بين أوباما وطالبان.. هل يحسم السلاح صراع الإرادات؟

بقلم عبد المنعم منيب | 5 سبتمبر, 2009
جنود الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان صورة أرشيفية
جنود الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان صورة أرشيفية

جرت الانتخابات الأفغانية مؤخرًا وسط آمال عريضة للتحالف الأوروبي الأمريكي في أن تسهم هذه الانتخابات، ليس فقط في تخفيف نزيف خسائرهم المتزايد، ولكن أيضًا في أن تسهم في إعادة صياغة الوضع الأفغاني عبر الإسراع بإنجاح المشروع الأمريكي الأوروبي في أفغانستان على النحو الذي سبق وخططه التحالف تحت مظلة قوات حلف الناتو.

فما هي آفاق المستقبل في أفغانستان.. سواء بالنسبة لقوى الاحتلال الغربي، أو بالنسبة للحكومة الأفغانية التابعة للغرب، أو بالنسبة لحركة طالبان وحلفائها؟

هذا السؤال تم طرحه مرارًا كلما ورد ذكر أفغانستان، لكنه ازداد إلحاحًا مع تطبيق سياسات أوباما الجديدة هناك، وكذلك مع إجراء الانتخابات الأفغانية هذه الأيام، والتي صاحبها تصاعد النشاط العسكري لطالبان وحلفائها.

هناك العديد من التفاعلات التي حدثت في الفترة الأخيرة تثير العديد من الأفكار حول مستقبل كل القوى الموجودة الآن على أرض أفغانستان.

فمن جهة وجَّه تقرير بمجلس العموم البريطاني مؤخرًا نقدًا لاذعًا لاستراتيجية القوات البريطانية في أفغانستان, وبغضِّ النظر عن التفاصيل فيمكننا القول بأن التقرير ركَّز على نقد تحوُّل أهداف القوات البريطانية من معاونة الولايات المتحدة الأمريكية في تحقيق هدف مكافحة الإرهاب والقضاء عليه إلى السعي لتحقيق ثلاثة أهداف أمريكية أخرى هي: مكافحة ما أسماه التقرير بالتمرد المسلح، ومكافحة المخدرات، وحماية حقوق الإنسان وبناء الدولة.

ورأى التقرير أن "النجاح في هذا النطاق يتطلب عددًا من العوامل يفوق إمكانيات المملكة المتحدة منفردة".

ومن جهة أخرى، صرح القائد القادم للجيش البريطاني، الجنرال ديفيد ريتشاردز، بأن مهمة بريطانيا في أفغانستان يمكن أن تمتد لمدة 40 عامًا. وأضاف الجنرال ريتشاردز في مقابلة مع صحيفة التايمز البريطانية نشرت مؤخرًا، أن مشاركة القوات البريطانية، التي يبلغ قوامها حاليًا تسعة آلاف، يجب أن تكون متوسطة المدى. ولكنه قال: إن دور الجيش سوف يتطور. وأكد الجنرال ريتشاردز، الذي سوف يصبح رئيس هيئة الأركان العامة في الثامن والعشرين من الشهر الحالي، أنه ليست هناك فرصة لانسحاب قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو). وأضاف: "إنني أعتقد أن بريطانيا سوف تظل متمسكة بالتزامها تجاه أفغانستان بشكل ما، في صورة دعم التنمية والحكم وإصلاح قطاع الأمن على مدى الثلاثين إلى الأربعين عامًا المقبلة". وقال الجنرال ريتشاردز: "إننا في حاجة الآن للتركيز على تطوير الجيش الوطني الأفغاني والشرطة الوطنية الأفغانية. ومثلما حدث في العراق، فإننا سوف ننسحب عسكريًّا، ولكن هناك حاجة لأن يعلم الشعب الأفغاني وأعداؤنا أن هذا لا يعني تخلينا عن المنطقة".

وهذا التصريح الأخير يُظهر بوضوح طبيعة الوجود الغربي وأهدافه في أفغانستان، فالوجود الأمريكي والأوروبي في أفغانستان لا يهدف فقط للقضاء على القوة العسكرية لحركة طالبان أو القاعدة؛ بل يهدف إلى تغيير المجتمع والدولة في أفغانستان كي يصير المجتمع متغربًا والدولة موالية للغرب وحلف الناتو بعامة والولايات المتحدة بشكل خاص, فأغلب أقطار العالم الإسلامي وقعت منذ مدة في براثن التغريب وسيطرة حكومات صديقة للغرب بشكل أو بآخر، بحيث صارت جميع قوى النخبة السياسية في كل هذه الأقطار لا تجرؤ على الخروج على ثوابت الفكر والسياسة الغربية بأي شكل من الأشكال, والهدف الأمريكي والغربي في أفغانستان هو إدخالها ضمن هذا النمط من الأقطار الموالية للحضارة والسياسة الأوروبو-أمريكية.

ومن هنا فإن المشكلة في أفغانستان من وجهة النظر الغربية ليست ما يسمونه بالإرهاب، لكن المشكلة هي تحقيق تغريب المجتمع الأفغاني أو على الأقل تغريب نخبة سياسية وفكرية وتمكينها من حكم البلاد وإنشاء أجهزة أمنية (جيش وشرطة واستخبارات) موالية لهذه النخبة المتغربة وقادرة على تثبيتها في الحكم وحمايتها من خطر السقوط تحت ضغط أي معارضة ذات توجه إسلامي أو معادٍ للغرب.

قوات الناتو في أفغانستان، وعلى رأسها القوات الأمريكية، فشلت في تحقيق هذا الهدف حتى الآن، رغم مرور نحو ثماني سنوات على غزوها للبلاد والانسحاب التكتيكي لحركة طالبان.

وهناك سببان وراء فشل جهود الولايات المتحدة والناتو في تغيير المعادلة السياسية والمجتمعية في أفغانستان.

السبب الأول، هو كون المجتمع الأفغاني نفسه مستمسكًا بطبيعته الإسلامية والقبلية على حد سواء، ورافضًا الوجود الأجنبي وكل الأفكار التي تأتي عبر هذا الاحتلال الأجنبي المخالف في أفكاره لعقيدة الإسلام وأحكامه.

أما السبب الثاني، فهو إحراز حركة طالبان نجاحًا في مُصارعة الإرادة الغربية، أوشك أن يتكلل بالنصر النهائي, حتى وصل الأمر إلى تصعيد طالبان هجماتها في الآونة الأخيرة بالتزامن مع الانتخابات الأفغانية، وتمكنت من مهاجمة العاصمة الأفغانية كابول في العمق, وطالت هجمات طالبان مقر قوات الاحتلال الأجنبية في أفغانستان، إضافةً إلى القصر الرئاسي، فضلاً عن مقارِّ الشرطة والاشتباكات مع قواتها داخل كابول.

ولهذا النجاح الطالباني أسباب جديرة بالملاحظة والتسجيل.

فحركة طالبان حركة في الأصل لها قاعدتها الشعبية القوية والواسعة، ورغم كل التشويه الذي تردده الأبواق الغربية والأبواق العربية الموالية للغرب، فالحركة محبوبة، أو على الأقل مقبولة، لدى أغلبية الشعب الأفغاني بكافة أعراقه وقبائله، ورغم أن أغلبية قادة الحركة جاءوا من قبائل البشتون التي تمثِّل الأغلبية في أفغانستان إلا أن حركة طالبان دأبت في الفترات الأخيرة على القيام بعمليات عسكرية قوية في كل أنحاء شمال أفغانستان التي تمثِّل الأعراقُ غير البشتونية عصبَها الرئيس، مثل عمليات إقليم كندز وغيره، مما يشير بجلاء لاتساع شعبية حركة طالبان والرغبة في عودتها للحكم حتى بين الأعراق والقبائل غير البشتونية.

صنعت القاعدة الشعبية القوية والواسعة أحد أهم إنجازات حركة طالبان التي حققتها، ليس اليوم أو أمس فقط؛ بل منذ بداية سعي الحركة للاستيلاء على الحكم في منتصف التسعينات، وحافظت عليه منذئذ، بل وعززته.

كما اتسم السلوك السياسي لحركة طالبان بالصلابة السياسية (والصلابة شيء غير الجمود)، وتجلَّت هذه الصلابة في العديد من المواقف، مثل موقفها في رفض تأييد الاحتلال والاستسلام له، ثم رفضها أن يقوم فريق منها بالتفاوض مع الاحتلال تحت مسمى الاعتدال, وكذلك رفضها المشاركة في الحكم تحت سيادة الاحتلال بأي صورة من الصور.

وفي نفس الوقت الذي اتسم السلوك السياسي لطالبان بالصلابة السياسية والاستراتيجية فقد اتسمت حركتها بالمرونة الأسلوبية أو التكتيكية؛ فهي رحَّبت بالتحالف مع عدد من القوى التي كانت بينها وبينها صراع قبل الاحتلال، وعلى رأس هذه القوى جماعة القائد حكمت يار، أحد أبرز زعماء المجاهدين السابقين والزعيم البشتوني البارز, كما تجلت المرونة التكتيكية في تخلي طالبان عن أسلوب الدولة في القتال أو في السيطرة على الأرض في بداية مقاومة الاحتلال ثم عودتها لأسلوب الدولة في الأرض المحررة مع استمرار استخدامها أسلوب حركة المقاومة والتحرير في الأراضي غير المحرَّرة.

ومن أبرز صفات حركة طالبان التي ساعدتها في تحقيق إنجازاتها في مقاومة الاحتلال التصميم على تحقيق الهدف، والعزيمة القوية في الأداء دون خوف أو تردد، وقد تجلى ذلك على مستوى القادة والجنود على حد سواء، فالقيادة مطاردة ومع ذلك لا تخاف ولا تتردد ولا تغفو عن اتخاذ القرارات الصعبة على المستويات التكتيكية أو الاستراتيجية على حد سواء, أما الجنود فينفذون بشجاعة وتضحية وتفانٍ، حتى لو كان هذا التنفيذ ضد أشرس وأكبر آلة حرب شهدها العالم المعاصر، رغم أنهم يعرفون أن ثمن ذلك هو التضحية بدمائهم وأرواحهم.

ونتيجةً لشعور قادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أفغانستان بقرب الهزيمة فإنهم طالبوا الرئيس الأمريكي باراك أوباما بإرسال المزيد من القوات لمواجهة هجمات حركة طالبان أفغانستان المتصاعدة.

وقد أبلغ قادة الناتو بأفغانستان المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي ريتشارد هولبروك أنهم يحتاجون إلى المزيد من القوات والموارد من أجل هزيمة طالبان، خاصةً في شرق أفغانستان بالقرب من الحدود الباكستانية.

هذا على صعيد القادة العسكريين لقوات الناتو، أما على صعيد القادة السياسيين فنلاحظ بوادر شقاق، ومن ثم انهزام أو ما يسمونه انسحابًا؛ إذ وجَّه أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي، زاروا كابول، رسالة شديدة اللهجة إلى الرئيس الأفغاني، حامد كرزاي، وأعضاء حكومته، وقالوا له: "إن صبر الولايات المتحدة ينفَد".

وقال السيناتور الديمقراطي، روبرت كيسي: "نقلْتُ للرئيس كرزاي أن وقتًا سيحين ينفد فيه صبر الأمريكيين".

ويؤكد المراقبون أن تدهور الحالة الأمنية في أفغانستان يخلق ضغوطًا على إدارة الرئيس أوباما كي تنظر في إرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان، ويشيرون إلى أن هذه الخطوة قد لا يقبلها الكونجرس والرأي العام الأمريكي.

لاسيما أن استطلاعًا للرأي أجرته، مؤخرًا، صحيفة "واشنطن بوست" ومحطة "أيه بي سي نيوز" أظهر أن معظم الأمريكيين يعتقدون أن الحرب في أفغانستان لا تستحق القتال فيها، فيما يعتقد ربع الأمريكيين فقط أن الولايات المتحدة يجب أن ترسل المزيد من القوات إلى أفغانستان.

وأيضًا فقد أكد وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، المرشح للفوز بمنصب المستشارية في انتخابات الشهر المقبل، أنه يرى ضرورة وضع جدول زمني للانسحاب العسكري من أفغانستان.

وقال شتاينماير: "بمجرد أن يتضح مَن الذي سيقود أفغانستان بعد انتخابات الخميس الماضي التي أُجريت هناك يتعين أن تبدأ المحادثات حول الفترة التي يجب أن تقضيها القوات الأجنبية في البلاد".

وأضاف وزير الخارجية الألماني على هامش جمع انتخابي في دورتموند: "علينا أن نتفق مع الرئيس الأفغاني الجديد، فإلى متى يتعين أن تظل القوات الدولية في أفغانستان؟".

ومن هذا كله يظهر لنا أن الناتو سيضطر للانسحاب من أفغانستان، وحينئذ سيتشبث بمَدِّ حلفائه من الأفغان بالسلاح، لكنهم سرعان ما سيسقطون تحت ضربات طالبان الساحقة وفي قبضتها القوية، إذ لا يُعقل أن يهرب الناتو ويصمد عملاؤه من الأفغان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتبت هذا الموضوع لموقع الاسلام اليوم و نشر به في 31 أغسطس 2009 .