المعالجة السياسية الإسلامية لظواهر التفرق والتحزب وقيادة الأمة إلى المهالك

بقلم عبد المنعم منيب | 8 نوفمبر, 2017
الانجاز
الانجاز

هل ممكن ان تزرع بذرة فتنبت و تحصد ثمرها في ساعة واحدة دون انتظار شهور و شهور حتى يحل وقت الحصاد؟...
لكل شئ وقته و لا يمكن طي الزمن و كسر السنة الكونية التي قدرها الله و المتمثلة في ان لكل شئ أطوارا لابد ان يمر بها وأسبابا ومقدمات يجب أن تنتج ذلك الشئ.
ما نشاهده من "تسرع" أو "عدم أخذ بالأسباب" (ومن ذلك التخاذل أو الجبن أو التكاسل) من قبل قوى متعددة تمثل الصحوة بالعالم الإسلامى إنما يعكس ظاهرة متكررة تؤدى بالمسلمين إلى مهالك وهزائم متوالية ومتكررة وهذه الظاهرة سببها التالى:
ناس لا يملكون عقلية سوية أو لا يملكون عقلية متوازنة أو لا يملكون مؤهلات مفكر أو قائد ثم يتسنمون مركز المفكر أو القائد ويسير خلفهم ويؤيدهم ناس كثر إما لأنهم مثلهم فى التركيبة النفسية أو العقلية وإما لأنهم قليلو العلم ولم يحصلوا على الحد الأدنى المناسب من العلم بعد فيحدث ما نراه من أكثر الحركات الاسلامية فى تاريخنا الحديث والتى لها نظائرها فى تاريخنا الاسلامى وأشار لها ابن خلدون كما  نقلنا عنه من قبل فى مقال سابق هنا.
كما أن هذه الظاهرة قد يسببها الرياء والسعى للشهرة والجاه فى حالات أخرى غير قليلة من هؤلاء القادة أو مدعى الفكر والعلم فهدف هذه الشريحة ليس انجاز جوهر العمل وتحقيق أهداف هذا العمل فعليا ولكن هدفه أن يظهر أنه يفعل هذا الفعل أو انه القائم به أى التسميع والرياء (بمفهومه الشرعى)، وهذا السبب يسبب أيضا عدم اتقان الفعل وليس فقط عدم تقدير المآل بشأنه، وعدم الاتقان يأتى من أنه يسمع ويرائى وهذا التسميع سيتحقق بدون اتقان لأن الرأى العام الآن لا يحاسب على النتائج وتحقق الأهداف وإنما يكافىء ويمدح من يفعل أى شىء أو يتظاهر به حتى لو كان هذا الفعل عاريا من كل مقومات النجاح والانجاز بسبب شيوع الفشل والهزيمة فى العالم الإسلامى.
فنحن هنا أمام ثلاث نوعيات من المسلمين تساهم فى شيوع هذه الظاهرة:
واحدة: ذات تفكير سطحى وجهل علمى وقد لا تمكنها ملكاتها العقلية الفطرية للفهم أكثر أو أعمق من قشور أو سطح الأمور لكنها رغم هذا تشعر بالاكتفاء بمستواها الفكرى والعلمى هذا بجانب شعور قوى بالتميز عن الآخرين وبالتالى تتجه لتسنم قيادة فكرية أو حركية أو سياسية بعمل الصحوة الاسلامية المعاصرة وتنجح فى تبوء هذه المكانة بفضل وجود النوعية التالية..
النوعية الثانية: ذات تفكير سطحى وجهل علمى وقد لا تمكنها ملكاتها العقلية الفطرية للفهم أكثر أو أعمق من قشور أو سطح الأمور مثل النوعية الأولى لكنها تقبل أن تستزيد علما وفهما إلا أن ملكاتها العقلية الفطرية لاتسمح لها بفهم الأمور النظرية أو الجانب النظرى للأمور العملية من قبيل المصالح والمفاسد المختفية فى عمق الأمر أو الحدث أو مآل الأمر أو الحدث فلا تدرك الأول لأنه يحتاج لاستدلال عقلى نظرى وملكاتها لا تمكنها من ذلك كما ان فهم المآل يحتاج تخيل نظرى مصحوب بعلم بالتاريخ وبدلائل عقلية نظرية وهذا صعب أيضا على هذه العقلية أن تدركه بسبب تركيبتها الفطرية العقلية.
هذه النوعية الثانية فيها الصالحون المخلصون وفيها غير ذلك بعكس النوعية الأولى التى يغلب عليها الرياء وحب الجاه والسمعة وحب مناصب الدنيا وإن اتشحت بوشاح الدين، وهذه النوعية الثانية هى وقود وقاعدة إجتماعية لبروز وظهور وشهرة وزعامة النوعية الأولى لسببين:
1-لأن عقولهم لا تدرك سوى سطح الأمور وقشوره فيسهل عليهم تقبل ما تفعله النوعية الأولى.
2-أن النوعية الأولى والثالثة تستهدف هذه النوعية الثانية بما تفهمه هذه الثانية وتقتنع به جيدا وهو قشور ومظاهر براقة على سطح الأمر أو الحدث.
النوعية الثالثة: تمثل شخصا ذا تفكير عادى قابل للتطور والتعلم وفهم المجال النظرى للأمور لكن حب الشهرة والجاه (وأحيانا المال) والزعامة تسلط على نفسه وعقله ومنعه من الكد فى طلب العلم والفهم الصحيح للأمور وانطلق لا يلوى على شئ بما عنده من قشور علم وفهم (وأحيانا يمتلك علما لسبب ما متعلق بتطور حياته الشخصية) لتحقيق أهداف شهواته هذه فيصيب ويخطىء ويورد أتباعه الموارد والمهالك بتفاوت علمه وخبراته من مرحلة إلى مرحلة من مراحل حياته، ووقوده وقاعدته الاجتماعية فى زعامته وقيادته الفكرية أو الحركية او السياسية هى أيضا النوعية الثانية المذكورة آنفا.
هذه النوعيات الثلاث هى أسباب هزائم الصحوة الاسلامية الحديثة وإخفاقاتها وإهدار مواردها وتفرقها أحزابا وشيعيا، لأن هذه النوعيات تقف ضد اى تعاون على البر والتقوى وضد أى تجميع للجهد وتآلف بين القوى.
ما العمل الصحيح ضد هذه الظاهرة؟؟
ينبغى أن يسير العمل الصحيح ضد هذه الظاهرة على مسارين:
أحدهما: نظرى عبر الحوار الفردى والجماعى والقصف الاعلامى من أجل إقناع النوعية الأولى والثالثة بالفهم الصحيح والعلم النافع المتعلق بأى من الظواهر والأحداث مع الترهيب من عقاب الله لمن شق الصف وأهدر الموارد وأورد الأمة المهالك وذلك الحوار والقصف الفكرى لا يهدف لتعليمهم وإقناعهم فكريا وعلميا فقط (لتعذرقبولهم لذلك نظريا) ولكنه يهدف بالأساس لإحراجهم بما قد يكفهم عن بعض شرورهم وانحرافاتهم أو يكشفهم لدى بعض أتباعهم من النوعية الثانية فينفضوا عنهم أو يقل إيمانهم بهم.
المسار الثانى: وينبغى أن يسير موازيا ومواكبا للمسار الأول وهو المسار الأهم وهو مسار الإنجاز وترسيخ الإنجازات كأمر واقع على الأرض بشكل واضح لكل ذى عين، وهذا أمر مهم لأنه موجه بالأساس إلى النوعية الثانية التى هى القاعدة الاجتماعية للنوعية الأولى والثالثة فهى الجسم بينما النوعية الأولى والثالثة هى قادة ورموز فقط لا قيمة لهم ولا واقع عملى لهم بدونها، مسار الانجاز وصنع الواقع هذا يقنع كل سطحى وقليل العلم لأنه يفهم جيدا الشأن المحسوس العملى رغم صعوبة فهمه للأمور النظرية والتخيل النظرى والاستدلال.
وهذه النوعيات الثلاث كما أنها موجودة بين أبناء الصحوة الاسلامية فهى موجودة بين كافة المسلمين بل وكافة البشر، ولذلك فالمرحلة التى بدأت بصلح الحديبية وانتهت بفتح مكة نعتبرها نموذجا نتشبه به فى المسار الأول الذى اقترحناه هنا لمواجهة هذه الظاهرة بينما المرحلة التى بدأت بفتح مكة وانتهت بوفاة النبى صلى الله عليه وآله وسلم يمكن اعتبارها نموذجا للمسار الثانى الذى اقترحناه هنا لمواجهة هذه الظاهرة وهو العمل والانجاز ولذلك كان عنوان هذه المرحلة "ورأيت الناس يدخلون فى دين الله أفواجا" (سورة النصر آية 2 ) فالانجاز العملى هنا هو الفتح وأثمر دخول الناس أفواجا فى الإسلام فكثير منهم لم يقبلوا الحجج والبراهين والمعجزات التى ظل الإسلام يسوقها طوال أكثر من عشرين عاما لكنهم فهموا فى لحظة الانجاز العملى الكبير على أرض الواقع وهو فتح مكة ثم إسلام الطائف.
وقبل أن نختم هذا التحليل ينبغى أن نشير لإشكاليتين قد تردان على ما طرحناه وهما:
أولا- سيقول قائل كيف نحقق انجازا فى ظل هذا السواد الذى يلف الأمة الإسلامية ويتسلط عليها فلا يدع لها مجالا للإنجاز، فدعوتك إما انها خيال أو أنها مثالية وغير قابلة للتحقيق؟؟!! 
والواقع أن مقصودنا فى الإنجاز ليس إنجازا نهائيا أو استراتيجيا فقط ولكن مقصودنا هو عموم كلمة الإنجاز بما يشمل الإنجازات المرحلية المتعددة التى تمثل محطات صغرى من الإنجاز تصل بنا إلى الإنجازات الكبرى، وإذا كان رموز النوعية الأولى والثالثة من المغامرين الذين يقودون قطاعات من الأمة الإسلامية إلى المهالك قادرون على استيعاب العامة بإنجازات سطحها (ظاهرها) براق وجوهرها فارغ أفلا يمكن للمخلصين أن يحتوا العامة بإنجازات حقيقية مرحلية ويظهرون بريقها الحقيقى غير المزيف؟!؟!.
ثانيا- سيقول قائل: "لاينبغى أن ندعو الناس للإلتفاف حول الحق لأنه يقدم إنجازا ماديا بل ينبغى أن يأتوا للحق من أجل الحق نفسه".
وهذه الدعوى براقة وظاهرها مقنع للبعض ولكن هى فى حقيقتها خاطئة تماما ومخالفة لهدى النبى صلى الله عليه وآله وسلم فعلى سبيل المثال لا الحصر فقد رغب النبى صلى الله عليه وآله وسلم قريش (بل ورغب بمثلها أو نحوها كثير من العرب بمناسبات شتى) بأمر واقعى كى يدخلوا الإسلام وهو السيادة على العرب والعجم ففى حديث رواه أحمد وصحح اسناده احمد شاكر رحمه الله " مرض أبو طالبٍ فأتتْهُ قريشٌ وأتاهُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يعودُهُ وعند رأسِهِ مقعَدُ رجلٍ فقام أبو جهلٍ فقعد فيهِ فقالوا : إنَّ ابنَ أخيك يقعُ في آلهتنا قال : ما شأنُ قومِكَ يشكونكَ قال : يا عمِّ أُريدهم على كلمةٍ واحدةٍ تَدينُ لهم بها العربُ وتُؤدِّي العجمُ إليهم الجزيةُ قال : ما هيَ قال : لا إلهَ إلا اللهُ فقاموا فقالوا : أجعلَ الآلهةَ إلهًا واحدًا قال : ونزل : { ص وَالْقَرْآنِ ذِي الذِّكْرِ } فقرأ حتى بلغ { إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ }" ج 3 ص 314.
كما ان النبى صلى الله عليه وآله وسلم عندما كان يتحدث إلى الأنصار (الذن هم خير المسلمين قاطبة بجانب المهاجرين) ليرد على حزنهم بسبب إيثاره قريشا بغنائم حنين قال لهم ضمن ما قال "وكنتم لا تركبون الخيل" فهذا الإنجاز العملى الذى حققه لهم بأن حول جيشهم كله لفرسان بعد أن كانوا راجلين فقط قبل الهجرة كان مما ساقه لهم (بجانب إنجازات أخرى بعضها عملى وبعضها إيمانى) ليقنعهم بأن حزنهم ليس فى محله مما يدل على جواز بل وأهمية مخاطبة الناس مهما قوى إيمانهم أو ضعف بلغة الإنجازات العملية لأن كثير من الناس لا يفهمون إلا الشئون العملية فقط لأسباب عقلية فطرية أو نفسية كما أشرنا من قبل.
والأدلة من سيرته صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك كثيرة ومن تتبعها سيصنف منها كتابا متوسطا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

واقرأ أيضا

أبرز سمات عقلية الخوارج