كيف كانت مصر عشية 1952 ولماذا أخذ العسكر الحكم وما دور أمريكا في الانقلاب؟ (1)

بقلم عبد المنعم منيب | 3 أغسطس, 2016
الملك فاروق
الملك فاروق

كانت مصر عشية عام 1952 مهيئة موضوعيا للثورة، فهى محتلة من الامبراطورية البريطانية العجوز التى خرجت من الحرب العالمية الثانية محطمة ومثخنة بالجراح، وكان فساد الملك فاروق قد انتبه له أغلب عقلاء الشعب رغم محاولات الملك المستمرة للتمرد على الاحتلال البريطانى، وكان الشعب قد فقد الثقة فى الأحزاب التقليدية القائمة بما فيها حزب الوفد الذى كان سابقا له شعبية كاسحة وكان يمثل أمل الكثيرين، فأغلب الأحزاب كانت تابعة للمك واستبداده كما كانت فاسدة فى نفسها، أما الوفد فقد انكشف ولاؤه للاحتلال بعد حادثة 2 فبراير 1942 عندما أذل الوفد الملك بحراب الانجليز تلبية لرغبة بريطانيا العظمى، كما انكشف فساد الوفد وولعه بالسلطة بشكل مطرد منذ هذه الحادثة، هذا كله على المستوى السياسى.

أما على المستوى الاقتصادى والاجتماعى فقد كان 2% من الملاك يملكون 98% من الأراضى الزراعية بمصر (وكانت الأراضى الزراعية وقتها هى رأس المال الرئيس بالبلد) بينما كان 98% من الملاك يملكون 2% فقط من الأراضى، وكان القطاع المصرفى كله تقريبا مملوكا للأجانب وكذلك أغلب المؤسسات التجارية والصناعية الكبرى كانت مملوكة للأجانب، وكان التعليم حكرا على من يملك المال لأن التعليم لم يكن مجانيا، كما كانت المدارس قليلة ولم يكن هناك سوى جامعة واحدة هى جامعة القاهرة (وقتها كان اسمها جامعة فؤاد الأول) وإن لحقت بها جامعتان أخرتان للتو هما جامعة فاروق الأول (عين شمس حاليا) والاسكندرية.

ولم تكن أحوال الصحة بأحسن حالا فقد كانت المستشفيات نادرة، كما كانت عملية الرعاية الصحية مكلفة ولا تتم إلا لمن يملك مصاريفها وهم نسبة ضئيلة من الشعب.

نحن الآن بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وقد انتهت قدرة القوى العظمى القديمة بريطانيا وفرنسا (فضلا عن ألمانيا وايطاليا) وصعدت قوة الاتحاد السوفيتى قائد الماركسية وقوة الولايات المتحدة كقائدة للقوى الرأسمالية بالعالم، لم تعترف فرنسا وبريطانيا بتخلفهما بعد عن مصاف القوى الأولى بالعالم (سنرى أنهما لم يقنعا بالرجوع للصف التالى لأمريكا إلا بعد إنذار الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى ضدهما ابان العدوان الثلاثى على مصر 1956)، وفى ظل هذا الوضع الدولى الجديد قررت الولايات المتحدة أن تنغمس بنفوذها فى أقاليم العالم المختلفة بما فيها إقليم الشرق الأوسط وبالطيع يأتى على رأس دول هذا الإقليم مصر، فجاءت بعثة من عناصر الـ CIA الى مصر لدراسة الوضع، وكتبت تقريرها.. "شعب مصر مهيأ حاليا لثورة تطيح بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحالية ولا أحد مهيأ لقيادة مثل هذه الثورة سوى قوتين هما الماركسيون والاخوان المسلمون".

 طبعا الأمر كان خطيرا للولايات المتحدة فهى فى صراع كونى مع الماركسية التى يقودها الاتحاد السوفيتى، وقيام الماركسيين المصريين بالثورة معناه تحول مصر الى النفوذ السوفيتى بما يضعف الاستراتيجية الدولية الأمريكية فى صراعها مع السوفيت، كما أن الاخوان هم متطرفون بحسب التصنيف الأمريكى حينئذ فأمريكا لا تريد عودة الحكم الاسلامى بعد قضاء الغرب على السلطنة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى.

ووضعت المخابرات الأمريكية خطة لتلافى ثورة ماركسية أو إسلامية فى مصر، وتقوم هذه الخطة على "تلميع" الملك فاروق أمام الشعب ودفعه للقيام بثورة يقودها هو ضد الأحزاب وضد أصحاب الأموال وملاك الأراضى مستخدما ضباط جيش شباب، فيلغى الأحزاب ويصادر الأراضى ويوزعها على الفلاحين ويجعل التعليم مجانيا، ويقوم باصلاحات اجتماعية ضد الفقر، ويطرد البريطانيين ويحكم البلاد كملك مستبد بدعوى فساد الأحزاب (ويكون تابعا فى السر للأمريكان طبعا).

وحاول ضباط المخابرات الأمريكية مقابلة الملك لاقناعه بهذه الخطة وإخباره أنه بفعله هذا سيكون قد ضرب واحتوى شعارات الماركسيين والإسلاميين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ويكسب تأييد الشعب وذلك كله بظل المساندة الأمريكية، ولكن الملك كان مشغولا دائما بالقمار والنساء فلم يعطهم إلا موعدا بعيدا وعندما حان الموعد كان هذا الموعد فى ملهى ليلى كان يحب الملك السهر فيه دائما وهو ملهى "الأوبرج" بشارع الهرم وكان الموعد بعد نهاية السهرة أى قبيل الفجر بقليل وعندما جلس ضباط الـ CIA مع الملك وبدأوا فى شرح الخطة له فوجئوا بأنه غط فى نوم عميق وعلا صوت شخيره لأنه كان سكران "طينة"، وهنا قرر ضباط الـCIA الاجتماع مع جمال عبد الناصر ورفاقه بعد أن كانوا يماطلونه منذ فترة...

وهذه قصة اخرى سنتابعها معكم فى الحلقة القادمة إن شاء الله.