كيف نحصل على الوعى السياسى ؟ (5)

بقلم عبد المنعم منيب | 20 مارس, 2018
الإستراتيجية العسكرية
الإستراتيجية العسكرية

ثلاثة أمور هامة صحبتني في رحلتي نحو تحصيل الوعى السياسى و القدرة على التحليل السياسى و الإستراتيجى و ساعدتني (بجانب ما ذكرته سابقا) بعد فضل الله و توفيقه في بلوغ الهدف بفضل الله تعالى و هى:
الأول-محاولة معرفة كيف وصل المحلل لتحليله مثل لو قال واحد أن الحاكم الفلاني لن يمكنه فعل كذا لأن ظروفه الاقتصادية متعثرة فكنت أريد أن أفهم كيف عرف أن اقتصاده متعثر و متى يخرج من عثرته و كيف يتصرف في هذه العثرة و لو قال سيفعل كذا لأن هناك صراع على السلطة عنده فكنت أريد أن أعرف ما هي شواهد وجود هذا الصراع و ما هي آليات هذا الصراع و إلى ماذا ستفضي ..الخ و هذا دفعني للدخول في دراسة الاقتصاد الكلي كى أفهم اقتصاد الدولة و كيف يدار و كيف يتأثر سلبا و إيجابا لأفهم كيف يؤثر على السياسة كما دفعني لدراسة الإستراتيجية لأفهم كيف تؤثر الإستراتيجية على مجريات السياسة الداخلية و الإقليمية و الدولية.
الثاني-محاولة معرفة كيف وصل المحلل لمستواه العالي في التحليل بشكل عام.. و هذا كان بمثابة مسألة نفسية تغذي دوافع الدراسة و السعي للتعلم و أيضا تؤشر إلى العديد من المسارات التي تكسب الخبرة و العلم، و في مرة قال لي أحد الإخوة الذين كنت أتعلم منهم و أتناقش معهم في السياسة "لا تحمل الهم فلابد أن تراعي فارق السن بينك و بين من سبقوك فالسنوات أعطتهم خبرة و سوف تكتسبها مع الوقت" و كنت وقتها في أولى جامعة بينما كان هو عمره نحو 28 عاما و كان يعد بحث الماجستير. 
الثالث-السعي لمعرفة الجوانب العملية و التكتيكية المترتبة على التحليل، إذ كنت على صلة بشخص أو أكثر كانوا يقدمون رؤى إستراتيجية (أى بعيدة المدى و شاملة) حول أكثر مجالات العمل الإسلامى لكنهم لم يكونوا يطرحون الرؤية التكتيكية (الأساليب و الطرائق و الأدوات) التي من شأنها أن تحقق هذه الإستراتيجيات عمليا على أرض الواقع، و في البداية لم أكن أفهم هذه الإستراتيجيات جيدا لأنها كانت أعلى من مستوى علمي و تفكيري و مع مرور الشهور و السنوات فهمتها جيدا جدا و فهمت غيرها من الرؤى و الكتابات الإستراتيجية في السياسة و الاقتصاد و الإستراتيجية الشاملة و لكن بدأت أدرك النقص في الرؤى و الدراسات التكتيكية أو العملية التي تتعامل مع الواقع العملي لتحقيق الإستراتيجيات التي كنت أرى أنها الأنسب و الأصح للتعامل مع الواقع فركزت جدا في تحصيل العلم و الفكر الخاص بهذا المجال العملي أو التكتيكى. 
طبعا هناك كتابات في هذا المجال العملي للعديد من مفكرى الإخوان المسلمين خاصة المتميزين جدا في الكتابة في المجال العملي وأبرزهم فتحي يكن و سعيد حوى.. لكني قصدت بالنقص نقص الكتابات والدراسات فى التكتيك المتعلق بالإستراتيجيات السياسية والإدارية والدعوية الأخرى المختلفة مع إستراتيجيات جماعة الإخوان المسلمين. 
وكان التقرير الإستراتيجي العربي (الذي يصدره مركز الأهرام للدراسات السياسية و الإستراتيجية سنويا منذ 1984) يحتوي قسم عن الإستراتيجية العسكرية في أعداده الأولى حتى بداية التسعينات ثم بعد ذلك حذفوا منه هذا القسم، و كنت كلما قرأت هذا التقرير أتخطى قسم الإستراتيجية فيه و لا أقرأه اعتقادا مني أن فهم الإستراتيجية العسكرية و التفكر فيها و تحليل موضوعاتها هو علم لا يمكنني اكتسابه لأني لست شخصا عسكريا و لكن قابلت في المعتقل عددا قليلا من الأخوة من جماعة الجهاد المصرية و وجدتهم لديهم معرفة جيدة بالإستراتيجية العسكرية دون أن يكونوا من خريجي كلية القادة و الأركان حسبما كنت أفترض في خبراء هذا المجال، وكان بعضهم ضباط سابقين احتياط برتبة ملازم أول و بعضهم لم يدخلوا الجيش مطلقا لكنهم تدربوا عسكريا تبعا لتنظيم الجهاد المصرى، وكان من أميز هؤلاء الأخوة فى العلوم العسكرية الشيخ نبيل المغربى رحمه الله إذ كان ضابط احتياط سابق بالمخابرات الحربية كما تعلم من عبود الزمر وعصام القمرى رحمه الله كما وسع معرفته العسكرية بمجهوده الذاتى أيضا بالقراءة والبحث، و تعجبت لأن حتى الدراسات العسكرية لا تصل إلى مستوى دراسة الإستراتيجية العليا و الشاملة أو حتى الإستراتيجية العسكرية غير بعد رتبة رائد أو حتى مقدم، و لذلك كله سألتهم كيف حصلتم على هذا الفهم و هذه المعرفة فحكوا لي أن هذا تم بالدراسة في هذا المجال و ذكروا لي المراجع العربية وطرفا من المراجع الانجليزية في المجال و من يومها و أنا أهتم بالقراءة فيه لا سيما و أن شبكة الانترنت تنتشر فيها مواقع للأبحاث و التقارير حول هذا الموضوع قليل منها باللغة العربية و كثير باللغة الانجليزية (و طبعا باللغات الأوروبية الأخرى) كما وجدت على شبكة الانترنت العديد من المراجع الأساسية المهمة فى مجال الإستراتيجية هذا باللغتين العربية والإنجليزية.
 وصرت بفضل الله تعالى يمكننى أن أكتب تحليلا و تقييما عن العديد من الموضوعات في هذا المجال بما في ذلك موضوعات جزئية مثل صفقة السلاح المصرية الروسية الأخيرة أو الميزان الإستراتيجى بين داعش و كافة القوى الإسلامية في سوريا و العراق من جهة و التحالف الأمريكي العربي المناوئ لهم في المنطقة من جهة أخرى أو بين إسرائيل و المقاومة الفلسطينية و نحو ذلك، هدفي الأساسي من هذه الدراسة ذات الطبيعة العسكرية لم يكن الكتابة في هذا الموضوع بشكل بحت و لكن هدفت أن أمتلك أدوات تساعدني فى فهم المشهد و الواقع السياسي بشكل عام بكل مفرداته لأن القوة أو القدرة السياسية لا تتكون من مفردة السياسة فقط بل تشمل بجانبها كلا من الوضع الاستراتيجي العسكري و الاقتصادي و حتى الاجتماعي (ربما نتكلم عن علم الاجتماع مرة أخرى إن شاء الله) و هذا الفهم الشامل يمكنك من إدراك كافة الفرص و المخاطر التي يحملها مشهد ما أو واقع ما كما يمكنك من تحديد الخيارات و البدائل المناسبة للتعامل مع هذه الفرص و المخاطر فضلا عن أن كل ذلك يمكنك من توقع ماهية و ملامح المستقبل و تحديد كافة السيناريوهات المحتملة فيه.
وسوف نورد أمثلة عملية على هذه الفكرة فى الحلقة التالية من هذه السلسلة إن شاء الله تعالى.

اقرأ الحلقات الأخرى إن شئت:

كيف نحصل على الوعى السياسى ؟ (1)

كيف نحصل على الوعى السياسى ؟ (2)

كيف نحصل على الوعى السياسى ؟ (3)

كيف نحصل على الوعى السياسى ؟ (4)

كيف نحصل على الوعى السياسى ؟ (6)