التاريخ لا يعيد نفسه لكن الطبيعة البشرية ثابتة لا تتغير "و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه" (سورة الأنعام آية 28) كما أن سنة الله في الكون ثابتة لا تتغير "و لن تجد لسنة الله تبديلا" (سورة الأحزاب آية 62)
لذلك تتكرر نفس السلوكيات البشرية فتتشابه مع أسلافها ..
إذا أردت أن تفلسف الانحلال فستجد بغيتك في عقيدة الارجاء.
إذا أردت أن تفلسف الغلو فستجد بغيتك في عقيدة الخوارج و فرقهم.
إذا أردت أن تعلي من شأن عقلك و ترفعه فوق حاكمية نصوص الكتاب و السنة فتبنى عقيدة المعتزلة و فرقهم.
أما إذا أردت أن تدعي الوسطية فتشعر نفسك أنك متبع للسنة و أنك من أهلها و في نفس الوقت تقدم العقل على بعض نصوص الكتاب و السنة فعليك بعقيدة الأشاعرة قبل أن يرجع الإمام أبو الحسن الأشعري عنها.
لو أردت أن تعيش في روحانيات خرافية و تملأ عقيدتك بالأساطير فلديك التشيع بفرقه الكثيرة أما لو أردت ذلك مع خداع نفسك بأنك من أهل السنة الذين هم السواد الأعظم من المسلمين فاتبع التصوف و ادعي أنه على الجادة.
و في السياسة من تجبر و استبد و قمع و استكبر عن اتباع الحق سنجده كفرعون و هامان.
و في الأخلاق من انحل و أوغل في الانحراف الأخلاقي سيشبه قوم لوط أو أهل مدينة بومبي الايطالية أو غيرها مما مضى من الأمم المنحرفة.
و في التجارة من سار سيرة الجشع و استغلال المستهلكين فسوف يشبه نفسية أهل مدين..
و هكذا تتشابه نفسيات البشر عبر الزمن و بالتالي تتشابه سلوكياتهم و أحداث التاريخ التي يصنعوها و تنفذ فيهم سنة الله في خلقه .. "و لن تجد لسنة الله تبديلا".
فهناك خلطة من البشر الأخيار و الأوغاد .. هناك المنحلون و الصالحون و هناك المستبدون سياسيا و هناك المستغلون اقتصاديا و هناك الفقراء و المستضعفون .. و هناك العتاة المستكبرون و أتباعهم من عبيد السلطة و عبيد المال..عبيد الشهوات.
هناك تحالف السلطة و الثروة كتحالف فرعون مع قارون و هناك القمع و الظلم لخدمة السلطة و الثروة مثل هامان.
و هناك رؤوس أهل الأموال الذين يعاندون الحق كما عاند أهل مدين شعيبا عليه السلام.
فهم غرهم مالهم و أشعرهم بالسطوة بحيث لا يقبلوا تدخل أحد ليحد من ظلم هذه السطوة حتى لو كان المتدخل هو رسول من عند الله ينزل عليه الوحي.
هناك غرور المال و السلطة الذي دفع فرعون ليقول "أليس لي ملك مصر و هذه الأنهار تجري من تحتي" ، و هناك الاستهزاء بأهل الحق و السخرية من مكانتهم الاجتماعية البسيطة فقد قال فرعون " أم أنا أخير من هذا الذي هو مهين و لا يكاد يبين" كما سخرت قريش من الفقراء و الضعفاء أتباع النبي الكريم صلى الله عليه و آله و سلم و قالت له اطردهم لنجلس معك و نسمع لك.
هناك المنحلون الذين انغمسوا في شهواتهم انغماسا أسكرهم و أذهلهم فلم يشعرهم بما حولهم حتى غمرتهم نار العذاب و هم مقيمون على شهواتهم.. كما حدث لقوم لوط و أهل بومبي و غيرهم.
و هناك الصالحون الذين صابروا على الطاعة حتى آتاهم أمر الله و هم على طاعته تعالي مقيمون...فخلد التاريخ ذكرهم في صفحاته و خلد الله وجودهم في جنة الخلد مع النبيين و الشهداء و حسن أولئك رفيقا.
الجميع نفسياتهم هي هي منذ آدم و حتى قيام الساعة...
"و لن تجد لسنة الله تبديلا" (سورة الأحزاب آية 62)