من يحاصر قطاع غزة و من يكسر الحصار؟

بقلم عبد المنعم منيب | 17 يوليو, 2010
الدمار في قطاع غزة صورة أرشيفية
الدمار في قطاع غزة صورة أرشيفية

رددت بعض وسائل الاعلام مؤخرا أن عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية سوف يزور غزة قريبا, و لو صحت هذه الأخبار ستكون هذه هي الزيارة الثانية له في غضون أسبوعين.

و الأمين العام للجامعة العربية كان قد زار غزة في منتصف يونيو 2010 و دعا لكسر الحصار عن غزة, و السؤال الذي يطرح نفسه بالحاح هو : من يحاصر غزة حتى نقوم بكسر ذلك الحصار؟

معلوم أن اسرائيل لها حدود مع غزة من جهتين بريتين فقط هما الشمال و الشرق أما الغرب فبحر و مياه دولية وأما الجنوب فحدود الشقيقة مصر التي تتربع على معبر رفح الشهير, فلمن يوجه السيد عمرو موسى ندائه لكسر الحصار لاسرائيل أم لمصر؟

حدود غزة البحرية محاصرة من قبل القوات البحرية الاسرائيلية, و ليس لدى العرب و لا غيرهم ارادة سياسية لمواجهة عسكرية بحرية مع اسرائيل لكسر حصارها لشاطئ غزة على البحر المتوسط, و كلنا رأينا ما حدث مع محاولة الاختراق السلمي لهذا الحصار الاسرائيلي في موقعة أسطول الحرية.

أما حدود غزة البرية مع اسرائيل فلا أمل في فتحها عبر نداء السيد عمرو موسى فلمن يوجه موسى ندائه إذن؟

لم يبق سوى مصر التي تزعم زورا منذ 15 يوما أن معبر رفح مفتوح لأجل غير مسمى, فهل وجه موسى ندائه لمصر؟

لفهم ألاعيب السياسة العربية عامة و المصرية خاصة الكامنة وراء زيارة الأمين العام للجامعة العربية لقطاع غزة المحاصر منذ ثلاث سنوات لا بد من الرجوع بالذاكرة قليلا للخلف.

حيث سنلاحظ أن زيارة موسى جاءت متأخرة جدا إذ سبقته سلسلة طويلة من الزيارات لمسؤولين غربيين ودوليين سلطت الضوء على حصار غزة

- قام الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بزيارة غزة في 20 يناير 2009

- وأتبع بان كي مون هذه الزيارة بأخرى في 21مارس من العام الحالي.

- وفي أوائل فبراير 2009 زار قطاع غزة وفد من مجلس الشيوخ الأميركي برئاسة السيناتور جون كيري.

- وفي 28 فبراير 2009 قام المنسق الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا يرافقه وزير خارجية النرويج يوناس غار شتور بزيارة قطاع غزة.

- و في أواخر أبريل 2009 اجتمع وفد برلماني إسكتلندي مع نواب من كتلة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) البرلمانية في زيارة للقطاع.

- وفي منتصف يونيو 2009، زار الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر غزة والتقى رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية.

- وفي منتصف يناير 2010، وصل قطاع غزة وفد من البرلمان الأوروبي ضم 56 نائبا ووزيرا يمثلون 12 دولة.

- وفي فبراير 2010، وصل وزير الخارجية الأيرلندي مايكل مارتن إلى قطاع غزة على رأس وفد مكون من عشرة أشخاص.

- وفي 18 مارس 2010 قامت مسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية كاثرين أشتون بزيارة قطاع غزة بعد أن تراجعت إسرائيل عن منعها من هذه الزيارة عن طريق المعابر الإسرائيلية.

- وفي مطلع مايوالماضي وصل وفد حكومي من جنوب أفريقيا يرأسه إبراهيم إبراهيم نائب وزير خارجية جنوب أفريقيا إلى غزة و شملت الزيارة لقاء مع إسماعيل هنية.

و زيارة عمرو موسى هذه لم تأت في سياق تداعيات أسطول الحرية فقط بل إنها تاتي في سياق احساس العرب برسوخ قدم حماس في غزة بقدر لا يمكن اقتلاعها معه إذ سبق و زار وفد برلماني عربي يضم 47 برلمانياً قطاع غزة في يونيو أيضا, و من هنا يأتي التساؤل عن دلالات تحرك العرب "الرسميين" بعد ثلاث سنوات من حصار غزة؟ بالقطع هو ليس مجرد تقليد لخواجات و عرب و أتراك أسطول الحرية.

في واقع الأمر هناك عدة امور تدفع لتغيير موقف العالم الغربي (أوروبا و الولايات المتحدة) من حصار قطاع غزة

الأمر الأول- الزخم الواسع الذي طال تحركات العديد من قوى المجتمع المدني في أوروبا و العديد من دول العالم المساندة للحق الفلسطيني و خاصة حق قطاع غزة في الحياة, الأمر الذي دفع تحركات هذه القوى لدفع الأمور بالشكل الذي فضح القمع الغاشم الصهيوني كما حدث في كارثة أسطول الحرية مما كشف الوجه القبيح لاسرائيل الأمر الذي سبب احراجا لمناصريها في الغرب و خاصة الولايات المتحدة.

الأمر الثاني- ترسيخ حماس لوجودها القوي سياسيا و اجتماعيا بعدما كانت رسخت وجودها أمنيا و عسكريا عبر نجاحها في منع اسرائيل من اقتحام غزة في يناير 2009, و من هنا علم العالم اجمع بما في ذلك اسرائيل أنه لا مناص من التعامل مع حماس كأحد مفرادات الأمر الواقع على الأرض.

الأمر الثالث- اتجاه أوباما في استراتيجيته الجديدة الى عزل متطرفي القاعدة عن بقية المسلمين بما فيهم الاسلاميين الأمر الذي يحتم ابعاد حماس عن الانجذاب لمعسكر القاعدة الذي بدأ يتحرك على استحياء داخل قطاع غزة, و رغم أن حماس تسوق خطابا معتدلا يتجافى مع خطاب القاعدة إلا أن محاولات الاستمرار بعزل حماس قد تضعها في الزاوية الأمر الذي يحمل معه مخاطر دفعها لتغيير اتجاهها و لو بالتدريج.

الأمر الرابع- السعي لاحتواء ايران يلزم معه تفكيك محور تحالفاتها الاقليمية و لو بتحييد بعض الحلفاء و إذا كانت حماس اضعف حلفاء ايران في المنطقة فهي ليست أقلهم خطورة خاصة ازاء اسرائيل.

و من هنا نفهم أبعاد زيارة موسى لغزة , و لذلك نجد صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية تقول قبل زيارة عمرو موسى بيوم واحد "إن محمود عباس أبلغ الرئيس الأمريكي أوباما أنه يعارض رفع الحصار البحري عن غزة لأن ذلك "يقوي حماس"

و أنه "يوافق على فتح المعابر الحدودية في قطاع غزة وتخفيف الحصار ولكن بالطرق التي لا تؤدي إلى تقوية حماس".

وقالت الصحيفة أن " عباس شدد على رفع الحصار بالتدريج وبحرص شديد بحيث لا يظهر وكأنه نصر لحركة حماس", و لم تنس الصحيفة العبرية بالطبع أن تقول أن مصر تؤيد موقف عباس بالكامل.

و لذلك كله نجد أن اسرائيل بدأت تتحرك تحت مسمى تخفيف الحصار عن قطاع غزة, و يركزون في ذلك على الجانب البري بينما ستستمر الحدود البحرية لغزة محاصرة لضمان السيطرة عل نوعية السلع التي ستسمح اسرائيل بدخولها للقطاع, و من المنتظر أن تسعى اسرائيل لتعزيز الحصار البحرى على غزة بقوات أوروبية تحت راية قوات دولية بذريعة الخطر الارهابي الناتج عن امكانية تهريب سلاح لما يسمى بالارهابيين الفلسطينيين في قطاع غزة عبر البحر, و تهدف اجراءات السماح بمزيد من السلع الغذائسة لغزة مع تدويل الحصار البحري إلى تبييض وجه اسرائيل الدولي بعدما أساءت له وقائع تصديها لأساطيل الحرية, أما الرسميون العرب فبسبب معرفتهم بهذا السيناريو الاسرائيلي فإنهم باتوا يهاجمون الحصار و يزعمون سعيهم لفكه بهدف تبييض وجوههم لدى شعوبهم و هم آمنون أن هذا لن يغضب اسرائيل و لا أتباعها في الولايات المتحدة و أوروبا بسبب سياسة اسرائيل الجديدة تجاه هذا الأمر, و في نفس الاطار يمكننا فهم التصريحات الأوروبية و تصريحات البيت الأبيض و تصريحات المبعوث الأمريكي ميتشل بشأن عدم قبول حصار غزة, في اطار تمثيلي عجيب و كأن حصار غزة لم يبدأ قبل ثلاث سنوات و إنما بدأ قبل يوم فقط, أم ترى هل كان القوم نائمون طوال ثلاث سنوات و لم يستيقظوا إلا الآن فقط.