرية المعاصرة وعدد من مواقفها وقضاياها وقد حققت هذه الكتب هدفها حيث انتشرت هذه المعلومات على نطاق واسع بعدما كانت مجهولة، ونقل كثيرون عنها ونسج كثيرون على منوالها.

وطالبنى كثيرون بالاستمرار فى إصدار كتب جديدة عن الحركات الاسلامية بمتابعة نهجى السابق فى الرصد والتصنيف ولكنى أرى أنه ربما حان الوقت لأركز أكثر على التحليل بدلا من الجمع والتصنيف،وسيلاحظ القراء أن تحليلاتي هذه ستتضمن معلومات جديدة لم أنشرها سابقا فى كتبي وذلك لأن كتبي لم أضمنها كل ما لدي من معلومات لأني كتبتها كلها على عجل. 

ويأتى هذا المقال ضمن منظومة التحليل التى أميل إليها فى هذه المرحلة من حياتى.