هل تبنت دولة الإسلام مشروعا اقتصاديا بعهد النبي محمد وخلفائه الراشدين؟

بقلم عبد المنعم منيب | 11 نوفمبر, 2018
اقتصاد
اقتصاد

سألنى أحد الأصدقاء فقال: "ما هو رأيك في مشروع طالبان التي لم نرى لها إلا العمل العسكري إلا الجهاد ولا تسمح ظروفها باية مشاريع تصنيعية ثم هل كان المسلمون الاوائل يعتمدون على ما تقوله في تأسيس دولهم مثل دولة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين, هذا سؤال للفهم وليس للجدال"، وجاء سؤاله فى معرض التعليق على كلامي بأن " أي مشروع نهضوي لا يحوز تقدما اقتصاديا وتقنيا حقيقيا فهو فارغ من مضمون القدرة والقوة الحقيقية ولا مستقبل له."
فكتبت السطور التالية كإجابة على سؤاله: 
طالبان ليست قدوة فى كل شىء فلها أخطاؤها والقول بأن ظروفها لا تسمح بمشروع اقتصادي قول خاطئ يخالف معطيات علم الاقتصاد، أما دولة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد كان لها مشروعها الاقتصادى وتظهر معالمه (أى شقه النظرى) فى آيات القرآن و الأحاديث النبوية الخاصة بالاقتصاد.
 أما مظاهر هذا المشروع (أى ثماره وشقه الظاهر عمليا على أرض الواقع) فكثيرة وبارزة ومنها على سبيل المثال لا الحصر أن جيش النبى صلى الله عليه وآله وسلم فى بدر الكبرى لم يكن فيه سوى ثلاثة فرسان كما أن قواته كان الكثير منهم يقاتلون حاسرون أى بلا دروع على جسمهم ثم نجدهم بعد ذلك بنحو ست سنوات فى فتح مكة كلهم فرسان ولا يبدو منهم سوى عيونهم من الحديد الذي  يلبسونه كتدريع، وهذا كان من مقاصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ قال للأنصار فى سياق تذكيرهم بما فعله معهم منذ قدومه المدينة فقال صلى الله عليه وآله وسلم: " وكنتم لا تركبون الخيل" ، وكذا من مظاهر أو ثمار هذا المشروع الاقتصادي أن الصحابة من مهاجرين وأنصار كانوا يقتسمون أراضي و أموال الأنصار ويعيشون متكافلين مع شدة ما وجوع يشتد من حين لآخر حتى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصيبه ذلك كما أن بيته كان يخلو أحيانا من أى طعام، ولكن بعد فتح خيبر قسم النبى صلى الله عليه وآله وسلم أراضيها على المهاجرين ورد إلى الأنصار أموالهم وأراضيهم التى كان يشاركهم فيها المهاجرون وصار النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعطي زوجاته طعام عام يدخرنه ثم ينفق باقى دخله صلى الله عليه وآله وسلم فى سبيل الله.
والموضوع له تفاصيل كثيرة لكنها ستطيل الكلام وهنا ليس محل هذا.
ونفس الأمر بالنسبة لدولة الخلفاء الراشدين.
وبشكل عام عند دراسة دولة النبى صلى الله عليه وآله وسلم وخلفائه الراشدين اقتصاديا فيجب أن ندرسها بمنطقها التاريخى أى منطق عصرها وليس بمنطق عصرنا الحالي، فمشروعهم الاقتصادى ليس معناه إقامة مصانع او تحقيق إنجاز تقني مبدع بل معناه هو معنى الرخاء الاقتصادى بهذه العصور والانتقال بالفرد والمجتمع من الفقر والحاجة إلي الكفاية أو الغنى.
أما هديهم (هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخلفائه الراشدين) الذي نهتدي به الآن فهو القواعد والضوابط الفقهية العامة فى مجال الاقتصاد والسياسة الشرعية وكذا المقاصد العامة للشريعة وكافة معايير وقواعد علم أصول الفقه عند النظر فى الواقع المعاصر والسعى لحل مشكلاته الاقتصادية.
وحتى بالنسبة لاقتصاد دولة بدائية كأفغانستان لا تتوقع أن تبدأ نهضتها باقامة مصانع بل قد تكون بدايتها بالتوسع الكبير فى الزراعة ثم التصنيع الزراعي بجانب العناية بالصحة العامة والتعليم والبحث العلمى فجوهر النهضة الاقتصادية ليس الصناعة فقط وإنما زيادة الناتج القومى حتى ولو زراعى وهذه الزيادة ستصنع رأسمالا تنفق منه على الصحة والتعليم والبحث العلمي وتوطين التكنولوجيا والتصنيع وهكذا تكون على طريق نهضة كبرى.