كيف تبنى سمعتك التجارية أو السياسية أو الاجتماعية وتضاعف بها أرباحك؟؟

بقلم عبد المنعم منيب | 8 نوفمبر, 2018
العزيمة
العزيمة

منذ أيام صغرى كنت أتسائل ما أهمية أن تتخذ جماعة ما أو حزب ما أو حركة ما رمزا محددا يرمز لها وتطبعه وتوزعه وتنشره باستمرار، بجانب اتخاذها شعارا محددا تختص به وتهتف به باستمرار، وكان هذا التساؤل يلح على رغم أنى كنت أفهم أهمية العلامة التجارية للشركات التجارية والمنتجات الصناعية باعتبار أن كل منتج له سمعة معروفة من حيث درجة جودته أو عدم جودته، لكن كنت أتسائل ما قيمة هذا للحركات السياسية والاجتماعية؟؟
وإذا تفكرنا الآن فى هذه المسألة بعمق سنجد أن السمعة هى كلمة عربية معروفة ويطلق عليها أيضا "الصورة الذهنية" وهى الصورة التى تكونت عنك فى أذهان الناس سواء كنت فردا أو جماعة أو دولة وهى ترتبط بالرمز الذى يرمز لك أو يدل عليك ويشير إليك ، فى التجارة يسمى هذا الرمز بـ"العلامة التجارية"، وفى السياسة يسمى هذا الرمز شعارا وقد يصحبه "بدج" أو راية ترمز للحركة أو الحزب فإن كانت هذه القوة السياسية هى دولة فإن الرمز هو علم الدولة ثم خاتمها، فما قيمة هذه السمعة أو الصورة الذهنية وكيف تتكون وكيف تربح منها أو تخسر وما ارتباط ذلك بالرمز أو الشعار أو الراية التى تتخذها؟؟
ابتلى كثير من الناس والقوى بقصور فى التفكير الإدارى والسياسى فتجدهم يولون المظهر أهمية أكبر من الجوهر وبالتالى يقدمونه على الجوهر رغم أن حقيقة الأمر هى أن الرمز أو الشعار هو فرع من الجوهر وعلامة تشير لوجوده فلو انعدم الجوهر فلا قيمة للرمز أو الشعار، ومثال ذلك أنك تجد شركة تنتج منتجا رديئا واتخذت علامة تجارية محددة لها ومع رداءة منتجها فهى كل همها الترويج لعلامتها التجارية وإشهارها ونشرها فى كل مكان دون أن تبذل أدنى جهد لتحسين منتجها الردىء حتى صارت علامتها التجارية رمزا لرداءة وسوء المنتج، ونفس الشىء فى الحركات السياسية والاجتماعية والدول فتجد حركة أو جماعة سياسية أو اجتماعية رديئة فى كثير من جوانبها (هيكلا أو قواعد أو قيادة أو حركة وإنجازا) ورغم هذا تتمسك باسمها ورايتها وشعارها وتسعى لإشهاره وترويجه والتغنى به دون أن تفطن لأنه صار رمزا وعلامة على الرداءة فصار منفرا أكثر منه داعيا وجاذبا لها ونفس الشىء فى الدول فتجد الدولة فاشلة فى البحث العلمي والتعليم والصحة والصناعة والتجارة والسياسة والاقتصاد ومديونة وشعبها جائع ومريض ومع ذلك فبدلا من الإنفاق لحل كل هذه المشكلات فهى تنفق على المظاهر التى تعلى من اسمها ورايتها وتنشر وتكثف وجودها بكل مكان لا لشىء سوى الانتشار والبروز والتغنى باسمها.
بعض من حباهم الله بقليل من الذكاء من القوى التجارية أو السياسية أو الاجتماعية هذه عندما تدرك رداءة منتجها الصناعى أو التجارى أو السياسى أو الاجتماعى وتدرك أن رمزها وشعارها صار دالا على هذه الرداءة فتسارع إلى تغيير هذا الرمز والشعار كل فترة لتخفى رداءتها وتتمكن من بيع منتجها، ولكن درجة ذكائها ومستوى عزيمتها لا يقويان على تحقيق الوثبة الأهم وهى تحسين المنتج (السياسى أو الاجتماعى أو الاقتصادى) بجانب تغيير الرمز والشعار الذى ارتبط بالرداءة، فهذا التحسين يحتاج بصيرة ثاقبة وعزيمة ثابتة تقوى على مقاومة شهوات الكبر والطمع ونحوها من الشهوات التى تصنع الرداءة لأن الرداءة يصنعها عادة أحد ثلاثة أمور هى الغباء والجهل والشهوات.
كررنا تعبير جودة المنتج فما هو المعيار الرئيس للجودة؟؟ 
الجودة يقصد بها أن المنتج جيد، ولا يكون المنتج جيدا ما لم يحقق للمستهلك أحد أمرين أو كليهما وهما:
السهولة: أى يكون سهلا عليه إما فى سعره او الوصول له أو استعماله..الخ
أو 
الإنجاز: ونقصد به تحقيق غرضه من المنتج.
ولنضرب أمثلة لتتضح الفكرة، ففى المنتج السياسى إن لم تقدم إنجازا حقيقيا فى واقع العمل السياسي الذى تخوضه (سواء حاكما أم معارضا) فسيكتشف جمهورك المستهدف زيف شعاراتك وكذبك بشأن أهدافك.
وفى المنتج الاجتماعى إن لم تحقق حركتك الاجتماعية نسبة مناسبة من الأهداف والشعارات التى ترفعها وخطط العمل التى تعرضها فأيضا سيفضح أمرها أمام جمهورها المستهدف بما يرسم لها صورة ذهنية سيئة لديهم.
أما فى المنتجات التجارية (صناعة وزراعة وخدمات..الخ) فالأمثلة هى الأوضح لكل الناس.
وهنا دعونا نأتى لسؤال مهم وهو:
ما قيمة هذه السمعة أو الصورة الذهنية سواء فى المنتج السياسى أو الاجتماعى او الاقتصادى؟؟
فائدة هذه السمعة أو الصورة الذهنية إن كانت حسنة أنها تروج لمنتجك وتعطيه دفعة قوية فى السوق فتربح أرباحا طائلة تمثل أضعافا مضاعفة من رأسمالك او من تكلفة منتجك، لأن المنتج صار مضمونا فى أذهان جمهورك المستهدف فصارت السمعة أو صورتك الذهنية أقوى مسوق ومروج لك وأقوى معلن عنك، ونفس الشيء –وإن بالعكس- يقال فى حالة ما إذا كانت صورتك الذهنية او سمعتك سلبية فإن هذه السمعة السلبية تصبح أقوى منفر عن الإقبال على منتجاتك وأقوى مانع وصاد لجمهور عن الإقبال عليها.
ولأن الشىء بالشىء يذكر فإن شعارك أو رايتك أو علامتك التجارية تصير دلالة مختصرة وسريعة وإشارة مفهومة عن سمعتك أو صورتك الذهنية بالنسبة لجمهورك المستهدف أو زبائنك، وهذا يوفر لك الكثير من جهد وتكلفة عمليات التسويق والترويج التى تحتاجها لتحقق المستهدف لك من أرباح من جراء بيع منتجك.  
وبتقليل جهود وتكلفة الترويج مع وجود جاذب شديد للمستهلكين تجاه منتجك (وهذا الجاذب هو سمعتك أو علامتك) فستحقق أضعافا مضاعفة من الأرباح. 
ونصل هنا لسؤال بالغ الأهمية يطرح نفسه بشدة فى سياق هذا المقال وهو:
كيف تتكون السمعة أو الصورة الذهنية للمنتج السياسى أو الاجتماعى أو الاقتصادى؟
مخطىء من يظن أن الصورة الذهنية للمنتج السياسى أو الاجتماعى أو الاقتصادى تتكون بإلحاح صاحبها على نشر الإعلانات عنها والإكثار من إظهار علامتها المميزة بكل مكان وتجمع جماهيرى أو وسيلة إعلام فقط، فالإلحاح وحده لا يكفى لترويج المنتج وتكوين صورة ذهنية جيدة عنه ما لم يكن المنتج بحالة جودة فوق المتوسط، لأن الترويج والإعلان حتى لو أفلح فى جذب المشترى لأول مرة فإن هذا المشترى لن يعود ثانية إن وجد أن جودة المنتج متوسطة أو دون المتوسطة لاسيما مع وجود منافسين يقدمون جودة أعلى بنفس الثمن أو بفارق محتمل ومقبول.
وفى السياسة والمجتمع نفس الأمر يحدث فالإلحاح بأساليب الترويج والإعلام والإعلان لن تكفى وحدها لتكوين صورة ذهنية أو سمعة لك لدى الجمهور لفترة طويلة ما لم تحقق نسبة مناسبة من ما تعلنه من أهداف سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية على أرض الواقع ويلمسه الجمهور تحقيقا لا خلاف على أنه حقيقى وواضح وملموس. 
اما ما سوى ذلك فهو مجرد لغو لا ينطلى على أحد اللهم إلا على قلة غير مفيدة ولو انطلى على عدد أكبر من ذلك فيكون رواجا لوقت قصير وبعدها يتضح زيف الاعلان والترويج والالحاح ويتضح أن كل هذا مجرد شعارات جوفاء لا حقيقة لها ولا قدرة على تنفيذها اجتماعيا أواقتصاديا أو سياسيا وتتكون الصورة الذهنية سلبيا عن هذا المنتج السياسي أو الاقتصادى أو الاجتماعى.
ومن هنا فالعبرة هى بالعمل المتوافق مع القول وليس مجرد القول بلا عمل أو القول المخالف للعمل، والعمل لا يتحقق بدون علم وعزيمة وبصيرة بما تعمله وما تستهدفه ولا ينجح عمل بدون صدق فى سعيك لتحقيق ما اعلنته من أهداف وشعارات، ومن هنا نخلص إلى أننا نحتاج التالى:
-علم وبصيرة بما نقوله ونهدف أن نعمله.
-عزيمة قوية كافية لدفعك لانجاز ما علمته وبصرت به. 
-صدق فى التزامك بما تقوله، لأن كثيرا من الأحزاب والحركات السياسية والاجتماعية والاقتصادية لا يعوزها العلم ولا البصيرة ولا حتى العزيمة لتحقيق ما يقولونه من خطط وأهداف وتصورات ولكنهم مع ذلك يخفقون فى تحقيق ما يقولونه لأنهم يفتقرون للصدق.
-وأخيرا فإنك إن كنت تريد الله والدار الأخرة من سعيك هذا كله فإنك يجب أن تضم للشروط الثلاثة السابقة شرطا آخر يأتى قبلها جميعا وهو الإخلاص لله تعالى، قال تعالى "وما أمروا إلا أن يعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء" وقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم "إنما الاعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى فمن كانت هجرته لله ورسوله فهجرته لله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه"، فلا يقبل الله عملا ويثيب صاحبه ما لم يكن صاحبه مخلصا فيه.
وفى هذا الإطار الذى أوضحناه بهذا المقال ينبغى أن نفهم جوهر الأمور والأعمال السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتجارية فالعبرة ليست بالكلام فقط ولا حتى بالعمل الموافق للكلام وإنما أيضا بجودة هذا كله وهذه الجودة لا تتحقق إلا بإخلاص لله ثم علم وبصيرة وعزيمة وصدق، وتحقيق هذا يعزز صورتك الذهنية أو رايتك أو علامتك أو شعارك الذى هو علامة تضاعف انتصاراتك وانجازاتك، أما ما نراه من إلحاح شركات وجماعات وحركات وأحزاب ودول فاشلة على الترويج لراياتها وعلاماتها وشعاراتها ورموزها رغم سوء صورتها الذهنية لدى الناس فهذا مما يدعو للتعجب بل والاشفاق من إغراقهم فى جهل حقيقة الأمر وجوهره.