الحج و السياسة.. ما هو جوهر الخلافات الايرانية السعودية كل عام؟

بقلم عبد المنعم منيب | 26 نوفمبر, 2009
الايرانيون الشيعة في الحج صورة أرشيفية
الايرانيون الشيعة في الحج صورة أرشيفية

 

تجددت الخلافات في الفترة الأخيرة بين ايران و المملكة السعودية حول بعض الممارسات الشيعية في الحج و التي ترى فيها السعودية لونا من العمل السياسي الذي تحرص على ابعاد شعائر الحج عنه, و تجرنا هذه الاحداث إلى قضية هامة هي علاقة الحج بالسياسة منذ فجر الاسلام حتى الآن.

فمنذ جهر النبي صلى الله عليه و آله و سلم بالدعوة و هو يستخدم موسم الحج من أجل الدعوة للاسلام بين قبائل الجزيرة العربية الذين كانت تجتمع وفودهم في مكة للحج كل عام رغم وثنيتهم حيث كان للوثنيين طقوسا تقترن بالحج, و ظل النبي الكريم صلى الله عليه و آله و سلم على هذا الحال عشر سنوات متواصلة بمكة حتى تمخضت هذه الجهود عن دخول عدد من وجوه أهل يثرب في الاسلام و تمت بيعتا العقبة الأولي و الثانية أخر موسمي الحج من سنوات النبي صلى الله عليه و آله و سلم العشر التي استغرقت مرحلة الجهر بالدعوة الاسلامية في مكة, و بعدها هاجر النبي صلى الله عليه و آله و سلم للمدينة المنورة (يثرب) و انطلقت الدعوة الاسلامية في طورها الجديد إلى أن تم فتح مكة و حج المسلمون مرة أخرى للكعبة الشريفة و كانت أول حجة بامارة أبي بكر الصديق رضى الله عنه و قد تضمنت جانبا سياسيا أيضا حيث روى البخاري في صحيحه أن أبا هريرة قال: بعثني أبوبكر في تلك الحجة "أي التي كان أمير الحج فيها أبوبكر، وذلك في السنة التاسعة للهجرة" في مؤذنين "يوم النحر" نؤذن بمنى (أى نعلن): ألا لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. ثم أرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم علياً فأمره أن يؤذن بـ"براءة" (أي يقرأعلى الناس سورة التوبة و قد نزلت لتوها و التي فيها براءة من المشركين و ألغاء العهود مع الوثنيين و عدم القبول منه بسوى الاسلام) . فأذن معنا "علي بن أبي طالب" في أهل منى يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان. وزاد الترمذي: "ولا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم هذا، ومن كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد فعهده إلى مدته ومن لا مدة له فأربعة أشهر".

ثم تلتها حجة الوداع حيث خطب النبي صلى الله عليه و آله و سلم في يوم الحج الأكبر، وقد اجتمع حوله مئة ألف وأربعة وأربعون ألفاً من الناس، فقام فيهم خطيباً، وألقى خطبة جامعة، تضمنت أول إعلان عام لحقوق الإنسان عرفته البشرية، أعلن فيه المساواة بين البشر ووجوب اقامة العدل وحرمة الدماء والأموال وشدد على أهمية مراعاة حقوق النساء، ووضع دماء الجاهلية وأموالها الربوية، جاء في صحيح البخاري عن عبدالرحمن بن أبي بكرة عن أبيه في حديث طويل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. ليبلغ الشاهد الغائب، فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه".

و منذ ذلك الحين و للحج و للكعبة الشريفة ارتباط بشكل مباشر أو غير مباشر بالسياسة ففضلا عن خطبة عرفة و ما قد يقترن بها من خطاب يهتم بالشئون العامة للعالم الاسلامي و من ثم السياسة فإننا نجد أن العديد من الصراعات السياسية الكثيرة التي حدثت في العالم الاسلامي وقعت في أكثر الأحيان على خط التماس مع الحج و الحرم المكي, فعندما ثار عبدالله بن الزبير رضى الله عنه على الأمويين اعتصم بمكة و منها انطلقت ثورته و عندما أعاد الأمويون سيطرتهم على الدولة الاسلامية بعد عشر سنوات من حكم ابن الزبير اقتحموا مكة و ضربوا الكعبة بالمنجنيق كي يتمكنوا من السيطرة عليها و انهاء حكم ابن الزبير, و عندما سيطر الفاطميون على شمال أفريقيا و الشام سعوا لتكريس مكانتهم المعنوية لدي المسلمين و العالم بالسيطرة على مكة و المدينة و تولي شئون الحج و نفس الشئ عمله بعدهم الأيوبيون و المماليك و العثمانيون و عندما انقلب "الشريف حسين" علي العثمانيين و سعى لاقامة خلافة اسلامية يتزعمها هو استقل بمكة عن العثمانيين و حاربهم انطلاقا منها, و نفس الشئ فعله الملك عبد العزيز أل سعود عندما نافس الأشراف و دخل في صراع معهم و أراد أن يوحد الجزيرة العربية تحت حكمه قام باحكام السيطرة على الحرمين و طرد الأشراف من الحكم, و ظل الحج و الحرمين الشريفين في مكة و المدينة المنورة رموزا تدعم دور المملكة العربية السعودية ليس في العالمين العربي و الاسلامي فقط بل أيضا في العالم بأسره.

إذن فما المشكلة في استخدام الحج في نشاط سياسي ما من قبل شيعة أو غيرهم؟

المشكلة لها أساس فقهي أيضا و ليست سياسية بحته فالحج عند أهل السنة لابد أن يلتزم بالآية الكريمة {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ } البقرة 197.

و بالتالي فوقت الحج و شعائره لا يسمح فيهما بما يقتضيه العمل السياسي من جدال و خلاف, أما الشيعة فلديهم في طقوسهم مسألة إعلان البراءة من المشركين ربما تأسيا باعلان الامام على بن أبي طالب لسورة التوبة كما قلنا سابقا في موسم الحج بمنى في سنة 9 هـ , طبعا مقترنا باجتهاد جديد من قبل المرشد السابق للثورة الايرانية الامام الخميني و تبعه عليه المرشد الحالي على خامنيئ من أن مشركي العصر هم اليهود و الأمريكان, السنة يتحفظون على هذا الاجتهاد من ناحيتين الأول أن اعلان الامام علي بن أبي طالب رضي الله عنه لسورة التوبة (براءة) سببه أن السورة كانت نزلت لتوها من السماء و احتاج النبي صلى الله عليه وآله وسلم لاعلانها لما فيها من اعلان قوانين جديدة ستحكم العلاقة مع الوثنيين الذين في الجزيرة العربية و الذين كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد سمح لهم حتى ذلك الحين بالحج لمكة و الطواف بالكعبة مع المسلمين فلزم اعلانهم في الحج بالأحكام و القوانين التي أرستها سورة التوبة (براءة), و بالتالي فحيث زال هذا السبب فلا داعي لاعلانها مرة أخرى بدليل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعلن هذه البراءة مرة أخرى في حجة الوداع, أما التحفظ الثاني لأهل السنة على هذه البراءة فهو أن اليهود و الأمريكان لا يحجون لمكة حتى نعلنهم بتحريم حجهم لها كما أن أحكام ذلك الواردة في سورة التوبة خاصة بالوثنيين و ليس أهل الكتاب.

من هذا المنطلق فإنه من الجائز مثلا استغلال اجتماع المسلمين في الحج لاعلان خطاب سياسي معين أو التباحث بين المسلمين في شئون سياسية تهم الأمة عبر مؤتمرات و ندوات تعقد بهذا الغرض بعد انتهاء شعائر الحج مع مراعاة حرمة و قداسة الأماكن المقدسة, لكن ذلك لا يحدث إلا في أطر رسمية تنظمها المملكة السعودية من حين لأخر و بقدر و شكل لا يشبع الطموح الايراني.

الخلاف السعودي الايراني حول هذه النقاط و غيرها في الحج بدأ منذ وصول الامام الخميني للحكم في أعقاب الثورة الايرانية عام 1979 ووصل ذروته عام 1987 عندما قتل العديد من الحجاج أكثرهم ايرانيين في أحداث شغب أعقبت مظاهرات للحجاج الايرانيين في الحج ضد الولايات المتحدة, و قد قاطعت ايران الحج وقتها لمدة ثلاث سنوات متواصلة.

الخلاف الحالي اعتبره الطرفان سياسي بامتياز, ايران تعتبر السعودية تعوق الشيعة عن تحقيق رغباتهم المشروعة في اعلان البراءة من أمريكا و اسرائيل و تسئ معاملة الحجاج الشيعة, بينما السعودية تعتبر ذلك يتنافي مع أداب الحج و سيفتح باب فتنة بين المسلمين لأنه سيفتح باب الخلافات لو أصبح الحج منبرا لتعبر كل دولة عن خلافاتها و مواقفها السياسية تجاه الآخرين, كما اعتبر السعوديون أن ايران تريد أن تشغل شعبها و تصدر مشاكلها للخارج بسبب حرج موقفها الدولي بشأن ملفها النووي و غيره و حرج موقفها الداخلي بسبب النزاع حول انتخابات الرئاسة الأخيرة.

العديد من علماء الدين دخلو على الخط و أعلنوا مواقفهم من المشكلة, فقال الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر السابق، و عضو مجمع البحوث الإسلامية: «إن الحج من أعظم شعائر الإسلام، وأحد أركانه الخمسة، وبالتالي فإن اتخاذ هذه الفريضة لأغراض سياسية أو لتحقيق مآرب لا علاقة لها بمقاصد الحج الشرعية، أو أي أمور أخرى تخرج هذه العبادة عن مقاصدها، حرام شرعا».

ودعا الشيخ عاشور، حجاج بيت الله الحرام التأدب بآداب الحج. مؤكدا أن الحج عبادة محضة، ولا يمكن أن يعتبر مناسبة سياسية أبدا، أو أن يستغل لإثارة الفتن. وتابع قائلا: «إنكم أيها الحجاج ذهبتم إلى الحج لكي تتطهروا من الذنوب ومن بلايا السياسة، وخطاياها، وفتنها، وبالتالي عليكم أن تستثمروا هذه المناسبة في ما ينفع الأمة ويجمع كلمتها على الخير ويوحد صفوفها، ولستم ذاهبين إلى الحج لتدعوا إلى تفريق الأمة».

و أكد الدكتور أحمد السايح، الأستاذ بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، على ضرورة فهم مقاصد العبادات في الإسلام وبخاصة الحج. لأن المسلم يتحمل فيه المشاق، وبالتالي لا يحتاج أداء هذه الفريضة سوى ترديد الكلمات التي يقولها لأداء المناسك فقط. أما الشعارات السياسية تصير كلام الحاج دعاية طائفية وتخرجه عن المنهج الإسلامي، وهو ما يجعله مرفوضا شرعا.

وقال السايح: «إن استغلال تجمع الحجيج في الأراضي المقدسة للدعاية السياسية أمر لا صلة له بالإسلام. وعلى المسلم أن يلتزم بأداء الفريضة بأدب، حتى يكون نسكه مقبولا عند الله».

أما الدكتور محمد عبد المنعم البري، الأمين العام السابق لجبهة علماء الأزهر، الأستاذ بجامعة الأزهر، فقد رأى أنه لا يصح مطلقا رفع أي شعارات سياسية أو طائفية أثناء وجود الحجاج في الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج. وأكد البري أن من يسعى إلى ذلك فإنه يسعى إلى إحداث فتنة في المجتمع الإسلامي. وقال البري: «إنه من حق سلطات الأمن السعودية التصدي لأي محاولات من شأنها أن تعكر صفو الحج، والحفاظ على أمن الحرمين الشريفين».

وأكد البري أن أي إساءة تقع في أرض الحرمين هي إساءة للإسلام وللمسلمين كافة، وأن استغلال موسم الحج لتحقيق أي مآرب سياسية فتنة كبرى تمزق شمل الأمة.

فيما صرح الدكتور عبد المعطي بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية "أن الحج هو موسم لتجمع المسلمين من كل بقاع الأرض دون تفرقة بينهم" وفي تلميح بالرد على كلام الزعيم خامنيئ من أن الشيعة يعاملون معاملة سيئة في الحج قال بيومي: "لم نعرف أو نسمع أن مسلما أيا كانت جنسيته تعرض لأى مضايقات أو مشكلات فى الأراضى المقدسة وبالتالي فإن أي محاولة لبث هذه الفرقة لا تتفق ومقاصد الشريعة الإسلامية التي تحث علي الاتحاد وتنبذ التفرق مشيراً إلى أن أصحاب تلك المحاولات يريدون إثارة الفتنة في العالم الإسلامي وتحويل موسم العبادة الى ساحة معركة سياسية الدين بريء منها.

وفي المقابل، شن آية الله لطف الله صافي الكلبايكاني، أحد مراجع الدين في إيران، هجوماً عنيفاً على الحركة الوهابية، وقال إن الوهابية "بيّضت وجه الصهاينة بارتكابها عمليات القتل الوحشية"، في معرض إدانته للتفجيرات الأخيرة التي شهدتها العاصمة العراقية بغداد.

وأضاف الكلبايكاني أنه "لا فرق في الاسم الذي يطلق على هذه الفرقة، سواء أكان القاعدة أو طالبان أو أي شيء آخر"، ووصف المرجع الشيعي الوهابيين بأنهم "فرقة ضالة"، وقال إن من بين "جرائمهم" القيام بـما أسماه "تدمير الأماكن المقدسة في مكة والمدينة المنورة"

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشر هذا الموضوع في جريدة الدستور المصرية (العدد الاسبوعي).