ذكريات لقاءاتى مع الشيخ عبد المجيد الشاذلى رحمه الله (1 من 3)

بقلم عبد المنعم منيب | 17 سبتمبر, 2016
أحد حواراتى مع الشيخ عبد المجيد الشاذلى
أحد حواراتى مع الشيخ عبد المجيد الشاذلى

فى آواخر عام 2010 أو أوائل 2011 جاءنى "إميل" من موقع فضيلة الشيخ عبد المجيد الشاذلى على الويب وطلب منى أن أرسل لهم رقم تليفونى كى يتواصلوا معى، ولم أكن متابعا للموقع قبل هذا الإميل، وأرسلت تليفونى لهم ولكن يبدو أن تليفونى كان يتعطل من حين لآخر وقتها، فلم يتم التواصل ثم بعد ثورة 25 يناير 2011 بفترة قصيرة جدا، تجدد التواصل بالإميل، إذ حادثنى الأخ بأن رقمى لا يعمل فرددت عليه بالميل فى الحال، وقلت له اتصل الآن، فاتصل ورددت عليه، واتفقنا على أن أزورهم بالإسكندرية، فى موعد محدد للقاء الشيخ عبد المجيد الشاذلى رحمه الله، وذهبت فى الموعد المحدد والتقيت الشيخ عبد المجيد الشاذلى بمنزله فى الإبراهيمية لأول مرة فى حياتى، وأظن أن اللقاء كان فى الربيع أو أول صيف 2011.

 

كنت اطلعت على كتاب الشيخ "حد الإسلام" فى 1988 على ما أذكر كما كتبت عن تاريخ الجماعة التى أسسها وقادها، فصلا فى كتابين من كتبى (صدرا فى 2009 ثم 2010)، ورغم هذا لم أشرف بمقابلة الشيخ رحمه الله حتى لحظة هذه الزيارة.

 

فتح الشيخ عبد المجيد الشاذلى رحمه الله لنا باب شقته وكانت أول مفاجأة أن صحته عليلة ويتحرك بعناء ومع هذا فتح لنا الباب بنفسه وقادنا إلى غرفة الصالون وجلس معنا وكان هناك زائر آخر  يزور الشيخ بنفس الوقت ، وكان معنا اثنان من الأخوة واتضح لى من هذا اللقاء واللقاءات التالية أنهما تحديدا كانا مساعدين للشيخ فى شئونه الإدارية ورغم وجودهما فقد كان الشيخ عبد المجيد الشاذلى رحمه الله يحرص على إحضار المشروبات لنا بنفسه من المطبخ ونحو  هذا رغم إلحاح الأخوة عليه بالمساعدة.

 

ثم جاءت المفاجأة الثانية وهى أن الشيخ عبد المجيد الشاذلى رحمه الله وافق على هذه المقابلة لأنه يريد أن يستنصحنى فى عدد من الشئون السياسية والإعلامية ويعرف رؤيتى فيها واستمع بإنصات واهتمام طالبا من أحد الحاضرين كتابة ما يجرى من كلام، وعرفت بعد هذا من أحد الأخوة أن بداية معرفة الشيخ عبد المجيد الشاذلى رحمه الله بى هى أنه قرأ مقالا لى بعنوان "كرة القدم.. والتعبئة السياسية الإسلامية الغائبة" كنت نشرته بموقع الإسلام اليوم (وكذلك في مدونتي الشخصية) فى فبراير 2010 وعلمت من الأخ أنه قال لهم وقتها أريد أن ألتقى بهذا الأخ، لأن هذه القضية بالغة الأهمية، ونحن والإخوان المسلمون نعمل منذ عشرات السنين ولم نتمكن من حل هذه الإشكالية.

 

وتوالت المفاجآت فى لقائى هذا وما تلته من لقاءات عديدة مع الشيخ عبد المجيد الشاذلى رحمه الله، فرغم حرصه على الاستماع لأرائى السياسية والإعلامية باستمرار حتى وفاته رحمه الله إلا أنى وجدته بحرا فى المعرفة السياسة والاستراتيجة والاقتصادية بجانب التاريخ المعاصر طبعا، كنت قبل أن أقابله أعلم أنه عالم فى العلوم الشرعية خاصة فى العقيدة وأصول الفقه، ولكن كان مفاجئا لى أن وجدته متبحرا فى السياسة والاستراتيجيات السياسية والاقتصاد والتاريخ الحديث والمعاصر ولقد أدركت هذا من خلال نقاشى الكثير معه فى هذه الجلسة وبعدها جلسات عديدة واتصالات تليفونية حتى وفاته رحمه الله.

 

ومن مفاجآت هذه الشخصية الفذة تواضعه الجم سواء مع شخص غريب عليه مثلى أو مع تلامذته الذين يدينون له بالفضل والولاء فتجده يجلس مع الجميع ويستمع ويناقش بكل تواضع وكأن الجميع نظراء أو زملاء له وليسوا تلامذة، وحتى معى وأنا لست تلميذا له فإنى أدرك جيدا أنه عالم ذو كعب عالٍ فى كل هذه الفروع من العلم وكان يمكننى أن أتقبل منه بعض الاعتزاز  بالذات أو قليلا من الفخر والإعجاب بالرأى أو على الأقل يتعامل بقدر من الحواجز معنا، ومع غيرنا، كما يفعل كثير من الرموز المشهورة المنتسبة لجميع التيارات الإسلامية، لكن الرجل رحمه الله لم يكن لديه ذرة من هذا كله، وهذا كله جاء برغم أن وضعه الاجتماعى ظل مرموقا بالمقاييس الدنيوية حتى وفاته.

 

فى إطار متابعتى للعمل الإسلامى بالعالم كله وتأملاتى الكثيرة حوله فإنى أجزم بأن من يملكون رؤية وفهما سياسيا واستراتيجيا راقيا بالمقاييس العلمية المعاصرة من بين العاملين فى إطار العمل الإسلامى هم قلة قليلة جدا فى العالم كله (وهذا التقدير لا يشمل أساتذة الجامعات غير المنخرطين عمليا فى العمل الإسلامى) وأشهد أن من بين أبرز هؤلاء القلة كان الشيخ عبد المجيد الشاذلى رحمه الله، كما أن الشيخ رحمه الله تميز بشىء زائد ربما لا تجده إلا في عدد قليل من قادة الحركات الإسلامية وهو امتلاكه لتصور اقتصادى إسلامى متكامل لنهضة الدولة، فأنا راقبت الأداء الاقتصادى والبرامج الاقتصادية للعديد من الإسلاميين وناقشت العديد من القادة الإسلاميين المرموقين (بجلسات خاصة غير منشورة) فلم أجد أحدا لديه برنامجا اقتصاديا إسلاميا يضاهى أو حتى يقترب من مستوى ما طرحه الشيخ عبد المجيد الشاذلى، بل هناك قادة مشهورون جدا وجدتهم ليس عندهم أدنى فكرة عن "الاقتصاد الإسلامى الكلى" ولو ذكرت أسماء فسوف يصدم القراء كما أننى لا أريد أن أصرح بانتقاص أشخاص بعينهم.

 

تحيرت من أين أتى بهذه الرؤية العميقة والمتكاملة والمنضبطة بالشرع فى الاقتصاد الكلى والنهضة الاقتصادية، وتبين لى من البحث والتأمل أن بعضا من أصول هذا التصور الاقتصادى تلقاها من الأستاذ سيد قطب رحمه الله بينما اجتهد ودرس وأكمل وطور التصور الاقتصادى بنفسه.

 

يحلو لبعض خصوم الشيخ عبد المجيد الشاذلى رحمه الله بل وبعض أنصاره أن يختزلوا أهميته وأطروحاته فى كتبه التى ألفها فى العقيدة ولكن أنا أرى أن هذا خطأ رغم أن أغلب ما صدر له من كتب هى كتب عقيدة، لأن ما ساقه الشيخ الشاذلى من عقيدة هو عقيدة أهل السنة كما هى فى جميع كتب أهل السنة من لدن السلف الصالح وحتى اليوم، وحتى التركيز على عدم عذره بالجهل فى الاعتقاد وإبراز هذا الأمر ليهلل له الأنصار ويطعن فيه الخصوم هو أمر غير ذى أهمية من وجهة نظرى لأن علماء الدعوة الوهابية وإلى الآن وعلى رأسهم مشهورون كابن باز رحمه الله هم أيضا لا يعذرون بالجهل فى الاعتقاد، ومن هنا فأنا أرى وأصر على أن أهمية وتميز الشيخ الشاذلى هو فى مجال أطروحاته السياسية والاستراتيجية والاقتصادية الإسلامية لأن هذه المجالات لم يسهم فيها الإسلاميون بقدر مناسب كمًا ونوعًا، كما أن ما طرحه الشيخ فى هذا المجال لا يشبه غيره مما طرح.

وللحديث بقية إن شاء الله.

الحلقة الثانية

الحلقة الثالثة