أمريكا تنقل سفارتها إلى القدس.. فما هى فاجعة المسلمين وأزمتهم؟؟

بقلم عبد المنعم منيب | 15 مايو, 2018
مدينة القدس
مدينة القدس

تتصاعد الكتابات والشعارات الاحتجاجية ضد نقل الولايات المتحدة سفارتها فى دولة إسرائيل من تل أبيب إلى مدينة القدس وهى عملية أعلن عن إتمامها رسميا أمس، ولكن أريد أن أعلق على هذا الحدث فأؤكد أن كل من يظن أن القدس ستتحرر عبر القانون الدولي ومساعدة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والقوى الكبرى المتحكمة فى النظام الدولي مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا وألمانيا والصين فهو واهم وغافل عن ماهية ودلالات أحداث التاريخ منذ القرن التاسع عشر وحتى اليوم.
إذن فلما الغضب من اعتراف الولايات المتحدة رسميا بالقدس كعاصمة لدولة إسرائيل؟
ألم تحم الولايات المتحدة دولة إسرائيل وتسلحها وتدعمها اقتصاديا وعلميا وبشريا منذ نشأتها وحتى اليوم؟
لدينا بكل عصر ومصر رموز وشخصيات مشهورة ونصف مشهورة ومغمورة (سرعان ما تشتهر) يقومون كل ساعة بانتهاز فرصة اهتمام جمهور العرب والمسلمين بأشهر الأحداث الجارية فيفجرون موجة من الفعاليات الإعلامية والجماهيرية للتعبير عن الغضب إزاء أى من هذه الأحداث، ولكن جوهر "أغلب" هذه الفعاليات ما هو إلا تنفيس لغضب الجمهور، وتقديم وسيلة سهلة للرموز المذكورة كي يشعروا أنهم يفعلون شيئا مهما لأمتهم (هذا إن أحسنا بهم الظن وظننا أنهم لا يحركهم إلا الغضب لأمتهم والاهتمام بهمومها أما إن لم نحسن بهم الظن فهناك كلام آخر سنقوله).
إن تاريخنا المعاصر منذ الحرب الأوروبية العالمية الثانية وحتى اليوم يؤكد أن ما يجرى لا يقدم شيئا للأمة العربية والإسلامية سوى إشغال جمهور العرب والمسلمين فيما يهدر طاقاتهم فى "لا شيء"، فكل هذا الغضب الهادر من جاكرتا و كوالالمبور شرقا وحتى الرباط وبريطانيا غربا ومن تركيا وشرق ووسط أوروبا شمالا وحتى كيب تاون جنوبا لا محصلة نهائية له للعرب والمسلمين سوى"لا شيء" بجانب إهداره لأوقات وجهود وأموال ودماء مسلمين وعرب ومن يناصرهم.
أفهم أن الحركات السياسية (سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية فلسطينية أو غير فلسطينية) تحتاج لاستثمار الأحداث الجارية الكبرى لإطلاق فعاليات كبرى بهدف التعبئة والتجنيد والتنظيم، لكن مثل هذه الفعاليات الهادفة ينبغى أن تكون مخططة بدقة فى توقيتها وحجمها وميدانها و أساليبها وأن نحسب مخاطرها جيدا بحيث لا تتعد خسائرها حجم الفوائد من تنفيذها فهذا شيء مقبول كنوع من التعبئة والتجنيد والتنظيم والضغط السياسي والإعلامي المنطقي المحسوب والمفيد، وهذه النوعية من الفعاليات تختلف عن إطلاق الغضب العارم بلا ضابط ولا رابط بما لا يحقق هدفا سوى استهلاك الطاقات وإهدارها سواء حركت ذلك أيادي خفية تهدف لذلك فقط أو تهدف لأبعد من ذلك مما يضر بالمسلمين.  
وعند خوضك أى صراع سياسي أو عسكري فلو لم تكن قادرا على حسمه مباشرة لصالحك فحينئذ ستضطر إلى تأجيل الحسم للوقت الذى يناسبك أنت وحينئذ فإن عليك أن تسلك ثلاثة طرق متوازية معا (بوقت واحد) وهى:
-تثبيت جبهة الخصم بحيث لا يمكنه تحقيق أى تقدم ذى بال ضدك لا سياسيا ولا عسكريا ولا اقتصاديا، وذلك يتاح لك بتدابير كثيرة ومتشابكة بل معقدة أحيانا سياسية واقتصادية وإعلامية وقانونية وعسكرية.
-منع تطور قدرات الخصم ذاتيا أو تعطيل تطور هذه القدرات عبر استنزافه باستمرار سياسيا أو اقتصاديا أو عسكريا استنزافا حقيقيا له ولا يؤدى لأي إضرار بك.
-تطوير قدراتك الذاتية وصولا للمستوى الذى يمكنك من حسم الصراع لصالحك ضد خصمك.

وبذا ففي أى فعاليات تستغل الأحداث الجارية لاسيما الأحداث الكبرى أو المهمة فينبغي أن تكون مخططة بدقة كي لا تخل بما ذكرناه هنا من قواعد عامة تحكم مثل هذه الأمور.
إن المرء ليتحسر عندما يفكر فى معالم الإدارة والتخطيط الإستراتيجي وعندما يتصفح كتب السياسة والإستراتيجية ويقارنها بأحوالنا العربية والإسلامية حيث لا تلمح أى استفادة ذات بال بهذه العلوم التى حددت أطرا وقواعد عالية القيمة ترشد التفكير والتدبير للتعامل مع أى واقع وإن الحسرة لتتضاعف عندما نتفكر فى ما ساقته كتب الفقه والقواعد الفقهية وأصول الفقه وتفسير القرآن وفقه الحديث فنجدها أوضحت أكثر هذه القواعد والأطر العامة للتفكير الموضوعى السليم مجملة البعض ومفصلة للبعض، ورغم هذا كله نتخبط في تيه طالت مدته بسبب تجاهلنا لكل هذه القواعد وأطر التفكير والتدبير.
أعلم التبرير المرضى الجاهز ألا هو "نحن معذورون لأن العالم كله يتآمر علينا منذ أكثر من قرنين ودائما يجهض أى مخطط وتحرك استراتيجي لنهوض العرب والمسلمين ولا يدعه يكتمل ويبلغ مداه"، وهذا التبرير رددت عليه كثيرا إذا أن محاربة عدوك لك بشتى أنواع الأسلحة بما فيها الحيل والخدع والتآمر والاستنزاف والإجهاض المبكر لمشاريعك النهضوية والإصلاحية أمر طبيعي جدا ولا ينتظر عاقل من عدوه سوى هذا ومن انتظر من عدوه غير هذا فليشك فى قواه العقلية ولا عذر لأمة العروبة والإسلام فى تأخرها عن الاستقلال والتحرر من منظومة التبعية لقوى الهيمنة الدولية بسبب استخدام منظومة الهيمنة الدولية كل الأسلحة المتاحة لمنع نهوض الأمة الإسلامية فطبيعى أن تعمل على منعك وطبيعى أن تتلافى أنت ضرباتها تارة وتصدها تارة وتتلقاها وتتحملها تارة أخرى إلى أن تصل إلى تحقيق هدفك فى النهوض والتحرر من التبعية التامة والكاملة لها، وليس طبيعيا أن تجعل حربها لك مبررا على إذعانك لها وانبطاحك تحت أقدامها، كما ليس طبيعيا أن تظل تسير فى مكانك دون أى علامات تدل على أن مخططك يتقدم باطراد بينما تظل تهدر موارد الأمة البشرية والمادية فى "لا شىء" بدعوى أنك تسير للهدف وبدعوى أن التأخر سببه ضربات العدو وتآمره، فهل مطلوب من العدو أن يساعدك في سيرك أم أن يثبتك على حال الضعف والتبعية له؟
وللخروج من كل أزماتنا لابد من العلم العميق والدقيق كل فى تخصصه (وقد فصلنا ذلك هنا فى مقالات كثيرة منها أبواب مهجورة ومنها فوضى النخب الإسلامية)، لأن الذين يجرون الأمة للانشغال بأحداث هنا وهناك لا طائل منها ولا تقطع أى مسافة فى سير الأمة إلى هدفها الأسمى (وهو التحرر من التبعية للغرب والرجوع لتعاليم دينها) هؤلاء يلبسون على الناس الأمور بشعارات ودعاوى ظاهرها العلم وجوهرها اللغو والعبث، وظاهر دعواهم هذا قد يستخدم نفس المصطلحات التى استخدمناها هنا كـ"تثبيت جبهة الخصم أو استنزافه ..الخ" لكن عندما تتأمل جوهر أعمالهم سواء كانت سلمية أو مسلحة ستجدها لا تحقق أيا من جوهر هذه المصطلحات، ولنتذكر دائما أن فى السياسة والصراعات فإن ظاهر القول أو الفعل لا يعكس الحقيقة إلا إن اقترن بدلالات تؤيده ودائما تكون الدلالات والقرائن هى الأصدق بعكس ظاهر القول أو الفعل.