كيف نحصل على الوعى السياسى ؟ (6)

بقلم عبد المنعم منيب | 25 مارس, 2018
حروب داعش
حروب داعش

لنأخذ أمثلة واقعية للتطبيق على الحلقة السابقة لتتضح الصورة.

عندما شاهدنا منذ سنتين أو ثلاث تعاطف قطاع لا بأس به من حيث العدد مع تنظيم داعش و أعماله و لاحظنا انتصاراته على الأرض فإنك قد تقول إنها ناجحة و ستستمر في النجاح و لكن عندما تدرك حجم إمكاناتها بمعيار الإستراتيجية العسكرية و تقارنها بنفس المقياس بالجانب المعادي و هو الولايات المتحدة و أذنابها و إيران و أذنابها و حلفائهما في أوروبا و روسيا و الصين فإنك سوف تتساءل كيف تنجح؟ 
ثم توجه سؤالك الى العلم العسكري ليقول لك: إن داعش ما دامت أعلنت دولة فإنها صارت لها مصالح منتشرة يسهل استهدافها بالطائرات و الصواريخ كما أن تعاظم قوتها و تسلحها بالعتاد الثقيل و المعدات الكبيرة حولت قواتها لقوات نظامية يسهل استهدافها .. ثم تسأل التاريخ العسكري فيقدم لك التاريخ تجارب صراعات عسكرية كبرى تشبه نفس الحالة من عدة أوجه مثل تجربة طالبان مع الناتو و صدام مع الناتو و القاعدة في العراق منذ 2001 و في الصومال و قبل ذلك تجربة هتلر مع الولايات المتحدة و بريطانيا.
 و مثال آخر: عندما كنت تحلل الوضع قبل عزل مرسي في 3 يوليو 2013 فتقول: مرسي معه شعبية كبيرة و لكن ليس معه الدبابة فتقول ممكن الدبابات تغرق في طوفان الجماهير و تتوقف كما في الثورة الإيرانية 1979 و لكن ستدرك أن حجم الشعبية ليس بنفس درجة الثورة الإيرانية أي لم يكن ممكنا لأنصار مرسي حشد 10 مليون في العاصمة في وقت واحد كما أن قيادة الإخوان المسلمين لا تقبل استخدام الحشود في شل الدبابات إذن التحليل الصحيح أن الدبابة ستنتصر و مرسي سيعزل. 
ثم مثال أخير، عندما يقال لا حل في مصر غير بالسلاح و يشن البعض حرب عصابات باغتيال هنا و تفجير هناك فإن تفكيرك الإستراتيجى سيقول لك هذا لن يجدي شيئا ليس لاستدعائك الخبرة التاريخية للعشرية السوداء في الجزائر و التي فشلت فيها المعارضة المسلحة رغم تضاريسها الجبلية و لكن أمامك تجربة فشل نفس الشئ في مصر في الصعيد في التسعينات عندما انكسر كلاشينكوف الجماعة الإسلامية على دروع المدرعات الخفيفة و قوة نيران الجرينوف فضلا عن الأباتشي فهذه الثلاثة لم تجد الجماعة الإسلامية لها حلا فانكسرت أمامها، ثم يمتد نظرك لتدرك أن هناك أسلحة أخرى لدى النظام يمكنه إضافتها إلى هذه الثلاثة عند اللزوم كـ : الاف 16 و المدرعات الثقيلة و المدفعية المتوسطة و صواريخ أرض أرض و الطائرات بدون طيار.
و من هنا ففهم الإستراتيجية العسكرية يفيد في فهم الواقع بكافة أبعاده بدلا من الحكم و التحليل وفقا لجانب و إغفال الجوانب الأخرى و أهمها الاقتصادى و الاستراتيجى و الأمنى.
أعرف أن منظمات القاعدة و داعش و غيرها يدرسون بشكل جيد أشياء عسكرية و أمنية لكنها غير المقصودة في كلامي لأنها غير مفيدة للقضية التي نتكلم عنها هنا و إنما هي تشكل المستوى العملي للعمل الميداني فقط فلا تؤهل صاحبها للرؤية الشاملة للواقع لا الإستراتيجى و لا الأمنى على المستوى العام أو الإقليمى أو الدولي بل هو علم يصنع منه قائد لمعركة محدودة ما لم يطور هو نفسه بدراسات أخرى ذات نوعية أخرى كالتي أشرنا إليها فى الحلقة السابقة.
وفى نهاية هذه الحلقة أذكر بأهمية ما ذكرناه سابقا بأن الاستفادة بعلم ما لا تتوقف على حفظ المعلومات المتعلقة به ومصطلحاته ونحو هذا وإنما تتوقف على اكتساب ملكة هذا العلم أى القدرة على التفكير فيه وفق منطقه وموضوعه وتقاليده العلمية ومناهجه تفكيرا صحيحا ونذكر أن هذا لا يتأتى للطالب إلا بتكرار النظر والدراسة والتفكر فى هذا العلم مع استماع ومناقشة كثيرة مع المتخصصين والراسخين فى هذا العلم. 

اقرأ الحلقات السابقة إن شئت:

كيف نحصل على الوعى السياسى ؟ (1)

كيف نحصل على الوعى السياسى ؟ (2)

كيف نحصل على الوعى السياسى ؟ (3)

كيف نحصل على الوعى السياسى ؟ (4)