تتوالى إجراءات التصعيد السياسى والإعلامى ضد قطر من محور السعودية- الإمارت العربية-مصر منذ عدة أيام، وهذا التصعيد يطرح التساؤلات حول مستقبل هذه الأزمة وقبلها حول ماهية الهدف من هذا التصعيد..
وفى البداية ينبغى أن نتفهم الهدف من هذا التصعيد، فالمحور المعادى لقطر كما هو معروف ومعلن قد عجز عن تحقيق أجندته تجاه ملفات سوريا واليمن وليبيا وحركة الاخوان المسلمين وإيران وغزة منذ أربع سنوات وحتى الآن، ويبدو أن هذا المحور شعر أن إجهازه على دور قطر المتنامى فى نفس هذه الملفات سوف يمكنه من تحقيق أجندته فى كل الملفات بسبب أن قطر تتحرك بأجندة معارضة لمحور "السعودية- الإمارات-مصر" فى كل هذه الملفات، وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال مهم وهو لماذا لا يوجه هذا المحور تصعيده ضد أى من إيران أوتركيا لأن كلاهما يتحرك بأجندة معارضة لهذا المحور فى جميع الملفات أيضا؟؟
والاجابة بسيطة، فقطر أضعف حلقة فى القوى الإقليمية بإقليم الشرق الأوسط الآن، لقلة عدد سكانها وبالتالى صغر حجم جيشها وملاصقتها لكل من السعودية والإمارات وخفة وزنها السياسى والاستراتيجي بالنسبة للولايات المتحدة عن كل من إيران وتركيا، فضلا عن العامل النفسى الطبيعى وهو رغبة السعودية فى ألا يخرج أحد من دول الخليج عن نفوذها وتوجهاتها بالاضافة إلى العداء التاريخى بين قطر والإمارات لرفض قطر للانضمام لاتحاد الإمارات منذ تأسيسه.
وبهذه السطور فقد وصلنا إلى السؤال الأهم وهو ما مستقبل هذه الأزمة؟
الوضع الاقتصادى لقطر وعلاقاتها الجيدة بقوى دولية كبرى كروسيا والصين واوروبا (فضلا عن امريكا قبل ترامب) وعلاقاتها الجيدة بقوى إقليمية كبرى مثل إيران وتركيا وباكستان، كل هذا يجعل من المقاطعة الحالية من المحور المنافس لها مجرد ضغط إعلامى وسياسى يمكن تحمله إذا قررت القيادة القطرية أن تتحمله ولم تستجب لمطالب المحور السعودى/الإماراتى.
وهنا ما الذى عساه يكون متاحا للمحور السعودى تجاه قطر؟؟
سيتاح للمحور السعودى ثلاثة خيارات:
-تجميد الوضع على ما هو عليه مع استمرار الهجوم الإعلامى على قطر معتبرين أن هذا ضغط سياسى كافى.
-التراجع لشعورهم أن قطيعتهم غير مجدية ومن ثم اللجوء لحل ما ينهى الأزمة.
وهذان الخياران لن يضرا قطر كما أن الخيار الأول سيضيف قطر إلى قائمة أعداء وخصوم السعودية ومحورها وهى قائمة طويلة تضم منذ وقت طويل إيران وحلفائها وحركة الاخوان المسلمين وأنصارها والتنظيمات الجهادية الدولية كالقاعدة وداعش وغيرها.
وهناك خيار ثالث للمحور السعودى وهو خيار صعب محفوف بالمخاطر بل يكاد يكون مستحيلا، ويتمثل فى أن يتم التصعيد أكثر ضد قطر ليصل لفرض حصار عسكري بحريا ضد قطر أو غزوها بدعوى أن هناك انقلابا داخليا فى قطر نفسها ولكن هذا أمر شديد الصعوبة بل قد يصل لحد الاستحالة لأنه يستلزم أولا ضوءا أخضر ولو سريا من الولايات المتحدة الأمريكية وهذا صعب بسبب علاقات قطر القوية بالولايات المتحدة كما أنه حتى لو حصل المحور السعودى على ضوء أخضر كهذا فهو لا يكفى ، لأن أميركا لا تنفرد بقيادة العالم فهناك قوى دولية كبرى عدة ومنها روسيا والمانيا والصين وفرنسا كقوى دولية كبرى لها قواتها فى كل البحار ثم هناك قوى إقليمية مهمة بالمنطقة ذات ثقل سياسى واستراتيجى كبير وهى إيران وتركيا ومعروف موقفهما المعادى للمحور السعودى (باستثناء علاقات سعودية تركية سادها الفتور مؤخرا)، فماذا ستفعل بحرية المحور السعودى لو حملت سفنا البضائع لقطر وكانت ترفع علم أحد هذه القوى الكبرى الدولية أو الإقليمية هل يمكن لها أن تتصدى لسفن دول من هذه المذكورة؟؟ بالطبع لا لأن ذلك سيخلق لها أزمة كبرى غير محمودة العواقب، كما أن قطر لايمكن استصدار قرارات ضدها فى مجلس الأمن لأن الفيتو الروسى والصينى سيكونان فى خدمتها وسيمنع أى قرار ضدها.
وهناك تقارير صحفية تركية ذكرت أن تركيا سترسل قوات للتمركز فى قطر يتراوح تعدادها من ألفين إلى خمسة ألاف جندى.
ومن هنا فبمرور الساعات والأيام تزداد صعوبة موقف المحور السعودى عمليا لأن هذا المحور اقترب من استنفاذ كل السهام التى يملكها تجاه قطر ومن ثم سيصبح وهو لا يملك شيئا ليطلقه ضد قطر وبالتالى سيصاب موقفه بالجمود وحينئذ ستتدهور معنويات هذا المحور لأنه سيشعر هو وأنصاره وقتها بألا جدوى مما فعلوه ويفعلوه اللهم إلا مزيدا من الخسائر والاستنزاف للموارد الإقتصادية والسياسية التى يملكها المحور السعودى.
وسيتضاعف الأسى والشعور بالفشل لدى السعودية وحلفائها مع تفاقم فشلها فى سوريا واليمن والعراق وليبيا وغزة بينما يكسب خصومها وحلفاؤهم بنفس المناطق أو على الأقل سيحافظ خصوم السعودية فى هذه المناطق على استزاف مواردها هى وحلفائها مع جمود الوضع فى ساحات المعارك بكل من ليبيا واليمن وسوريا وغزة مع التمكن والانتصار الكامل لإيران فى العراق.
وعندما يصل قادة المحور السعودى لهذه الحالة فبعدها بقليل سيتحول الموقف فى ساحات الصراع كلها حتما لصالح خصوم محور السعودية لتنهار أوراق هذا المحور فى كل من سوريا واليمن وليبيا وغزة وربما البحرين.