ثورة 23 يوليو و الديمقراطية

بقلم عبد المنعم منيب | 23 يوليو, 2008
جمال عبد الناصر
جمال عبد الناصر

"إقامة حياة ديمقراطية سليمة" كانت هدفا من الأهداف الستة التي أعلنت ثورة 23 يوليو1952م أنها قامت من أجل تحقيقها, فهل حققت الثورة هذا الهدف؟؟ و إن كانت حققته فلأي مدى حققته؟؟ و إن كانت لم تحققه فلماذا لم تحققه؟؟

قد يحلو للبعض في هذا السياق أن يحلل الأفكار النظرية لثورة يوليو و يبحث عن موضع الديمقراطية فيها, و قد يستشهد البعض بأقوال جمال عبد الناصر في أوائل الستينات التي أشار فيها إلى أن الثورة لم يكن عندها نظرية, وقوله " انا بأقول إني ماكنتش مطلوب مني ابدأ في يوم 23 يوليو اني اطلع يوم 23 يوليو معايا كتاب مطبوع واقول ان هذا الكتاب هو النظرية. مستحيل. لو كنا قعدنا نعمل الكتاب ده قبل 23 يوليو ماكناش عملنا 23 يوليو لأن ماكناش نقدر نعمل العمليتين مع بعض". لكن في حقيقة الأمر أن السير في تناول موضوع ثورة يوليو و الديمقراطية على هذا المنوال هو سير في طريق رسمه عبد الناصر ليخفي به حقيقة أهدافه و تصوراته, و هو ما ينافي الموضوعية في تناول الموضوع.لقد إدعى الثوار في كل أحاديثهم و تصريحاتهم العمل من أجل الديمقراطية غير أن هدف "إقامة حياة ديمقراطية سليمة" الذي أعلنوه انطوى في حد ذاته على نقد مبطن للديمقراطية التي كانت قائمة قبل الثورة, كما انطوى طرح الهدف بهذه الصيغة على الإشارة أن للديمقراطية مفهوما محددا لدى الثوار مختلفا عن المفهوم السائد عبرت عنه الأهداف الستة بجملة "حياة ديمقراطية سليمة".

إذن ما هو المفهوم الخاص بالديمقراطية الذي كانو يتبنونه؟؟؟بداية لابد أن نلاحظ أن ثوار يوليو لم يكن لهم مفهوم محدد للديمقراطية أو أي تصور نظري محدد و مفصل لأي من القضايا السياسية أو الإقتصادية أو الإجتماعية سواء منها ما انتظمته الأهداف الستة أو غيرها, و قد عبر عن ذلك عبدالناصر في أكثر من مناسبة بما في ذلك مقولته المذكورة في بداية المقال, إذن فعن ماذا كانت تعبر ثورة يوليو؟؟لقد عبرت ثورة يوليو عن رد فعل مضاد على الأوضاع البائسة و الفاسدة التي كانت سائدة في حياة مصر السياسية و الإقتصادية قبل 23 يوليو 1952م, لقد كره الجيش الوفد بسبب حادثة 22 فبراير 1942م و بسبب الفساد الذي ساد دوائر الوفد العليا, كما كره الجيش و الشعب الأحزاب و الحياة الحزبية بسبب الفساد و التزوير و المحسوبية التي سادت في ذلك الوقت, كما أمل الجيش و الشعب في أن تدخل مصر في مرحلة جديدة من تاريخها بعد ثورة 23 يوليو 1952م, و بذا بدا لدى الأغلبية من الجيش و الشعب و القوى السياسية العقائدية الصاعدة (الإخوان المسلمون و الشيوعيون و مصر الفتاة) أن أي إجراءات جديدة تتخذها الثورة كبديل عن الأوضاع السابقة ستكون أفضل من الأوضاع السابقة كما إتفق الجميع على حتمية عدم الرجوع للأوضاع السابقة قبل 23يوليو 1952م.

و من هنا كان يمكن لقادة الثورة فعل أي شئ جديد دون معارضة تذكر.

كان هناك خالد محي الدين الوحيد من مجلس قيادة الثورة الذي دعا لإقامة حياة ديمقراطية و نيابية سليمة لكنه لم يسانده أحد و سرعان ما أجبر على الإستقالة من المجلس و الإنتقال للمنفى الإختياري في سويسرا, كانت حجة عبدالناصر و من على رأيه في رفض إقامة نظام حكم مدني ديمقراطي سليم هو أن ذلك سيعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 23 يوليو, و هكذا إندلعت أزمة مارس المشهورة و حرك عبدالناصر مظاهرات مأجورة تدعو بسقوط الديمقراطية.

و مع ذلك ظلت الديمقراطية هي قميص عثمان لدى الثوار, فعندما اختلف محمد نجيب مع عبدالناصر والثورة رفع نجيب شعار الديمقراطية لكن نجيب تمت إزاحته و حبسه (نوفمبر 1954م), و عندما إختلف البغدادي مع عبدالناصر رفع أيضا شعار الديمقراطية و أزيح أيضا (1964م), و عندما إختلف عبدالحكيم عامر مع عبدالناصر إثر هزيمة يونيو 1967م رفع شعار الديمقراطية, لكنه أزيح أيضا.

و هكذا و رغم كل شيئ فقد تمكن عبدالناصر من التخلص من كل زملائه (بعدما تخلص من الإخوان و الشيوعيين) و الإستئثار بالحكم حتى يوم وفاته فكيف تم هذا و ما علاقة هذا بالديمقراطية؟؟

في البداية لم يكن جمال عبدالناصر منفردا بالقرار و ذلك بحكم وجود معارضة و منافسة لدوره داخل مجلس قيادة الثورة و لكن دور عبدالناصر ما لبث ان تبلور تدريجيا بعد خروج العناصر المناؤة له من المجلس و رسوخ سلطته السياسية و بالذات بعد أن جمع بين منصبي رئيس مجلس قيادة الثورة و رئيس مجلس الوزراء في ابريل 1954م و من ثم بدأ عبدالناصر يلعب دورا رئيسيا في إتخاذ القرارات السياسية تصل إلى حد الإنفراد بالقرار, فعلى سبيل المثال قرر بمفرده الإتصال بالإتحاد السوفيتي عن طريق الصين الشعبية لطلب شراء أسلحة في ابريل 1955م دون ابلاغ مجلس قيادة الثورة و اكتفى بإبلاغ المجلس و الحصول على تأييده بعد أن تمت الإتصالات بالفعل.

و قد حدد الإعلان الدستوري الصادر في 10فبراير 1953م فترة انتقالية قوامها 3 سنوات لإنتخاب رئيس الجمهورية و إصدار دستور دائم و ناقش مجلس قيادة الثورة شكل النظام السياسي الجديد منذ أغسطس 1955م و إتجه أعضاء المجلس لإعطاء عبدالناصر دورا قياديا نهائيا في النظام الجديد, و كان الإتجاه الغالب في المجلس هو أن تنتقل السلطة إلى عبدالناصر و في هذا الصدد عارض عبدالناصر الرأي الذي طرحه عبداللطيف البغدادي بتحويل مجلس قيادة الثورة إلى مجلس جمهوري و أن تتشكل السلطة التنفيذية من وزارة مدنية اللهم إلا إذا كانت سلطة المجلس الجمهوري ذات طابع رمزي و قد طالب أيضا بإنشاء سلطة تنفيذية قوية من بعض اعضاء المجلس, و قد أيد معظم الأعضاء تفويض عبدالناصر في وضع أسس النظام الجديد, و بذا اجمع المجلس على أن عبد الناصر هو الذي يعلن النظام الجديد و يعتبر مسئولا عنه مسئولية كاملة.

و قدم عبدالناصر مشروع الدستور إلى مجلس قيادة الثورة في يناير 1956م وتم قبوله, و انتخب عبدالناصر رئيسا للجمهورية في يوليو 1956م, و بذا تغير هيكل القيادة تغيرا كاملا فقد انتهى عهد السلطة الجماعية لمجلس قيادة الثورة و أصبح كل عضو من اعضائه الذين إختارهم عبدالناصر للعمل معه مسئولين أمامه مسئولية فردية عن العمل المنوط بكل منهم, و أصبح عبد الناصر الزعيم المطلق فقد أعطاه الدستور الجديد الصادر عام 1956م سلطات سياسية خيالية.

فالمادة 131 من الدستور تقرر أن رئيس الجمهورية يضع بالإشتراك مع الوزارة السياسة العامة للحكومة في جميع النواحي السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و الإدارية و يشرف على تنفيذها أي أن الرئيس يضع و ينفذ السياسات العامة. كما أعطته المادة 132 حق إقتراح القوانين و الإعتراض عليها و إصدارها. و أعطته المادة 135 سلطة لإصدار قرارات تكون لها قوة القانون فيما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة أو في فترة حله.

و أجازت المادة136 لرئيس الجمهورية في الأحوال الإستثنائية بناء على تفويض من مجلس الأمة أن يصدر قرارات لها قوة القانون.

كما أعطته المادة 137 سلطة إصدار القرارات اللازمة لترتيب المصالح العامة و الإشراف على إدارتها.

هذا بالإضافة إلى سلطة إصدار لوائح الضبط و اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين و ذلك ما تضمنته المادة 138.أما المادة 143 فقد أعطته سلطة إبرام المعاهدات.

و أعطته المادة 144 سلطة إعلان حالة الطوارئ. و أعطته مادة 146 سلطة تعيين الوزراء و إعفائهم من مناصبهم.

كما أن الدستور قرر اجتماع الرئيس مع الوزراء في هيئة مجلس وزراء لتبادل الرأي في الشئون للحكومة و تصريف شئونها حسب المادة 147, و هذا يعني أنهم ليس لهم اختصاص نهائي في تلك المسائل لأن ذلك معقود لرئيس الجمهورية فالرئيس يتبادل الرأي مع مجلس الوزراء و يمارس الإختصاصات التنفيذية بنفسه و هو في ذلك لا يحتاج إلى توقيع الوزراء على القرارات التنفيذية كى تكون نافذة.

و من ناحية أخرى أعطى الدستور الرئيس حق دعوة مجلس الأمة إلى الإنعقاد و فض دورة انعقاده كما أعطاه حق حل المجلس و في المقابل لم يعط للمجلس إلا حق إبداء رغبات أو إقتراحات للحكومة في المسائل العامة حسب المادة 92 من الدستور, أو طرح موضوع عام للمناقشة لإستيضاح سياسة الحكومة في شأنه أو تبادل الرأي فيه حسب المادة 91.

و فضلا عن كل هذه الصلاحيات الدستورية الواسعة جدا فإن مسائل السياسة الخارجية و الأمن القومي كانت مستثناة فعليا من اعمال المجلس حسبما ذكر عبدالناصر في محادثات الوحدة مع سوريا و العراق عام 1963م.

و في إطار مجلس الوزراء كان العسكريون من أعضاء مجلس قيادة الثورة الذين إختارهم عبدالناصر للعمل معه كوزراء في المجلس الذي تشكل برئاسته يشكلون الحركة المركزية لإتخاذ القرار حول عبدالناصر فبحكم صلتهم السابقة بعبد الناصر كان لهؤلاء العسكريين السابقين علاقات أوثق بعبد الناصر كما شغلوا الوزارات الرئيسة و أشرفوا على أعمال الوزراء المدنيين حسبما ذكر سيد مرعي, بيد أن دور هؤلاء العسكريين في مجلس الوزراء و في عملية إتخاذ القرار لم يكن يعني بالضرورة مشاركتهم الفعالة لجمال عبدالناصر في اتخاذ القرارات, فلم يكن لأي منهم مكانة تمكنه أن يكون مشاركا بشكل حقيقي في صنع القرارات.

و على سبيل المثال لا الحصر فإن رفاق عبد الناصر لم يعرفوا بقرار تأميم قناة السويس إلا لحظة الإعلان عنه يوم 26 يوليو 1956م. و هكذا انفرد عبدالناصر بالحكم و تخلص من كل زملائه حتى مماته, فما علاقة هذا كله بالديمقراطية؟؟؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الموضوع نشر في جريدة الدستور الورقية بالعدد الأسبوعى، و أيضا في المدونة القديمة، 2008-07-23