ماذا لو امتلكت ايران سلاحا نوويا ؟

بقلم عبد المنعم منيب | 21 فبراير, 2009
السلاح الاستراتيجي الايراني
السلاح الاستراتيجي الايراني

تحذر التقارير الصحفية و التحليلات السياسية سواء منها الغربية أو العربية من امتلاك ايران للسلاح النووي, و تصوره كأنه مشكلة المشاكل المعاصرة ذات الخطر على الأمن الدولي و الاقليمي على حد سواء.

و رغم أن امتلاك ايران لأسلحة نووية سيعطيها قوة و ميزة استراتيجية كبرى ازاء العالم و كذلك ازاء الاقليم الذي تقع فيه الا ان تصوير خطر السلاح النووي الايراني على العالم و على المنطقة العربية مبالغ فيه لأسباب كثيرة و قبل أن نتعرض لأسباب هذه المبالغة لابد أن نعرض لأثر السلاح النووي الايراني المرتقب على المنطقة العربية و العالم على حد سواء:

أولا- أثر السلاح النووي الايراني على المنطقة و العالم

1- أثر السلاح النووي الايراني على المنطقة العربية:

تصور التقارير المختلفة أن امتلاك ايرن للسلاح النووي سيؤدي لاستباحتها المنطقة العربية لا سيما ان منطقة الخليج المجاورة لها مباشرة منطقة رخوة استراتيجيا, و في الحقيقة فان امتلاك ايران للسلاح النووي و تسابقها في مجال التسلح لخلق توازن عسكري مع كل من اسرائيل و الغرب -الذي تملأ قواعده مياه الخليج و البحر الحمر وخليج عدن و المحيط الهندي- هذا التسابق سيؤدي على المدى المتوسط و البعيد الى اضعاف ايران و انهيار نظامها السياسي الحالي ما لم يطور من نفسه و يوازن في سياساته العامة بين متطلبات التسلح و متطلبات التنمية الاقتصادية و البشرية والتكنولوجية.

أما ان أصر النظام الايراني الحالي على استراتيجياته الحالية في ادارة الدولة فسوف يكون مصيره أسوا من مصير الاتحاد السوفيتي السابق. و لا شك انه لاخطر على المنطقة العربية بعامة و الخليج بخاصة من التسلح الايراني سواء على المدى القريب أو المدى البعيد, ليس بسبب الوجود العسكري الدولي في المنطقة و لا للأهمية الحيوية التي تمثلها المنطقة للعالم بأسره بما في ذلك القوى الدولية النووية الكبرى الصاعدة مثل الهند و الصين, و لا لهشاشة الدولة الايرانية اقتصاديا و تكنولوجيا ليس بسبب ذلك كله فقط بل أيضا –و هو الأهم- لأن السلاح النووي ليس له التأثير الاستراتيجي أو التكتيكي الذي يدعيه المنظرون الاستراتيجيون التقليديون, و بعيدا عن الدخول في تفاصيل استراتيجية متخصصة فاننا يكفينا الاشارة إلى ان اسرائيل المتفوقة عسكريا نوويا و تقليديا على جميع العرب لم تستطع طوال سنوات عمرها الستين أن تفرض ارادتها السياسية على العرب اللهم الا بتخاذلهم عندما احتلت ما احتلت من أرض مازالت مستنزفة فيها عبر المقاومة الشعبية (السلمية تارة و المسلحة تارة) و عبر الحروب النظامية سواء حرب الاستنزاف 1968-1970 على الجبهة المصرية و 1973م على الجبهة السورية, أو الحروب النظامية المختلفة 1948 و 1973 و 1982 و 2006م و أخيرا حرب غزة 2009م, و لم تستطع اسرائيل طوال كل هذه الفترة أن تستعبد العرب كما تقتضي قوانين علم الاستراتيجية الكلاسيكية الخاصة بالتوازن العسكري و الردع النووي و نحو ذلك.

ما الذي غلب و ألغي هذه الكلاسيكات الاستراتيجية؟؟

انها الارادة العربية و الاسلامية, و هذه الارادة هي التي دفعت عدة دول عربية كبرى لتبني مبادئ استراتيجية جديدة للردع كي تحيد الرادع الاستراتيجي الاسرائيلي غير التقليدي و تمثلت هذه الاستراتيجيات العربية في الرادع فوق التقليدي و هو الأسلحة الكيماوية و البيولوجية بواسطة الصواريخ أرض أرض متوسطة المدى و التي يمكنها أن تنطلق من هذه الدول لتطال كل جزء من مساحة الكيان الصهيوني.

ثم أتت الحرب الأفغانية الروسية لتهزم المقاومة الأفغانية (و بمساندة المجاهدين العرب) أكبر قوة عسكرية برية نووية في العالم عبر حرب غير نظامية و تؤسس لمفاهيم استراتيجية جديدة سميت بعد الحرب الصومالية الأمريكية و عمليات القاعدة باسم "الحرب الغير متماثلة" او " الحرب الغير متناظرة".

و من هنا نخلص ببساطة إلى ان ايران المسلحة نوويا و المتفوقة عسكريا لن تستعبد لا الخليج و لا المنطقة العربية اذ يمكن لدول هذه المنطقة ردع ايران بالاعتماد على احدى استراتيجيتين أو حتى المزج بينهما و هما:

استراتيجية الرادع فوق التقليدي.

أو استراتيجية الحرب الغير متماثلة.

و نحن لا نحب أن تنشب حرب باردة بين العرب و ايران كما هو الحال مع دول أخرى أيا كانت الاستراتيجية التي ستعتمد عليها هذه الحرب, و لكننا أشرنا لهذا كله كي نثبت ان ما يسمى بالخطر الايراني سواء النووي او التقليدي هو مبالغ فيه بشكل كبير.

2- أثر السلاح النووي الايراني على اسرائيل:

و اذا كان هذا حال العرب مع إسرائيل و هم أضعف تسليحا منها فهل سيؤثر التسلح النووي الايراني على اسرائيل؟في الواقع أن تأثيره محدود اللهم الا على أحد الاتجاهات الاسترتيجية الذي يزعمون احيانا أنه موجود في اسرائيل و الذي يرى أن التخلص من الخطر الايراني غير ممكن الا بضرب ايران بقنبلة نووية أو بضربة تقليدية ساحقة تماثل في قوتها القنبلة النووية, أما غير ذلك فاسرائيل حساسة جدا تجاه الردع التقليدي وحده لأن مساحتها و عدد سكانها صغير لا يتحمل حربا حقيقة قوية تطال القلب الحيوي للدولة.

3- أثر السلاح النووي الايراني على العالم:

توجد دول كثيرة كبرى سيكون لتسلح ايران نوويا تأثيرا عليها و سنذكر فيما يلي كلا منها على حدة:

الهند: ستؤدي قوة ايران العسكرية بعامة و النووية بخاصة إلى اخلال التوازن العسكري في المنطقة لغير مصلحة الهند لأن ايران ستمثل عامل كبح للنفوذ و المطامع الهندية في المنطقة لا سيما أن الهند حليفة الغرب و اسرائيل و عدو لباكستان التي هي بدورها حليفة لدول الخليج, و قوة ايران ستخلق واقعا استراتيجيا جديدا يزيد خيارات التحالف الاستراتيجي أمام العرب و الباكستان, و ازدياد هذه الخيارات في حد ذاته مفيد استراتيجيا حتى و لو لم يتم استغلاله.

باكستان: ما قيل سلبا للهند ينقلب ايجابا بالنسبة لباكستان لا سيما و ان عامل الدين و محدودية المصالح الباكستانية هنا يلعبان لصالح عدم التنافس بين ايران و باكستان استراتيجيا و لا سيما و أن الصين منافس الهند اللدود هي حليف مهم لكل من باكستان و ايران, لكن أي توتر استراتيجي أو حرب باردة خليجية ايرانية قد ينعكس سلبا على العلاقات الايرانية الباكستانية .

الشرق الأقصى: ستكون القوة الايرانية مقيدة لتمدد قوى الشرق الأقصى (كالهند و الصين و اليابان و كوريا الجنوبية) استراتيجيا نحو الخليج ما لم تتحالف ايران مع أي من هذه القوى و تتقاسم معها النفوذ في ظل غيبة ارادة عربية استراتيجية, و خاصة في حالة الصين حليفة ايران.

روسيا: لا يهمها كثيرا التسلح الايراني لأنها تعرف أسراره جيدا و يمكنها االتغلب عليه بسهولة, كما أن قوة ايران النظامية بالنسبة لقوة الروس كشعرة بالنسبة لمجمل شعر ثور ضخم.

الاتحاد الأوروبي: هو أبعد عن التأثر بالقوة الايرانية باستثناء موضوع النفط الخليجي لكن التأثر الأكبر هو خوفهم على تآكل الهيمنة الأمريكية و الغربية على مقدرات المنطقة من ناحية و هو أمر مستبعد وكذلك خوفهم من الشعارات الايرانية الجوفاء التي تهدد بازالة اسرائل من الوجود, و كل الاستراتيجيين يعلمون جيدا أن ايران لن تفعل ذلك ليس فقط لأن النظام الايراتي برجماتي و له جسور مفتوحة مع الغرب بل و مع اسرائيل و لكن أيضا لأن ايران متأكدة و خائفة من رد الفعل الاسرائيلي و الأمريكي بل و الفرنسي الذي سيكون لاشك رد فعل نووي ساحق.

الولايات المتحدة: وما يقال عن أوروبا يقال عن الولايات المتحدة أيضا في هذا الشأن, لكن بقى ان نقول أن كل من اسرائيل و الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة قد يلجئان للتفاهم مع ايران و اقتسام النفوذ لو وجدوا صيغة مناسبة لذلك مع ايران بأن تخفض ايران مطامعها أما لو لم يجدى هذا الطريق فان الاحتواء القائم على الحرب الباردة سيكون هو سبيلهم مع ايران بالضبط كما فعلوا مع الاتحاد السوفيتي السابق.

ثانيا- أسباب المبالغة في الخطر الايراني الاستراتيجي

ترجع هذه الأسباب الى رغبة الولايات المتحدة و الغرب في استغلال هذا التخويف في دفع العرب لشراء الأسلحة الغربية لامتصاص عائدات النفط الضخمة من جهة و للضغط على العرب و الايرانيين نفسيا و الاستفادة من نتائج هذا الضغط في استراتيجياتهم المقبلة في المنطقة سواء ازاء الايرانيين أو ازاء العرب على حد سواء.

و على كل حال فالدول العربية الكبرى بالمنطقة كمصر و السعودية قد أعدت للأمر عدته لأن لديها مراكز استراتيجية متخصصة على مستوى عالي من الكفاءة و قد سبقت و خاضت هذه الأمور في مجال تحقيق الردع تجاه اسرائيل و أيضا ازاء ايران أيام الحرب العراقية الايرانية عندما اشترت وقتها السعودية صواريخ ريح الشرق من الصين و مداها 2300كلم في سرية تامة حينئذ.

و الخلاصة:

أن الخطر الايراني موجود لكنه خطر يسهل توقيه و الدول العربية الكبرى و تحديدا مصر و السعودية لديها القدرة و الخبرة لاتمام عملية التوازن الاستراتيجي معه و تحقيق الردع المناسب له لو أرادتا ذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــ

في المدونة القديمة 2009-02-21 

و كان الموضوع قد تم نشره في العديد من المواقع مثل موقعي العصر و المختصر و غيرهما.